رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لو تصفحنا وقرأنا وسمعنا السرديات السياسية التي يتداولها الدبلوماسيون في القارات الخمسة لأدركنا دون عناء أن العبارة المفتاح هي بلا منازع: (قطر هي الشريك الموثوق به في إحلال السلام والذي من الصعب الاستغناء عن وساطاته الخيرة للقضاء على بؤر التوتر والعنف في العالم) وأخيرا عند زيارة وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني الى الدوحة أكد في مؤتمر صحفي أن سوريا ما بعد سقوط الطاغية تعتبر دولة قطر الشريك الاستراتيجي الأول في بناء سوريا وإعادة إعمارها وإنقاذها من مخاطر عودة الفتنة والردة. وهذا المعنى نفسه شدد عليه معالي رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الذي قال إن مواقف قطر لم تتغير منذ سنوات لأن الدوحة متمسكة بالشرعية وكانت أول من رفع الراية السورية الأصيلة فوق سفارة دمشق لديها وكذلك أول من أوفد سفيرا قطريا لسوريا المنتصرة على الاستبداد والوحشية.
ومن جهته حين زار وزير الدولة بوزارة الخارجية د. محمد الخليفي دمشق الأسبوع الماضي أكد للقيادة الجديدة نفس المعاني متزامنا مع وصول طائرات قطرية محملة بمعونات الأدوية وغيرها للشعب السوري الخارج من شبه جحيم لخصت كوارثه مشاهد من المقابر الجماعية ومن سجن صيدنايا الرهيب كما أعلنت من جهتها الخطوط الجوية القطرية بأنها ستسير رحلاتها التجارية بالمسافرين من الدوحة الى دمشق يوم 7 يناير ( أي تمت الرحلة يوم الثلاثاء الماضي)
* وكتب موقع إيلاف يقول: «لا تزال العيون متجهة إلى العاصمة القطرية الدوحة، لترقب ما ستفرزه نتائج المباحثات المستمرة بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وعقد صفقة لتبادل الأسرى بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس وسط تفاؤل حذر بإمكانية نجاح جهود التوصل إلى اتفاق هذه المرة. ورشحت معلومات عديدة خلال الساعات الأخيرة تتعلق بتفاصيل المفاوضات وبنود متعلقة بالصفقة المحتملة في ظل الحديث عن موافقة حركة حماس على قائمة تضم 34 أسيرا إسرائيليا لضمهم للمرحلة الأولى من الصفقة بشرط أن يكون مقابلهم ثمنا مناسبا.
وأعلن سعادة الدكتور ماجد الأنصاري الناطق الرسمي باسم الخارجية القطرية بأن فريقا فنيا من مطار حمد الدولي انتقل الى دمشق للمساعدة على تشغيله وأن فريقا قطريا مختصا في أمن المطارات يساعد السوريين على نقل المسافرين من وإلى دمشق. وهو ما ثمنه وأشاد به المدير العام لهيئة النقل الجوي السوري. أنا أعتقد أن قطر وهي تدرك أن المنطقة تمر بمطبات وأن العالم كله يعاني أوضاعا دولية منذرة بالأخطار لكنها حسب رأيي المتواضع اختارت أن تشعل شمعة تبدد الظلام عوض الاكتفاء بشتم الليل المظلم. هذا من جهة.
ومن جهة ثانية أكــد تـقـريـر لـصـحـيـفـة (نــيــوز مــاكــس) الأمـريـكـيـة أن قطر ستكون حليف الرئيس المنـتـخـب (دونــالــد تــرامــب)، خـصـوصـا وهــو يسعى لتحقيق أجندة سلام طموحة في تصريحه خلال الأيام الأولى للإدارة الـجـديـدة وبـيـنـمـا كان أيضا يـتـفـاوض عـلـى تـسـويـة للحرب فـي أوكـرانـيـا فربـمـا يتطلع الرئيس (ترامب) إلــى قـطـر لـلـتـواصـل مــع حـمـاس وإيـــران وطـالـبـان وغيرها للمساعدة فـي حـل الـصـراعـات فـي الشرق الأوسط؟
*وفي مقال الرأي الذي كتبه (برنارد بي كيريك) على الصحيفة الأمريكية قال: «إذا كان للتاريخ أي دليل فسوف تثبت قطر أنها شريك موثوق وجدير بالثقة ليس فقط للرئيس (ترامب) بل للـولايـات المتحدة منذ سنوات. و كما صرح (ترامب) بأنه يسعى الى استعادة المفاوضات التي انقطعت بين إسرائيل وحماس بشأن وقـف إطلاق النار في غزة والافراج عن الرهائن وبالطبع فكر في تفعيل عملية الوساطة الخيرة القطرية لتنفيذ ما أعلنه من ضرورة إنهاء حربي الشرق الأوسط وأوكرانيا وهو لا شك يسترجع أو يتمنى تكرار النجاح الـذي حققته قطر في نوفمبر 2023 عندما تمكنت وساطتها الناجحة من وضع حد لحرب ضروس مدمرة بين الولايات المتحدة وطالبان وقال: إن إدارتي الجديدة ستقدم الكثير من التشجيع مـن أجـل الـتـوصـل الى مفاوضات بين حماس وإسرائيل تؤدي إلـى اتـفـاق يــرى انـتـهـاء الـصـراع فـي غــزة وعــودة الـرهـائـن بــأمــان إلــى عــائلاتــهــم مؤكدا أن هـنـاك قـضـيـة أوســع وأكـثـر جــوهــريــة يــجــب عــلــى الــكــثــيــريــن فــي (الـكـابـيـتـول هـيـل) أن يـنـاقـشـوهـا وهــي أن أمـريـكـا تـحـتـاج إلـى أصـدقـاء يـمـكـنـهـا الاعـتـمـاد عـلـيـهـم إذا كـانـت تـريـد تـعـزيـز المـصـالـح الأمـريـكـيـة وإحلال السلام في الشرق الأوسـط المعقد والمضطرب. وقد تم التأكيد عـلـى هـذا الـتـوجـه بـعـد الإعلان بأن بـشـار الأســد قد فـر مـن ســوريــا وهــو حــدث مـزلـزل فـي الـجـغـرافـيـا الـسـيـاسـيـة لـلـمـنـطـقـة. ومن هنا انــطــلــقــت الأســئــلــة: كـيـف سيؤثر رحيل الأسد على المصالح الأمريكية؟ ماذا سـيـعـنـي ســقــوط نــظــام الأســـد بـالـنـسـبـة لـروسـيـا؟ وماذا يعني هذا بالنسبة لإيــران الـتـي دعـمـت الأســد أيــضًا والـتـي خـسـرت وسقطت قطعتها القوية على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط؟ وتابع كاتب المقال قائلا: «أرسلت قطر مبعوثًا إلى دمشق وهي مثل الولايات المتحدة عارضت منذ فترة طـويـلـة حـكـم الأســـد الاستبدادي لـكـن الـقـطـريين لـديـهـم اتـصـالات مـع الـجـمـاعـات الـعـرقـيـة والدينية والسياسية المتباينة في سوريا وهو ما تفتقر إليه الولايات المتحدة فقطر تشارك واشنطن لأن مصلحتنا نحن الإثنين هي في تحقيق الاستقرار والأمن في مرحلة ما بعد الأسد فـي سـوريـا.
* والمثال الـسـوري هـو رمـز لـلـدور الـذي تلعبه قـطـر كحليف للولايات المتحدة فـي الـشـرق الأوسط. لقد اتبعت قطر منذ فترة طويلة سياسة الـبـاب المفتوح فلا تنسى واشنطن أن قطر أقدمت بشجاعة وذكاء عـلـى استضافة مكتب سياسي لـحـمـاس والــذي بـدوره سمح للدوحة بالتفاوض بنجاح على إطلاق سراح الــرهــائــن فــي الــعــام الماضـــي. وخـارج نطاق الشرق الأوسط سـاعـدت قـطـر فـي الـتـفـاوض عـلـى إطلاق ســراح 10 أمريكيين مـحـتـجـزيـن فـي أوكـرانـيا في العام 2023 وتفاوضت على إعـادة 22 طـفلا مختطفا في فينزويلا فـإن قطر تمنح الولايات المتحدة قناة خلفية للتفاوض مــع خــصــوم أمــريــكــا بنية إحلال السلام وبسط الأمن. وطبعا تنتبه الدبلوماسية القطرية الى نوايا القوى العظمى ومناوراتها لكنها تعرف أن إقرار السلام في الشرق الأوسط وإنهاء حرب الإبادة التي يكابدها الشعب الفلسطيني الشقيق يقتضيان مراعاة تقاطع المصالح الذي هو جوهر العلاقات الدولية.
قطر.. صمود وطن وصناعة مجد
شهدت بلادُنا الغالية خلال العقد الأخير سلسلةً من التحدّيات الكبرى التي عصفت بالمنطقة، بدءًا من الأزمة الخليجية، مرورًا... اقرأ المزيد
33
| 18 ديسمبر 2025
قطر كحل العين...
• نحب الوطن لأنه ولد فينا، ونحبه لأنه يحتوينا ويحسن إلينا، حتى يصبح الحب والإخلاص والوفاء سلوكا متجذرا... اقرأ المزيد
27
| 18 ديسمبر 2025
بِر الوطن
في اليوم الوطني، كثيرًا ما نتوقف عند ما قدّمه الوطن لمواطنيه ومقيميِه من أمنٍ واستقرار وفرص. غير أن... اقرأ المزيد
42
| 18 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
711
| 16 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
708
| 11 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
639
| 12 ديسمبر 2025