رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

سعدية مفرح

كاتبة كويتية

مساحة إعلانية

مقالات

489

سعدية مفرح

شكوك عابرة في التاريخ

09 ديسمبر 2024 , 02:00ص

مع كل صفحة تُقلب في دفاتر الحاضر، ومع كل خبر يُنشر في زحمة الإعلام الذي يعصف بنا صباحًا ومساءً، يتسرب شعور غريب إلى أعماقنا: هل نعيش في عالمٍ من الحقائق أم في متاهةٍ من الأوهام؟ يبدو أن زخم التزييف والدجل لم يعد مجرد ظاهرة عابرة بل تحول إلى سمةٍ تلتصق بكل حدث، حتى بات من الصعب الوثوق بأي رواية تُروى أو حقيقة تُقال.

ومع تصاعد هذا الشعور، يتعاظم السؤال المرير: إذا كان ما يحدث أمام أعيننا اليوم لا يسلم من التحريف، فكيف نصدق ما كتبه المؤرخون عن أحداثٍ مضت؟ هل كان الماضي الذي بين أيدينا واقعًا فعليًا، أم أنه حكايات مختلقة نُسجت على هوى الرواة والمنتصرين؟

قيل قديمًا إن “التاريخ يكتبه المنتصرون”، وهي مقولة تفتح باب الشك واسعًا في كل ما نقل إلينا عبر السنين. التاريخ، كما وصلنا، لم يكن يومًا محايدًا؛ بل كثيرًا ما كان انعكاسًا لرغبات السلطة وتوجهاتها. تُسطر الأحداث وفقًا لمن يملك القوة لا لمن يحمل الحقيقة. يُغيب المهزوم من السرد، أو يُلصق به كل نقيصة، بينما يُقدم المنتصر على أنه بطل، حتى وإن كان ذلك على حساب معاناة الآخرين وطمس حقوقهم. ألم يُكتب تاريخ العالم وفق مصالح الإمبراطوريات الكبرى؟ ألم تُشوه حضارات بأكملها لأنها ببساطة كانت خصمًا في لحظة من اللحظات؟

من يتصفح كتب التاريخ يجد نفسه أحيانًا في حيرة بين روايات متناقضة لنفس الحدث. من نصدق؟ أهي مسألة وجهة نظر، أم أن الحقيقة ضاعت في خضم المبالغات المتعمدة من الطرفين؟

وكلما توغلنا في كتب التاريخ، أدركنا أن الحقيقة ليست ثابتة، بل تُصاغ وفقًا للأهداف والمصالح. فالأحداث تُضخم أو تُختصر، الشخصيات تُؤله أو تُشوه، حتى تتحقق الغايات المرجوة من وراء الكتابة.

التاريخ إذن ليس مجرد سردٍ للأحداث بل ذاكرة جمعية تبني هويات الأمم والشعوب. غير أن هذه الذاكرة نفسها يمكن أن تكون أحيانًا انتقائية، تنتقي ما يُعزز الانتماء والفخر وتتجاهل ما قد يثير الشكوك والأسئلة. ألم يتحول التاريخ في كثير من الأحيان إلى أسطورة وطنية؟

الآن مثلاً.. نشهد بوضوح كيف يُصنع التاريخ أمام أعيننا، لكنه يصاغ في الوقت نفسه بطرق مختلفة، تتبدل وفقًا لانتماء الكاتب ومنصته. حدثٌ بسيط قد يتحول إلى أزمة عظمى بفعل التهويل الإعلامي، بينما تُطمس كارثة حقيقية لأنها لا تخدم مصالح القوى الكبرى. ألم نرَ هذا يحدث في صراعات الحاضر؟ في مكان ما، يُصور الضحية كمجرم، والمجرم كبطل، كل حسب أجندة المتحدثين.

وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أننا أصبحنا جزءًا من هذه الفوضى الإعلامية؛ نشارك ونعلق ونعيد النشر، فنساهم، بوعي أو دون وعي، في إعادة إنتاج سرديات مشوهة لا تعكس بالضرورة الحقيقة. من هنا تأتي الحيرة: إذا كان الحاضر نفسه عرضة للتحريف بهذه السرعة، فكيف نثق بما كتبه المؤرخون عن الماضي؟

وفي ظل هذا التشكيك المتزايد، قد يتساءل المرء: هل هناك حقيقة مطلقة في التاريخ؟ ربما لا. فالتاريخ في النهاية ليس إلا مجموعة روايات يكتبها البشر، والبشر بطبيعتهم ليسوا معصومين عن الخطأ أو التحيز. لكن هذا لا يعني أن نسقط في هاوية اليأس أو أن نتخلى عن البحث عن الحقيقة. قد لا تكون الحقيقة كاملة في رواية واحدة، لكنها قد تظهر في التقاطعات بين الروايات المختلفة. كل حدث تاريخي يحمل بداخله بذورًا من الصدق والكذب معًا، وما علينا إلا أن نقترب بحذر، ونستمع إلى كل الأصوات، حتى تلك التي سُكتت عمدًا. قد لا نملك الحقيقة المطلقة، لكننا نملك الشك، والشك في زمن الأكاذيب هو أول بوابة نحو الحرية.

اقرأ المزيد

alsharq توطين الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي القطري

يشهد قطاع الرعاية الصحية في قطر ثورة رقمية مع تصاعد دور الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض وعلاجها. ومع... اقرأ المزيد

354

| 23 أكتوبر 2025

alsharq بين الفكر والروح

من الأوقات الصعبة على أيِّ مبدع أن ينتهي من كتابة رواية أو ديوان، وتتوقف الروح لبعض الوقت عن... اقرأ المزيد

165

| 23 أكتوبر 2025

alsharq النظام المروري.. قوانين متقدمة وتحديات قائمة

القضية ليست مجرد غرامات رادعة، بل وعيٌ يُبنى، وسلامةٌ تُصان، وحياةٌ تُدار بانسيابية ومسؤولية. لا أحد ينكر مدى... اقرأ المزيد

339

| 23 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية