رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. غالية بنت عيسى الزبيدي

• باحثة في اللسانيات الحديثة وتحليل الخطاب

مساحة إعلانية

مقالات

153

د. غالية بنت عيسى الزبيدي

تحولات فن الخطاب

04 ديسمبر 2025 , 07:11ص

ثم: من الترتيب اللغوي إلى التسويف الاجتماعي: 

كلمة «ثم» في اللغة العربية ليست مجرد أداة عطف عابرة، بل هي علامة دقيقة على التسلسل الزمني والمنطقي للأحداث. تُستخدم للإشارة إلى أن ما يلي الكلام الأول يحدث بعده، مع إحساس بالمسافة الزمنية أو التدرج المنطقي.

مثال: «ذهبت إلى السوق، ثم عدت إلى المنزل». هنا، «ثم» لا تنقل مجرد ترتيب الأحداث، بل ترسم الخط الزمني في ذهن القارئ، وتخلق إحساساً بالاستمرارية والتتابع المنهجي.

النحاة والبلاغيون يرون في «ثم» أداة لضبط تدفق الخطاب، فهي تمنع القارئ أو المستمع من القفز مباشرة إلى النتيجة، وتجعل الأحداث تتكشف تدريجياً بطريقة متسقة، ما يُسهم في فهم المعنى واستيعابه.

 التحوّل الاجتماعي – من ترتيب إلى تسويف:

مع مرور الزمن، تحوّل استخدام «ثم» أحياناً من وظيفة الترتيب إلى رمز للتأجيل والتسويف.

مثال: «سأبدأ بالمشروع، ثم…». هنا تصبح «ثم» أداة لتجميل المماطلة، وإخفاء البطء خلف ترتيب زمني مزيف.

في الخطاب الاجتماعي والجماعي، تتحوّل «ثم» إلى وسيلة لإيهام الآخرين بالترتيب والتنظيم، بينما الواقع يحمل التسويف والتأجيل المستمر. 

 سلبيات هذا التحوّل:

*تجميل التسويف: تُحوّل الالتزام الفعلي إلى كلام مؤجل، ما يخلق شعوراً باللامسؤولية.

*إضعاف المبادرة الفردية والجماعية: يؤجل الأفراد المشاريع المهمة، ويصبح الفعل لاحقاً غير مضمون.

*تشويه الثقة: كثرة استخدام «ثم» تجعل الطرف الآخر يترقب ولا يثق بجدية الوعود.

*ثقافة المماطلة الجماعية: تصبح عادة اجتماعية متوارثة، وتؤثر على الأداء المؤسساتي.

 إيجابيات هذا التحوّل:

*التخطيط الزمني المنظم: أحياناً يُستخدم «ثم» لتنظيم الأولويات وتوضيح التسلسل الزمني للأحداث.

*إتاحة المجال للتفكير: التأجيل المؤقت يمنح فرصة لمراجعة القرار قبل التنفيذ.

*مرونة الخطاب: «ثم» تُسهل على المتلقي استيعاب الخط الزمني للأحداث والفهم التدريجي للمعنى.

توصيات إعادة ثم إلى وظيفتها الأصلية: 

*التوعية اللغوية: تعليم الفرق بين الترتيب الزمني الحقيقي والتأجيل المزيف.

*جدولة الأفعال المرتبطة بـ «ثم»: ربط الكلمة بأفعال ملموسة لضمان الالتزام بالخطوات.

*تشجيع التنفيذ الفوري: تحويل «ثم» من أداة تأجيل إلى أداة تنظيم للخطوات الواقعية.

*النقد الاجتماعي للخطاب المؤجل: إعلامياً ومجتمعياً، لتغيير الثقافة الجمعيّة نحو الفعل الحقيقي.

*ترسيخ البدائل الفعلية: استغلال «ثم» لتقديم خطوات لاحقة واضحة بدل التسويف.

ختامًا: 

«ثم» ليست مجرد كلمة؛ إنها جسر بين ما كان وما سيكون، بين الماضي والحاضر والمستقبل.

حين تُستعمل بوعي، تصبح أداة ترتيب وبناء، وحين تُستغل للتأجيل، تتحوّل إلى جدار يعيق الحلم والفعل.

وهكذا تظل «ثم» واقفةً عند مفترق الزمن؛ تارةً تُرتّب الأحداث بسلاسة، وتارةً تُحبس الفعل خلف ستار التسويف… كأنها حارسة للوقت، تفتح البوابة فقط للذي يملك نية صادقة.

إن أجمل ما في «ثم» أنّها تُذكّرنا بأنّ الزمن ليس مجرد كلمات، بل أفعال تتتابع بدقة، وأن الكلمة الواحدة قد تكون مفتاحاً للتحقيق أو حاجزاً للتأجيل… فإذا أعدناها لوظيفتها الأصلية، صارت نافذة على الفعل والإنجاز، لا قيداً على الحلم.

«ثم» كلمة قصيرة، لكنها تكشف سرّ الإنسان: مخلوق يحلم ويخطط، أحياناً يضع بين خطواته قيداً صغيراً اسمه «ثم»… فهل آن لنا أن نحرّر الفعل ونترك الزمن ينساب كما خُطط له؟

 

اقرأ المزيد

alsharq الفدائي يشعل البطولة

لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى... اقرأ المزيد

1290

| 06 ديسمبر 2025

alsharq كيف ساهم علم النفس في تطبيع السلوكيات المؤذية؟

في خضم التطور الكبير الذي شهده علم النفس في العصر الحديث، ظهرت مصطلحات جديدة أخذت مكانها في الأذهان،... اقرأ المزيد

81

| 05 ديسمبر 2025

alsharq الحقيقة والسراب ونمو المجتمعات

الثراء الحقيقي هو ثراء النفس والذهن والروح والثراء لا ينبع بدون حقيقة مادية ملموسة وهذه الحقيقة تتكون من... اقرأ المزيد

111

| 05 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية