رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

ialsada63@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

1119

المهندس إبراهيم بن هاشم السادة

لماذا يفشل الزواج قبل أن يبدأ؟

04 يونيو 2025 , 02:00ص

من المفارقات التي تستوجب التوقف عندها والتأمل العميق، أن الزواج – ذلك الرباط المقدّس – يبدو اليوم وكأنه دخل غرفة اختبار لا تهدأ فيها الأسئلة، رغم أننا نعيش في زمن رخاء اقتصادي، تطورت فيه مناهج التعليم، وازدهرت فيه الحريات، وتوسعت مساحات التعبير، وتم تمكين الشباب من الجنسين، وصيغت فيه التشريعات الكفيلة بحفظ حقوق الإنسان والمرأة والطفل، بل وأُنشئت المؤسسات المعنية بشؤون الأسرة وأفراد المجتمع، ومع كل ذلك بات ذلك المشروع وكأنه تجربة هشّة لا تصمد أمام أول صدمة، فهل ما زال الزواج مشروع حياة؟ أم تحول إلى مغامرة عاطفية مؤقتة؟

 هل نرغب به حقًا أم نخشاه؟ أم أننا ببساطة فقدنا المعنى الحقيقي للشراكة؟

ولعل ما دفعني للعودة إلى هذا الموضوع هو التفاعل الكبير الذي تلقيته بعد مقالي السابق «هل تغير الناس أم تغير المشهد؟» حيث تواصل معي العديد من القرّاء، يروون تجاربهم الشخصية، أو تجارب من حولهم، حول ما يواجهه الأزواج الجدد من صدمات نفسية، وتحديات يومية، وخيبات توقع لم تكن في الحسبان، 

جاءت التعليقات محمّلة بأسى مكتوم وأسئلة مؤرقة، وتقاطعت أغلبها عند نقطة مفصلية: أن المشكلة ليست في الزواج نفسه، بل قد تكون في الاستعداد له، أو في المفاهيم المغلوطة التي يحملها البعض عنه، هذه القصص وغيرها أكدت لي أن ما نراه من ارتفاع في نسب الطلاق ليس حالة فردية أو طارئة، بل عرضٌ لمشكلة أعمق تستحق أن تُطرح مجددًا، وأن تُناقش بعمق ومسؤولية.

تُظهر الإحصاءات الرسمية في إحدى دول الخليج أن 42% من حالات الطلاق تقع خلال السنة الأولى من الزواج، وترتفع النسبة إلى 58% خلال السنوات الأربع الأولى، ما يعكس هشاشة البدايات وصعوبة التأقلم في المرحلة الأولى من الحياة الزوجية، وتشير دراسة أخرى خليجية إلى أن أكثر من 80% من حالات الطلاق تتم خلال العام الأول، ما يعزز فرضية أن المشكلة بنيوية وتشمل المجتمع الخليجي عمومًا، كما خلصت إحدى الدراسات المتخصصة في شؤون الأسرة إلى أن ما يقارب ثلثي حالات الانفصال تتم قبل أن تُكمل العلاقة الزوجية عامها الأول، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى جاهزية الشباب لهذه الشراكة، وفعالية الخطوبة كمحطة للتحقق من التوافق الحقيقي.

ومما يسترعي الانتباه أيضًا، أن نسبة لا يُستهان بها من حالات الانفصال تحدث حتى قبل بدء الحياة الزوجية فعليًا، أي خلال فترة الخطوبة أو بعد عقد القران وقبل الدخول، وتشير بعض التقديرات الأسرية والاجتماعية في المنطقة إلى أن ما بين 15% إلى 20% من حالات الانفصال تقع في هذه المرحلة المبكرة، حيث تتكشف خلافات جوهرية، أو يتراجع أحد الطرفين بعد أن يصطدم الواقع بتوقعات مثالية لم تصمد أمام التجربة.

الخطوبة التي يُفترض أن تكون جسرًا للفهم وبناء الثقة – تحولت في كثير من الحالات إلى ساحة استعراض واختبار، كل طرف يراقب الآخر لا ليفهمه، بل ليكتشف عيوبه، فتضيع الطمأنينة، وتغيب الشفافية، ويُبنى القرار على انطباعات سطحية وهشّة لا تصمد أمام تحديات الواقع، ويُعزى ذلك إلى عوامل متعددة، منها ضعف الحوار، وضغوط العائلة، والتسرع في اتخاذ القرار، إلى جانب غياب ثقافة التأهيل النفسي والعاطفي، فضلًا عن تحول فترة الخطوبة إلى مساحة مراقبة وتقييم بدلًا من أن تكون مرحلة بناء ثقة وتفاهم، مما يؤدي أحيانًا إلى كسر العلاقة قبل أن تبدأ فعليًا، ومع ذلك ما زلنا نتعامل مع الزواج في الغالب وكأنه شأن شخصي، لا تهديدًا بنيويًا حقيقيًا لمستقبل الأسرة الخليجية.

ومن هنا أرى بأن المسؤولية لم تعد فردية، بل جماعية أو مؤسساتية، إذا صح التعبير، لقد حان الأوان لأن تتحرك الجهات المعنية، وعلى رأسها المؤسسات المعنية بالأسرة، وقطاعات التعليم، والجهات المختصة بالأحوال الشخصية، لتشكيل فريق عمل وطني متعدد التخصصات، مزوّد بأحدث البيانات والدراسات، تكون مهمته الأولى تشخيص دقيق للمشهد، وقراءته من الزوايا النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ثم تقديم توصيات عملية، وخطة وطنية شاملة لمواجهة هذه الظاهرة، قبل أن تتحول إلى أزمة يصعب احتواؤها.

الزواج ليس صفقة، ولا مخرجًا من وحدة، ولا قفصًا ذهبيًا كما يتصوره البعض، بل هو مشروع مقدس لا يُبنى إلا برغبة صادقة، ونوايا صافية، وقيم ثابتة، فما لم ننقذه اليوم، سنُضطر غدًا لبذل أضعاف الجهد لإنقاذه... إن بقي شيء يمكن إنقاذه.

اقرأ المزيد

alsharq عيد وكأس ومطر

اللحظات الجميلة في حياة الإنسان نادرة ولطيفة وسريعة، ولهذا فهي تُنقش في الذاكرة الإنسانية كونها مُتميّزة، وتُداعب الروح... اقرأ المزيد

120

| 26 ديسمبر 2025

alsharq معجم الدوحة للغة العربية وسام على صدر قطر

جميع العرب يعرفون مدى اهتمام دولة قطر منذ عقود بكل ما يعزز ثقافتها العربية الإسلامية وهي الدولة الفتية... اقرأ المزيد

93

| 26 ديسمبر 2025

alsharq سنة جديدة بقلب قديم!

لسنا بحاجة إلى سنة جديدة بقدر حاجتنا إلى سنة «مستعملة»، سنة من ذاك الزمن الجميل، حين كانت القيم... اقرأ المزيد

66

| 26 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية