رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يقول ميكافيللي: "لو خيرت بين أن تكون مهيباً ومكروهاً أو أن تكون محتقراً محبوباً، فالأسلم أن تختار المهابة بدلاً من المحبة، فالناس لا يتورعون أن يؤذوا المحبوب، ولكنهم لا يقدمون على إيذاء المهيب، فالحب عاطفة لا تلبث أن تخمد إذا نالت مرامها، أما المهابة فيسندها خوف العقوبة".
توقفت برهة عند هذه السطور لميكافيللي رغم أنه قد قالها منذ قرون خلت إلا أن ماهيتها ما زالت تنعكس على المجتمعات المختلفة في صور متعددة، فهل يقدر الناس فعلاً من يحبون؟.
إن الازدواج المتوغل في تشكيل كياناتنا قد أثر وبشكل مباشر على مشاعرنا وعلاقاتنا وتفاعلاتنا في محيط المجتمع، فاختلت موازين الأحكام التي ركعت لهيمنة الازدواجية، حيث تجد معظم الآيات تحت أخطبوط الازدواجية تُقرأ وتفهم وتعالج بالمقلوب، فتجد أكثر الناس يحبون طيب الخلق لكنهم لا يحترمونه ولا يكترثون لأمره، فهو لا يملك سوى قلبه الطيب!، بينما يكنون كل الاحترام وجل التقدير لصاحب المال والجاه والنفوذ فهم يحبونه بأفواههم ويزدرونه بقلوبهم!، والقوي من وجهة نظر الازدواجية هو القوي بماله وغناه وعزه، فهو يملك أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً وإمتاعاً أيضاً، وإن كان سفيهاً أو جباناً، فهو يستحق الوقار والتكريم، أما الضعيف وإن ضخمت عضلاته، واشتد بأسه وأظهر بسالة وشجاعة، إلا أنه مهزوم إذ قل ما في يده، فلا هيبة له ولا خشية.
كما يروق للناس مجالسة صاحب النكتة والظل الخفيف، ولكنهم لا يصونون عشرته ولا يكرمون منزله، حتى إننا نجد معظم الناس وقد شحّت بسمتهم وتوارت بشاشتهم لئلا ينظر اليهم بشيء من الهنة والخفة.
والناجح المميز هو ذلك المشهور خاوي العقل أجوف الفكر الذي اكتسب نفوذه وتأثيره ومجده الواهي من خلال تصنعه وتملقه وتقديم مصلحته على جميع المبادئ والقيم، فينال الإعجاب والتعظيم والتفخيم، وما أكثرهم في زمننا هذا وهم فيه غثاء كغثاء السيل.
بينما الصراحة في عرفنا أصبحت قباحة والصدق أصبح نكبة على من نطق به، والأولى أن يُبتر اللسان قبل أن يصير صاحبه في خبر كان، فمن يحاول أن يصدق الآخرين أو يحدثهم بشفافية بعيدة عن النفاق والرياء تكالب عليه القوم وأشعروه بأنه قد اقترف جرماً عظيماً لا يغتفر ثم لا يلبث إلا أن يجد نفسه وحيداً مهجوراً بعد أن ابتعدوا عنه وأبعدوه من مجالسهم وتجمعاتهم.
وتشتد الازدواجية عسراً حين تتمظهر في الأوامر والتوجيهات التي يتلقاها الأبناء من والديهم، إذ تختلف باختلاف معايير كل منهما في المواقف ذاتها، وبالتالي تجد الأبناء وقد أصيبوا بالاضطراب والاختلال جراء عدم الثبات والاستقرار على نهج واضح يتبعونه ويحتذون به.
ومن مظاهر الاعتلال والنظرة الازدواجية التي لم تبق ولم تذر فوطأت حتى المشاعر غيرة بعض الرجال على زوجاتهم دون أخواته وبناته وهنا نوع من التعصب غير المبرر فما ترتضيه لأخواتك وبناتك يفترض وبالمنطق أن تسمح به لزوجتك والعكس صحيح، مع أن العقل يميل إلى أن غيرة الرجل على أخواته وبناته أولى من باب أن الزوجة قد تذهب في يوم من الأيام وتأتي غيرها وهذا لا يجيز بالطبع عدم الغيرة عليها ولكن من باب التأكيد على أن غيرة الرجل على أخواته واجبة ومتساوية لغيرته على زوجته، فعلاقة الأخوة والبنوة علاقة ثابتة لا يمكن أن ننكرها تحت أي ظرف من الظروف.
وفي الجانب الآخر تجد بعض المنظرين والوعاظ يتلحفون ازدواجية خاوية، حيث تلج بهم حياتنا أينما أقبلنا وأدبرنا فمعظم من حولنا بقدرة قادر أصبح واعظاً حتى أنك لتشعر أنهم متربصون بك في خلوتك!، إنهم ممتازون في توجيهك ووعظك وزجرك وإذا خلوا إلى أنفسهم أنفوا ما جاءوا به وسارعوا إلى نهج وشرع غير ما يدعون إليه بل وقد يقلون شأناً عنك ثقافة وفكراً، فهم مثاليون في أفكارهم يتشدقون بما لا يعملون!، فيا قباحة المنطق وصفاقة الضمير.
ولقد وصل بنا هذا الشعور أوج قمته واستفحاله، فبتنا نشعر أننا نتلون بتلون الأماكن والناس الذين نعاشرهم فعندما نذهب لمن نستشعر ورعهم وتقواهم، نضع قناع الوقار والتدين، وعندما نقابل المنفتح نضع قناع الحرية والعصرية والحداثة، وقناع آخر للعمل وغيره للأصدقاء وتجمعات الأنس والطرب، وأخيراً نعود لبيوتنا نريد أن نزيح جميع هذه الأقنعة ولكن هيهات فهناك القناع الأخير قناع خاص للزوجة والأسرة والأولاد، وهكذا نمضي ندور في الدنيا ونجمع ما يمكن من أقنعة تعيننا على أن نفهم أنفسنا فلا نجدنا تحت أي من الأقنعة!.
تلك هي الازدواجية المزعزعة والمضللة والمربكة للعقل والمشاعر التي تخالف المنطق الإنساني، والتي تتوارثها السنون وتتعاقب عليها الأجيال، فتتركها أسيرة للصراعات المحمومة والتصورات الشائهة للقيم والمبادئ والأخلاق ولنظام اجتماعي تتلاعب به الأهواء والشهوات وتتقاذفه الرغبات والنزوات، فيعربد القلق في النفوس وتثور الحيرة والشقوة في القلوب.
وها نحن اليوم وقد أغفلنا إجلال الصادقين الأمناء بيننا فندر وجود من يصدقنا وينال ثقتنا، ومهما تباينت الدراسات إلا أني أضع بين يدي القارئ جملة من التساؤلات: فهل يمكن القول إن معايير البشر وظواهرهم النفسية يمكن أن تكون ثابتة على مر السنين والعصور وبالرجوع إلى الحقبة الزمنية التي قال فيها ميكافيللي هذه الكلمات مهما اختلفت المتغيرات؟! رغم أن البشر متقلبون ومتغيرون بطبيعتهم، ولكن هل يمكن القول إن مقاييسهم ثابتة لا تتغير مهما عفا عليها الزمن وأغبر؟، وهل الدوافع المختلفة للنفس البشرية هي التي تتحكم في عمق ازدواجيتها؟، وهل يمكن للفرد أن يتحكم في دوافعه النزقة؟ وإلى متى سنسمح لوبال الازدواجية أن يسيطر على حياتنا ومستقبل أبنائنا؟، وإذ افترضنا جدلاً أن جيل السبعينيات هو القدوة الآن فإلى أين يقود المجتمع بهذه العقلية؟، وكيف يمكن أن يساهم في انعتاق المجتمع من ربقة هذه الآفة؟.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
93
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
177
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
327
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025