رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ليبيا.. تلك الدولة الرئيسة والحساسة في المغرب العربي، تعاني من سوء الإدارة المزمن، والخلافات الداخلية، والتدخلات الأجنبية. تعتبر هذه البلاد مهمة للسلام والاستقرار والرفاهية في منطقة البحر الأبيض المتوسط والعالم العربي وأفريقيا. عاشت البلاد في ظل نظام « الحاكم الأوحد» لمعمر القذافي لمدة 40 عامًا تقريبًا، ولم يكن أداؤها جيدًا خلال العقد الماضي بعد سقوط ديكتاتوريته في عام 2011. وبينما لا تزال الاقتتالات الداخلية المستمرة، ومحاولات الانقلاب، وضعف القيادة، تهدد استقرار البلاد اليوم، حدثت الفيضانات العارمة الأخيرة التي أودت بحياة أكثر من 10 آلاف شخص في مدينة درنة على الشاطئ الليبي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في 12 سبتمبر/أيلول الماضي.
كارثة درنة مأساوية جداً وتبعث على الحزن، ولكنها أيضًا تحكي الكثير عن الوضع المروع في هذا البلد الكبير، الذي يمتلك النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى. مدينة درنة تعرضت لكارثة طبيعية، لكن معظم الدمار الذي حصل خلال تلك الكارثة كان من صنع الإنسان، بسبب سلسلة من الأخطاء التي ارتكبتها حكومة حفتر التي تحكم شرق ليبيا. كما ان حكومة الوفاق الوطني في طرابلس لا تبدو بحال أفضل أو أكثر قدرة على إصلاح أضرار تلك الكارثة. وكان أحد الأخطاء هو أن المسؤولين الليبيين لم يتابعوا توقعات الطقس ويتخذوا التدابير اللازمة. وحتى لو فشلت إدارة حفتر، كان بإمكان الحكومة المركزية في طرابلس على الأقل تحذير الناس.
اللجنة البلدية في درنة اجتمعت قبل يوم من هطول الأمطار وحدوث الاعصار، وقررت إخلاء المدينة من خلال تفويض مدير أمن درنة بتنفيذ القرار. إلا أن رئيس الأمن لم ينفذ القرار وأمر من جانبه بفرض حظر التجوال «المميت» على المواطنين بدلاً من ذلك. من المحتمل أن حكومة حفتر أعطت الأمر بإبقاء الناس في منازلهم خلال الفيضانات عن قصد، أو بطريقة عفوية، وفي كلتا الحالتين، التسبب في وفاة هذا العدد الكبير من الأشخاص (عمداً أو إهمالاً) يعتبر جريمة. وانهار السدان اللذان كان من المفترض أن يحميا المدينة من الفيضانات، بسبب عدم وجود صيانة مناسبة منذ التسعينيات، مما تسبب في أضرار جسيمة.
وفي اليوم التالي للكارثة، احتج أهالي درنة ضد إدارة حفتر، لكن المدينة المصابة أُغلقت أمام العالم الخارجي. وعزز رجال حفتر القبضة الأمنية في مواجهة المظالم الشعبية، ولم يسمحوا إلا لوسائل إعلام مختارة بالوصول إلى منطقة الكارثة. لذا فإن ما يحدث حقاً في درنة اليوم ليس واضحاً تماماً للعالم الخارجي. هنالك أنباء عن قدوم الجيش المصري للمساعدة في السيطرة على الوضع الأمني، وتوجه حفتر إلى روسيا للقاء بوتين، على الأرجح للحصول على مساعدة عسكرية أو أمنية. إن إضعاف حفتر سيجعله أكثر يأسًا من دعوة التدخل الأجنبي ويجعله أكثر استبدادًا، مما يزيد من مستوى المعارضة والكراهية بين الليبيين.
أرسلت العديد من الدول مثل قطر وتركيا والكويت مساعدات إلى درنة، لكن الدمار أكبر من أن يتم إصلاحه على المدى القصير. ولسوء الحظ، نحن (الجمهور العالمي) لا نعرف حجم الأضرار في المدينة والعدد الدقيق للوفيات والمفقودين. إدارة حفتر أوقفت منظمات المجتمع المدني عن الإبلاغ المبكر عن عدد القتلى والمفقودين. إن غياب الشفافية يحجب الصورة الحقيقية للدمار ويعوق ملاحقة المسؤولين عن ارتفاع عدد القتلى. وبدون إجراء تحقيق دولي، فإن مقتل الآلاف سوف يمر دون عقاب ودون حتى الاعتراف بحدوثه.
ما يهتم به الغرب بشأن ليبيا هو الطاقة والمهاجرين القادمين من هناك. لقد أثبت الزمن أنهم ليس لديهم مصلحة في تحسن الأوضاع في هذا البلد واستقراره، حيث أبناؤه الليبيون منقسمون بسبب المخاوف الإقليمية والقبلية والأيديولوجية. وبقية القوى العالمية الكبرى مشغولة أيضًا بالحرب في أوكرانيا ولا تهتم كثيرًا اليوم باستقرار ليبيا. لقد فشلت «الحكومات» الليبية الحالية في الشرق والغرب. وكان رئيس الوزراء الدبيبة قد اهتز بالفعل من تبعات انكشاف لقاء وزيرة خارجيته المنقوش مع وزير الخارجية الإسرائيلي، فضلاً عن الاقتتال بين ميليشيات قوات الردع ولواء 444. اجراء الانتخابات كذلك يبدو مستبعداً جداً، بسبب الخلافات حول طبيعة الترشيح وآليات تنفيذ الانتخابات. ولذلك فإن تجديد الشرعية بحكومة وفاق وطني جديدة، بوجوه جديدة، بتفويض أممي، لتحضير البلاد لانتخابات حقيقية، هو الحل الأفضل المطروح في الأفق. وسيكون التعاون الأوسع بين دول المنطقة مثل تركيا ومصر ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن ليبيا أمرًا بالغ الأهمية أيضًا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6540
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6423
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3126
| 23 أكتوبر 2025