رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فهد عبدالرحمن بادار

تويتر @Fahadbadar

مساحة إعلانية

مقالات

201

فهد عبدالرحمن بادار

النفط يراوح مكانه وسط اضطراب عالمي

06 نوفمبر 2025 , 12:00ص

شهدت أسعار الذهب والمعادن النادرة وغيرها من السلع ارتفاعًا حادًا في ظل تزايد الديون الحكومية وتراجع القيمة طويلة الأمد للعملات الورقية. لذا، يثير ثبات أسعار النفط العالمية وعدم ارتفاعها بالمستوى نفسه تساؤلات تستحق التوقف عندها. 

وقبل شهر أكتوبر، تَراوح سعر خام برنت بين 60 و75 دولارًا للبرميل في معظم فترات العام. غير أن الأسعار شهدت ارتفاعًا حادًا بعد 22 أكتوبر عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض عقوبات على شركتي النفط الروسيتين العملاقتين «روسنفت» و»لوك أويل»، إلى جانب 34 شركة تابعة لهما، في خطوة تهدف إلى زيادة الضغط على نظام الرئيس فلاديمير بوتين لإنهاء الصراع في أوكرانيا. وقد دُعمت هذه العقوبات بإجراءات ثانوية إضافية، علمًا أن الشركتين تنتجان مجتمعتين نحو 5 ملايين برميل يوميًا، أي ما يقارب نصف إنتاج روسيا من النفط. 

ومنذ شهر أبريل، بدأت مجموعة «أوبك+»، التي تضم منظمة الدول المصدّرة للنفط وحلفاءها ومن بينهم روسيا، في زيادة مستويات الإنتاج. وفي شهر أغسطس، أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن فائض الطاقة الإنتاجية لمجموعة «أوبك+» بلغ حوالي 4.1 مليون برميل يوميًا، وأن السعودية والإمارات تمتلكان الجزء الأكبر منه. وبعد وقت قصير من إعلان العقوبات على شركتي «روسنفت» و»لوك أويل»، توقّعت الوكالة حدوث فائض في المعروض يصل إلى 3.2 مليون برميل يوميًا بين أكتوبر 2025 ويونيو 2026. 

ومنذ منتصف عام 2025، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الهند إلى خفض وارداتها من النفط الروسي في مسعى منه لممارسة الضغط على الرئيس بوتين خلال محادثات السلام. وفي أغسطس، رفع ترامب الرسوم الجمركية المفروضة على الهند إلى 50%. ومن المرجح أن تؤثر العقوبات الثانوية التي أعقبت إعلانه في 22 أكتوبر بشكل كبير على الهند والصين، إذ تواجه أي بنوك تجري مدفوعات للشركتين الروسيتين خطر الانفصال عن النظام المالي الأمريكي. كما تواجه شركات النفط الكبرى خطر فقدان إمكانية الوصول إلى خدمات التأمين والشحن الغربية. 

وهناك طرق للالتفاف على العقوبات، حيث تستورد بعض المصافي في الهند والصين النفط الروسي عبر وسطاء من أطراف ثالثة أو رابعة، وبالتالي لا تتأثر مباشرةً بالعقوبات. كما يصعب كشف الإمدادات عبر خطوط الأنابيب مقارنةً بشحنات السفن.

لذا، يُتوقع أن يشهد سعر النفط ارتفاعًا معتدلًا في الوقت الحالي، مع مستقبل غامض. فقد يؤدي تشديد تطبيق العقوبات إلى ارتفاع الأسعار، لكن قد يصعب على الدول الغربية الاستمرار في سياسة صارمة بهذا الشكل، نظرًا لتأثيرها على التضخم المحلي. 

ويبلغ الطلب العالمي على النفط حوالي 83 مليون برميل يوميًا، مرتفعًا من نحو 81 مليون برميل قبل عامين. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يصل الطلب على النفط إلى ذروته بحلول نهاية هذا العقد مع تزايد حصة مصادر الطاقة المتجددة في السوق. إلا أن هذه التوقعات قد تتأثر بشكل كبير بتغيرات طفيفة نسبيًا في عوامل مثل النمو الاقتصادي العالمي ومعدل اعتماد السيارات الكهربائية.

وقد شهد الاستثمار في استخراج النفط وتكريره تراجعًا خلال السنوات الأخيرة، وقد يكون الطلب أقل تقديرًا مما هو عليه فعليًا. وقد أشارت الوكالة الدولية للطاقة إلى ضرورة زيادة الاستثمارات في القطاع، إذ أصبح الإنتاج أكثر اعتمادًا على النفط الصخري الذي يتطلب حفر آبار جديدة باستمرار للحفاظ على مستويات الإمداد.

ومن المرجح أن يظل الطلب على الطاقة مرتفعًا لسنوات عديدة قادمة. ويُعدُّ تزايد استهلاك الطاقة نتيجة الانتشار الواسع للذكاء الاصطناعي أحد العوامل الرئيسية لحدوث ذلك، حيث تستثمر شركات التكنولوجيا الكبرى في زيادة هائلة لسعة مراكز البيانات. 

لهذا، استقرار أسعار النفط في عالمٍ ترتفع فيه الأسعار ليس دليلاً على الاستقرار، بل علامة على السيطرة. فبينما ارتفع الذهب والمعادن الأخرى خوفاً من تراجع قيمة العملات الورقية، ظل النفط مقيّداً بعوامل سياسية. واشنطن تريد أسعاراً منخفضة للحد من التضخم، والرياض تسعى للحفاظ على حصتها السوقية، وموسكو تحتاج إلى تدفّق نقدي أكثر من حاجتها إلى مواجهة. والنتيجة توازن هشّ حلّت فيه السياسات محلّ قوى السوق الحقيقية. لكن هذا الهدوء لن يدوم طويلاً؛ فإذا تشددت العقوبات أو استمر تراجع الاستثمارات، قد يكون عام 2026 هو اللحظة التي تعود فيها العوامل الاقتصادية الحقيقية لقيادة المشهد، ويستعيد النفط مكانته كأهم سلعة إستراتيجية في العالم.

مساحة إعلانية