رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لاشك أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن يواجه خيارات صعبة في المرحلة الراهنة بعد جولات من التفاوض المباشر مع الجانب الصهيوني برعاية وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ستنتهي وفق السقف الزمني المحدد لها بتسعة أشهر في التاسع والعشرين من شهر أبريل الحالي ولم تفض إلى نتائج محددة وواضحة حسبما كان مأمولا منها بل اتسعت مساحات التعقيد فيها لاسيَّما في ضوء الشروط التي تصر عليها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية التي تجيد العزف على وتر إهدار الوقت للمحافظة على الوضع القائم والذي يتقاطع مع الأهداف الفلسطينية والعربية في بناء سلام عادل وشامل يستعيد الحقوق ويلغي آثار الاحتلال الصهيوني التي تزيد على 65 عاما.
والخيارات الصعبة التي يجب أن يواجهها أبو مازن لا تخرج عن مسارين إما الاستمرار في المفاوضات وتمديد سقفها الزمني دون الحصول على تعهدات جادة من قبل الراعي الأمريكي الذي يساوي للأسف بين الضحية والجلاد بعدما ألقى كيري مؤخرا باللوم على ما اعتبره خطوات أحادية من الجانبين الفلسطيني والصهيوني دون أن يدرك - أو هو يدرك ويتعامى عن الحقائق- أن ثمة شعبا محتلة أرضه ومغتصبة حقوقه الطبيعية ومنتهكة حرماته هو الشعب الفلسطيني يتطلع تحت قيادة يمكن وصفها بالمعتدلة وترفض عسكرة المقاومة للوصول إلى اتفاق سلام ينهي النزاع ويبني دولته مثله مثل أي شعب آخر في المعمورة .
هذا أولا أما المسار الثاني فيتمثل في تبني منهجية التشدد التي قد يضطر إلى الموافقة في إطاره على العسكرة التي يخشاها أبو مازن في مواجهة قوة احتلال غاشمة تستمرئ استخدام القوة المفرطة وترفض كل الطروحات الصهيونية المدعومة أمريكيا وهو ما يدخله في نفس الخانة التي دخلها الزعيم الراحل ياسر عرفات عندما رفض في آخر لحظة في العام 2000 الشروط الصهيونية والأمريكية في مفاوضات كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون والتي كانت تتعلق أساسا بتقديم تنازلات عن السيادة الفلسطينية على المسجد الأقصى.
قد يرى البعض وكاتب هذه السطور منهم أن هناك أوراق قوة بوسع أبو مازن أن يستخدمها بعيدا عن منهج تقديم تنازلات أو التشدد . وقد بدأ بالفعل في توظيفها عندما أعلن قبل أيام قراره بالتوجه إلى الانضمام إلى 15 منظمة واتفاقية دولية ردا على خطوة الكيان الصهيوني بالتنصل من إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين ولاشك أنه – أي أبو مازن – يحتاج إلى الإسناد العربي لتعزيز إستراتيجيته في التعامل مع متطلبات المرحلة المقبلة ومن هنا طلب يوم الأربعاء الماضي من الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية والذي سيلتئم بعد غد الأربعاء.
وفي هذا السياق فقد سألت السفير محمد صبيح الأمين العام المساعد للجامعة لشؤون فلسطين والأراضي المحتلة عن أهمية هذا الاجتماع فقال لي إن (أبو مازن) أمام وزراء الخارجية العرب كل الحقائق المتعلق بمجريات المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي وبالذات على فيما يتعلق بالضغوط التي تمارس على الجانب الفلسطيني والتي تهدف إلى إجباره على تقديم تنازلات والقبول بالتصورات الإسرائيلية لقضايا الحل النهائي فضلا عن التهديدات التي أطلقها مسؤولون إسرائيليون ردا على خطوته بالتوجه إلى 15 منظمة واتفاقية دولية ردا على رفض تل أبيب إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين وفقا للاتفاق الموقع في هذا الشأن.
كما سيطلع أبو مازن على الجهود التي بذلها خلال الفترة الماضية منذ بدء المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي والذي قابلها بفرض شروط متعسفة من قبيل ضرورة اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل والاستمرار في بناء الوحدات الاستيطانية وكان آخرها الموافقة على بناء 708 وحدات في القدس المحتلة.
وقلت للسفير صبيح: لكن الدعوة لهذا الاجتماع الوزاري الطارئ تأتي في أعقاب فترة قصيرة من انعقاد القمة العربية الخامسة والعشرين بالكويت يومي 25 و26 مارس الماضي فلفت نظري إلى أن التعنت الإسرائيلي بلغ مداه وهو ما يستوجب موقفا عربيا قويا إلى جانب القيادة الفلسطينية لاسيَّما بعد أن أعلنت تل أبيب تنصلها من إطلاق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين بعد أن أطلقت من قبل سراح ثلاث دفعات رغم أن هذه الخطوة ليست مرتبطة بمسار المفاوضات التي تجري برعاية أمريكية أو بمسألة الاستيطان مشيراً إلى أن إطلاق سراح هؤلاء الأسرى والذين يبلغ عددهم 104 أسرى قابعين في سجون إسرائيل في فترة ما قبل التوصل إلى اتفاق أوسلو في عام 1993 مقابل امتناع القيادة الفلسطينية عن التوجه إلى انضمام دولة فلسطين إلى المنظمات والاتفاقيات التابعة للأمم المتحدة والتي يبلغ عددها 63 منظمة واتفاقية.
ولاشك – الكلام للسفير صبيح - أن الجميع فوجئ بما في ذلك جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي يرعى المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي برفض تل أبيب الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى وهو ما دعا الرئيس أبو مازن إلى إعلان قرار القيادة الفلسطينية الأسبوع الماضي بالانضمام إلى 15 منظمة واتفاقية دولية وذلك تفنيدا لوعد التزم به أمام الشعب الفلسطيني والقيادات العربية والتي أعلنت تأييدها لهذه الخطوة.
ومن ثم فإن طلب أبو مازن عقد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب يأتي في أعقاب وقوع الكثير من الانتهاكات الإسرائيلية والتي تمثلت في زيادة وتيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة خاصة في القدس المحتلة بشكل شديد الخطورة وعلى نحو لا يمكن السكوت عنه فضلا عن استمرارها في أعمال القتل بدم بارد للشباب الفلسطيني بدم بارد سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة وهو ما أدى إلى استشهاد نحو 20 شابا فلسطينيا قتلوا عمدا بدم بارد فضلا عن احتجاز المئات كرهائن والقيام باعتقالات عشوائية تحت مزاعم عديدة وهو ما يعني أنها لم توفر أي إمكانية لأجواء مواتية ومناسبة لإطلاق عملية سلام حقيقية.
ويقول الأمين العام المساعد للجامعة العربية إن أبو مازن سيحيط وزراء الخارجية العربية بكل هذه الحقائق ليحصل على مواقف عربية قوية تساند توجهاته وتعزز قراراته بما يسهم في الوصول إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.
وسألته عما إذا كانت الدول العربية جاهزة لتقديم هذه الدعم والإسناد خاصة في ظل انشغال بعضها بمشكلاتها الداخلية فعبر صبيح لي عن قناعته بأنه عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن الدول العربية لن تتردد في تقديم كل ما يلزم للمحافظة على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني مشيراً في هذا السياق إلى قرار القمة العربية الأخيرة الذي أكد الرفض القاطع للاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وهو ما شكل أرضية مهمة يستند إليه الرئيس أبو مازن في المفاوضات مع تل أبيب.
لكنه شدد في الوقت نفسه- وهو ما اتفق معه بشأنه تماما -على أهمية مسارعة الدول العربية بتقديم الدعم المالي للسلطة الفلسطينية حتى يكون بمقدورها مواجهة التهديدات الإسرائيلية الأخيرة والتي تمثلت في القيام بضم أراض من الضفة الغربية ورفض تسليم السلطة أموال الضرائب التي تستحقها وغيرها من التهديدات التي تلقتها السلطة في الآونة الأخيرة ولكن أبو مازن مطالب –الكلام لكاتب هذه السطور – إلى جانب حرصه على توفير ظهير عربي بأن يسعى بقوة خلال الفترة المقبلة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وفي مقدمة ذلك إنجاز المصالحة الفلسطينية على قاعدة تقود إلى تبني إستراتيجية وطنية لإنهاء النزاع مع الكيان الصهيوني بمشاركة مختلف الفصائل الوطنية والإسلامية وفي مقدمتها حماس التي تدير قطاع غزة على نحو يحشد له كل المقومات الوطنية -من بينها المقاومة السلمية - التي تؤهله لامتلاك أوراق قوية في التعاطي مع أسوأ أشكال الاحتلال في التاريخ.
حرمة الميت بين توجيه السنة وخطاب الإعلام
في زمن تعددت فيه وسائل الإعلام وتنوعت فيه المنابر الإذاعية والتلفزيونية والرقمية أصبحت قصص الموتى تُروى على الهواء... اقرأ المزيد
72
| 27 نوفمبر 2025
خذلنا غزة ولا نزال
(غزة تواجه الشتاء بلا مأوى وهي تغرق اليوم بنداءات استغاثة جديدة في حين توقفت أصوات القصف وجاءت أصوات... اقرأ المزيد
63
| 27 نوفمبر 2025
الغائب في رؤية الشعر..
شاع منذ ربع قرن تقريبا مقولة زمن الرواية. بسبب انتشارها الأكبر في كل العالم. عام 1985 كتبت مقالا... اقرأ المزيد
45
| 27 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13740
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1815
| 21 نوفمبر 2025
عندما أقدم المشرع القطري على خطوة مفصلية بشأن التقاضي في مجال التجارة والاستثمارات وذلك بإصدار القانون رقم 21 لسنة 2021 المتعلق بإنشاء محكمة الاستثمار مختصة للنظر في الدعاوى المتعلقة بالاستثمار والأعمال التجارية لتبت فيها وفق إجراءات وتنظيم يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من القضايا. وتعكس هذه الخطوة القانونية الهامة حرص المشرع القطري على تطوير المناخ التشريعي في مجال المال والأعمال، وتيسير الإجراءات في القضايا التجارية التي تتطلب في العادة سرعة البت بها مع وجود قضاة متخصصين ملمين بطبيعتها، وهذه المميزات يصعب للقضاء العادي توفيرها بالنظر لإكراهات عديدة مثل الكم الهائل للقضايا المعروضة على المحاكم وعدم وجود قضاة وكادر إداري متخصص في هذا النوع من الدعاوى. وجاء القانون الجديد مكونا من 35 مادة نظمت المقتضيات القانونية للتقاضي أمام محكمة الاستثمار والتجارة، ويساعد على سرعة الفصل في القضايا التجارية وضمان حقوق أطراف الدعوى كما بينت لنا المادة 19 من نفس القانون، أنه يجب على المدعى عليه خلال ثلاثـين يوماً من تـاريخ إعلانه، أن يقدم رده إلكترونياً وأن يرفق به جميع المستندات المؤيدة له مع ترجمة لها باللغة العربية إن كانـت بلغة أجنبية، من أسماء وبيانات الشهود ومضمون شهاداتهم، وعناوينهم إذا كان لذلك مقتضى، ويجب أن يشتمل الرد على جميع أوجه الدفاع والدفوع الشكلية والموضوعية والطلبات المقابلة والعارضة والتدخل والإدخال، بحسب الأحوال. وعلى مكتب إدارة الدعوى إعلان المدعي أو من يمثله إلكترونياً برد المدعى عليه خلال ثـلاثـة أيام ولكن المادة 20 توضح لنا أنه للمدعي أن يُعقب على ما قدّمه المدعى عليه من رد وذلك خلال (خمسة عشر يوماً) من تاريخ إعلان المدعي برد المدعى عليه إلكترونياً. ويكون للمدعى عليه حق التعقيب على تعقيب المدعي (خلال عشرة أيام على الأكثر) من تـاريخ إعلانه إلكترونياً وبعدها يُحال ملف الدعوى إلكترونياً للدائرة المختصة في أول يوم . لانتهاء الإجراءات المنصوص عليها في المواد (17)، (19)، (20) من هذا القانون، وعلى الدائرة إذا قررت إصدار حكم تمهيدي في الدعوى أن تقوم بذلك خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام من تاريخ الإحالة، ليتضح لنا اهتمام المشرع بضمان تحقيق العدالة الناجزة. وتتألف هذه المحكمة من دوائر ابتدائية واستئنافية، وهيئ لها مقر مستقل ورئيس ذو خبرة في مجال الاستثمار والتجارة كما هيئ لها موازنة خاصة وهيكل إداري منظم، وسينعقد الاختصاص الولائي لها حسب المادة 7 في نزاعات محددة على سبيل الحصر تدور كلها في فلك القطاع التجاري والاستثماري. وإيمانا منه بطابع السرعة الذي تتطلبه النزاعات التجارية كما حدد هذا القانون مددا قصيرة للطعون، إذ بخلاف المدد الزمنية للطعن بالاستئناف في القضايا العادية أصبح ميعاد الاستئناف أمام هذه المحكمة (15 يوما) من تاريخ الإعلان، و7 أيام بالنسبة للمسائل المستعجلة والتظلم من الأوامر على العرائض والأوامر الوقتية، (و30 يوما بالنسبة للطعن بالتمييز). ومن أهم الميزات التي جاء بها أيضا قانون إنشاء محكمة الاستثمار والتجارة ما سمته المادة 13 «النظام الإلكتروني» والذي بموجبه سيكون أي إجراء يتخذ في الدعوى يتم إلكترونيا سواء تعلق بتقييد الدعوى أو إيداع طلب أو سداد رسوم أو إعلان أو غيره، وذلك تعزيزا للرقمنة في المجال القضائي التجاري، وتحقيقا للغاية المنشودة من إحداث قضاء متخصص يستجيب لرؤية قطر المستقبلية. ونؤكد ختاما أن فكرة إنشاء محكمة خاصة بالمنازعات الاستثمارية والتجارية في دولة قطر يعطي دفعة قوية للاقتصاد الوطني منها العوامل التي جعلت دولة قطر وجهة استثمارية مميزة على مستوى المنطقة والعالم وجعلها تتمتع ببيئة تشريعية قوية متقدمة تدعم الاستثمارات وتحمي حقوق المستثمرين. وتساهم في جلب الاستثمارات الأجنبية الكبرى، وتعزز من مكانتها الدولية في المجال الاقتصادي لكن هذا المولود القضائي يجب أن يستفيد من التجارب المقارنة في المحاكم التجارية بالبلدان الأخرى لتفادي الإشكالات والصعوبات التي قد تطرح مستقبلاً ليكون رمزاً للعدالة الناجزة التي تسعى إليها الدولة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
1275
| 25 نوفمبر 2025