رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
طالت الخسائر غير المسبوقة على الاقتصاد العالمي لجميع الدول، ومن المتوقع أن تستمر فترة كبيرة لمعالجتها وستختلف الأمور من دولة لأخرى حسب ملاءتها المالية والاحتياطات النقدية التي ستمكّنها من الإنفاق على خطط التحول المطلوبة باقتصاد ما بعد كورونا. رغم الاتفاق على أهمية خطط التحفيز الضخمة التي رصدتها الحكومات حول العالم للتعافي من تداعيات الفيروس، إلا أنها حملت معها تأثيرات سلبية تستمر بالضغط على الاقتصاد العالمي بعد إنقضاء الجائحة.
صحيح أن خطط التحفيز المالي والنقدي كانت ضرورة قصوى لتجنّب الدخول في كساد عظيم، إلا أن هذه الخطط أغرقت العالم بالسيولة والقروض الرخيصة التي أغرت المتعثرين وغير المتعثرين في الاقتراض بنحو لافت رغم ضبابية المشهد الاقتصادي. وعلى أعتاب الخسائر التي أدّت إلى شلل في الاقتصاد العالمي، نتوقع أن تكون هناك دول غير قادرة على تخطي النتائج الفادحة التي خيّمت على نشاطها المالي والتجاري، وتبقی الدول القوية التي تمتلك الاحتياطيات الجيدة إضافة إلى الصناديق السيادية، هي المؤهلة لتخطي الركود المتوقع، كذلك بعض دول الخليج التي حافظت على أسس اقتصادية جيدة رغم الخسائر. إن دعم القطاع الخاص والعمل على إعادة برامج الإنفاق والتوجه نحو تنوّع الاقتصاد، كل ذلك سوف يعزز من الاستقرار في الاقتصاد العالمي.
التحفيز سلاح ذو حدين، لأنه في حالة تعافي الاقتصادات بصورة سريعة ورجوع الاقتصادات العالمية إلى ما كانت عليه، سيكون ذلك بمثابة تمويل قصير الأجل، ساعد في تعافي الأسواق والحفاظ على عدم حدوث خلل في الاقتصاد العالمي. في المقابل، في حالة عدم التعافي السريع سوف يدخل السوق العالمي في موجة من التضخم أو الكساد التضخمي، أي زيادة الأسعار مع انخفاض انعدام القدرة الشرائية لدى المستهلكين، مما يكون له أثر سلبي كبير على الاقتصاد. أظهرت تقارير أن هناك عددًا من القطاعات سوف تتصدر المشهد الاقتصادي العالمي جرّاء انتشار الفيروس، أولها: "الصيدلة والمعقّمات" والتي لمع بريقها مع انتشار الجائحة عالميًا، حيث تسبب الانتشار في تهافت الناس من جميع أنحاء العالم على الصيدليات بقصد شراء المطهرات والمعقمات والفيتامينات والأقنعة "الكمامات" وغيرها من الأدوية بهدف الاحتفاط بكمية مناسبة منها للاستخدام الشخصي.
وجاء قطاع التجارة الالكترونية ثانيًا حيث ازدادت عمليات الشراء عبر الانترنت نتيجة تجنب الأماكن العامة، وشهدت عمليات التجارة الإلكترونية المرتبطة بقطاع التجزئة نموًا ملحوظًا، بالإضافة إلى زيادة عدد زوار المواقع المخصصة بعرض المنتجات وزيادة أعداد الذين يقومون بعمليات الشراء، كما احتلت التطبيقات الذكية ثالث القطاعات المتصدرة، ففي ظل الوضع الراهن ورغبة العديد من العملاء في تجنب الخروج من المنزل والاختلاط بالعامة قدر الإمكان، ارتفع الطلب على التطبيقات الذكية التي تساعد في تقديم الخدمة عن بعد.
وجاء قطاع التعليم عن بعد وكل مخرجاته الاقتصادية رابع القطاعات الأكثر نموًا على المستوى العالمي، حيث قامت معظم دول العالم مؤخرًا بتطبيق نظام التعليم عن بعد في مدارسها وجامعاتها. وجاء قطاع تأسيس منصات الذكاء الاصطناعي خامس أهم القطاعات حيوية مع انتشار الجائحة عالميًا، حيث دخلت تقنيات الذكاء الاصطناعي على خط المواجهة ضد تفشي كورونا بشكل كبير، وذلك من خلال استخدام البرامج التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لإيجاد الحلول المباشرة في ظل التباعد الاجتماعي المفروض.
أما علی صعيد القطاعات الأكثر تضررًا من جرّاء انتشار الجائحة عالميًا، كان قطاع السياحة والسفر الأكثر تضررًا، حيث تشهد معدلات السياحة العالمية تراجعاً ملحوظاً بسبب انتشار الجائحة، ويمثل التراجع ما نسبته 1-3. %
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إنه خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام تراجعت حركة السياح الأجانب إلى الدول بأكثر من النصف وتمت خسارة نحو 320 مليار دولار من العائدات السياحية، وقد تصل الخسائر الإجمالية لعام 2020 الى أكثر من 900 مليار دولار، بحسب أرقام الأمم المتحدة.
واحتلّ قطاع "الطيران" ثاني القطاعات الأكثر تضرراً، حيث تأثرت شركات الطيران بشكل خاص بانتشار فيروس كورونا بسبب تطبيق قيود السفر في معظم دول العالم، حيث قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إیاتا" إن خسائر القطاع تبلغ 419 مليار دولار حتى الآن.
واحتل قطاع الفنادق وخدمات الضيافة ثالث القطاعات الأكثر تضررًا، ويشار إلى أن الأسعار المتعلقة بحجز الفنادق قد انخفضت بشكل كبير. ويمثل قطاع "التصدير" رابع أكبر المتضررين، حيث انخفضت صادرات الصناعات التحويلية في جميع أنحاء العالم، كما تضرر قطاع الخدمات اللوجيستية بسبب انتشار الفيروس. ويعد قطاع "التجارة والخدمات" أحد أهم المتضررين نتيجة الجائحة، كما أن قطاع السیارات يعتبر أحد أبرز القطاعات المتضررة عالميًا.
ذكر تقرير لمنظمة العمل الدولية، أن 200 مليون من الموظفين بدوام كامل فقدوا وظائفهم بسبب "كوفيد-19" بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير على نحو 2،7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم. أنهك الوباء العالم، الذي توهّم أن الأوبئة القاتلة صارت جزءًا من الماضي، أنهك البشر وسجّل في القتل رقماً مخيفاً وفي الإصابات رقماً مقلقاً. أنهك الدول أيضا.، وهزّ الاقتصادات وشلّها وفكّك سلاسلها وعطّل مصانعها وأسكت الطائرات والقطارات، وضرب السياحة وترك الفنادق والمطاعم والأسواق في عهدة الفراغ والكآبة، كما دفع عشرات الملايين إلى البطالة وعدداً هائلاً من الشركات إلى الإفلاس. وأفقر الوباء الناس ووزّع عليهم أرغفة الخوف والقلق وأرغمهم على الإقامة وراء كماماتهم يتساءلون يومياً عن الأرقام القياسية الجديدة التي حققها هذا القاتل المتسلسل. وقَصَمَ الوباء ظهر المستشفيات وأصاب الأطقم الطبية، وضرب المحاصيل وألحق ضرراً فادحاً بالتعليم.
كان العالم في أمسّ الحاجة إلى بارقة أمل؛ أملٍ في اكتشاف اللقاح ووصوله إلى الجميع وأملٍ في تضميد جراح الاقتصاد العالمي على قاعدة التضامن في مواجهة الكارثة ومساعدة الدول التي ترزح تحت أعباء الديون أو الفقر. من حسن الحظ أن قمة الرياض لمجموعة العشرين بعثت برسالة الأمل هذه، عبر التأكيد على "توزيع عادل ميسَّر للقاحات" والتشديد على "حشد طاقات الدول المشاركة لمعالجة المشكلات الاقتصادية التي نجمت عن الجائحة". وقد بدأ العالم يلمس جدية هذه التأكيدات، على رغم من ملاحظة اللاعدالة الموصوفة والمعايير المزدوجة التي تطبّق وتميّز بين دول غنية وأخرى فقيرة.
ونحن نودع العام 2020، نرجو أن يحمل العام 2021 معه عودة الرجاء والأمل بانتهاء مرحلة تُعتبر الأسوأ في التاريخ الحديث، والبدء في إعادة ترميم وإعمار ما دمّرته جائحة أثقلت كاهل البشرية وهي ستترك ندوباً عميقة في مختلف قطاعاته الاقتصادية لأعوام طويلة..
وكل عام وأنتم بخير.
والرئيس الفخري لرابطة مراكز التجارة العالمية
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
147
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
210
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
345
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4188
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1749
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1713
| 07 ديسمبر 2025