رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لعل ما يجري الآن بوتيرة عالية من حركتي الاحتجاج على سوء الأحوال الاقتصادية واستفحال الفقر والبطالة في تونس والجزائر يدعونا للحركة من أجل تأكيد الخطاب الإسلامي الأصيل الداعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية والحفاظ على حقوق الإنسان دوماً والذي أثبت فعاليته بمر العصور على وجه التغليب وبحيث انه كلما غاب تطبيقه يعيش الناس في الشقاء والتعاسة وتراق الدماء غزيرة للوصول إلى شيء من السعادة، ففي تونس بلغ عدد القتلى من الثائرين المحتجين حوالي عشرين على أيدي الجيش بعد أن فشلت قوات الشرطة في إلجامهم، ناهيك عن القتلى الذين سقط بعضهم انتحاراً والآخرين الجرحى نتيجة المواجهات التي دخلت أسبوعها الرابع بين صوت الرصاص الحي وصراخ المتظاهرين العزل من السلاح، إضافة إلى الصدامات التي تلقاها مجموع المحامين ضربا وركلاً، مما جعل الاتحاد العام التونسي للشغل يدين هذه الأفعال غير المسؤولة التي زادت المحرومين قهراً بدل حل مشكلاتهم والكل أبناء وطن واحد يجب ألا يتضرر فيه أحد على حساب أحد ويجب أن يصان حق الأمن والغذاء للجميع وفي المشوار الناري نفسه هبت حركة احتجاج الشبان في الجزائر وربما لم يكن من باب العدوى من تونس لأن الجزائريين أشداء كذلك ولا يمكن أن يستمروا على ما يسمى الصبر على ضيق المعيشة والغلاء إلى هذا الحد، ولذلك فقد قبلوا التحدي وسقط منهم عدة قتلى ومئات الجرحى، إضافة إلى مئات آخرين من رجال الأمن ومازال اللهيب مشتداً وعلى حين تذهب حكومتا البلدين إلى أن ما يجري يمكن أن يبدأ بعلاجه والنظر فيه مع التهديد بيد الحديد وبلا هوادة لمنع من وصفتهم بمثيري أحداث الشغب، والذين لم يكونوا حضاريين في احتجاجاتهم التي لم تكن سلمية، حيث حرقوا وضربوا ونهبوا ممتلكات الآخرين واعتدوا على الأجهزة الحكومية العامة والخاصة، يذهب الثائرون المتظاهرون الغاضبون وغالبهم تصل نسبتهم إلى 75% من الشباب إلى أنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى فتمادت الحكومات في طغيانها، حيث لم تصغ للدين ولا للقانون الآمرين بالعدل والحق، ويقولون: قد صبرنا إلى أن مل من صبرنا الصبر، حيث كنا كلما تأملنا شيئا خذلنا فهم كما قال البحتري:
شر العواقب يأس قبله أمل
وأعضل الداء نكس بعد إبلال
أو كما قال راجي الراعي: أكبر القتلة قاتل الأمل، فإنهم قد غدوا بلا أمل في الحياة ويحاربون في قوتهم وعيشهم والجدير بالذكر أن الكثيرين منهم حملة الشهادات العليا والمؤهلات المعتبرة ويعتذرون عن انتحار أخيهم الذي أحرق نفسه بالبنزين جراء مصادرة عمله البسيط وهو بأمس الحاجة أنه إذا كان ريختر يقول: وإن اليأس هو انتحار القلب، فإن صديقهم أو ملهمهم لثورة سيدي بوسعيد قد احترق قلبه قبل جسمه فعبر بإضرام النار فيه إذا اسودت في وجهه الدنيا وأنا اعترض هنا بمداخلة أن الانتحار لا يجوز البتة مهما كانت الظروف والمظالم وأحمل الجميع مشكلة هذا الفراغ الديني الذي بسببه يحدث مثل هذا، وإن كنت ممن يجيز الصلاة على الميت المنتحر لأن أصله مسلم موحد ولو ارتكب كبيرة قتل نفسه، كما قال العلماء ثم هم يقولون أيضا كيف يمكن أن نحب خصومنا والحال أن الفقر إذا دخل من النافذة فإن الحب يخرج من الباب، وإذا اعتبرونا مجرمين فإن الفاقة أم الجرائم، كما قال كابرولي، ثم هم يعتزون بأنه لا الفقر يستطيع إذلال النفوس ولا الثروة تستطيع أن ترفع النفوس الدنيئة كما قال فونتارغ، حيث إنهم على حين يرون أصحاب السلطة يصطادون الفيلة فإنهم كفقراء غير مستطيعين أن يصطادوا حتى البق، ثم هم يناقشون بكل ثقة مستدلين بالحديث الذي أورده العجلوني في كشف الخفاء "2/141" من رواية أحمد بن منيع عن الحسن أو أنس مرفوعا كاد الفقر أن يكون كفرا، وكذلك تعوذه صلى الله عليه وسلم من الفقر فيما رواه النسائي وصححه ابن حبان عن أبي سعيد كما في المرجع نفسه وموضعه (اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر) ثم ألم يقل لقمان الحكيم: وذقت المرارات فلم أر أمر من الفقر، ألم تجمع الأديان كلها على العناية بالفقراء حتى جاء الإسلام وأوجب ذلك حتما بدءا من المرحلة المكية بالحض على طعام المسكين والمحروم وانتهاء بالمدنية التي أصلت نصوص الزكاة والصدقات، انظر القرضاوي فقه الزكاة "ص/152"، أتروننا مشاغبين جانحين والفقر أبو الجرائم كما قال (الابرويبر) بل إن حق الفقير إنما يستلبه الغني كما قال علي رضي الله عنه: ما جاع فقير إلا متع به غني، إنهم يؤكدون أنهم ما خربوا إلا غضبا وانتصارا للحرية وانتزاعا لها من أيدي الغاصبين المستبدين الذين يخيطون الألسنة ويكسرون الأقلام الحرة فهم مع (سبينوزا) أن القوانين التي تلجم الأفواه وتحطم الأقلام إنما تهدم نفسها بنفسها، ويردون على من يتهمهم بالسرقة للممتلكات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يقطع الأيدي في عام الرمادة والبعض إن فعل فإنه محتاج وعلى الدولة أن تتحمل وكما يقول المثل العربي: الحاجة لا تعرف القانون ويستأنسون بقول جبران خليل جبران: هل الخوف من الحاجة إلا الحاجة بعينها؟ وقول الشاعر:
وإذا لقيت صعوبة في حاجة
فاحمل صعوبتها على الدينار
ويقولون: إن ثروات البلاد محصورة في عائلة معينة أو حزب محدد أو شلة منتفعة، فأين تداولها الذي أمر به الإسلام مع أنهم يستحقونها إما لجدارتهم بها أو لفقرهم وضغط الحياة عليهم ويستدلون بقول أبي حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، على ولي الأمر تزويد العامل بآلة العمل وإن كان عاجزا أو مريضا أو ذا شيخوخة فعلى الدولة تأمين حاجته من بيت المال وفي مقابل مقاومة الغلاء في الأسعار حيث التضخم فلابد من وضع السعر ومراقبته حتى لا يزيد التجار، حيث يؤكد ابن القيم رحمه الله أن على صاحب السوق منع الزيادة ومن خالف عوقب وأخرج من السوق وأن المجتمع الإسلامي قائم على التكافل وهو التساند الذي أقامه النبي صلى الله عليه وسلم خاصة بين المهاجرين والأنصار وأن على الدولة كذلك أن تكفل حد الكفاية، "انظر د. أحمد العسال النظام الاقتصادي الإسلامي ص 10"، وهو ما يطلقون عليه اليوم: الضمان الاجتماعي، ثم يقول هؤلاء إن البطالة التي ضربت فئة الشباب في البلدين ظاهرة خطيرة جدا وان معدلاتها تتجاوز المقاييس العالمية وأنها في تفاقم مستمر وقد تجاوزت بين الشباب الخريجين 25% على ما أكده خبراء اقتصاديون جزائريون وقريب منها في تونس، مما أدى حقيقة إلى انعكاسات وآثار خطيرة من الاقصاء والتهميش بل الجنوح أحيانا وعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي وإضعاف العلاقة بين الأفراد والمجتمع وزاد من حدة الفوارق بين مستوى الترف والشظف، إن هؤلاء المحتجين يؤكدون أن ما تسميه الدولة تخريبا إنما هو للفت نظرها جديا إلى المعالجة، وهذا ما جعل الحكومة تتحرك بعد تحرك الدماء من الفريقين إلى البدء في الحل ورأت مثلا أن تخفف أسعار الضروريات 14% قبل يومين ثم أمس صرحت بأنها رفعت النسبة إلى 41%، ثم دعا المحتجون إلى إنصاف العائلات المحرومة من السكن الاجتماعي في الجزائر، حيث هددت 17 عائلة بالانتحار وقامت امرأة فعلا بمحاولة طعن نفسها حدث هذا وسابقة في باب الوادي وهي ديار الشمس في العاصمة، ويتساءل المحتجون اعذرونا إذا رشقنا بالحجارة من يدافع عن الظالمين ضد الضحايا وإذا أقمنا المتاريس في وجه جبروتهم واغتيالهم للشباب البريء، فالصراع لابد أن يدوم فللحرية ثمن باهظ أين ثورة الإعلام معنا والشد على أيدي الأحرار والشرفاء أين من يرفع صوته بأننا في الجزائر بلد غني مصدر للنفط ولكن شعبه فقير أي سوء إداري هذا حتى يضطر الشباب للبحث عن الرغيف قبل العمل لا تلومونا في هبتنا بل لوموا من يدخل البلاد في الأزمات الذي جعل الفقر سببا لولادة ونشأة البطالة، إن البطالة هي الظاهرة الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي تحدث الفراغ القاتل في الأوقات، كما قال المفكر ديل كارينيجي ساعات الفراغ أخطر الساعات، وبدل أن تنفق في ذلك فلتنفق في العمل، ثم يقول التونسيون كم هي إيرادات الموسم السياحي في تونس التي تؤمها الملايين وماذا يأتي الشعب من فائدة من هذا الإيراد للمحرومين على حين يتمتع السائحون أهل الفراغ الحقيقي وكذلك أصحاب السلطة بملء الجيوب.
وإننا بعد هذا التعليق السريع الذي لامس الأحداث ولم يسبرها لابد أن نعزز نصائحنا للحكومتين من جانب وللشعب خاصة الشباب أن يعمل الجانب الأول على: تقوى الله في شعوبهم المقهورة وحل مشكلتي الفقر والبطالة وعلى التعامل بالحوار مع الرعية وليس بالحديد والنار والاستكبار غالبا وأن يضربوا السيف الأعزل بوردة لا برصاصة وأن يرجع الجيش إلى ثكناته وأن يستغلوا الطاقات الشبابية فيشغلوها ولا يقتلوها أو يقيموا للعاجزين نظام التكافل الإسلامي، فالدولة بحر يجب أن يستوعب كل ما يصب فيه وأن يعملوا على تداول الثروة والسلطة ليتحقق العدل الواقعي أما الشعب الثائر والشباب الهائج اليوم، فمع حركتهم لابد أن يقوم كل قادر ولو على عمل بسيط أن يقوم به فإن الله لا يحب الرجل البطال كما في الأثر ومن تعطل وتبطل دون عذر فقد انسلخ عن الانسانية وصار من الموتى "انظر كتاب البطالة وعلاجها لجمال حسن السراحنة من ص 240" وذلك حتى لا نشارك في مشكلة الضياع العام وقد تعوذ رسول الله من العجز والكسل وليتمثلوا بالأشعريين حين الفقر، حيث يقسمون ما عندهم بينهم حتى تنجلي الليالي السود ويطلع فجر الفرج ويراجع الجانبان الحساب على فهم الإسلام.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1248
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
804
| 10 ديسمبر 2025