رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

الديون المرتفعة

يتفشى الإرهاب والعنف عالميا في كل القارات. هنالك تفسيرات عديدة لهذه الظاهرة المتجددة، لكن الأمر المؤكد المشترك هو ما ينتج عنها أي القتل والدمار والموت والفقر. يرتفع الإرهاب بالتزامن مع تردي الأوضاع الاقتصادية بما فيها ارتفاع البطالة والديون العامة. هنالك مقولة اقتصادية قديمة تشير إلى أن النمو مفيد للإنسان وللمجتمع وكلما ارتفع، توزعت المنافع بشكل أفضل على جميع المواطنين. تشير الأرقام القديمة كما الجديدة إلى أن العديد من الدول حقق نموا كبيرا متواصلا، إلا أن هذا لم ينعكس على المواطنين بنفس الدرجة بل تضرر منه بعضهم أحيانا. هنالك إجماع اليوم حول الفوائد الاقتصادية للعولمة ولانفتاح الاقتصادات كما لتحرير الأسواق، إنما هنالك خوف أيضا من توسع فجوتي الدخل والثروة وبالتالي من نتائجهما على الاستقرارين الاجتماعي والأمني.أكثرية الدول النامية والناشئة اقترضت لتمول استثماراتها وتحقق النمو. تحقق بعضه أحيانا ولم يتحقق النمو مرات أخرى بسبب سوء التنفيذ والفساد كما بسبب اختيار المسؤولين لمشاريع غير فضلى وغير مدروسة بل مربحة لجيوبهم. الحقيقة أن المقرضين والمنفذين للمشاريع، معظمهم أتوا من الدول الصناعية، استفادوا أكثر من مواطني الدول النامية والناشئة. هكذا أسهمت قروض الدول النامية والناشئة في تعزيز الاقتصادات الغربية وفي زيادة ربحية الشركات المنفذة وزيادة ثروات أصحابها كما في زيادة ثروات أصحاب القرار في الدول المستقبلة للاستثمارات. هنالك حقيقة محزنة هي أن مواطني الدول النامية والناشئة حصلوا على الديون التي أفادت دولا أخرى معظمها غربية كما مجموعات صغيرة داخلها.ارتفاع الاستدانة يعني أن موازنات الدول النامية والناشئة تصبح غير صحية ومثقلة بخدمة الدين العام، وبالتالي تحرم الشعوب من فرص الإنفاق على الصحة والتعليم والغذاء والبنية التحتية الضرورية لتطوير الاقتصادات. هنالك مشكلة تكمن في محدودية أهداف هذه القروض، بما فيها قروض التنمية، التي تنظر فقط إلى الجانب المالي دون النظر إلى انعكاسها على الاجتماع والأمن والاستقرار. الاقتصاديان المعروفان "جو ستيغليتز" و "وليام ايسترلي" أشارا مرارا إلى هذا الخلل، وكان نصيبهما الخروج من المؤسسات الدولية التي كانا يعملان فيها. ما تقوم به مؤسسات الإقراض الدولية أيضا هي التوقعات المتفائلة التي تشجع الدول النامية والناشئة على الاقتراض. نتعجب في لبنان مثلا وفي أسوأ الظروف التي نعيش فيها أن تقوم المؤسسات الدولية بتوقع نسب نمو مرتفعة للسنوات المقبلة علما أن الاستثمارات غائبة والأوضاع الإدارية والحكومية في أسوأ حال. إصدار توقعات متفائلة يعطي أملا في المستقبل وهذا جيد، إلا أنه في الوقت نفسه يشجع الحكومات على التهور والمبالغة في الاقتراض لتمويل مشاريع وسياسات وقطاعات مكلفة وغير مجدية.هنالك توقعات أخرى تبنى على مشاريع نظرية إذا نفذت، تحقق النمو القوي. ما هي النتيجة، قيام الحكومات بالاقتراض لتنفيذ هذه المشاريع التي لا تلبي أحيانا حاجات الدول المقترضة بل مصالح ضيقة مما يساهم في رفع مستوى الدين العام والارتباط بالخارج أكثر فأكثر. هنالك حقيقة تميز استعمار اليوم عن السابق. في القرون الماضية، بنيت الامبراطوريات عبر الحروب والاحتلالات من قبل الدول الغنية تجاه الضعيفة والفقيرة. أما اليوم فتبنى عبر الاقتصاد والديون، لكن النتيجة الحقيقية واحدة أي الارتهان للممول أو عمليا للمستعمر وأن يكن بأشكال مختلفة. في الحقيقة أيضا أن الحرب الباردة لم تنته بالعسكر والقتال، إنما بالاقتصاد حيث استنزف الاتحاد السوفيتي ماليا واقتصاديا فتفكك وانهار مما فرض انضمام الدول التي كانت تشكله بالإضافة إلى دول الجوار إلى مؤسسات الاقتصاد الغربي. هنالك واقع آخر مشابه وهو أن ما يجري مع روسيا اليوم من عقوبات يهدف إلى إضعاف الاقتصاد، وبالتالي يتحقق الخضوع الاقتصادي المؤثر بشكل كبير على السياسة. لا ننكر أن الحالة الإيرانية مشابهة أيضا، وأن يكن التأثير الإيراني إقليمي أكثر منه دولي إذا ما قارناه مع الواقع الروسي.يقول "جون بركينز" في كتابه الذي يلخص سيرته ويسرد فيه اعترافاته وتجاربه القيمة أن في الإكوادور مثلا ومن كل 100 دولار تجنيها الدولة من بيع النفط يذهب 3% فقط إلى الإنماء والفقراء. خلال 3 عقود، ارتفعت نسبة الفقراء من 50% إلى %70 كما نسبة البطالة من 15% إلى 70% والدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار وانخفضت نسبة الموازنة التي تتوجه نحو الفقراء من %20 إلى 6%. نصف موازنة الإكوادور تذهب لخدمة الدين العام بدل أن تعالج مشاكل المواطن والفقير بشكل خاص. هذا يعني أن العنف يتغذى من هذه السياسات المالية التي تبقى الحكومات المسؤولة الأولى عنها.أن الدول المقترضة تبقى أسيرة الدول المقرضة، وهذا ما يتجلى اليوم في الصراع العالمي حول اليونان. ما يدعو للعجب هو أن دولة صغيرة كاليونان تشغل العالم من ناحيتي ديونها ومستقبلها، إذ يريد المقرضون أن تكون تجربتها عبرة لمن اعتبر. إقراض الدول النامية والناشئة بأموال كبيرة يعني عمليا تسليم قراراتها الوطنية لسنوات وربما لعقود للمقرضين من مؤسسات ودول ومصارف وصناديق. ضمن هذا المنطق، كلما ارتفعت الديون زاد الارتهان للخارج وكلما استفادت المؤسسات المقرضة بالتعاون مع شركاء الداخل الذين يبذلون كل الجهد للاستمرار في الاستفادة من الوضع السيئ. هنالك أيضا تمويل في الداخل يحصل من قبل المستفيدين من القروض لمؤسسات التعليم والمؤسسات الدينية والخيرية للحصول على تأييدها وتبييض صورتها لهدف الاستمرار في جني الأرباح الكبيرة.تبعا للمعارضين للقروض الخارجية، إنها تهدف في رأيهم إلى المس بالبيئة والغابات والمناطق الريفية والزراعية وبالتالي إلى تشويه الدول النامية والناشئة في سبيل جني الأرباح الكبيرة. ما الذي ينتج عن هذه الممارسات غير الرفض والعنف والشعور بالغبن الذي يولد النقمة والاعتراض وربما الإرهاب والتطرف. يقول "بركينز" أن من يقاوم المشاريع الخارجية والقروض التي ترافقها يهزم. يروي قصة كولومبيا التي رفضت إنشاء قناة داخل أراضيها. فقسمت في سنة 1903 إلى دولتين واحدة هي كولومبيا الحالية والثانية باناما التي قبلت بإنشاء القناة. قسمت بالقوة عندما أرسل الرئيس روزفلت الباخرة الحربية "ناشفيل" وفرض التقسيم. لابد هنا من الإشارة إلى هويات من ترأس أهم مصرف تنمية في العالم أي البنك الدولي، حيث ليس للخبرة في الموضوع أهمية كبرى. مثلا "روبرت ماكنمارا" الذي كان رئيسا لشركة "فورد" للسيارات ثم وزيرا للدفاع، عين رئيسا للبنك الدولي. من اللاحقين، "باربر كونابل" الذي كان عضوا في مجلس النواب الأمريكي و "بول وولفوفيتز" الذي كان نائبا لوزير الدفاع وغيرهم. المعيار الواضح هو قدرة رئيس البنك المعين عمليا من قبل رئيس الولايات المتحدة على حماية مصالح الغرب أو خاصة مصالح أمريكا في عملية التنمية الدولية.هذا لا يعني أن القروض الخارجية كلها سيئة، بل على العكس هنالك قروض تصرف في الأمكنة المناسبة وتحقق النمو والمنافع للمواطن والاقتصاد. المطلوب التنبه إلى نوعية القروض وكمياتها وأهدافها بحيث لا تضر بالدول المقترضة لمصلحة المقرضين في الخارج وحلفائهم في الداخل. هنا تكمن أهمية وجود أشخاص نزهاء يتمتعون بالكفاءة والخبرة ليقودوا حكومات الدول النامية والناشئة كي لا يكونوا ضحايا الجشع الداخلي والخارجي. لا يمكن مقاومة العنف الحاصل دوليا من دون إعادة نظر بكيفية إنفاق أموال التنمية بحيث يستفيد منها المواطنون العاديون والفقراء تحديدا. لا يمكن مقاومة الإرهاب والعنف بالقوة فقط، بل بالاقتصاد والمال والتنمية.

790

| 08 يوليو 2015

تحديات المياه وفرص التغيير

لا تخفى على أحد أهمية المياه للحياة بمختلف جوانبها الغذائية والصحية والبيئية والإنتاجية كما أنها مصدر للطاقة. استعملت المياه تاريخيا في الاستهلاك والإنتاج والتدفئة والتبريد كما للنقل ولتحقيق جزء من السياسة البيئية التي لا يمكن إهمالها في عصرنا اليوم. 70% من المياه تستعمل للإنتاج الزراعي، فلا زراعة دون مياه متوافرة بسهولة وبتكلفة مقبولة، كما أن للمياه فوائد كبرى لا تحصى ولا بديل عنها، تسبب أحيانا خسائر في البشر والحجر عبر الطوفان والفيضان اللذين لا يرحمان أحدا بمن فيهم الفقراء وأصحاب الحاجات الخاصة وغيرهما. يحتاج الإنسان إلى شرب لترين من المياه العذبة النظيفة يوميا للاستمرار في الحياة، نفهم قيمة المياه خاصة عندما تكون غير متوافرة، تماما كما يحصل في لبنان مثلا منذ عقود. سنة 2014 كانت صعبة بسبب شح المطر، وبالتالي اضطر اللبنانيون لشراء المياه للاستهلاك المنزلي بأسعار باهظة. تشير هذه السنة إلى إمكانية توافر المياه صيفا نتيجة الأمطار التي هطلت وتهطل بغزارة فوق بيروت والمناطق. انخفاض أسعار النفط يسمح للبنانيين خاصة في الجبال بالتدفئة في هذه الأيام الباردة التي فاقت التوقعات في عمقها وطولها، لا تقتصر أهمية المياه على الاستهلاك العادي، إنما تشكل مصدرا للطاقة المباشرة وغير المباشرة أي عبر الطاقات الأخرى. هنالك دول غيرت عواصمها وموقع مؤسساتها بنقلها إلى الشاطئ. الدول التي ليس لها منفذ على البحار تعتبر مغلقة، وهنالك ملامح مشتركة لمواطنيها تميزهم بوضوح عن سكان الدول العادية. المياه مهمة جدا للإنسان والدول ليس فقط للاستمرار في الحياة، وإنما للتقدم عبر الاختراعات التي ارتكزت في جزء منها على المياه. التحدي الذي يواجه الإنسانية والمجتمعات هو كيفية إدارة هذا المورد أو هذه الثروة ضمن معايير الشفافية والفعالية والنوعية للحفاظ على استمراريتها. لا خوف من الشح المائي العالمي، إذ إن الدورة الطبيعية العلمية مستمرة. تتبخر المياه فتحدث غيوما فالمطر هو الذي يغذي الأرض والينابيع والأنهر والسدود. هنالك مشكلة تكمن في توافر المياه العذبة التي تصبح أكثر أهمية مع التزايد السكاني في كل المناطق خصوصا منطقتنا العربية. خلال القرنين الماضيين، ارتفع استهلاك المياه العذبة ضعفي الزيادة السكانية ومن المرجح أن ترتفع النسب أكثر مع انتقال الصين والهند إلى مجتمعات أكثر استهلاكية من الماضي. معظم الحروب الماضية كان مرتبطة بالطاقة من نفط إلى غاز أو فحم. من المرجح أن تكون حروب المستقبل مرتبطة بالمياه مع التكاثر السكاني والانحدار البيئي. من ناحية أخرى، تشير الإحصاءات إلى زيادة سكان المنطقة العربية 63% قبل سنة 2050 مما يحتم الانتباه إلى المصادر والاهتمام بالبيئة كي تكون المياه المتوافرة نظيفة ولا تحدث أمراضا تفوق في خطورتها ما نعرفه اليوم في العديد من الدول. هنالك من أطلق على الأرض تسمية "الكوكب المائي" إذ إن 70% من مساحتها مكونة من مياه، كما أن 97% من المياه مالحة مما يفرض التحلية في دول عدة منها دول مجلس التعاون الخليجي. اخترع "جيمس وات" المحرك البخاري الذي قلب الصناعة رأسا على عقب وكان السبب الأساسي في إحداث ثورة صناعية غيرت معالم التاريخ وأثرت على العلوم والثقافة وطرق الحياة وكافة المجتمعات. كانت المياه ومازالت أهم سلعة يحتاج إليها الإنسان متفوقة على النفط الذي يمكن الاستغناء عنه، على عكس المياه التي لا بديل لها. 20% من السكان يفتقدون إلى المياه العذبة للشرب والطهي و40% يفتقدونها للحفاظ على مستويات صحة عامة ونظافة منزلية مقبولة. تربط المياه الإنسان بأرضه وتدفعه إلى الحفاظ على حقوقه والاستمرار في العيش في دولته. تخلق المياه علاقة قوية بين الإنسان وأرضه وتعتبر أحد معالم الجغرافيا الأساسية التي يعيش ضمنها. كما النفط وبقية السلع والمواد الأولية، فالمياه ليست موزعة دوليا بشكل عادل. هنالك دول قليلة محظوظة بالمياه بل هنالك 8 منها تعتبر الأغنى مائيا وتتوافر فيها كميات كبرى تؤثر إيجابيا على اقتصادها وهي البرازيل، روسيا، كندا، الصين، إندونيسيا، الولايات المتحدة، بنجلادش والهند. من العوامل الأساسية التي تميز دول عن أخرى هي مدى توافر المياه فيها. في منطقتنا، هنالك أنهر عدة إلا أن أهمها هي النيل ودجلة والفرات. تتقاسم مياه النيل عبر اتفاقية وقعت في سنة 1959 ثلاث دول، أي مصر وحصتها 55.5 مليار متر مكعب في السنة والسودانيين بمجموع 18.5 مليار متر مكعب سنويا. تحاول إثيوبيا التي سيرتفع سكانها من حوالي 85 مليونا اليوم إلى 120 مليون نسمة في سنة 2025 أخذ حصة كبيرة عبر تغيير مجرى النهر عمدا، وهذا ما ترفضه مصر. المعلوم أن إثيوبيا تحتوي على مساحات كبرى من الأراضي الخصبة التي تسمح لها بإنتاج كميات كبيرة من الغذاء إذا توافرت لها المياه. تستفيد إثيوبيا من الأوضاع الدقيقة التي تمر بها مصر للاستفادة من الثروة المائية العربية. يبلغ طول نهر دجلة 1800 كلم ويمر في 3 دول هي تركيا وسوريا والعراق. يبلغ طول الفرات 2795 كلم ويغذي الدول نفسها، حاولت تركيا الاستفادة من النهرين، فأنشأت بدأ من سنة 1976 حوالي 22 سدا (9 على دجلة و13 على الفرات) كما أنشأت 19 معمل إنتاج كهربائيا بطاقة سنوية تبلغ 30 مليار كيلو وات ساعة وهي تصدر اليوم الكهرباء. كما ارتفعت الإنتاجية الزراعية التركية بفضل توافر المياه للري، فزادت الكميات المنتجة وتنوعت. استغلت تركيا طبعا الأوضاع المتقلبة في المنطقة العربية لتوسع استفادتها المائية، مما انعكس إيجابيا على مجمل اقتصادها بما فيها الصناعة والسياحة بالإضافة إلى الزراعة. تستفيد إسرائيل أيضا من الأوضاع الفلسطينية والعربية المتردية وتسرق المياه من لبنان وفلسطين. يستهلك الفلسطيني 80 مترا مكعبا من المياه سنويا مقارنة بـ323 للإسرائيلي و150 للأردني. 68% من المياه المستهلكة إسرائيليا تأتي من الخارج بينها 28% من لبنان. هنالك ضرورة عالمية لترشيد استعمال المياه منعا للهدر وحفاظا على توافر المادة للأجيال القادمة. من العوامل المرشدة هي الأسعار التي تتفاوت من مدينة إلى أخرى تبعا لتوافر السلعة. بالدولار وللمتر المكعب الواحد، تتفاوت الأسعار بين 3.27 في مدينة نيويورك، 7.38 في كوبنهاجن، 3.8 في لندن، 2.45 في دبي، 0.03 في جدة و2.8 في لوس أنجلوس. تعبئة المياه العذبة للبيع إلى المنازل تعتبر من أنشط الصناعات العالمية حيث بلغ حجم مبيعها السنة الماضية 100 مليار دولار مع تزايد سنوي يقدر بـ10%. تقيم أنشطة المياه للاستعمالات المختلفة بحوالي 400 مليار دولار سنويا. هنالك دول تخصخص قطاع المياه فيها، لكن التجارب العالمية متفاوتة بين النجاح والفشل تبعا لطريقة الخصخصة وسياسة تحديد الأسعار والرقابة الموضوعة على النوعية. لماذا القلق بالنسبة للمياه في المنطقة العربية وما هي الحلول الممكنة؟ تكمن المشكلة في البيئة الملوثة المؤثرة سلبا على توافر ونوعية المياه، هنالك الزيادة السكانية وارتفاع الاستهلاك إلى مستويات غير مسبوقة، هنالك الإدارة السيئة للمادة والتي تعود إلى عدم توافر المعلومات والأرقام أي إلى غياب الشفافية واعتماد أسعار منخفضة تشجع على الهدر كما إلى غياب السدود وقنوات النقل والتوزيع وغيرها بالإضافة إلى عامل الطقس. في لبنان هنالك عجز مائي سنوي نتيجة سوء التخزين وتردي أنابيب النقل كما بسبب الهدر، مما حتم على المجتمع المدني وضع مشروع "الذهب الأزرق" وهي خطة خمسية تهدف إلى تحسين وتفعيل إدارة قطاع المياه بحيث يستفيد اللبنانيون أكثر بكثير من هذه الطاقة المتوافرة في كل الربوع اللبنانية.

1699

| 15 مارس 2015

أسس جديدة للاستقرار المالي

معظم النظريات الاقتصادية فشلت في تنبؤ الأزمات خاصة الأخيرة بدءا من 2008 . ترتكز النظريات الاقتصادية الرئيسية على افتراض أن الاقتصاد يسير بدوراته العادية ارتفاعا وانخفاضا، وأن الأزمات تحدث بشكل مفاجئ أي يستحيل تنبؤها بل يستحيل تطبيق سياسات تمنع حصولها. لا توجد أسباب هيكلية ومبدئية داخل الأنظمة الاقتصادية تؤدي إلى حصول أزمة، بل هنالك مفاجآت تحصل وتمر فتعود الدورة إلى طبيعتها العادية. عبر هذه النظريات، لا يمكن تنبؤالأزمة بل يمكن فقط تحليلها ودراستها وتقييمها بعد أن تحصل علما بأن الدروس لا تنفع حيث عنصر المفاجأة يبقى الطاغي. يمكن وصف هذه النظريات بالقضاء والقدر أي لا تنبؤ ولا وقاية، بل تحمل التبعات التي لابد وأن تحصل من وقت لآخر. في هذه الحال، ليست هنالك جدوى من إقرار قوانين سلامة ووقاية مالية واقتصادية طالما أن الأزمة ستحصل. من أفضل نتائج هذه القوانين تخفيف الصدمة في قوتها ونتائجها، دون أن تمنعها واقعيا. انخفضت نسب النمو كثيرا بدءا من سنة 2008 ، كما تدنت أسعار العقارات وارتفعت البطالة كما حجم العجز المالي في معظم الدول الصناعية. انقسمت النظريات الاقتصادية بين من يريد ضخ المال والنقد لدفع النمو وبين من يرغب في ضبط العجز المالي حتى على حساب النمو. قصة النمو طويلة منذ الخمسينات حتى سنة 2000 حيث لم تتوقف إلا في السبعينات لفترات قصيرة مما جعل العالم يعتقد أن عملية النمو طبيعية وأن الاستثناءهو العكس. إذا حصلت أزمة ما تعرقل مسيرة النمو، فلابد وأن تنتهي ويعود النمو إلى سابق عهده. من ناحية أخرى، هنالك نظريات تشير إلى أن الأزمات المالية ليست قضاء وقدرا، بل تنتج عن سياسات سيئة وظروف صعبة. أن سبب الأزمات ومصدرها ليس المصارف بل الأوضاع الاجتماعية. فالعلاج لا يكون في الإجراءات والقيود والقوانين المصرفية، بل في كل ما يساهم في تحسين توزع الدخل ومعالجة واقع وأسباب الفقر. المصارف بريئة تبعا لهذه المجموعة التي يمكن توزيعها على محاور ثلاثة: أولا: السياسات الحكومية التي تحمي الكبار خاصة كبار المصارف عندما تتعثر. تدفع هذه الحمايات المؤسسات إلى المخاطرة في الأعمال لعلمها أنه سيتم إنقاذها منعا لضرب النظام العام. استغلت المصارف الدولية هذا الواقع وأعطت قروضا لمن لا يستحقها، مما سبب انهيارا في الأسواق المالية فأتت المصارف المركزية للإنقاذ. ثانيا: الفارق الكبير في الدخل والثروة بين الطبقات الشعبية ووجود طبقة وسطى مرتاحة تشكلالعصب الاقتصادي للدولة. ثالثا: هنالك نظريات تقول إن الأزمات تنبع من الفقر أو من سوء الغذاء المرتبط به. يساهم النمو في معالجة مشاكل الفقر والبطالةبحيث لا تتفاقم إلى حدود لا يمكن تحملها. ترتكز هذه النظريات على تجارب الماضي حيث استمر النمو الاقتصادي العالمي لفترات طويلة منها بين 1946 و 1964 في الولايات المتحدة تزامنت أيضا مع فترة إنجاب مرتفع. على المدى الطويل اعتمدت نسب النمو على عوامل ثلاثة هي الزيادة السكانية والتطور التكنولوجي كما زيادة الادخار لتمويل الاستثمارات. لم يكن لموضوع المناخ أي وجود، إذ كان خارج الاهتمامات الشعبية والحكومية في تلك الحقبة. ارتكزت ثقافة النمو على أن الإنتاج يعتمد على عاملين فقط هما رأس المال واليد العاملة. لم يكن للموارد الطبيعية، قبل أزمات النفط في السبعينات، أي دور إذ اعتبر توافرها طبيعيا في الكمية والسعر. هنالك عوامل أربعة مهمة جديدة غيرت الواقع العادي ونقلت الاقتصاد العالمي إلى مرحلة جديدة: أولا: ارتفاع التكلفة الحقيقية للمواد الأولية. نكرر أن نظريات النمو كانت تفترض أن الموارد الطبيعية متوافرة دائما وبأسعار مقبولة لكل أقسام المجتمعات من مستهلكين ومنتجين. إلا أن هذا الافتراض خاطئ حيث حتى السلع الغذائية لم تعد متوافرة بأسعار يتحملها الفقراء. ثانيا: اعتمدت الدول الصناعية في الماضي على القوة العسكرية المباشرة وغير المباشرة للوصول إلى منابع المعادن والنفط والأورانيوم وغيرها. لم يعد هذا ممكنا اليوم كما تدل عليه حرب العراق والأوضاع الأمنية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط. الجيوش الكبيرة لم تعد قادرة على التحكم في مصادر الثروةا.ثالثا: تغير التطور التكنولوجي كما لم يحدث في القرون الماضية. فالثورة الرقمية مدهشة إذ غيرت طرق العمل وفرضت الاختصاص المتطور للمتابعةوالاستعمال. سيتغيران أكثر فأكثر مع الثورة الرقمية.رابعا: هنالك ضرورة لمعالجة مواضيع الأخلاق في الاقتصاد العالمي. الأزمات المالية الكبيرة السابقة كانت أولا أزمات أخلاق، ولابد من تحسين هذاالواقع عبر تطوير القوانين ليس فقط في عقوباتها وإنما أيضا في طرق مكافحة الغش. التكنولوجيا الجديدة تساعد هنا.

647

| 01 أكتوبر 2014

الاستقامة ركيزة الاقتصاد الناجح

هنالك صراع فكري عالمي قديم حول جدوى الاستقامة العملية في الحركة الاقتصادية. هل الاستقامة مفيدة وتؤدي إلى النجاح وتحقيق الأرباح، أم على العكس تعرقل المسيرة وتؤخر المستقيمين تجاه من لا يعتمد الأخلاق في تصرفاته. ظهر هذا الصراع علنيا مع أزمة 2008 حيث انفضحت نتائج الممارسة السيئة بل غير الأخلاقية والخاطئة في الاقتصاد الدولي. أزمة 2008 كانت قبل كل شيء أزمة أخلاق وسوء تصرف وعدم استقامة، قبل أن تكون أزمة مالية واقتصادية. إذا كانت الممارسات خاطئة، فهل تعلم العالم منها؟ لا تشير الوقائع إلى الاستفادة من تجارب الماضي السيئة. مفهوم الاستقامة ما زال غير معتمد في قطاع الأعمال، خاصة في الدول النامية، رغم الإجماع حول ضرورته. إذا كانت الممارسات غير الأخلاقية مفيدة لبعض الأشخاص الذين يمارسونها، فهي حكما مضرة بالمجتمع ككل ويجب تجنبها. تقول "أنا برناسيك" في كتابها عن الموضوع إن المطلوب هو فهم فوائد العلاقات الجيدة في المجتمع التي تبقى أفضل من الأنانية المضرة التي أسهمت في خلق الأزمات السابقة. تقوية العلاقات في المجتمع تساهم في تكبير حجم الاقتصاد وخلق منافع أكبر بكثير للجميع. يجب إعادة بناء الثقة في المجتمعات التي ستقوي الاقتصاد خلال العقود المقبلة. الاستقامة هي كالأوكسجين الذي لا نعرف قيمته إلا عندما يتوقف. بسبب الجشع الممارس دوليا في كل الأعمال، حصلت أزمات كبرى وقع ضحاياها الفقراء والمغامرون كما المجتمع عموما. لذا يجب بناء ثقافة الثقة من جديد بدءا من العائلة والمدرسة والجامعة وصولا إلى المجتمع عموما والأعمال خصوصا. هنالك استثمار في الثقة والأخلاق والاستقامة مطلوب من الجميع، لأنه الطريقة الفضلى ولأن تجارب الماضي كانت مكلفة. يجب أولا وطبعا أن يقتنع المجتمع بأهمية الاستقامة وضرورة اعتمادها في الحياة كوسيلة فاعلة للنجاح والتطور والتقدم. لا يمكن فرض مفهوم الأخلاق على المجتمعات، فهذا لن ينجح. القبول بالتصرف المستقيم من قبل الجميع يساهم مع الوقت في خلق ثروات عامة وفتح آفاق جديدة لم تكن ظاهرة. من أخطاء السياسات العامة فرض قيود قانونية وإجرائية على الاقتصاد الحر، بدل محاولة بنائه من جديد أي خلق اقتصاد سليم لا يحدث أزمات كل عقد من الزمن. تقيد هذه القوانين حرية الاقتصاد، لكنها لا تساهم في تغيير تصرفات الإنسان الذي يحاول التلاعب عليها بل خرقها في سبيل الربح السريع. الاستقامة هي البنية التحتية الخفية للمجتمع وهي مصدر الثروة الحقيقية الدائمة. لا يمكن شراء الاستقامة وبيعها، فهي تنبع من داخل الفرد والمجتمع وتقوى مع الوقت لكنها هشة وسهلة الانكسار ويمكن خسارتها بسهولة. من ناحية أخرى، ممارسة الاستقامة من قبل قطاع الأعمال أساسي ويرتكز على الشفافية والمحاسبة ونوعية القواعد المتبعة. تعتمد الاستقامة تجاه الزبائن بحيث تعطي لهم كل المعلومات وتحترم حقوقهم ويتم إصلاح الخطأ والتعويض عنه. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من تجارب الماضي؟ هل يمكن الاستفادة منها لبناء مستقبل أفضل؟ أولا: الدرس الأقسى من أزمة 2008 هو أن الاستقامة ضرورية ومفيدة ليس فقط من ناحية الأخلاق وحسن التصرف وإنما أيضا اقتصاديا. تشير التجارب الفردية إلى أن الأشخاص الذين يخالفون قواعد الأخلاق يستفيدون ماديا، إلا أن هذه الممارسات عندما تعتمد من عدد كبير من الناس تسيء إلى المجتمع. هنالك نوع من القناعة في المجتمعات وهي أن الذي يعمل بأخلاق يخسر، لكن تجارب الأعمال تشير إلى أن الشركات الناجحة عالميا هي التي احترمت زبائنها ومارست أعمالها وإنتاجها وتسويقها ضمن معايير الاستقامة والأخلاق. كما أن أهم رجال وسيدات الأعمال هم من الذين اعتمدوا مسيرة الاستقامة. هذا لا يعني أن ليس هنالك أشخاص فاسدون أغنياء، لكن الأكثرية هي التي اعتمدت الاستقامة لاستمرارية النجاح. ليس المهم فقط تحقيق الثروة، إنما الأهم هو الاستمرارية من جيل إلى آخر، وهذا صعب إذا لم يرتكز على الاستقامة. في كل حال، المجتمعات تميز جيدا بين المستقيم وعكسه، حتى لو لم يتكلم الناس علنا عنهما. ثانيا: يمكن اعتماد الاستقامة كنوع من الأصول التي تفيد اقتصاديا، تخلق أجواء صالحة فتخفف البطالة وتحفز النمو وترفع من مستوى الفعالية والإنتاجية. الاستقامة هو مبدأ عام وطريقة عمل ومنهجية فاضلة ومفيدة، بل يجب أن تكون هدف كل مجتمع يسعى إلى التقدم والغنى والسيطرة على الفقر. ثالثا: الاستثمار في الاستقامة لا يعني فقط معاقبة المخلين بالأخلاق والقواعد، بل خلق الأجواء المناسبة لتحقيق الثروة ليس لأفراد بل للمجتمع. هنالك فارق كبير بين نظام الاستقامة والأنظمة الاشتراكية التي تدعو إلى توزيع عادل للثروة وربما للدخل أحيانا. نظام الاستقامة يسمح للأفراد والجماعات بأن يحققوا الثروات ضمن قواعد حسن التصرف تجاه الغير والدولة. رابعا: رغم غياب الأخلاق عموما في مجتمعاتنا، إلا أن هنالك العديد من أوجه الثقة الموجودة في الحياة اليومية والتي نعتبرها عادية بل لا نفكر بها. مثلا، عندما نشتري العديد من المواد الغذائية من الأسواق، نستهلكها دون أن نفكر في جودتها كالحليب. شراء المادة ضمن تاريخ الصلاحية لا يعني بالضرورة أنها صالحة حكما. هنالك عامل الكهرباء التي تنقطع، كما مولدات الكهرباء التي تنطفئ فجأة كما وسائل المحافظة والتخزين التي لا تحترم وغيرها. نستهلك هذه السلع من معلبات دون أن نأخذها إلى المختبر وبالتالي نمارس الثقة حتى لو لم نفكر بها أو نكون مقتنعين كليا بتوافرها. من دون هذه الثقة الخفية، يتوقف النشاط الاقتصادي كليا في المجتمع لأنها الحد الأدنى المطلوب للاستمرارية. خامسا: هنالك واقع وهو أن كلما فتشنا عن الاستقامة في المجتمع، نجدها في العديد من القطاعات منها الغذاء والسيارات والمصارف وشركات التأمين وغيرها. عندما نشتري سيارة جديدة، نرتكز على ثقتنا بالمنتج ونقودها مع أطفالنا وأولادنا وربما نعرضهم للخطر إذا لم يكن المنتج جيدا. هنالك حوادث كبيرة نتجت عن استعمال السيارات، إلا أن الفارق بين شركة وأخرى هو مدى اهتمامها بالخلل الذي حصل وإصلاحه والتعويض عن المتضررين كما الاستفادة مما حصل منعا للتكرار. عندما نستعمل بطاقات الاعتماد للشراء أو للحصول على النقد، نركز على ثقتنا بحسن الخدمة حتى لو لم نكن متأكدين من حسن سير التجربة. عندما نشتري بوليصة تأمين، نعتمد على الثقة بالشركة التي ستعوض علينا في حال حصلت الخسارة. من دون هذه الثقة الداخلية يتوقف النشاط الاقتصادي في كل الميادين، إذ لا يمكن التأكد أو التحقق من كل سلعة نشتريها كبيرة كانت أو صغيرة، مكلفة كانت أم رخيصة الثمن. الاستقامة هي استثمار في الحياة وهي مفيدة اقتصاديا. من السلع التي استحوذت على ثقة الناس منذ قرون هي الذهب الذي يستعمل لحاجات مختلفة منها طبية وتزيينية ويتم تخزينه في المصارف المركزية حيث تكمن ثقة المواطن. لماذا نثق بالذهب وبالمصارف المركزية التي تحافظ عليه؟ لماذا نثق بهذه السلعة ذات القيمة النفسية الكبيرة رغم أنها لا تنتج كثيرا كبعض المعادن الأخرى؟ هنالك ثقة مبنية على استقامة المصارف المركزية وممارستها للأدوار المطلوبة منها لفترات طويلة ضمن القوانين والمنطق. لماذا تقرض الدول والمصارف مثلا بعض الحكومات ولا تقرض غيرها. هنالك ثقة في بعض الدول تشجع المقرضين على إعطائها الأموال. تبنى الثقة على حسن الممارسة والقيام بالتسديد في الأوقات المتفق عليها، أي على الصيت الحسن والممارسة الفضلى.

3050

| 24 سبتمبر 2014

الاقتصاد الإيراني.. من العقوبات إلى التنمية

تعتمد العقوبات دوليا لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو غيرها.. لم تكن النتائج باهرة حتى اليوم من ناحية تحقيق الأهداف، كما تشهد عليه العقوبات المزمنة ضد كوبا وكوريا الشمالية وغيرهما. معظم هذه العقوبات وضع من جانب واحد أو جانبين على الأكثر ولم يكن دوليا. تعود العقوبات إلى الواجهة اليوم مع استمرارها فيما يخص الموضوع النووي الإيراني، كما تلك الحديثة جدا الموضوعة ضد روسيا من قبل أمريكا وأوروبا بشأن الوضع الأوكراني. من المبكر دراسة نتائج العقوبات على الاقتصاد الروسي، إلا أن تقييمها على إيران أصبح ممكنا بعد سنوات من التطبيق المستمر. لا شك أن إيران أظهرت حيوية كبيرة وصمودا مدهشا في مواجهة العقوبات الدولية، إلا أن النتائج السلبية واضحة جدا وأهمها التضخم الكبير الذي تعاني منه البلاد. يعتمد الاقتصاد الإيراني على العديد من القطاعات في مقدمها النفط. هنالك فترات مهمة ثلاث تصف تطور القطاع وبالتالي الاقتصاد بشكل عام. في فترة 1908 \ 1959 كان الإنتاج النفطي مهما، إلا أن حصة إيران من الصادرات لم تكن كبيرة بسبب سيطرة الشركات الدولية العملاقة على الإنتاج والتسويق. حصل بعدها تأميم القطاع وتأسيس ما عرف بشركة إيران النفطية. تطورات الأوضاع في القطاع النفطي تعكس تغير العلاقات السياسية بين الدول الصناعية والدول النامية خلال زمن الاستعمار والاستغلال. في فترة 1960 \ 1978، حصلت تطورات كبرى في الأسواق نتيجة الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية الخطيرة في منطقة الشرق الأوسط التي ظهرت جليا في مقاطعة الدول الغربية نفطيا بسبب دعمها المطلق لإسرائيل. ارتفعت أسعار النفط وبالتالي ارتفعت الإيرادات النفطية الإيرانية من صادراته. الفترة الثالثة المهمة هي 1979 حتى اليوم، أهم أحداثها المعروفة حصول الثورة الإيرانية وانعكاساتها الكبيرة ليس فقط على المنطقة وإنما على العالم أجمع. حدثت أيضا الحروب مع العراق التي نزفت المنطقة كلها ليس فقط اقتصاديا وإنما سياسيا وأمنيا وعسكريا واجتماعيا ودينيا أيضا. وقعت العقوبات على إيران التي ما زالت تمنع عمليا إطلاق عمليات النمو في كل دول المنطقة.. لم يصبح النفط مهما في تنمية الاقتصاد الإيراني إلا بدءا من الستينات. هنالك وعي حقيقي لكيفية إنفاق أموال النفط وتأمين استقرار الإيرادات في ظروف تقلب كبير في الأسعار ظهر جليا عبر تأسيس صندوق لهذه الغاية كما فعلت النرويج منذ سنوات. لماذا يهتم علم الاقتصاد بالخلافات والتطورات السياسية في العالم؟ هنالك أسباب عدة أهمها أن الخلافات التي تنعكس أمنيا وسياسيا تؤثر سلبا على التنمية. هنالك أهداف تنمية دولية وضعت من قبل الأمم المتحدة في سنة 2000 يجب الوصول إليها في سنة 2015 التي لم تعد بعيدة. بسبب الحروب المختلفة في كل بقاع الأرض، ما زالت الأهداف بعيدة المنال وبالتالي تستمر أوضاع الفقراء في التعثر وربما الانحدار في بعض الدول.. لا يعالج علم الاقتصاد الأسباب السياسية للتوتر، إنما يعالج انعكاس الخلاف السياسي والأمني على الأوضاع الاقتصادية وخصوصا الفقر. يهتم الاقتصاديون بالقرارات التي تتخذ لتحسين الأوضاع بحيث لا تسيء إلى الطبقات الشعبية والمناطق الريفية وبالتالي تجعل الأوضاع الأمنية والسياسية أسوأ. ليست كل القرارات الاقتصادية صائبة، إنما المهم أن لا تسيء إلى الأوضاع إن لم يكن بالإمكان تحسينها. من ناحية أخرى، تحسن الأوضاع الاقتصادية يساهم بشكل مباشر في تخفيف حدة النزاعات السياسية والأمنية وبالتالي يمنع تفاقمها وامتدادها الجغرافي. تؤثر الخلافات السياسية الداخلية كما الدولية والإقليمية على مستويات الفقر خاصة إذا انعكست على الأمن والسلام. تؤثر على هروب الناس من أماكن إلى أخرى أكثر تطورا حتى لو كانت التكلفة عالية. نشهد دوريا هروب عشرات وأحيانا المئات من مواطني دول المنطقة وإفريقيا وغيرها إلى الدول الغربية على ظهر سفن غير آمنة مما يحدث العديد من الضحايا المؤسفة.. يهرب المواطنون من الفقر واليأس ويحاولون الهروب إلى العالم الآخر في أستراليا وإيطاليا وغيرهما.. ما سبب الأوضاع التعيسة في دول المصدر؟ حتما الحروب والخلافات السياسية على كل شيء التي تنعكس موتا وفقرا. لابد لعلم الاقتصاد من أن يهتم بتحسين الأوضاع الاقتصادية في كل الدول بحيث تخف الهجرة القسرية المكلفة المفروضة على الفقراء. من الناحية الإيرانية وبعد سنوات من العقوبات القاسية التي أحدثت وتحدث توترات كبرى ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وإنما عالميا أيضا، كيف يمكن تقييم النتائج؟ أولا: المدهش هو استمرار الاقتصاد الإيراني في تحقيق نسب نمو مقبولة بالرغم من العقوبات والحصار والضغط الخارجي الكبير. كان النمو إيجابيا أي 3% في 2011 \ 2012، لكنه انعكس انحدارا قدره 5,8% و1,7% في السنتين التاليتين.. لا يرتبط النمو فقط بالأوضاع السياسية وإنما أيضا بأسعار النفط المتقلبة. تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى عودة الاقتصاد إلى النمو بدءا من هذه السنة بسبب العلاقات المتحسنة بشأن النووي وتحرير مليارات الدولارات من الأموال الإيرانية المحتجزة في المصارف الغربية. ثانيا: يمكن اعتبار نسب البطالة مرتفعة بالمقياس الغربي أي في حدود 13% وهذا ليس بعيدا عما نشهده في بعض الدول الأوروبية في ظروف حالية عادية. قدرة الاقتصاد الإيراني على استيعاب عمالة عديدة في ظروف خطيرة هي حقا مدهشة، وربما تكون نسب البطالة مرتين أكثر في دول أخرى في ظروف مشابهة. ثالثا: بالرغم من الظروف الصعبة، ما زالت نسب الادخار من الناتج أعلى من نسب الاستثمار.. هنالك سببان ممكنان، قدرة المجتمع على الادخار في ظل أسعار نفط ومواد أولية مرتفعة، وغياب الفرص الاستثمارية في ظروف تشنج كبيرة كادت تشعل حروبا في فترات عدة. رابعا: إدارة الملف المالي جيد نسبيا أي أن العجز عندما حصل في بعض السنوات، كان محدودا جدا. هذا يشير أيضا إلى التقشف في الإنفاق في ظروف حصار اقتصادي صعب. في بعض الدول الأخرى وفي ظروف مماثلة، تفقد الدولة قدرتها على ضبط الإنفاق لتلبية الحاجات الشعبية، إلا أن هذا لم يحصل في إيران. خامسا: ميزان الحساب الجاري فائض بفضل الصادرات النفطية التي استمر جزء منها. بلغ فائض الحساب الجاري 60 مليار دولار في سنة 2011 \ 2011 وانحدر إلى ما بين 20 و30 مليار دولار في السنوات اللاحقة. مكن هذا الواقع المصرف المركزي الإيراني من رفع الاحتياطي النقدي إلى مستويات مدهشة تقارب المئة مليار دولار. إذا اعتبرنا ما سبق إنجازات ضمن الظروف الصعبة، لابد من التنويه بقدرة المجتمع الإيراني على المواجهة والتضحية. هذا طبعا ليس كل شيء، إذ هنالك معاناة اجتماعية ومعيشية يمكن وصفها بعاملين مترابطين هما التضخم وسعر صرف النقد.. بلغ مؤشر أسعار الاستهلاك 20% في سنة 2011 \ 2012، 41% في السنة التالية و22% فيما بعد وهذه النسب مرشحة للاستمرار.. انحدر سعر صرف النقد إلى النصف بدءا من سنة 2012 مما يشير إلى تدني أوضاع الفقراء والأحوال المعيشية بشكل عام. هنالك وجع كبير ربما لا يظهر إلى العلن، لكنه حكما موجود ولابد من انتظار الفرج بعد الاتفاق النووي النهائي. يحصل التضخم المرتفع بسبب العقوبات وارتفاع أسعار المحروقات كما بسبب السياسة النقدية المنفلشة التي رفعت الكتلة النقدية كثيرا بدأ من سنة 2012. لا يمكن لأحد أن ينكر وجود فساد يتعزز إجمالا في الظروف الصعبة على حساب الفقراء، ويستفيد منه بعض السياسيين كما أصحاب الأخلاق السيئة.. في مؤشر الشفافية العالمية، تقع إيران في المرتبة 144 من أصل 175 دولة تم تقييم فسادها وهذا متدن جدا ويجب معالجته.

799

| 21 سبتمبر 2014

قوة الدولار من قوة أمريكا

المعروف عالميا أن قوة النقد تنبع من الوضع الاقتصادي العام، إلا أن هذا ليس صحيحا دائما، كما شهد عليه سعر صرف اليورو، رغم الوضع الاقتصادي الأوروبي السيئ منذ سنة 2008، ارتفع اليورو تجاه الدولار دون أي مبررات علمية أو واقعية تذكر. ارتفع بسبب الطلب عليه، علما أن أوضاع الاقتصاد الأمريكي كانت ومازالت أفضل نسيا. في كل حال، بدأ التصحيح يحصل، وهاهو الدولار يتحسن لمصلحة أوروبا الراغبة في انحدار عملتها لغاية التصدير الذي يعتبر الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي. لن تستطيع فرنسا مثلا النهوض من كبوتها الاقتصادية الحالية إلا إذا تحسنت صادراتها، وهذا ممكن أكثر اليوم مع تغير سعر صرف اليورو تجاه الدولار. لا شك أن النفوذ السياسي ينعكس على النقد. حتى بدء الحرب العالمية الأولى، كانت بريطانيا الأقوى وكان نقدها الأهم. انتقلت القوة السياسية إلى الولايات المتحدة حيث أصبح دولارها النقد العالمي الأهم. فالقوة النقدية تنعكس ارتفاعا في مستوى المعيشة، لكن يمكن أن تنعكس أيضا ارتفاعا في الدين العام وهذا ما حصل في الولايات المتحدة حيث أصبحت الدولة المدينة الأكبر في العالم. عاش الأمريكيون كمجتمع فوق قدراتهم المالية لعقود، وبالتالي أصبحوا مدينين للعالم الخارجي خاصة لآسيا وتحديدا للصين. تملك الصين اليوم أكثر من 2.5 ألف مليار دولار من الاحتياطي النقدي الخارجي، 70% منها سندات خزينة أمريكية.لا يمكن لأمريكا أن تسدد ديونها المتراكمة مهما حاولت. لا يمكن للصين التي تملك ديونا خارجية تعادل نصف ناتجها المحلي الإجمالي أن تعتبر أن هذه الديون غير موجودة أو يجب إلغاؤها أو حذفها. أمريكا كما الصين عالقتان في هذه الحلقة ولابد من أن تتعاونا لمنع الأسوأ الذي ينعكس على السياسة والأمن والاقتصاد. في الواقع، انتقلت أمريكا من دولة اقتصادية عظمى بعد الحرب العالمية الثانية إلى دولة عادية بسبب الديون والأخطاء وضعف النمو والانفلات السياسي والعسكري العالمي. يحاول الرئيس أوباما الحد من هذا الانفلات، إلا أن الأوضاع الأمنية تفرض عليه الاستمرار به بالحدود الدنيا الممكنة. هنالك مثال معروف يقول بأن من يستدين مليون دولار من المصرف، يصبح مملوكا منه. من يقترض مليار دولار من المصرف، يصبح المصرف ملكا له. ما الذي حول أمريكا مما كانت عليه إلى أوضاعها الحالية؟ في منتصف التسعينيات، كانت الأوضاع الاقتصادية جيدة أي ارتفاع في النمو والإنتاجية وانخفاض في نسبة البطالة إلى 4%. كان التضخم في الوقت نفسه منخفضا، مما دفع الاقتصاديون إلى إطلاق وصف "الاقتصاد الجديد" على الأوضاع. تغير الأمور بدأ من سنة 2000 عندما انهارت أسواق الانترنت والمعلوماتية، وتبين أنه لم يكن هنالك اقتصاد جديد بل أوضاع مختلفة. لم ترتفع أعداد القوة العاملة بل تدنت إنتاجية العامل. لتنشيط الطلب على المدى القصير منعا لحصول ركود، خفض المصرف المركزي الفوائد تشجيعا للاقتراض. لكن هذه السياسة لا تكفي على المدى البعيد حيث إن تحسين شروط العرض هو الحل المطلوب. تحتاج أمريكا إلى قوة عاملة أكثر وأكبر مع إنتاجية أعلى وهذا لم يحصل، كيف يمكن وصف الأوضاع اليوم ولماذا يحصل التعثر الاقتصادي؟ أولا: تحتاج أمريكا إلى يد عاملة جديدة منتجة. هذا لن يأتي بسبب سياسات الهجرة الضيقة المعتمدة خاصة منذ بداية القرن، لا تمنح أمريكا تأشيرات العمل حتى للكفاءات التي تنقصها والتي تحتاج إليها للنهوض والتطور. أجل الرئيس أوباما مشروعه بشأن الهجرة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة حتى لا تؤثر سلبا على النتائج. تحتاج أمريكا إلى سياسة هجرة جديدة ذكية تجذب الأفضل والأكفاء إليها. الأوضاع الأمنية العالمية الحالية تشجع الدول والمجتمعات على الانكفاء والانغلاق وهذا في غاية الخطورة. ثانيا: تحتاج أمريكا إلى الإنفاق السخي على البنية التحتية والتعليم والتدريب لتعزيز الإبداع والابتكار والتجدد كما لرفع الإنتاجية. من الصعب أن يحصل في ظل العجز المالي الكبير. ثالثا: تصل نسبة الضرائب على أرباح الشركات إلى 35% وهي مرتفعة جدا أي الأعلى في الدول الصناعية، بالإضافة إلى أن الدولة لا تحصل الكثير بسبب استفادة الشركات قانونا من التخفيضات والتوزيعات المتاحة. رابعا: من مساوئ النظام الضرائبي الأمريكي أنه يفرض الضرائب على الشركات الأمريكية أينما كانت مصادر هذه الأرباح. معظم الدول الصناعية يعتمد العامل الجغرافي في أنظمته الضرائبية، أي يخضع للضريبة فقط الربح المحقق داخل الدولة. في أمريكا العامل الجغرافي غير موجود، وأرباح الشركات تخضع للضريبة عندما تحول إلى الولايات المتحدة. هذا يعني أن الشركات لا تحول إلى الداخل إلا القليل من الأرباح المحققة في الخارج. هنالك إحصاءات تشير إلى أن مجموع أصول الشركات الأمريكية في الخارج يتعدى ألفي مليار دولار أمريكي كان يمكن لأميركا أن تستفيد منها في الاستثمارات والاستهلاك الداخليين. خامسا: النظام الضرائبي الجديد المعروف ب FATCA الذي أقر في سنة 2010 وبدأ تنفيذه منذ 1\7\2014. هدفه تحصيل الإيرادات الضرائبية التي تحتاج إليه الموازنات الأمريكية العاجزة. يمكن وصف القانون بالقاسي والصعب وغير العادل وغير المنطقي الذي يؤذي الأمريكيين أنفسهم. يفرض القانون على كل المصارف والصناديق والمؤسسات المالية عبر العالم إبلاغ جهاز الضرائب الأمريكي IRS عن أي حسابات أو أصول لمواطنين أمريكيين أو حتى للمقيمين كما للذين تربطهم علاقات اقتصادية قوية بأمريكا. هنالك عقوبات مالية وجزائية قاسية للذين لا يمتثلون للقانون، أهمها المقاطعة القاتلة في الظروف المالية الدولية الحالية. ينتج عن هذا القانون عاملان مضران جدا للأمريكيين، أولهما أن العديد من أصحاب الجوازات الأمريكية يتنازلون عنها، حيث تضاعف هذا العدد أربع مرات مؤخرا. النتيجة السلبية الأخرى هي أن العديد من الشركات العالمية يتجنب توظيف أمريكيين تهربا من المعاملات والإجراءات القاسية التي يفرضها القانون عليهم وعلى المؤسسات التي توظفهم. كما تتجنب المؤسسات والشركات التعامل مع أمريكيين كي لا تقع في فخ القوانين الضرائبية الجائرة. من المساوئ الإضافية أن القانون يلغي الخصوصية المالية التي بشر بها الأمريكيون منذ عقود وهي إحدى ركائز النظام الاقتصادي الحر. الغريب أن أمريكا ترفض إعطاء الدول الأجنبية معلومات بشأن مواطنيها في أمريكا وهي تطلبها منها بشأن الأمريكيين فيها. ما المطلوب؟ طبعا التحول إلى المعيار الجغرافي، أي تفرض الضرائب على الأرباح والدخل المحققين داخل أمريكا فقط. المطلوب تطبيق سياسة المعاملة بالمثل، أي لا يمكن لأمريكا أن تطلب من دول أخرى حتى الغربية منها ما ترفض هي إعطاءها لها. أهمية هذا الواقع هو أنه يشير إلى ضعف الاقتصاد الأمريكي وبالتالي اضطرار الدولة الأمريكية إلى وضع وتنفيذ قوانين غير منطقية. لا يتمتع الدولار اليوم بالقوة الطبيعية كنقد لدولة عظمى بسبب القرارات والسياسات المتبعة التي تضر أحيانا بأمريكا نفسها. تبقى أمريكا قوية، لكنها تخسر اليوم الكثير من نفوذها بسبب الديون والقوانين وعدم التعامل بعدل ومنطق مع الغير بمن فيهم حلفائها.

1202

| 17 سبتمبر 2014

لماذا تبقى أسعار النفط مستقرة؟

ما يدعو للعجب هو بقاء أسعار برميل النفط لفترة غير قصيرة في حدود 100 دولار للبرنت رغم التقلبات الكبيرة القوية في الأسواق من ناحيتي العرض والطلب. لا يمكن إنكار أهمية الطاقة للحياة، لذا يحاول الإنسان على مدى الأجيال الحصول عليها حتى لو اضطر إلى القيام بالحروب العنيفة. بداية من الخشب كمصدر للطاقة، تحول العالم إلى الفحم في القرن الثامن عشر مما سمح للثورة الصناعية بأن تحصل. من الفحم إلى النفط حيث حصلت ثورة في الإنتاج والإنتاجية والتطور والتنمية. حتى الخمسينيات، سيطرت شركات قليلة عملاقة أهمها سبع على إنتاج وتسويق النفط العالمي. أصبح النفط سلاحا اقتصاديا وسياسيا رئيسيا لأهميته في تفعيل الإنتاج العالمي وتحقيق النمو. هنالك محاولات عدة اليوم لتنويع مصادر الطاقة منها الجديد نسبيا كالشمس والنووي والرياح، والقديم كالفحم بعضها نجح لكن النفط مازال المصدر الأساسي للطاقة عالميا. حصل الخلل خاصة في ميدان النقل حيث مازال القطاع يتكل بـ 96% من نشاطاته على النفط بينما تنوعت أكثر مصادر القطاعات الأخرى. هنالك واقع آخر وهو أن 60% من النفط المنتج عالميا يذهب إلى النقل مما يجعله المصدر الأساسي بل سيبقيه على ذلك طويلا، لا بديل حتى اليوم عن النفط للنقل. حقبة الشركات الغربية الكبرى المسيطرة على الإنتاج انتهت مع تزايد دور الدول المنتجة بفضل الوعي السياسي للشعوب والحكام، فأسست مجموعة "الأوبيك" لتتولى تنظيم وتنسيق الإنتاج حتى تبقى الأسعار مناسبة للمنتجين. تشكلت مجموعة الدول المستهلكة في المقابل مما جعل من عمليات العرض والطلب في القطاع النفطي غير حرة، أي مقيدة بمصالح مجموعتين كبيرتين تتواجهان عند اللزوم كما تتعاونان في أحيان عدة. تطورت الأدوات المالية النفطية في الأسواق العالمية مما جعل من النفط ليس فقط سلعة تجارية بل أداة استثمار تجذب التوقعات والمخاطر في أهم البورصات في الولايات المتحدة وأوروبا. أصبحت عمليات العرض والطلب معقدة وتتكل ليس فقط على الحاضر بل على التوقعات المستقبلية للسوق التي لا يمكن حصرها. ما الذي يحصل اليوم في أسواق النفط؟ أولا: في الإنتاج هنالك تقلبات كبرى تتلخص في انخفاض الإنتاج الليبي نتيجة الأوضاع العنيفة المقلقة التي تمر بها البلاد، الأوضاع العراقية ليست جيدة وتؤثر على الإنتاج وهنالك تغيرات كبرى في السياسة تنعكس سيطرة على الأرض لمجموعات سياسية دينية متطرفة. في نيجيريا، العنف والفوضى والأمن والخطف تجعل كلها الإنتاج متقلبا بل معرضا للمخاطر مع إبقاء حوالي 3.5 مليون برميل من النفط خارج السوق يوميا. في فنزويلا، من الصعب زيادة الإنتاج لأن الاستثمارات لم تحصل خلال وقت طويل، مما جمد تطور الطاقة الإنتاجية للبلاد. في إيران، موضوع العقوبات بشأن النووي معروف، إلا أن الإنتاج الإيراني سيرتفع أكثر في حال تم الاتفاق مع مجموعة 5 + 1 وبالتالي تعود إيران بقوة إلى الأسواق. أما العقوبات المتزايدة على روسيا بسبب الوضع الأوكراني، فلابد وأن تؤثر على العرض وبالتالي على الأسعار. كل ما سبق يشير إلى أن الأسعار سترتفع إلى حدود أعلى بكثير مما هو عليه اليوم. لم يحصل، لماذا؟ لابد من الانتقال إلى الطلب كما إلى مزايا العرض الجديد. ثانيا: الطلب الأوروبي ضعيف بسبب الأوضاع الاقتصادية التي يمكن وصفها بالركود والتي تحدث تقلبات كبرى اجتماعية وسياسية منها ارتفاع حصة أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات البرلمانية الأوروبية وربما لاحقا في الانتخابات الوطنية. أوروبا في خطر سياسي نتيجة انتشار التطرف الذي يتعزز في أوقات الضيق الاقتصادي. لذا لابد من عمل المستحيل لتنشيط النمو ومحاربة البطالة كما الفقر. ثالثا: ما هي مزايا العرض الجديد؟ هنالك النفط الآتي من الصخور الذي ينتج عبر ضخ المياه تحت الأرض بقوة كبيرة مما يساهم في تفتيتها وتحويلها إلى نفط وغاز. المياه وحدها لا تكفي، بل يجب إضافة مواد كيميائية تقتل البكتيريا وتساعد بل تسبب هذا التفتيت. هنالك من يعترض على هذه الطريقة المعتمدة في أمريكا منذ سنة 1940 في الإنتاج من ناحية التلوث الذي تسببه للمياه الجوفية، وبالتالي يمكن أن تضر بالإنسان والبيئة. تم استخراج النفط من حوالي مليون بئر أمريكي حتى اليوم. إلا أن التجربة الأمريكية خاصة في ولاية بنسلفانيا تشير إلى عكس ذلك بسبب تفتيت الصخور على مستويات منخفضة جدا، بينما تسحب المياه من أعماق أقل بكثير مما يمنع مزج السوائل. أسهم الاستخراج الصخري في إبقاء أسعار الطاقة منخفضة كما في ارتفاع العمالة في القطاع، كما خف الاعتماد نسبيا على الفحم الملوث الأكبر. نشير هنا إلى أن الولايات المتحدة خفضت الاستيراد وتعتمد أكثر فأكثر على الإنتاج الصخري الداخلي وربما تصدر قريبا النفط الخام. انخفض الاستيراد النفطي الأمريكي من 60% من الاستهلاك إلى 28%، مما سحب الضغط على الطلب في الأسواق العالمية. كما أن كندا زادت إنتاجها تعويضا. في غياب هذين العاملين، لشاهدنا ربما سعر نفط في حدود 150$ للبرميل الواحد. رابعا: عطفا على البند السابق، لابد من ذكر انخفاض الطلب الأمريكي على النفط النيجيري الذي تدنى من مليون برميل يوميا في سنة 2010 إلى حوالي 38 ألفا اليوم، مما سمح لآسيا باستيعاب هذه الكمية الآتية من القارة السوداء. أسهم هذا الواقع في تخفيف التشنج في الأسواق، وبالتالي أراحها من ناحيتي العرض والطلب. خامسا: هنالك واقع استثماري جديد في النفط. بينما كانت الشركات ترفع إنفاقها الاستثماري بحوالي 14% سنويا منذ سنة 2005، توقفت عنه بسبب عامل الطلب وعدم إمكان تسويق الإنتاج. تخفض الشركات اليوم إنفاقها الاستثماري، مما يمكن أن يؤثر ارتفاعا على الأسعار في المستقبل القريب. هل يستمر هذا الهدوء في الأسواق؟ ما هي العوامل المؤثرة وكيف تتجه؟ أولا: تشير الإحصاءات إلى أن الإنتاج النفطي خارج مجموعة الأوبك سيرتفع بكمية 1.7 مليون برميل في اليوم خلال هذه السنة بينما يرتفع الطلب 1.4 مليون فقط تبعا لمجموعة الدول المستهلكة مما يساهم في إبقاء الأسعار مستقرة. ثانيا: انخفاض النمو الاقتصادي الصيني مما ينعكس انخفاضا في الطلب على النفط. هنالك تحول كبير في خصائص أسواق النفط أي تبدل مصادر التغيير من العرض في العقود الماضية إلى الطلب اليوم. الطلب يحرك الأسعار اليوم أكثر بكثير من العرض، مما يشير إلى ضعف سيطرة المنتجين على الأسعار. ثالثا: المخزون النفطي الأمريكي هو في أعلى مستوياته بسبب ارتفاع الإنتاج الداخلي مما يساهم في إبقاء الأسعار العالمية منخفضة. يساهم هذا الواقع في إبقاء التوقعات منخفضة كما المضاربات متحفظة لغياب معالم التغيير الواضحة والمحتملة. جميع هذه العوامل تشير إلى بقاء الأسعار مستقرة إلا إذا حدثت مستجدات طارئة إيجابية أو سلبية كعودة الإنتاج الليبي إلى سابق عهده كما الإيراني والعراقي وغيرهما.

763

| 03 سبتمبر 2014

إفريقيا: قنبلة اقتصادية قادمة

إفريقيا هي المنطقة الأسرع نموا اليوم. لن يتعدى النمو الاقتصادي العالمي نسبة 3.4% هذه السنة منها 1.1% لمنطقة اليورو ومعدل 4.6% للدول الناشئة، من ضمنها 5.3% للقارة الإفريقية مع توقع ارتفاع إلى 5.5% للسنتين القادمتين. عدة دول إفريقية تعتبر من الأكثر نموا في العالم اليوم، منها نيجيريا وإثيوبيا وأنغولا. استقبلت إفريقيا 50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال 2013. إذا أضفنا إلى هذا الواقع نسب تضخم منخفضة في حدود 6.7% وعجز مالي يقارب 3.9% من الناتج، يمكننا القول إن القارة الإفريقية ستكون القنبلة الاقتصادية الفاضلة للعقود القليلة المقبلة. تبعا للاقتصادي "وولفغانغ فينغلير" من البنك الدولي، هنالك أمور أربعة تميز إفريقيا وستدخلها إذا ما استمرت حتى سنة 2025 إلى مجموعة الدول ذات الدخل المتوسط. تجعلنا هذه الجوانب الأربعة نثق بمستقبل القارة وهي: أولا: النمو السكاني القوي وغير المتوافر في معظم القارات الأخرى خاصة في الدول الغربية التي تعاني بعضها من تدني عدد السكان. يزداد السكان 2.5% سنويا في إفريقيا أي أن العدد سيرتفع من مليار شخص اليوم إلى 2.4 مليار في سنة 2050 و4.2 مليار في سنة 2100. هنالك واقع سكاني جديد في إفريقيا يتلخص أيضا في ارتفاع العمر المرتقب بالإضافة إلى تخفيض الإنجاب مع الحفاظ على نمو سكاني مناسب. تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نيجيريا ستصبح الدولة الثالثة في العالم في عدد السكان في سنة 2055، أي بعد الهند والصين وتتقدم على الولايات المتحدة علما أن نسبة الإنجاب النيجيري ستنخفض تدريجيا حتى ذلك الوقت. ثانيا: التنظيم المدني الجديد الذي يعزز وضع التجمعات السكانية كما فعالية الاقتصاد مما يساهم في جذب الاستثمارات. ارتفعت نسبة السكان التي تعيش في المدن الإفريقية من 19% في سنة 1960 إلى 39% اليوم وإلى متوقع %50 في سنة 2040. تحتوي القارة على 52 مدينة مليونية كلاغوس وكينشاسا. ينتج عن هذا الواقع انخفاضا في تكلفة النقل، وهذا ما يميز المدن عموما بالإضافة إلى تشجيعه للشركات الصغيرة والمتوسطة في كل القطاعات خاصة الصناعة. ثالثا: التكنولوجيا التي تؤثر على تطور إفريقيا أكثر من أي مكان آخر، لأنها تستثمر من مستويات منخفضة وبالتالي تؤثر بسرعة وقوة على الواقع. رابعا: تتحسن أوضاع الحوكمة والإدارة الاقتصادية مع الوقت، وأن يكن ببطء في بعض الدول. هنالك وعي شعبي للموضوع واهتمام بتطور المؤشرات المالية الأساسية كنسبة الدين العام من الناتج مما يقيد تصرفات بعض الحكام. من الـ 54 دولة التي تتكون منهم القارة الإفريقية، 20 تعتبر ديمقراطية مقابل 4 في سنة 1990. هنالك 400 ألف شركة تتأسس سنويا في إفريقيا مما يشير إلى حيوية الأجيال الجديدة ورغبتها في التطور والتغيير. لا شك أن المستقبل الاقتصادي لن يكون سهلا وهنالك حاجة لتطوير وتحديث وتجهيز البنية التحتية بمختلف زواياها. لا بد من الاستمرار في تنويع الاقتصادات حتى تستفيد من التكنولوجيا المتطورة المستوردة خاصة في الصناعة. تحقيق هذان الهدفان يحتاج إلى الأموال وإلى اليد العاملة المتخصصة وذات الكفاءة، وكلها متوافرة في الغرب الذي يسعى إلى الاستثمار في القارة السوداء مستفيدا من الفوائد المنخفضة وضعف أسواق العمل الداخلية. لذا ارتفعت أجور الخبراء الأجانب في إفريقيا حوالي %30 السنة الماضية. فما الاجتماع الأخير للرئيس أوباما مع رؤساء الدول الإفريقية في واشنطن الا ليؤكد على الاهتمام الأمريكي الجدي في أوضاع ومستقبل القارة. أمريكا تريد المشاركة بل الاستفادة من النمو الاقتصادي الإفريقي في وقت تبقى أوضاعها الاقتصادية الداخلية متعثرة. كذلك تحاول أوروبا بجهد خاصة فرنسا تكبير حجم محفظتها الاستثمارية في إفريقيا بحيث تستورد النمو إليها فتعزز بالتالي حظوظ "فرنسوا هولاند" في الفوز بولاية ثانية في سنة 2017. المؤكد هو أن الصين متقدمة اليوم على الغرب في استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا، وهذا ما يشكل الدافع الأساس للحماسة الغربية الجديدة. ما سبق لا يعني أن الطريق ستكون سهلة، فالقارة السوداء تواجه تحديات كبرى يمكن وصفها كما يلي: أولا: الوضع الصحي حيث ما زال السكان يعانون من أمراض خطيرة خبيثة ومعدية أخرها الايبولا. هنالك أمراض قديمة متجددة كالملاريا والسل والسيدا التي تصيب المجتمعات وتؤخر تقدمها رغم كل الجهود المبذولة محليا ودوليا. لا يكفي استيراد الأدوية والأطباء، بل يجب تطوير البنية التحتية الصحية الداخلية. ثانيا: الحروب المدمرة المستمرة في أكثر من دولة والتي تزيد الفقر فقرا وبؤسا. هنالك أكثر من 500 صراع حصل ويحصل منذ سنة 1990 وينتج عنها الخطف والقتل والبؤس. من نيجيريا إلى الصومال مرورا بالكونغو وإفريقيا الوسطى تبقى القارة مركز النازحين والمهجرين والمضطهدين. الأوضاع الأمنية داخل بعض الدول ما زالت غير مستقرة بل قابلة للانفجار. ثالثا: استمرار التطور الإفريقي يعتمد على تقوية الطلب الداخلي أي القوة الشرائية للمواطنين. المطلوب إذا محاربة الفقر وتحسين الأوضاع الاجتماعية والمعيشية. انخفضت نسبة الفقراء من %50 في سنة 1990 إلى 31% اليوم وهذا غير كاف. هنالك طبقة وسطى يزيد عددها اليوم على 350 مليون شخص والمطلوب أكثر. الأمل كبير بسبب احتواء القارة على المواد الأولية الكثيرة المطلوبة في الإنتاج. الأمل كبير لأن القطاع الخاص ينهض بحيث يستوعب العمالة ويستثمر ويصدر أكثر بكثير من السابق. هنالك في الحقيقة اليوم دولتان تقودان إفريقيا وهما إفريقيا الجنوبية ونيجيريا. في بداية القرن، كان ناتج دولة إفريقيا الجنوبية يشكل %40 من ناتج القارة السوداء مقابل 14% لنيجيريا حيث عدد السكان كان 3 أضعاف. تنحدر الأولى تدريجيا منذ تقاعد مانديلا في سنة 1999. تعاني إفريقيا الجنوبية من تدني مستوى التعليم وارتفاع البطالة إلى %40. بسبب ارتباط الاقتصاد بالغرب، عانت دولة إفريقيا الجنوبية كثيرا من أزمة 2008 العالمية. هنالك فساد وسؤ ممارسة للحكم وغياب للرؤيا تعززت كلها كثيرا منذ انتهاء رئاسة مانديلا. المنافسة السياسية ما زالت مفقودة بسبب سيطرة الحزب الحاكم ANC على المؤسسات مما يسمح للقيادات بممارسة الغش والهدر بالإضافة إلى ضعف الكفاءة أصلا.

2410

| 27 أغسطس 2014

دفاعا عن الاقتصاد الحر

ليس من المستغرب أن نقرأ ونسمع في الإعلام انتقادات لاذعة للنظام الاقتصادي الحر بسبب النتائج السلبية المحققة من أزمات وفساد وإفلاسات وغيرها. إذا راجعنا الماضي القريب، ركز الإعلام الدولي حتى المتخصص منه على أزمات النظام منها سقوط شركات التكنولوجيا والإنترنت، فضيحة "انرون"، سرقات "مادوف" المسجون، هبوط العقارات وسقوط البورصات في سنة 2008 وما بعد وها هو المشهد يتكرر جزئيا اليوم في بعض الأسواق، ارتفاع البطالة بسبب طرد موظفين مع إفلاسات شركاتهم بالإضافة إلى ارتفاع فجوة الدخل بين الطبقات الشعبية. هل هذا هو النظام الاقتصادي الحر المعتمد اليوم في الأكثرية الساحقة من دول العالم؟ لماذا تحصل هذه الخضات الخطيرة التي تصيب الفقراء كما الأغنياء؟ لماذا تعتمد الدول هذا النظام إذا كانت سلبياته كبيرة وخطيرة بهذا الشكل؟ هل تبقى إيجابياته أكبر من سلبياته رغم الكوارث التي حصلت والتي من المرجح أن تتكرر؟ ما هي الجاذبية الحقيقية لهذا النظام؟ لماذا يسيطر هذا النظام على قواعد الإنتاج والاستهلاك العالميين اليوم أكثر من أي وقت مضى؟ لا يمكن لأي شخص أن ينكر هذه النتائج السلبية إلا أن النتائج الإيجابية تبقى كبيرة جدا. يقول "ألان ملتزر" في كتابه عن "لماذا الرأسمالية؟" إنه النظام الاقتصادي الوحيد الذي يحقق بل يعزز في الوقت نفسه النمو والحريات الفردية. على عكس الاشتراكية، يتأقلم النظام الرأسمالي مع أوضاع الدول وبالتالي هو غير جامد. النظام الأمريكي مختلف عن الأوروبي والآسيوي وغيرهما، لكن قواعدهم الأساسية موجودة في كل منها. القاعدة الأساسية هي ملكية وسائل الإنتاج التي تحرمها الشيوعية وتعتمدها الرأسمالية في كل أنواع أنظمتها. معظم القوانين والإجراءات والقواعد التي تحاول عرقلة عمليات العرض والطلب الحرة، حتى الاجتماعية والمعيشية منها، تفشل في تحقيق النتائج المرجوة بل تخفف الفوائد دون أن تعالج المشاكل. إذا قارنا مثلا النتائج المحققة عبر العقود الماضية بين الاقتصاد الأمريكي الأكثر حرية والاقتصاد الأوروبي المقيد أكثر، نرى أن الأمريكيين نجحوا عموما أكثر في النمو ومستوى المعيشة وتنويع الإنتاج رغم الأزمات القاسية التي أصابت بلادهم. الأنظمة الأوروبية سخية أكثر في رعايتها للمواطن والعاطل عن العمل، لكنها في الوقت نفسه تقيد الشركات كثيرا في أنظمتها وقواعدها وإجراءاتها فيما يخص العمل والاستثمار والضرائب وغيرها. من ناحية أخرى، ورغم أن الإطار الذي يحيط بالنظام الاقتصادي الحر ليس جامدا وقاسيا، إلا أنه من المؤكد أن النظام بحد ذاته لا يمكن أن يعالج كل المشاكل والمساوئ التي تنتج عنه بشكل فاعل ومرض. من أين تأتي هذه المساوئ وما هي مصادرها الحقيقية؟ هل المسؤول هو النظام أم المواطن أي الإنسان الذي يعمل داخله؟ معظم مساوئ النظام ناتجة عن الطبيعة الإنسانية لأقلية جشعة تمارس الرشوة والفساد لتحقيق نتائج مالية كبيرة سريعة على حساب المجتمع والاقتصاد والأخلاق. في الحقيقة تكمن أساس المشكلة ليس في النظام نفسه وإنما للأسف في وجود أقلية جشعة غير أخلاقية تسيء إلى الجميع والتي تكون موجودة في كل أنواع الأنظمة وليس الرأسمالي فقط. تكمن المشكلة الثانية في أن قواعد النظام جامدة أي مكتوبة لتغطي حالات عامة عديدة وليس فردية. لا يمكن تغيير القوانين والقواعد كل يوم، لكن الأسواق تتغير كل دقيقة بل كل ثانية مما يسمح للراغبين بخرق النظام بالنجاح بأعمالهم على حساب المجتمع والاقتصاد. يضع مجلس النواب القوانين وتقوم الحكومات بوضع القواعد والإجراءات، وتحتاج هذه المؤسسات الدستورية إلى الكثير من الوقت حتى تشعر بضرورة التغيير بل لتقرر هوية واتجاه التعديلات المطلوبة. من ناحية أخرى، تنجح القواعد والإجراءات والقوانين إذا استطاعت تقريب المصالح الشخصية من العامة. بمعنى آخر تكون القواعد مفيدة اجتماعيا وهذا هو المطلوب أصلا وراء كل قاعدة، إذا استطاعت تقريب التكلفة الخاصة من العامة. مثلا، مقارنة حجم الجباية الضرائبية لتمويل الشرطة أو أجهزة الأمن بنتائج الجرائم التي تحصل إذا لم يتم هذا التمويل. إذا لم تتم هذه المقارنة، لن يقتنع المواطنون بجدواها بل سيحاول دافعو الضرائب التهرب من تسديدها بكافة الوسائل القانونية أو الممكنة. هنالك حقائق مهمة يجب التنبه إليها عند معالجة واقع النظام الاقتصادي الحر: أولا: كلما زادت القيود وتدخل القطاع العام أكثر في الاقتصاد، تعرقلت عملية العرض والطلب الحرة التي يسميها علم الاقتصاد "قانون العرض والطلب". كلما زادت القيود، تعثر النمو وارتفعت البطالة خاصة الهيكلية منها التي تصعب معالجتها. ثانيا: نجح النظام الاقتصادي الحر بتفوق مقارنة مع البدائل أي الشيوعية والديكتاتورية والدينية المتطرفة بشكل خاص التي تقيد الحريات حتى لو استطاعت تاريخيا تحقيق نسب نمو عالية في بعض الأحيان. ثالثا: هنالك مزايا قوية للنظام الاقتصادي الحر هي محافظته على الديمقراطية والحريات الشخصية بالإضافة إلى تحقيق النمو. يتأقلم النظام مع الثقافة والتاريخ والعقلية إذ أن ما يعتمد في السويد مثلا غير الذي يطبق في الولايات المتحدة أو في أستراليا وبريطانيا وغيرها. أما الميزة الثالثة فتكمن في إمكانية معالجة سوء توزيع الدخل ضمن الديمقراطية عبر نظام ضرائبي ونسب مقبولة لا تقتل المصدر وتعالج أوجاع الضعفاء. رابعا: هنالك العديد من قيادات دول اليوم ما زال يعتقد أن تحقيق العدالة الاجتماعية يتوقف على فرض قيود على رأس المال وعلى حرية النظام الاقتصادي. يقول "جون لوك" إن العمل الجماعي هو الجواب الفاعل للمشاكل الاجتماعية بحيث يتم تصحيح خلل الأسواق عبر الاقتراع الذي يؤدي إلى التوزيع الأفضل للدخل وإلى الرقابة العادلة. خامسا: مشكلة الرقابة القاسية أنها تشجع البعض على مخالفتها لغاية الربح والاستفادة الشخصية. كلما كانت الرقابة صارمة أصبحت الاستفادة المحتلمة من مخالفتها أكبر. فالمصارف العالمية الكبيرة خالفت أكثر عندما أصبحت رقابة الدولة عليها أقسى، وعندما قررت المصارف المركزية منع المصارف الكبيرة من الإفلاس فأضرت بالصغيرة والمتوسطة. مشكلة النظام الاقتصادي الحر ليست في المبادئ وإنما في ممارسة البعض بصورة غير أخلاقية.

2382

| 13 أغسطس 2014

الدوافع الاقتصادية لـ "الربيع" العربي

الذي يحل في المنطقة العربية منذ 2010 من ثورات وحركات مضادة مدهش، إذ يؤشر إلى وجود حيوية كبيرة مخبأة في المجتمعات ليس فقط عند الرجال وإنما خاصة عند النساء والأطفال. رغم أن النتائج لم تكن حتى اليوم بمستوى الطموحات، بل أعادتنا إلى الوراء في بعض الدول إنما ما جرى ويجري يعطينا الأمل في إمكانية التغيير النوعي المستقبلي. منذ الاستقلال العربي في منتصف القرن الماضي، كان هنالك تصور سياسي عقائدي واضح ليس فقط في مصر وإنما أيضا في الجزائر وسوريا واليمن وغيرها. كانت الحركات الاستقلالية واضحة في أهدافها وميولها وتحالفاتها وكيفية عملها، أما اليوم فهنالك تخبط على جميع المستويات ربما لغياب القيادات النوعية أو لأن الظروف الدولية تغيرت كثيرا. بنيت الحركات الاستقلالية في مصر وغيرها على ضرورة التنمية والاهتمام بالفقراء والأرياف وجمع الشمل العربي ليس فقط في السياسة وإنما أيضا في الاقتصاد. حتى لو لم تكن النتائج السابقة جيدة، إلا أن المحاولات كانت عديدة وفي الاتجاه الصحيح.في منتصف القرن الماضي، كانت القيادات السياسية العربية مدعومة خاصة من الطبقات الوسطى التي شكلت العمود الفقري للاقتصادات، تشرذمت هذه الطبقات الحيوية بل أصبحت فقيرة بسبب سوء الممارسات والسياسات على مستوى الحكومات والمؤسسات الرسمية وغيرها، تشرذمت أو قضي عليها بسبب سياسات التحرير السريعة بل المتسرعة وغير المدروسة في العديد من الدول العربية مما جعل كبار الشركات والثروات أو حيتان المال المرتبطة بالسلطات السياسية تسيطر على الاقتصاد وتلغي الوسط. في نسبة الإنفاق العام من الناتج في المنطقة العربية، تدنت من 22% في سنة 1975 إلى 14% في سنة 2005 أي أن دور القطاع العام تقلص عربيا على عكس ما حصل في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا وحتى في الدول الغربية. عندما ينحدر الإنفاق العام بهذا الحجم وهذه السرعة، من يخسر؟ طبعا الطبقات الوسطى وما دون.قبلت الشعوب بمصيرها لعقود طويلة ولم تحاول التغيير، ما الذي استجد حتى نزلت إلى الشارع في تونس ومصر واليمن وسوريا والأردن وغيرهم؟ هل استفاقت الشعوب على حقوقها السياسية وحرياتها، أم أن العوامل الاقتصادية المتدهورة هي التي حركت؟.. في رأينا الأسباب وراء ما يعرف بالربيع العربي متعددة ونوجزها كما يلي رغم أن النتائج حتى اليوم لم تعط "ربيعا" لكن الوقت سيشير مستقبلا إلى الفشل أو النجاح.أولا: بدأت التحركات في تونس في 17-12-2010 عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه احتجاجا على الأوضاع العامة في البلاد. كانت الشعوب حاضرة للتحرك لأنها تعبت من سوء ممارسات الحاضر كما الماضي، أي أن لا شيء ستخسره من محاولات التغيير. كانت نسبة النمو في تونس 3.1% في تلك السنة أي نسبة مقبولة وأن لم تكن جيدة. إذا الأوضاع السياسية ترافقت مع نتائج اقتصادية غير باهرة أسهمت مجتمعة في تحريك الشارع. في مصر استقال الرئيس حسني مبارك في فبراير 2011 وتبعتها تطورات كبيرة في معظم الأقطار العربية. كانت نسبة النمو في مصر في سنة 2010 حوالي 5.1% وهي جيدة بكل المعايير، وإن تكن غير كافية لتغيير الأوضاع المعيشية للفقراء والأرياف، الاقتصاد لم يكن العامل الوحيد الدافع للتغيير.ثانيا: في سنة 2005، قامت مؤسسة "زغبي الدولية" باستفتاء الشعوب العربية في إطار نماذج إحصائية علمية تمثلها. سألتها، ما هي أولوياتها بل مما تعاني أكثر؟ كانت الأوجاع الاقتصادية في الطليعة. تركزت الأجوبة على مستوى البطالة وتوافر الصحة والتعليم كما على ضرورة محاربة الفساد، لم تأت الحريات السياسية والديمقراطية إلى في أدنى السلم، طبعا لو كانت الحريات السياسية متوافرة، لما شعرت الشعوب بالوجع الاقتصادي كما كان الحال.. تراكم المشاكل والإهمال الرسمي دفعا الناس إلى الشارع.ثالثا: مع توافر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي وتقدم كل ركائز الاتصالات في سرعتها وأسعارها وامتداد الشبكات خاصة الخلوية، أصبحت الشعوب العربية واعية أكثر فأكثر على أوضاعها مقارنة بما يجري في العالم. لماذا يحق للغير ما لا يحق لنا، وبالتالي تراكم الشعور بالغبن مع الوقت. أصبحت الشعوب العربية واعية أكثر فأكثر على مستوى معيشتها وازدياد فجوات الدخل والثروة بين الطبقات الشعبية كما على خطورة الفساد المستشري على حساب الناس ومستقبلها، لا شك أن سوء الخدمات العامة والاجتماعية المقدمة للفقراء أسهمت في دفع غضب المواطنين إلى العلن وإلى حدود لم نشهدها من قبل.رابعا: سوء السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي استفاد منها الأغنياء بل القسم المرتبط بمصالح الحكام ومتحالف معهم، فالدعم الممارس في قبل العديد من الحكومات العربية للسلع النفطية والمواد الغذائية أرهق الموازنات، وكان الأغنياء المستفيدون الأولون منها لأنهم يستهلكون أكثر.في سنة 2011، بلغت تكلفة دعم الطاقة 41% من إيرادات الدولة المصرية و24% من اليمنية و22% من الأردنية وبقي القليل للحاجات الأخرى. كانت تكلفة الصحة كبيرة جدا على الموطنين لأن ما تقدمه الدولة لم يكن كافيا. هذا كان حال المواطنين في مصر وتونس حيث يضطر المواطن إلى الإنفاق على صحته من جيبه الصغيرة أصلا فوق ما تقدمه له الحكومات، تحاول الدول العربية اليوم تخفيف الدعم وإعطاء معونات مباشرة للأسر والشركات الصغيرة كي تكون هي المستفيدة من السياسات وليس الميسورين.خامسا: لم تكن الثورات لتحصل لو بقي مؤيدو الحكام السابقون على تأييدهم لهم، اهتراء الحكومات بالإضافة إلى القمع وسوء الأداء أفقد الحكم في مصر وتونس وغيرهما التأييد التقليدي لهم من قبل قطاع الأعمال والطبقات الوسطى، تمادى الحكام في الفساد الذي انعكس سلبا على الاقتصاد وأوضاع الفقراء، كانت أجور موظفي القطاع العام ضئيلة ولا تكفي، في وقت لم يكن أداء المسؤولين موازيا للطموحات الشعبية العامة المتزايدة. تعلق المواطنين المتزايد بالدين المحارب للفساد شجعهم أيضا على الانتفاضة ضد الحكام.لا أحد ينكر تشابه الأوضاع العربية في سنة 2010 مع ما حصل في الاتحاد السوفييتي والدول المجاورة له بدأ من سنة 1989، تراكمت الأوضاع السياسية مع الاقتصادية والاجتماعية لتفجر الأوضاع وتعزز غضب الشارع. إلا أن النتائج المحققة في روسيا ودول أوروبا الشرقية هي لا شك أفضل مما هو الحال عندنا، هناك انتقال سياسي واقتصادي واضح معزز بالاستقرار في الدول الشيوعية السابقة لم نعرفه بعد عربيا، هناك تراجع كبير في أوضاع بعض الدول العربية ومنها ليبيا التي تحتوي على طاقات كبرى لكنها تعاني من الفوضى والخراب والدمار والصراعات الذي ستؤخرها سنوات. طبعا لا أسف على معظم القيادات العربية السابقة، إنما نتوقع ممارسات أفضل من الحكام الجدد أينما وجدوا.

1597

| 30 يوليو 2014

التكنولوجيا والتقدم الاقتصادي

الجهود العادية القديمة لا تكفي لتحقيق التنمية الاقتصادية. لا بد للتكنولوجيا المتطورة من أن تلعب دورها الطبيعي في تغيير طرق الإنتاج وفي مساهمة العوامل المادية والإنسانية في تعديل طبيعة ونوعية السلع والخدمات. التكنولوجيا متغيرة دائما، إذ هنا تكمن ضرورة متابعتها وفهمها لإدخالها في الحياة اليومية. هنالك بعض التكنولوجيا الجديدة الصعبة الفهم بالنسبة للمواطن العادي، إذ ترتكز على معادلات رياضية وعلمية معقدة لا تقع في متناول أكثرية المواطنين. هنالك حلقة وصل مفروض أن تكون موجودة بين المؤسسات العلمية من دور أبحاث وجامعات ومختبرات وغيرها من جهة، والمواطنين من جهة أخرى هدفها شرح التطورات وكيفية الاستفادة العملية منها في الحياة. الإعلام التقني الجدي والجيد ضعيف في كل الدول خاصة النامية منها، حيث الحاجة إليها أكبر بكثير.من التكنولوجيا المؤثرة في التنمية تطور قطاعي النقل والاتصالات اللذين غيرا وجه العالم وكانا السبب الرئيس في تحقيق العولمة. في قطاع النقل، تغيرت وسائله في كافة الأوجه أي الأرضية والمائية والجوية من نواحي الأسعار وتوضيب السلع والحفاظ على جودتها والتأمين والسرعة كما التسليم. لم يكن ممكنا تطوير حجم وقيمة التجارة الدولية لولا التطور في عالم النقل الذي يتجاهله الإعلام في معظم الأحيان. للحاويات دور كبير في التجارة والنمو والتنمية الدولية. هنالك الملايين منها تتنقل يوميا بين البحر والأرض فتعرقل السير أحيانا، لكنها أساسية في الاقتصاد. هنالك كتاب قيم جدا لـ"مارك ليفينسون" عنوانه "كيف جعلت الحاويات العالم أصغر والاقتصاد الدولي أكبر" وهو من المنشورات القلائل المتخصصة في هذا القطاع الكبير.يروي ليفينسون تاريخ الحاويات وكيف غيرت التجارة المحلية كما الدولية. سمحت للإنتاج بأن يكون عالميا عبر نقل أجزاء السلع من دولة أو قارة إلى أخرى، فتنتج في الوقت نفسه في أماكن مختلفة. لم يعد مفروضا على المصانع أن تكون قرب المرافئ لأن وسيلة النقل تطورت. يركز على دور "مالكولم ماكلين" صاحب أول شركة عالمية متخصصة في النقل عبر الحاويات بين الأرض والبحر. في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، ابتكر ماكلين الحاويات بحيث سهل وظيفة النقل عبر وضع السلع في "علبة" واحدة تنقل عبر السفن أو الشاحنات أو غيرها. قبلا كانت توضع السلع على الباخرة ،ثم يتم إنزالها، وكان الوقت المهدور كبيرا جدا. لم تتم هذه النقلة النوعية بسهولة، إذ حاول المتضررون خاصة بعض النقابات تأجيل هذا التغيير النوعي منعا لإلغاء بعض فرص العمل التي تصبح حكما غير ضرورية.لكن النقل عبر الحاويات لم يتعزز إلا مع حرب فيتنام عندما اعتمده الجيش الأميركي لنقل السلع لـ 540 ألف جندي أميركي يقاتلون في آسيا. اعتبرت هذه الطريقة الأفضل والأفعل لتأمين وصول حاجات العسكر عبر القارات. سرع هذا الواقع انتشار الحاويات من قبل المواطنين والشركات بحيث أصبحوا مستعدين لدفع التكلفة لتسريع النقل وضمان سلامة السلع. مرة أخرى ينتقل التطور التكنولوجي من العسكر والأمن إلى المجتمعات المدنية. في الإنترنت مثلا، تطورت الخدمة في الجيش الأميركي وانتقلت بعدها إلى الاقتصاد المدني العادي.من ناحية أخرى، كان التركيز الإعلامي والاجتماعي على دور الاتصالات في التطور والتنمية غير دقيق لأن القطاع وحده لا يكفي لتحقيق النمو رغم أهميته. تتطور تكنولوجيا الاتصالات كثيرا خاصة عبر الخليوي الذي سمح للفقراء والشركات الصغيرة البعيدة بالدخول إلى الاقتصاد الدولي. قرب الخليوي العالم تماما كالحاويات بحيث حسن أوضاع الفقراء رغم عدم مساهمته كما يجب في تقليص فجوات الدخل والثروة. هنالك 2.5 مليار شخص يعتاشون يوميا بأقل من دولارين. معظمهم غير موجود في النظام المالي والمصرفي الدولي. الحقيقة إنهم يدخرون، لكن المؤسسات العادية من مصارف وغيرها لا تهتم بمدخراتهم لأن الوصول إليهم صعب ومكلف. 77% منهم لا يملك حساب ادخار في مصرف مما دفع مؤسسات الإقراض الصغيرة إلى الوصول إليهم. تؤمن هذه المؤسسات المبنية على تجربة "غرامين" البنجلادشية القروض لحوالي 200 مليون مقترض، لكن هذا لا يكفي حتما لحل مشكلة الفقر. لأن إدارة القروض الصغيرة مكلفة، فالفوائد تبقى مرتفعة مما يحد من نمو القطاع وانتشاره عالميا خاصة في إفريقيا التي تبقى القارة الأفقر. ضمن هذا الواقع، هنالك بعض الأمل النابع من التكنولوجيا:أولا: تغطي خدمات الخليوي %90 من فقراء العالم وبالتالي يمكن استخدامها لإدخالهم إلى الأسواق المالية. هنالك خدمات مالية يمكن اتمامها أكثر فأكثر عبر الخليوي، بحيث لا يضطر الفقير إلى الانتقال الجغرافي من مكان لآخر. ثانيا: تحقيق الخدمات المالية عبر الخليوي أفضل للفقراء من الطريقة العادية، إذ أن التكلفة حكما أقل وترتكز على السرية المؤمنة عبر الشبكة كما تسمح للسلطات المالية والنقدية بالحصول على إحصاءات ومعلومات تفتقدها لهدف التطوير والتوسع.من الدول التي استعملت التكنولوجيا بذكاء للتطور هي بولونيا وكوريا الجنوبية. منذ سقوط الشيوعية في سنة 1989، تغيرت الأوضاع الاقتصادية إيجابا في بولونيا ليس فقط نتيجة تغير قواعد النظام السياسي وإنما أيضا نتيجة الاستفادة من التكنولوجيا المستوردة خاصة الألمانية. في سنة 2004 انضمت بولونيا إلى الوحدة الأوروبية وتعتبر اليوم سادس أكبر اقتصاد في الوحدة. لبولونيا مشاكل جغرافية مهمة وهي الحدود الغربية مع ألمانيا والشرقية مع روسيا، أي مع دولتين قويتين بكل المعاني. أما الاقتصاد الآخر الناجح جدا فهو الكوري الجنوبي الذي يعتبر من أبرز الاقتصادات الناشئة. منذ 50 سنة كانت كوريا الجنوبية أفقر من بوليفيا والموزانبيق أما اليوم فهي أغنى من إسبانيا ونيوزيلاندا، وذلك بفضل التكنولوجيا المتطورة التي سمحت للشركات بإنتاج أفضل السلع من سيارات وأدوات منزلية وإلكترونية وغيرها. يتعزز التجديد والابتكار في الاقتصاد في الحقلين العام والخاص بفضل التشريعات كما الحوافز المتخصصة. ما زال الاقتصاد الكوري متقلبا كحال الدول الناشئة، لكنه نجح في تكوين احتياطي نقدي هائل يقدر ب 400 مليار دولار مع فائض في ميزاني الحساب الجاري يقدر ب 5% من الناتج وفي الموازنة يقدر ب 1%.

24119

| 09 يوليو 2014

الناتج المحلي والتحولات المطلوبة

يقيس الناتج المحلي الإجمالي مجموع الإنتاج النهائي للسلع والخدمات في اقتصاد معين خلال فترة زمنية محددة، يستعمل الناتج الحقيقي لتقييم حجم الاقتصاد وتطوره من سنة إلى أخرى، أو ما يعرف بالنمو، للمقارنة بين الاقتصادات، لابد من استعمال مؤشرات مكملة كالناتج الفردي الذي يقيم مستوى المعيشة أو ناتج العامل الواحد الذي يقيم الإنتاجية الدافعة الأساسية للنمو والتطور. تصدر الاقتصادات المتطورة إحصاءات عن الناتج فصلية وحتى شهرية كي يستطيع المتابعون والمسؤولون تقييم الأوضاع ومعالجة الخلل قبل تفاقمه. تصدر الاقتصادات العادية أرقاما سنوية وأحيانا متأخرة سنة أو أكثر عن قيمة الإنتاج الوطني وكيفية تقسيمه بين مكوناته الأربعة أي الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي والميزان الخارجي الصافي للسلع والخدمات. بدأ استعمال الناتج كمؤشر أساسي عن حجم، بل قوة الاقتصاد في ثلاثينيات القرن الماضي، أبرز الاقتصاديين الذين كونوه وطوروه هو "سيمون كوزنيتس" Kuznets الروسي الأبيض في الأصل الذي هاجر إلى أمريكا للعمل وحصل على جائزة نوبل للاقتصاد لسنة 1971. الناتج المحلي الإجمالي هو الرقم المستعمل الأكثر في العالم، ليس لأنه مثالي وإنما لعدم وجود إحصاءات أفضل تقيم الأوضاع الاقتصادية وتبدلها. من نواقص الناتج عدم إدخاله عمل ربات المنازل غير المقيم بالإحصاءات، لكنه يؤثر بشكل كبير ومباشر على الاقتصاد والأوضاع العائلية والإنسانية. كيف يمكن تجاهل السنوات الطويلة للعمل المنزلي المهم المؤثر على تربية الأولاد ومستقبلهم. يقول العديد من الاقتصاديين إن السنوات القليلة الأولى للأطفال التي يمضونها في المنزل مع الوالدين، خاصة الأم، هي الأهم في الحياة والأشد تأثيرا على تفكير ونضوج الطفل، يتبعها في الأهمية المدرسة الابتدائية التي تكمل ما بناه الأهل قبلا، مع ضرورة الاستمرار في الإشراف النوعي من قبلهم. من المواضيع الأخرى التي يتجاهلها الناتج هو التلوث وتكلفته والذي يأتي من الإنتاج والاستهلاك، مما يؤثر على صحة الإنسان ونوعية حياته، هنالك أمور أخرى يتجاهلها الناتج ومن بينها التطور التكنولوجي الذي يرفع الإنتاجية ويخفض التكلفة، وبالتالي ينخفض الناتج على المدى القصير ليرتفع فيما بعد بعد أن يكبر حجم الاقتصاد. حاول الكثيرون ومن بينهم "جو ستيغليتز" إيجاد مؤشرات أخرى تقيم، بالإضافة إلى الإنتاج المادي، الأوضاع الاجتماعية والإنسانية والنفسية. فشل بسبب دقة وصعوبة تقييم الأوضاع النوعية، كسعادة المجتمع والاطمئنان والارتياح، كما الاكتفاء الذاتي والعام والقناعة والرضا وغيرها، بالإضافة إلى كل النشاطات المرتبطة باللهو والعطل والفراغ التي يحتاج إليها كل مواطن لمواصلة العمل وتحسين صحته وأوضاعه النفسية والإنسانية. مثلا الناتج المحلي الإجمالي في لبنان هذه السنة أعلى بقليل من ناتج سنة 2013، لكن الجميع يؤكد أن القلق ارتفع وبالتالي أوضاع المجتمع أسوأ نفسيا وشبابيا وسياسيا. لا شك أن هذه الأوضاع إذا ما استمرت ستنعكس على أرقام الناتج، إذ لا يمكن الحفاظ على مستوى الإنتاجية الحالي إذا بقي اللبنانيون غير راضين عن أوضاع بلدهم. هنالك اقتصادات أخرى نجحت في تطوير ناتجها الإجمالي في أجواء استقرار عامة ومنها المكسيك وبولونيا وكوريا الجنوبية. لم نعد نتكلم اليوم عن الاقتصاد الصيني كالماضي، إذ نجح بتفوق وتجربته أصبحت معروفة، ضعف النمو الصيني مؤخرا، لكن هنالك اقتصادات أخرى استفادت من التجربة الصينية لتنجح هي أيضا. لم يعد يكفي الاتكال فقط على إنتاج وتصدير مواد أولية للنمو والازدهار، بل أصبحت مصادر النمو متكاملة ومعقدة وشاملة. في المكسيك مثلا تغيرت الأوضاع كثيرا مع انتخاب الرئيس الجديد "انريكي بينيا نييتو" منذ سنة والذي أعطى دفعا جديدا للاقتصاد بفضل حيويته الشابة وسياساته الجديدة. قبله تدنى النمو الاقتصادي وتبعا لصندوق النقد من 3.6% في سنة 2012 إلى 1.2% في سنة 2013. ارتكز الرئيس على الغنى المادي الموجود في المكسيك ومن بينه النفط واستفاد إلى أقصى الحدود من السوق الأكبر في العالم الموجود شمال الحدود. مع انتخاب الرئيس الجديد اعتقد العالم أجمع، ومن ضمنه المؤسسات الدولية المعروفة، كالبنك وصندوق النقد الدوليين، أن وقت النهوض المكسيكي قد حان وها هي النتائج الإيجابية تبدأ بالظهور مع تحول الاقتصاد تدريجيا من متكل على المواد الأولية إلى مرتكز على الصناعة والخدمات. انتقلت المكسيك من الاقتصادات المنغلقة نسبيا إلى الأخرى الأكثر انفتاحا في العالم. ليس صحيحا أن الاتجاه العالمي الحالي هو في العودة إلى تدخل أكثر للقطاع العام في الاقتصاد، إنما الصحيح هو أن السياسات العامة تختلف بين دولة وأخرى تبعا لأوضاعها ومصالح شعوبها. بينما كانت صادرات النفط تشكل في السابق %75 من المجموع المكسيكي، أصبحت السلع الصناعية هي الأساس، حيث شكلت هي مؤخرا ثلاثة أرباع قيمة الصادرات. من النتائج الأساسية لتغيير السياسات وتدفق الاستثمارات: أولا: ارتفاع الأجور في المكسيك مما يؤثر سلبا على الاستثمارات التي كانت تتوجه أصلا إليها بدافع التكلفة المنخفضة. ثانيا: إلى أين تتوجه الاستثمارات التي كانت تأتي سابقا إلى المكسيك؟ الأجور ارتفعت أيضا في الصين، وبالتالي فإن الاستثمارات الغربية الحديثة، خاصة الأمريكية، ربما تفضل المكسيك على الصين بسبب ارتفاع الإنتاجية وتكلفة النقل المنخفضة نتيجة القرب الجغرافي. ثالثا: هنالك ميزة مهمة للاقتصاد المكسيكي وهو احترامه أكثر من الآسيوي، خصوصا الصيني، للملكية الفكرية التي أصبحت في غاية الأهمية مع تركيز المجتمع الدولي على الإبداع والتغيير والابتكار. رابعا: دخول المكسيك منذ سنوات في اتفاقية شمال أمريكا للتجارة الحرة NAFTA وسع أسواقها وجعلها جاذبة أكثر للاستثمارات الغربية. هل أصبح الاقتصاد المكسيكي الأفضل أو الأمثل في العالم؟ حتما لا، إذ تبقى تحديات كبرى تواجه الرئيس الجديد ومنها الأمن والفساد وتطوير وتحديث البنية التحتية، كما الفوقية، الضروريتين للنمو في الاقتصاد الحديث.

719

| 06 يوليو 2014

alsharq
الكرسي الفارغ

ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين...

4782

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
النعش قبل الخبز

لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل...

3375

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
معرفة عرجاء

المعرفة التي لا تدعم بالتدريب العملي تصبح عرجاء....

2865

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يصنع التاريخ

في ليلةٍ انحنت فيها الأضواء احترامًا لعزيمة الرجال،...

2670

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
نموذج قطر في مكافحة المنشطات

يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في...

2592

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
ملف إنساني على مكتب وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة

في زحمة الحياة وتضخم الأسعار وضيق الموارد، تبقى...

1407

| 16 أكتوبر 2025

alsharq
أين ربات البيوت القطريات من القانون؟

واكبت التعديلات على مجموعة من أحكام قانون الموارد...

1317

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
وجبات الدايت تحت المجهر

لم تعد مراكز الحمية، أو ما يعرف بالـ«دايت...

1014

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
وجهان للحيرة والتردد

1. الوجه الإيجابي • يعكس النضج وعمق التفكير...

948

| 21 أكتوبر 2025

alsharq
القيمة المضافة المحلية (ICV)

القيمة المضافة المحلية (ICV) أداة إستراتيجية لتطوير وتمكين...

822

| 20 أكتوبر 2025

alsharq
دور معلم الفنون في مدارس قطر

في قلب كل معلم مبدع، شعلة لا تهدأ،...

807

| 17 أكتوبر 2025

alsharq
العنابي يحلّق من جديد

في ليلة كروية خالدة، صنع المنتخب القطري "العنابي"...

765

| 17 أكتوبر 2025

أخبار محلية