رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

إبراهيم فلامرزي

 كاتِـبٌ وَإِعْـلاميٌّ قَـطَـرِيٌّ

مساحة إعلانية

مقالات

825

إبراهيم فلامرزي

الانطباعُ الأولُ الـمُتَحَكِّـمُ

07 فبراير 2017 , 01:33ص

لأحدِ أصدقائي جَدَّةٌ طيبةُ القلبِ جداً، عندما تسمعُ بالديكتاتورية تشعرُ بالأمنِ والراحةِ النفسيةِ لأنها توحي لها بالدكاترةِ، والـمستشفياتِ، والرعايةِ الطبيةِ والنظافةِ. وبلغَتْ قناعتُها بروعةِ الديكتاتوريةِ أنَّها شاهدتْ برنامجاً وثائقياً عن استبدادِ الديكتاتورِ الدمويِّ أوغستو بينوشيه الذي حكم السلفادور بالحديدِ والنارِ من 1974 حتى 1990م، فتعاطفتْ بشدةٍ مع بينوشيه لأنَّهُ دكتور محترمٌ، وأخذتْ تشتمُ الذين ثاروا عليه(!!!).

في قضايانا الاجتماعيةِ العامةِ والخاصةِ، توجدُ حالةٌ أُسَمِّيها الانطباعَ الأولَ الـمُتَحَكِّمَ، وتتمثلُ في أننا ننظرُ إلى القضيةِ من زاويةٍ لا نُغَيِّـرُها، ونتفاعلُ معها وَفْقَ انطباعِنا الأولِ عنها، وتتحكَّمُ بنا مشاعرُنا الأولى تجاهها. في حينِ أنَّ لكلِّ قضيةٍ اجتماعيةٍ أبعاداً كثيرةً نفسياً وعقلياً، ودرجاتٍ عِـدَّةً منَ الصوابِ والخطأ لابدَّ من قراءتِها وتحليلِها دائماً، لنصلَ إلى حلولٍ تجعلُ أطرافَها يلتقونَ في منطقةٍ وسطى. ومنْ هذه القضايا، جنوحُ الأحداثِ، أيْ: ارتكابُهُم جُنَحاً أو جرائمَ جنائيةً، أو قيامُهُم بسلوكٍ شائنٍ لا يتناسبُ مع القيمِ والأخلاقِ السائدةِ. فعند مناقشتِها يتجهُ النقاشُ دائماً إلى توجيهِ اللومِ إلى شبحٍ غيرِ مُحَـدَّدِ الهُوِيَّـةِ هو الـمجتمعُ، ويتحدثُ معظمُنا عنه وكأنَّـهُ شخصٌ واحدٌ ذو مشاعرَ وأفكارٍ لا تتبدلُ ولا تتطورُ إيجاباً، وليس مجموعةً كبيرةً من الأفرادِ الذين لهم أفكارٌ ومشاعرُ ومصالحُ لا يمكنُ حَصْرُها. والـمُسْتَغَرَبُ في النقاشِ أنَّهُ يدورُ، في معظمِ الأحيانِ، حولَ فسادِ الأخلاقِ كسببٍ رئيسٍ في القضيةِ، ولا يُفَسِّرُ أحدٌ الـمقصودَ بذلك، بل يستمرُّ الجدالُ العقيمُ، وينتهي بلا فائدةٍ.

مناقشةُ الجنوحِ ينبغي فيها أولاً التَّخصصُ في علومِ النفسِ والاجتماعِ والقانونِ، ليكونَ التحليلُ علمياً قائماً على نَهْجٍ سليمٍ في البحثِ والاستنتاجِ. ولتفعيلِ جهودِ الـمختصينَ لابد منْ العنايةِ بنَشْرِ الوعي بالـمسؤوليةِ الاجتماعيةِ الفرديةِ والجماعيةِ لنستطيعَ صياغةَ رؤيةٍ تساعدُ في خَفْضِ نسبتِـهِ، أو الحَدِّ منَ العواملِ الـمُسبِّبَةِ له. فالأبوانِ مسؤولانِ مسؤوليةً كاملةً أخلاقياً وتربوياً عن جنوحِ الأبناءِ، وليس منَ العدالةِ ألَّا يقوما بدورِهما الطبيعيِّ في تنشئتِهم وتهذيبِهم بحيث يَتَخَلَّقُ في نفوسِهِم انضباطٌ ذاتيٌّ. ولكنَّ الأبوينِ قد لا يكونانِ واعيينِ بالـمُتغيِّراتِ الكبيرةِ في الـمجتمعِ، أو أنَّهما يعيشانِ حياتَهما الأُسريةَ الخاصةَ بلا إدراكٍ لأنَّ جزءاً ضخماً منها هو جزءٌ كبيرٌ من إعدادِ الإنسانِ الـمواطنِ الـمتعلِّمِ القادرِ على التمييزِ بين الصوابِ والخطأ. وهنا، تبدأ الـمسؤوليةُ الجماعيةُ التي يُسْهِمُ فيها الأدبُ، قصةً وروايةً وشعراً، والفنُّ التمثيليُّ والـمسرحيُّ والتشكيليُّ، والتعليمُ، والصحافةُ، والتلفزةُ، في التوعيةِ، لأنَّ الناسَ يتأثَّرون مباشرةٍ بما يقرأونَـهُ ويسمعونَـهُ ويشاهدونَـهُ، أكثرَ منْ تأثُّرِهم بندواتٍ موسميةٍ يطغى عليها الجانبُ العلميُّ البَحْتُ الذي يمتازُ بأفكارِهِ الـمُجَرَّدةِ الصالحةِ لـمخاطبةِ الـمختصينَ، أو الذين لديهم إلـمامٌ بها.

إذنْ، نحنُ نتحدثُ في قضيةٍ لا يمكنُ إيجادُ حلولٍ لها في يومٍ وليلةٍ، وليس من الـمعقولِ حَصْرُ الحلولِ في جانبِ تشديدِ القوانينِ العقابيةِ فقط. بل علينا الحديثُ في كلِّ جوانبها النفسيةِ، والتربويةِ، والأُسريةِ، والاقتصاديةِ، بهدوءٍ شديدٍ ودونَ إثارةٍ وانفعالاتٍ نتهرَّبُ بها من مسؤوليتنا الاجتماعيةِ الخاصةِ والعامةِ فنُلقي اللومَ على الـمجتمعِ والآخرينَ. ومِنَ الأهميةِ بمكانٍ أنْ يكونَ أحد مجالاتِ التوعيةِ هو تَخليقَ قبولٍ بدورِ الـمؤسساتِ الأُسريةِ التي لها وَضْعٌ قانونيٌّ يُمَكِّنُها منْ القيامِ بدورٍ كبيرٍ في هذا الصددِ.

كلمةٌ أخيرةٌ

إذا أردنا معرفةَ كيفَ سيكونُ غدُنا، علينا الاهتمامُ الكُليُّ بمتابعةِ القضايا التي تتصلُ بأبنائنا وشبابِنا، وتؤثِّـرُ فيهم بصورٍ شَتَّى.

مساحة إعلانية