رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

381

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

العدالة التقاعدية بين النص والتطبيق

10 أغسطس 2025 , 01:26ص

في إطار حرص الدولة على تعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق الإنصاف بين جميع فئات المجتمع، أُصدر القانون رقم (1) لسنة 2022 بشأن التأمينات الاجتماعية، والذي تضمّن العديد من البنود التي تهدف إلى تحسين الوضع المالي والمعيشي للمتقاعدين في الدولة، من أبرزها المادة (31) التي أقرت استحقاق مكافأة عن المدة الزائدة عن ثلاثين سنة خدمة.

ورغم أن هذا التطور التشريعي خطوة إيجابية، فإن اقتصار تطبيق هذا البند على المتقاعدين بعد تاريخ 1 مارس 2023 دون شمول من تقاعد قبل هذا التاريخ، أثار إشكاليات قانونية ومجتمعية مستحقة للتأمل والمراجعة، لما يحمله من تمييز غير مبرر بين فئتين متساويتين في الحق والعطاء.

أولاً: قراءة في نص المادة (31) من القانون 

تنص المادة (31) من قانون التأمينات الاجتماعية رقم (1) لسنة 2022 على ما يلي: - 

«إذا تجاوزت مدة الخدمة الفعلية للمؤمن عليه ثلاثين سنة، يُمنح صاحب المعاش أو المستحقون عنه مكافأة عن المدة الزائدة تُصرف من الصندوق، وتُحدد اللائحة التنفيذية ضوابط تطبيق هذه المادة».

من هذا النص، يتضح ما يلي:

- المشرع قرر حقًا عامًا لكل من تجاوزت خدمته 30 سنة في الحصول على مكافأة.

- لم يُقيّد هذا الحق بتاريخ محدد أو بفئة معينة.

- لم يُشر القانون إلى أي استثناءات صريحة بشأن المتقاعدين السابقين على سريانه.

وبالتالي، فإن تقييد صرف المكافأة باللائحة التنفيذية فقط دون سند صريح من القانون يعد تجاوزًا لاختصاص اللائحة التنفيذية، التي دورها يقتصر على تنظيم تنفيذ القانون وليس تقييده أو تعديله.

ثانيًا: مخالفة اللائحة التنفيذية لمبدأ دستوري 

إن قصر المكافأة على المتقاعدين بعد 1 مارس 2023، يخلّ بمبدأ المساواة بين المواطنين، وهو مبدأ دستوري صريح تنص عليه المادة (34) من الدستور القطري، والتي تنص على:

«المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات العامة»

فكيف نُفسّر أن موظفًا خدم الدولة 31 أو 35 أو حتى 41 سنة وتقاعد قبل مارس 2023 لا يحصل على المكافأة، بينما آخر خدم نفس المدة أو أقل، لكنه تقاعد بعد هذا التاريخ، فيُمنح المكافأة؟ 

هذا التمييز غير مبرر قانونياً. 

ثالثًا: قاعدة «الحق لا يُبطل بتقادم الإجراء» 

القانون منح الحق، والقاعدة الفقهية المستقرة تقول:

«إذا ثبت الحق، فلا يجوز للائحة أو التعليمات الإدارية أن تُلغيه أو تفرّق في تطبيقه».

بل إنه في بعض الأنظمة المقارنة (مثل فرنسا وألمانيا)، تُمنح الامتيازات الجديدة بأثر رجعي أو يتم تخصيص موازنات انتقالية لتغطية حالات المتقاعدين القدامى تحقيقًا للعدالة الاجتماعية.

رابعًا: البعد الإنساني 

- المتقاعدون الذين خدموا الدولة لعقود طويلة، وأفنوا أعمارهم في التعليم، والصحة، والإدارة، والدفاع، هم اليوم في أمسّ الحاجة إلى التقدير المعنوي والمكافأة المادية، وحرمانهم من مكافأة سنوات الخدمة الزائدة قد يُفهم على أنه تمييز سلبي في ختام خدمتهم، ويؤثر سلبًا في شعورهم بالعدالة والانتماء.

خامسًا: أحقية المطالبة بالتعديل أو التفسير العادل 

نثمن ما تحقق من تطور تشريعي في قانون التأمينات الاجتماعية، ونأمل إعادة النظر في مكافأة السنوات الزائدة لتشمل كافة المتقاعدين دون تمييز، تحقيقًا للعدالة، وإنصافًا للذين خدموا الوطن بإخلاص، وعلى الرغم من أن نص المادة (31) لم يحظر شمول المتقاعدين السابقين، فإننا نطالب بما يلي:

- تعديل اللائحة التنفيذية وفق ما نصت عليه المادة (31) بحيث تسمح بإدراج من تقاعدوا قبل 1مارس 2023 ضمن المستفيدين من المكافأة.

وختاماً أتوجه بخالص الشكر والتقدير والعرفان إلى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله، على حرصه الدائم واهتمامه الكبير بفئة المتقاعدين، الذين أفنوا أعمارهم في خدمة الوطن، وكانوا جزءًا أساسيًا من نهضته وتقدمه، كما إنني على ثقة بأن سموه، بما عرف عنه من عدل وحكمة، لن يرضى أن يُحرم أحد من حق استحقه، وأن توجيهاته الكريمة ستكون بإذن الله نورًا يعيد الأمل والإنصاف لفئة خدموا الوطن بصمت وولاء.

مساحة إعلانية