رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم عبد المجيد

كاتب وروائي مصري

مساحة إعلانية

مقالات

237

إبراهيم عبد المجيد

الوهم العابر للزمان

04 ديسمبر 2025 , 05:00ص

أعرف أحمد المديني الكاتب المغربي الذي يعيش في باريس، وكم هو مبدع رائع ومفكر، له من الكتب الفكرية والنقدية وأدب الرحلات والروايات والمجموعات القصصية، ما زاد على الأربعين كتابا تستحق كل احتفاء وتقديرا.

من محاسن الصدف أن خوارزميات الفيسبوك التي تمنع عني أسماء كثيرة لا تمنعه، فأراه كثيرا يتابع الإبداع والفكر العربي في مقالات رائعة ولكل الأجيال. هكذا هو دائما.

أخذتني تغريدة أخيرة له ملأت الفضاء بالتأملات أمامي، وبرحلتي رغم أنها ليست عني، وبرحلة كل مبدع أو مفكر صادق مع نفسه، لا يتصور أنه أول ونهاية العالم. تقول التغريدة: 

«إنك تعبر في الحياة بثلاث مراحل: اعتقادك أنك سوف تغيِّر الدنيا؛ إيمانُك بأنك تغير الدنيا؛ والثالثة، وأنت تتأكد أن الدنيا قد غيّرتك - ج. ب. سارتر-

إذا أضفت مرحلة رابعة، ومختلفة، فقد صنعت حياةً أخرى. هذا بعض طموح الأدب، ومن أوهام الأدباء- وهمي!»

أتوقف في البداية عند الثالثة، وهي قول جان بول سارتر « وأنت تتأكد أن الدنيا قد غيرتك» أعادت إليّ قراءاتي القديمة في الوجودية التي أعانتني على احتمال الحياة التي جئنا إليها دون إرادة منا، وسنغادرها دون إرادة منا، وبين الحياة والموت فالآخرون هم الجحيم. تجليات ذلك في الأدب العالمي كبيرة يطول الحديث عنها، رغم أن سارتر غير موقفه فيما بعد وتحدث عن الأدب الملتزم. لكن تظل المعاني الأولى التي توسع فيها سارتر، والتي ظهرت بداياتها عند فلاسفة مثل هايدجر، زادا لا يدعو إلى اليأس كما يتصور البعض، رغم أن تجلياتها الكبرى جاءت في مسرح العبث، ولذلك حديث طويل. ساعدتني الوجودية رغم انتمائي يوما لليسار على تجاوز الآلام، حتى ولو في انتظار ما لا يأتي، وظهر هذا المعنى في كثير من شخصيات رواياتي وقصصي القصيرة. 

أعود وأقف عند المرحلة الرابعة التي أضافها الصديق أحمد المديني والتي يعتبرها وهمه الخاص وهي قوله:

«إذا أضفت مرحلة رابعة، ومختلفة، فقد صنعت حياةً أخرى. هذا بعض طموح الأدب، ومن أوهام الأدباء- وهمي!»

أيقظ هذا الوهم المضاف حقائق قد تغيبها زحمة الحياة. ما أكثر القراء الذين لا تعرفهم وقت تغيرت حياتهم بعد أن قرأوا لك. السوشيال ميديا الآن تجعلك تطل صدفة على بعضهم يعترفون لك بذلك فتغمرك السعادة، لكن أيضا أضيف، هل كان كاتب مثل سوفوكليس وهو يكتب مسرحية «أوديب» في العصر اليوناني يعرف أن قارئا أو كاتبا سيأتي بعد قرون يتأثر بالمعاني العميقة للحكاية، وهي أن البلاد لا يمكن أن تستمر على ذنب ارتكبه حاكمها حتى لو لم يكن يعرف، مثل أوديب الذي قتل أباه وتزوج أمه وهو لا يدري فحل الوباء بالبلاد. هذا ما صرت أؤمن به فضلا عن حبي للمسرح. هل كان بوريس باسترناك وهو يكتب روايته «دكتور زيفاجو» في نهاية الخمسينيات، يعرف أن كاتبا مثلي سيأتي بعد أكثر من خمسين عاما ليختار لبطلة روايته» الإسكندرية في غيمة» اسم «يارا» مضاهيا اسم «لارا» في روايته الفذة دكتور زيفاجو، ويجعل بطلها يكتب لها شعرا بعد أن فرق الظالمون بينهما وهو قيد الاعتقال. هل كان يعرف كتاب العالم أنهم يجعلون القارئ يطوف العالم مع أعمالهم، وهو أمر لو تم حقيقة يحتاج إلى أموال طائلة. أمثلة كثيرة أجعل نفسي مثلا عليها يمكن أن أحكيها، تلخص كيف جاءت أفكاري وقدرتي على الكتابة، من كتاب لم أعاصرهم غرباء ومصريين. وهكذا فالوهم الذي يضع أحمد المديني بعده علامة تعجب هو الحقيقة حتى لو لم يدركها صاحبها، وتظل عابرة للزمان.

مساحة إعلانية