رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. سلوى حامد الملا

‏alsalwa2007@gmail.com

@salwaalmulla

مساحة إعلانية

مقالات

270

د. سلوى حامد الملا

دعوها فإنها منتنة..

10 يوليو 2025 , 04:14ص

• لا يخفى عن وسائل التواصل الاجتماعي تلك الفيديوهات التي عرضها ونشرها شاب في مقتبل العمر.. يتشمت ويتنمر بعنصرية مقته على فئات في بلده، أو تلك التسجيلات التي تنتشر بمن ينتقد ويضع صك الوطنية لفئة من المجتمع دون غيرها! وغيرها من قصص نسمعها ونشاهدها..!

• العنصرية ليست مجرد موقف عدائي تجاه فئة مختلفة في اللون أو العرق أو الدين، بل هي سلوك متجذر وممتد في أفكار وحوارات وموروثات اجتماعية وتربية وتعال تتغذى على الجهل والخوف والتمييز!. وهي لا تولد مع الإنسان، بل تُزرع في قلبه وعقله عبر التربية والتنشئة الخاطئة، أو غياب الحوار بين أفراد الأسرة، أو حتى الصمت السلبي حين يجب النطق بالحقيقة!

• لا ننكر دور الأسرة؛ فهي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل كيف ينظر إلى الآخرين وكيف يُقيِّم الاختلاف وكيف يقبل المختلف دون عنصرية ونبذ. حين يرى الطفل والديه يتحدثان عن الناس بود واحترام، ويريان في التنوع سنة كونية وجمالًا، فإن قلبه ينمو على قبول الآخر دون تصنيف أو تمييز. أما حين يسمع تعليقات ساخرة، أو يرى سلوكًا متعاليًا تجاه من يختلفون في الجنسية أو الشكل واللون أو المستوى الاجتماعي، فإن تلك البذور تنبت وتنمو بداخله مشاعر تفوق أو دونية.

• بل نجد الأبناء في كثير من الأحيان يكررون حوارات آبائهم ومواقفهم بذات النظرة ولغة الجسد وبذات الكلمات والمفردات والنبرة المتعالية، وكأنها تسجيل صوتي يعاد بثّه تلقائيًا في كل موقف مشابه. هذه الملاحظة وحدها كافية لتدرك الأسرة حجم التأثير الكبير والعميق لكلمات الأهل في بناء شخصية الطفل وحواراته ومفرداته.

• الحوار العائلي ليس لقاء وترفاً، بل ضرورة في زمن تتداخل فيه الثقافات وتتسارع فيه الأحداث. يحتاج الأبناء إلى مساحة آمنة يسألون فيه عن مشاهدات تؤلمهم أو تصدمهم، ويحتاج الآباء إلى شجاعة الحديث عن قضايا العنصرية، ليس فقط عبر التوجيه المباشر، بل أيضًا عبر رواية القصص، وتعليم القيم من خلال المواقف اليومية.

• ديننا الحنيف جاء لنبذ العنصرية، جاء ليرسي قواعد راسخة في نبذ العنصرية والتعصب، وجعل التفاضل بين الناس بالتقوى والعمل الصالح لا باللون أو النسب. وقد قال النبي ﷺ حين سمع أحد الصحابة يتعصب لقومه: «دعوها فإنها منتنة» في ذم العصبية القبلية والنزعة الجاهلية التي تمزق المجتمعات وتغذي الكراهية. بهذا الوصف القوي ـ “منتنة” ـ بيَّن النبي ﷺ أن العصبية الجاهلية، بما تحمله من تفرقة وتعالٍ، لا مكان لها في قلب مؤمن.

• صحيح أن الأسرة هي اللبنة الأولى، لكن المدرسة والمجتمع والإعلام شركاء في تشكيل نظرة الطفل للعالم. حين يشاهد الطفل برامج تحترم التنوع، أو يقرأ قصصًا عن أبطال من مختلف الجنسيات، أو يسمع معلمه يرفض التمييز علنًا ويرفضه ويعاقب من يأتي به، فإنه يتعلم أن الاحترام ليس خيارًا، بل قيمة إنسانية يجب أن تترسخ في السلوك والقول والفعل وفي صمت يكسر تلك العنصرية ويخرسها.

• آخر جرة قلم: أخلاق الأطفال والأبناء انعكاس لتربية وحوارات ذويهم.. فلا دهشة ولا غرابة من تعالٍ وكِبر وعنصرية تعامل وكلمات يكررها الأطفال والمراهقون ويضمرها ويخرجها الشباب إلا بتلقيهم واستماعهم إياها من حوارات وأفواه والديهم وأسرهم! الأبناء هم قادة الغد، وموقفهم من العنصرية سيُحدّد شكل العالم الذي نعيش فيه. فإما أن نربيهم على “نحن وهم”، وإما أن نغرس فيهم أن “نحن جميعًا بشر، نختلف لنتكامل، ونتنوع لنثرِي الحياة”. التربية الواعية، والحوار الصادق، والنموذج الحي في احترام الآخر، هي سلاحنا الحقيقي لمحاربة العنصرية، وبناء جيل أكثر وعيًا وإنسانية وجيل يبني دولا ويرقى بالوطن والمواطن بتكاتف وتعاضد دون عنصرية وجاهلية أولى !

مساحة إعلانية