رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تمر المنطقة العربية اليوم في مرحلة انتقالية صعبة ستقتصر ليس فقط على تغيير وجوه وقيادات، وإنما خاصة على استحداث أنظمة جديدة مبنية على الديمقراطية واحترام حقوق المواطن وقطاع الأعمال ضمن شروط المنافسة. لا شك أن الخسائر البشرية والمادية الحاصلة هائلة، لكن المكاسب المحتملة أهم من ذلك بكثير. أمريكا اللاتينية مرت قبلنا في هذه الظروف ونجحت، وها هي البرازيل مثلا تعتبر مضرب مثل في التطور والنمو وحتى التنمية. كذلك فعلت دول إفريقيا السوداء حيث انتقلت 19 دولة حديثا إلى النظام الديمقراطي البرلماني. حتى لو لم تكن الانتخابات في هذه الدول النامية والناشئة مثالية، إلا أنها تحصل بفعالية والخاسر يهنئ الناجح في معظم الأحيان وهذا مهم. في كل حال، من كان يحلم بحصول تغييرات بهذا الحجم في العالم العربي وبهذا الامتداد حتى منذ 3 أشهر؟ العالم العربي يتغير وينتقل من فترة سوداء إلى أخرى تعم بالأمل شرط أن تتخلص الشعوب من الأنظمة السياسية والاقتصادية التي أسهمت في إفقارها. يجب أن يرتكز أي نظام جديد على أسس ومبادئ الديمقراطية مما يساهم في إلغاء السياسات التي أعاقت التقدم والنمو وتستبدل بأخرى جديدة تنقذ الأوضاع.
إن أي تغيير جذري يحمل في طياته مخاطر كبيرة وهذا ما يحصل عربيا اليوم. لكن التغيير في العالم العربي لا يمكن إلا أن يكون مفيدا وإيجابيا، بحيث تتخلص الشعوب من سياسات القمع ليس فقط السياسية وإنما أيضا الاقتصادية والمالية والاجتماعية. فهذه السياسات التي تمارس منذ عقود أسهمت في تهميش العالم العربي بالنسبة للخريطة الاقتصادية العالمية. يمكن تقييم الأحداث الحالية كأنها استثمار في مستقبل الدول والمنطقة بحيث تخف الهجرة وترتفع نسب النمو ويخف هروب الأموال للاستثمار خارجها كما تتعزز ثقة الشعوب بواقع ومستقبل المنطقة ذات التاريخ القديم والغني. فمنطقتنا، ورغم الثروات الكبيرة التي تحتوي عليها أي نفط ومعادن وموارد بشرية ومادية، بقيت بعيدة عن التغيرات الرئيسة التي تحققت بشجاعة كبيرة في آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا. لم يعد هنالك أي نظام ديكتاتوري في أمريكا الجنوبية إذ أن الديمقراطية هي النظام المطبق والفاعل. إن منطقتنا بحاجة إلى إعادة هيكلة نفسها من أجل متابعة التطورات التكنولوجية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية الكبرى والاستفادة منها في الداخل.
سيتأثر لبنان كثيرا بما يحدث خارجه إذ أن الاقتصاد منفتح منذ نشأته. نوجز أهم التأثيرات كما يلي:
أولا: ارتفاع أسعار النفط ليس بسبب تغيرات عوامل العرض والطلب وإنما بسبب القلق أو الخوف من انقطاع الإنتاج أو أقله النقل. سوف تبقى الأسعار مرتفعة على المدى القصير وبالتالي على المجتمع الدولي أن يتعايش مع هذه الظروف غير المساعدة. تؤثر أسعار النفط سلبا على التضخم أي تزيد من مخاطره مما يستدعي استبدال السياسات المالية والنقدية الحالية بأخرى تقشفية منعا لتفاقم الأسعار.
لا بد لأسعار النفط من أن تنخفض مستقبلا عندما تستقر الأوضاع السياسية والأمنية وهذا يمكن أن يأخذ وقتا ليس بالقصير. في لبنان ولمواجهة هذه التغيرات من المفضل أن نثبت سعر صحيفة البنزين على 35 ألف ليرة لمدة 3 أشهر بحيث نراجع القرار تبعا للتطورات في المنطقة وفي أسواق النفط خاصة. لا يمكن أن نترك المواطن عرضة لتغيرات أسواق النفط الدولية في ظروف صعبة كالتي نعيشها اليوم. فالذي يتغير من أسبوع إلى آخر هو قيمة الضريبة التي تحصلها الدولة والتي تشكل الفارق بين ال 35 ألف ليرة وتكلفة شراء السلعة ونقلها وتأمينها حتى وصولها إلى المستهلك.
ثانيا: ستتأثر الاستثمارات سلبا في المدى القصير. لا يمكن للبنان أن يكون جاذبا للاستثمارات النوعية الكبيرة عندما تكون أوضاع المنطقة مضطربة كما هي عليه اليوم. ارتباط لبنان القوي بالاقتصاد العربي يجعله معتمدا عليه ليس فقط في التجارة وإنما في التبادلات المالية.
ثالثا: ستتأثر السياحة سلبا إذ أن هذا النشاط لا يمكن إلا أن يكون إقليميا. فالسائح الأجنبي يأتي إلى لبنان لزيارة المنطقة أيضا وبالتالي يختار مناطق أخرى في حال وجود تقلبات أمنية جدية. هذا يعني أننا لن ننعم بموسم سياحي مزدهر طالما بقيت أوضاع المنطقة على ما هي عليه. هنالك تكامل كبير بين دول المنطقة ولا يمكن لأي منها أن تستفيد على حساب الأخرى.
لمواجهة هذه التحديات الكبيرة لا بد من تشكيل حكومة منسجمة تأخذ القرارات الشجاعة والمناسبة كما تقوم بالتعيينات الضرورية في الإدارة والسلك الدبلوماسي وكافة المواقع الأمنية والمالية والنقدية. يجب على الحكومة الجديدة أن تأخذ القرارات المناسبة التي تحتاج إليها كل القطاعات. لا يحتمل لبنان حكومة مشلولة منذ بدايتها تنقل خلافات الأطراف إلى داخلها وتعطل أداءها وتسيء إلى مصالح اللبنانيين.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
4149
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1392
| 14 نوفمبر 2025