رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الاتحاد قوة والتفرق ضعف، عبارة حفظناها منذ الصغر مؤيدة بقول الله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..) آل عمران وعرفنا من ذلك عظمة التضامن والتعاون لصد اعتداء المستعمر من جهة أو الوقوف في وجه الطاغية المستبد من جهة أخرى وأفدنا- كما في المقالة السابقة- كيف أخذ الداعية المجاهد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله يعلمنا من تجاربه الكثير النافع قال في كتابه "هكذا علمتني الحياة": صادفت جماعة من النمل بعيراً متجهاً نحوها فقال بعضهن لبعض: تفرقن عنه كيلا يحطمكن بخفه فقالت حكيمة منهن: اجتمعن عليه تقتلنه! فالتكاتف والتعاضد يأخذ بيد الضعفاء المتفرقين إلى القوة ماداموا على ذلك واذا تشتتوا وافترقوا ولم يعتصموا قلبا بقلب ويدا بيد ذهبوا أدراج الرياح وذلك كما أكد الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت آحادا
وهكذا فما رأيناه ونراه في اسبوع الصمود هذا من تزاحم المتظاهرين من أركان مصر الأربعة وجموعهم بالملايين في ميدان التحرير يؤكد معنى الاتحاد والاعتصام ليرسل رسالة إلى طاغية مصر وطواغيت العالم أن الشعب وحده هو صاحب ومالك القرار لاسيما أن الجميع يلتقون شبابا وشوابا رجالا ونساء مسلمين ومسيحيين لهدف واحد هو إعلاء الحق ورفع راية الكرامة والحرية وتطبيق التغيير الذي يجب الوصول إليه بالاصلاح السلمي والإرادة وليس بالقوة المستبدة، هؤلاء هم أسود مصر الذين يعتبرون في هذه الحقبة من تاريخها كما كان أسلافهم الرجال الأحرار الذين يكونون محور المعادلة في الصراع بين الحاكم المتجبر والمحكوم المظلوم وهم أول اللاعبين وأقواهم أمام المشهد السياسي الحالي في ميدان التحرير لأنهم عرفوا دورهم نحو الوطن الغالي بدينهم العظيم وأخلاقهم النبيلة يريدون أن يحبطوا سحر الساحر ويخذلوا فرعون وهامان وجنودهما وكما يقول السباعي فإن الوطنية والرجولة أن تحبط مكر أعدائك وبهذا تكون وفيا للدين والوطن: إن هؤلاء الاشاوس علمونا كيف يمكن كسر حاجز الخوف الذي يهيمن على الكثيرين من المضطهدين والبؤساء فمن كان يتصور أن الجيل المخنوق في مصر والذي جعله الطاغية مستكينا قهرا واستعبادا في واقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ينهض من هذا القعود وثابا كالأسد الهصور، لا ريب أن الضغط يولد الانفجار وأن دماء ودموع الثكالى والمظلومين لابد أن تفتح منافذ الأنوار من ثقوب الظلماء الدامسة لقد سطر هؤلاء ويسطرون ملاحم البطولة، بمختلف المعاني، بطولة الشجاعة والصمود وبطولة الوقفة الانسانية التي لم تفرق في التلاحم بينهم وإن اختلف البعض ديناً، إنهم التقوا بكل أطيافهم السياسية لهدف التغيير بكل محبة وتضحية إذ لا يزول نظام فاسد ورأسه دون الاتحاد والتفاني، وثمن الحرية عظيم عظيم إنه الدم والتعب ومواصلة الاصطبار، إنهم الطلقاء الحقيقيون في ميدان التحرير بينما نجد قصور الظالمين قد أصبحت سجونا إذ يرتعدون من هذا الشعب الأبي العزيز، بل يفهمون أولئك الطغاة الذين لا يستطيعون الانتصار على أنفسهم حقنا لدماء الشعب أنهم الاقل قوة وهيبة كما قال مكرم عبيداً قد يكون المنتصر على غيره قويا لكن من ينتصر على نفسه هو الأقوى، ولكني أقول: أين قوة الضمير عند هؤلاء الطغاة إن جنرال آخر زمان الذي طويت صفحته إلى غير رجعة كما قال محمد حسنين هيكل يريد أن يحرق مصر ويدمرها من أجل أن يبقى، لقد جاء هؤلاء الاسود ليكرروا على مسمع النظام في مصر والعالم قول أبي العلاء المعري:
إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة
فإنا على تغييرها قدراء
ويكرروا قول (سالازار) قد يكون من السهل الوصول إلى الحكم لكن من الصعب أن تحكم، أي لابد أن تحقق النتائج على الأرض دون ظلم ثم هل أتاكم أن الفرحة إنما تنبع من أعماق الحزن كما ينبثق الفجر من الظلام، أليست فرحة العبادة والصلاة في الميدان والدعاء ومؤازرة العالم لهم أعز وأكبر من المعاناة التي تمثلت في الهجوم عليهم، هناك قتلى وكلمى بالمئات والآلاف بل لقد تمت فرحة أحد الفتيان وإحدى الفتيات بعقد القران في ميدان التحرير وبين حشود المتظاهرين إنها ذكرى لن تمحى من ذاكرة الزمان أبداً للعروسين والناس.
فيا شباب مصر الاشاوس البسلاء إن معرفتكم بأهداف المعركة مع أعداء الأمة قد تقصر أو تطول ولكنكم في تجربة إثر تجربة تنتقلوا من نصر إلى نصر فلا تيأسوا واذكروا قول الشاعر عمر أبي ريشة:
شرف الوثبة أن ترضي العلا
غلب الواثب أم لم يغلب
لكنكم غالبون بإذن الله وأنتم الرقم الصعب في المعادلة استراتيجيا وأهم الظواهر المميزة لجيل اليوم والغد يا أغرودة الأمل الباسم في النيل والوادي الجميل يا من هم أحق بحماية الوطن من غيركم فابقوا حارسين له داخليا وقفوا من أعداء الخارج الذين يتربصون بكم كالأمريكان والإسرائيليين موقف الليوث إذ تذود عن عرائنها، وتأكدوا أن سجالكم على الجهتين لم ولن ينتهي أبدا لأن صراع الحق والباطل كذلك وإن العالم إلى اليوم لم يحظ بقيادة راشدة حكيمة تنهي النزاعات وإذا أردنا معكم أن نحلل أحداث مصر اليوم في هذا الصدد فإننا نتساءل بدهشة: هل غدت أمريكا ألعوبة إسرائيل أحرص من زعماء مصر وأغير عليها أم أن الأمر مختلف ومبني فقط على المفاجأة التي أذهلتهم أن يبدأ بالتهاوي أكبر حليف استراتيجي لهم اليوم لاعتداله حسب وصفهم سياسيا، خاصة تجاه مصالحهم ومصلحة إسرائيل لاشك أنه معتمد عليهم وهم الذين يكيلون بمكيالين لن يخسروه فبماذا يجيبون، وبما أنهم يدعون إلى الحرية وحقوق الإنسان ظاهريا مع أنهم يعملون على مسخ الهوية للشعوب فإنهم بداية أيدوا المتظاهرين ودعوا إلى الاصلاح ووقفوا منزلة بين المنزلتين دون الخيار إلى مبارك ولا إلى الشعب مذبذبين دون قرار وقد بدا هذا من تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون خاصة بعد جمعة الغضب ثم كونت الإدارة الأمريكية حلقة نقاشية لمعالجة الأزمة ثم عقد الرئيس أوباما جلسة مع كبار مستشاريه وكذلك مع نائبه جوبايدن في جلسة أخرى ومستشار الأمن القومي توم دونيلون، واذيع أن واشنطن تعمل على رفع حالة الطوارئ بالضغط على القاهرة. وقد صرح أعضاء جمعية الصداقة المصرية الأمريكية بأن التغيير تأخر كثيرا وصرح ديفيد لابان المتحدث باسم البنتاجون بأن الأحداث كشفت ضعف أمريكا في المنطقة واستبان بعد ذلك أن واشنطن اسرعت للتوفيق بين مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ودعوتها للاصلاح لكن أوباما صرح أكثر من مرة ومازال يصرح بأنه يريد انتقالاً فورياً للسلطة ولكنه بعد أن ارسل مبعوثه ويزنر إلى مصر طلع علينا الأخير يقول: على مبارك أن يبقى حتى يقوم بالتعديلات وأن هذا أولى لاستقرار مصر، ثم عادت الإدارة الأمريكية لتنوه بأن هذا رأى ويزنر وليس رأى الإدارة! إلى غير ذلك من هذه التحولات السريعة المتقلبة التي تثبت بلا ريب أن الوحش إنما يستر مخالبه بالحرير ليخدع فريسته فهي لا تريد إلا حاكما تابعا لها وتعمل على كسب الوقت عسى يبقى مبارك ليحقق لها أهدافها أكثر للمرحلة المقبلة فهي الوحيدة التي تتحكم بمصائر الملايين وليس مصر فقط زد إلى ذلك امتلاكها مراكز بحوث همها الوحيد إجهاض أية نهضة عربية أو إسلامية، أمريكا لا تعمل إلا لبقاء مصالحها وإن تغيرت الشخوص، ولكنها مسألة وقت وإن كانت تثق تماما برئيس الجيش طنطاوي وبنائب الرئيس عمر سليمان خاصة فيما يخص تلبية ربيبتها إسرائيل إذ تعمل على احتكار قوتها في المنطقة وترفع يدها عن مطالب الفلسطينيين، إن أمريكا وإسرائيل شريكان ولن تخرج أمريكا من الكهف الإسرائيلي وهي المتفهمة لملاحظات نتنياهو عن وضع إسرائيل حيث بقي ومايزال على التشاور قبل أو بعد تنحي مبارك، وهو الذي يشبه ثورة الشباب بثورة إيران ويخوف من الإخوان المسلمين ويشترط في كل حكومة استمرار اتفاقية السلام السابقة ويجتمع مع مجلسه المصغر عدة مرات ويصغي لابن اليعازر وهو يعتبر أن مصر هي الدولة الأهم لإسرائيل فهل نقلل من دورهم في الاحداث؟ لا ولكن يد الله فوق كل الايادي.
Khaled_hindawi@hotmail.com
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1248
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025