رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

204

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

شراكة وطنية لتعزيز البنية التحتية وتمكين الشركات القطرية

04 ديسمبر 2025 , 05:00ص

تسير دولة قطر بخطى ثابتة نحو ترسيخ نموذج اقتصادي متقدم يقوم على الكفاءة والاستدامة وتعزيز دور الإنسان والابتكار في صناعة المستقبل، وتعد رؤية قطر الوطنية 2030 المرجع الاستراتيجي الذي يحدد ملامح التنمية الشاملة للدولة، حيث ترتكز على بناء اقتصاد متنوع يقل اعتماده على المصادر التقليدية للطاقة ويعتمد على المعرفة والتكنولوجيا والكوادر الوطنية المؤهلة، وفي سياق تنفيذ هذه الرؤية تتصدر قضية تمكين الشركات الوطنية من المشاركة في تنفيذ مشاريع الخدمات والبنية التحتية موقعًا محوريًا في أجندة الدولة، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من السيادة الاقتصادية والقدرة على بناء وطن يعتمد على أبنائه وشركاته ومؤسساته الوطنية. لقد أثبتت التجارب العالمية أن الدول التي تمنح شركاتها المحلية دورًا قياديًا في المشاريع الكبرى تصبح أكثر قدرة على التحكم في مسارها الاقتصادي، وأكثر قوة في مواجهة التحديات العالمية، وأكثر استقلالية في قراراتها التنموية، ومن هنا يظهر التوجه القطري نحو تعزيز مكانة الشركات المحلية الكبرى والناشئة على حد سواء، بحيث تكون جزءًا من حركة البناء والتنمية التي تشهدها الدولة في جميع القطاعات، خصوصًا في قطاعات البنية التحتية والطرق والمشاريع العمرانية والإسكان والمدن الذكية والمرافق العامة والطاقة المتجددة والخدمات اللوجستية. وتمثل الشركات الوطنية الكبرى مثل «بروة» و«الديار القطرية» وغيرهما من المؤسسات المحلية مثالًا واضحًا لقدرات الشركات القطرية على قيادة مشاريع استراتيجية عالمية المستوى، سواء داخل الدولة أو خارجها، فقد أصبحت هذه الكيانات الوطنية نموذجًا في الإدارة والتطوير والهندسة والتخطيط الحضري الحديث، كما ساهمت في خلق منظومة اقتصادية داعمة لقطاع المقاولات والمكاتب الاستشارية المحلية والموردين والمصانع الوطنية، وبذلك أصبحت هذه الشركات قاطرة تنموية تدفع بقدرات الاقتصاد القطري إلى مستويات أعلى من التنافسية والابتكار. إن تعزيز دور الشركات الوطنية في مشاريع الدولة ليس مجرد توجه اقتصادي عابر، بل هو مشروع وطني مستدام يهدف إلى بناء اقتصاد قوي وراسخ بقدرات قطرية، وهو ما يجعل الدولة تتجه نحو سياسات عملية تشمل تخصيص نسبة من المشاريع الحكومية للشركات الوطنية المؤهلة، وتطوير أنظمة تصنيف المقاولين، وتحفيز الشراكات بين الشركات المحلية والشركات العالمية لنقل المعرفة والتكنولوجيا، وتوفير تمويل ودعم فني للشركات الصغيرة والمتوسطة حتى تكون جزءًا من سلسلة الإمداد الوطنية. كما أن الدور الحكومي في هذا السياق يتمثل في تهيئة بيئة تشريعية مرنة وشفافة، وتبسيط إجراءات المناقصات، وتعزيز الحوكمة، وإطلاق مبادرات تكنولوجية تربط بين مؤسسات الدولة وشركات القطاع الخاص من خلال منصات رقمية متطورة، بما يضمن عدالة الفرص ووضوح المعايير وسرعة الإجراءات، وهو ما يزيد من جودة تنفيذ المشاريع ويدعم تحقيق أفضل النتائج بأقل تكلفة وأعلى كفاءة. وفي الوقت نفسه لا يمكن إغفال جانب التنمية البشرية الذي يمثل أساس نجاح أي مشروع اقتصادي، ولذلك يأتي دور إعداد الكوادر القطرية في مجالات الهندسة وإدارة المشاريع والذكاء الاصطناعي والتخطيط الحضري وإدارة البنى التحتية والنقل واللوجستيات، حيث إن وجود شباب قطري مؤهل علميًا وعمليًا هو الضمان الحقيقي لاستدامة نجاح الشركات الوطنية وقدرتها على المنافسة محليًا وإقليميًا. كما أن إشراك الشركات الوطنية في مشاريع الدولة يمثل عنصرًا أساسيًا في تعزيز الدورة الاقتصادية الداخلية، فمن خلال الاعتماد على الشركات المحلية يتم خلق آلاف الفرص الوظيفية للمواطنين، وتمكين رواد الأعمال، ودعم الشركات الناشئة، وتوسيع قاعدة الإنتاج، وتوطين المعرفة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وهذا بدوره يسهم في استقرار المجتمع ويعزز ثقافة الإنتاج والابتكار لدى الأجيال القادمة. ولا شك أن المنافسة مع الشركات الدولية الكبرى تطرح تحديات، إلا أن هذه التحديات يجب أن تُرى كفرص لتحسين الأداء وتطوير المعايير ورفع مستوى الاحترافية، فالدولة تمتلك الإمكانات، والشباب القطري يمتلك الطموح والقدرة، والشركات الوطنية تمتلك الخبرة والمكانة، وما تحتاجه المرحلة هو برنامج وطني شامل يدفع هذه القدرات نحو التكامل والتعاون مع الجهات الحكومية لتحويل هذه الرؤية إلى حقيقة ملموسة. وفي هذا السياق، فإن نجاح الشركات الوطنية ليس نجاحًا اقتصاديًا فقط، بل هو نجاح وطني يعكس قدرة قطر على قيادة مسيرتها التنموية بنفسها، ويؤكد أن الاعتماد على القدرات المحلية هو الطريق الأكثر استدامة والأكثر ضمانًا للحفاظ على مكتسبات الدولة وتعزيز قوتها الاقتصادية، كما يعكس هذا النجاح ثقة القيادة الحكيمة في أبناء الوطن وقدرتهم على بناء دولة مزدهرة يُشاد بها عالميًا. إن قطر اليوم أمام مرحلة جديدة تتطلب توسيع دور القطاع الخاص وترسيخ الشراكات الفاعلة بين الدولة وشركاتها المحلية، ليس فقط لتنفيذ مشاريع البنية التحتية، بل للاستثمار في المستقبل، وتطوير الصناعات الوطنية، وتعزيز الابتكار، ودعم الاقتصاد الرقمي، وتوسيع الدور الإقليمي للشركات القطرية، وبذلك تستمر قطر في بناء نموذج اقتصادي متكامل أساسه الاعتماد على الذات، وشراكته بين الدولة والمواطن، وهدفه تنمية مستدامة تحفظ الحاضر وتبني المستقبل بثقة وعزيمة. وهكذا تمضي الدولة في مشروعها لإشراك الشركات الوطنية بوصفها شريكًا رئيسيًا في مسيرة التنمية، ليس فقط لبناء منشآت وطرق ومرافق، وإنما لبناء اقتصاد ومجتمع وثقة وطنية راسخة تؤمن بأن مستقبل قطر يُصنع بأيدي أبنائها وشركاتها ومؤسساتها الوطنية القادرة على الإبداع والتغيير وتحقيق الريادة في جميع المجالات.

مساحة إعلانية