رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فيصل محمد

باحث وأخصائي ذوي الإعاقة وصعوبات التعلم
Faisalosman10@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

258

فيصل محمد

تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع

24 أكتوبر 2025 , 12:57ص

لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة ترتبط مباشرة بمستقبل المجتمعات واستثمار طاقاتها. فالإعاقة لا تعني العجز عن العطاء، بل هي تحدٍ يستدعي وعياً عميقاً، وإرادة سياسية ومجتمعية لتوفير بيئة دامجة قادرة على تحويل التحديات إلى إنجازات.

تأهيل ذوي الإعاقة يبدأ من الاعتراف بحقوقهم الكاملة في التعليم والعمل والمشاركة، مروراً بتهيئة البنية التحتية التي تضمن سهولة التنقل والحياة المستقلة، وصولاً إلى دمجهم في سوق العمل وفق قدراتهم ومهاراتهم. ومن هنا تتضح أهمية المؤسسات المتخصصة في التدريب والتأهيل المهني، إلى جانب البرامج التعليمية التي تراعي احتياجاتهم وتوظف التكنولوجيا المساندة، بما يتيح لهم فرصاً متكافئة لإثبات الذات.

غير أن الواقع يكشف عن فجوة مؤلمة بين النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية من جهة، والتطبيق العملي من جهة أخرى. فما زال كثير من ذوي الإعاقة يواجهون صوراً من التهميش والإقصاء، إما لغياب الوعي المجتمعي أو لقصور الخدمات المقدمة. والمطلوب اليوم ليس مجرد مبادرات موسمية أو شعارات إعلامية، بل خطط استراتيجية طويلة المدى تُنفذ بشراكة حقيقية بين الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

وفي المقابل، نجد تجارب ناجحة في عدد من الدول التي حولت معاهد التأهيل إلى مراكز إنتاج وإبداع، فأصبح ذوو الإعاقة جزءاً فاعلاً في الاقتصاد الوطني، يبتكرون ويعملون ويقودون مشاريع ريادية. هذه النماذج تؤكد أن الاستثمار في تأهيل هذه الفئة لا يقل أهمية عن الاستثمار في التعليم أو الصحة أو البنية التحتية.

إن الإعلام بدوره يتحمل مسؤولية جوهرية في تغيير الصورة النمطية، من خلال إبراز قصص النجاح الملهمة وتسليط الضوء على القدرات بدلاً من العجز. كما أن الأسرة هي الحاضنة الأولى التي ينبغي أن تمنح أبناءها الثقة والدعم منذ الطفولة، لتنشئة جيل قادر على مواجهة تحدياته بثبات.

باختصار، تأهيل ذوي الإعاقة ليس إحساناً ولا منّة، بل هو حق أصيل يترتب على الجميع صونه. وهو في الوقت نفسه فرصة لمجتمع أكثر عدلاً وتماسكاً، قادر على تحويل كل طاقة كامنة إلى قيمة مضافة. فالمجتمعات التي تحتضن جميع أفرادها، بلا استثناء، هي وحدها القادرة على بناء مستقبل مستدام يليق بالإنسان.

 

مساحة إعلانية