رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مرت جمعة ارحل قبل الماضية على سوريا بمظاهرات هي الأضخم منذ بدء الاحتجاجات خاصة في مدينة حماة، ومع أن شهداء عديدين قد سقطوا ثمنا للدين والحرية والكرامة في أكثر من بؤرة ثائرة إلا أنه لم يصب أحد بأذى في المظاهرة التي شهدتها المدينة الباسلة وذلك بسبب أن المحافظ كان متفهما لطبيعة الاحتجاج السلمي ومنع أي أحد من الأمن أو الجيش أو الشبيحة أن يتعاملوا بالعنف مع المتظاهرين السلميين الذين بلغ عددهم أكثر من خمسمائة ألف وقد كانت جمعة مؤثرة ومعبرة لأنها نفذت تجربة فريدة للحرية والديمقراطية في هذا اليوم وأوضحت أن الاحتجاجات في سائر البلاد لو تمت بمثل هذا التعامل لما سقط قتلى ولا جرحى ولما احتاجت الدولة أن تدعي أن ثمة عصابة مسلحة أو سلفيين - على ما فيهم من خير كثير بالنسبة للعصابات الحاكمة المتطرفة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وخلقيا – ولما رأينا مندسين ضمن المظاهرات بحسب روايتهم التي لا يكون أحد منهم البتة في المظاهرات المؤيدة القائمة بدافع الترغيب أو الترهيب والإجبار إلا عددا قليلا ممن هم جنود للباطل والظلام أما جحافل الحق والنور الذين لو أتيحت لهم الفرصة في كل مكان من البلاد أن يقفوا ضد الاستبداد والاستعباد ودون استعمال الرصاص الحي لرأينا سوريا تخرج عن بكرة أبيها غالبا، وهذا هو الأمر الذي أخافهم في حماة لو جرى في سوريا كلها على هذا الأساس وهو ما لا يمكن أن يسيطروا عليه ويتحملوه ولذلك لجأوا كما فعلوا من بداية الأحداث إلى إعفاء محافظ حماة من منصبه بقرار رئاسي، حيث لم يمش على هواهم الذي لا يتم إلا على حساب دم الشعب الحر الأبي، ثم كان تعيين محافظ جديد هو الجنرال وليد أباظة المعروف بقسوته والذي كان مسؤولا أمنيا جهنميا منفذا لأوامر حافظ الأسد الأب بإزهاق أكثر من ستة وأربعين ألف إنسان في مذبحة فبراير عام 1982 التي كان قد سقط قبلها شهداء بالمئات نتيجة الثورة على المظالم وكان رفعت الأسد شقيق حافظ قد هدد وتوعد المعارضين خاصة الإسلاميين بحمامات دم هائلة إذا لم يخنعوا ويكفوا معارضتهم وقد قال في خطاب ألقاه في دمشق 6/1/1980م، أمام المؤتمر القُطري السابع لحزب البعث: (إن ستالين أيها الرفاق قضى على عشرة ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية واضعا في حسابه شيئا واحدا فقط هو التعصب للحزب ونظريته فالأمم التي تريد أن تعيش وتبقى تحتاج إلى رجل متعصب وإلى حزب ونظرية متعصبة! ورفعت هذا كان قائدا لما يسمى وقتها بسرايا الدفاع أي عن النظام وعددهم يزيد على ثلاثين ألفا وهي الميليشيا والذراع الضارب الذي ارتكب مأساة العصر في حماة بإسناد اللواء المتحرك الذي كان يقوده العقيد علي ديب 28/1/1982 حيث نفذ لحافظ ورفعت تدمير المدينة والقتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقال والتهجير ومع أن وزير الداخلية يومها عدنان الدباغ قال: إننا سنواجه عددا لا يزيد على الثلاثمائة من المسلحين في حماة، ولكن الأمر اقتضى الحشد البري لمئات الدبابات والقصف الجوي والتطويق والحصار وعرفنا عن قصص رهيبة يندى لها وجه الإنسانية ومع أن حافظ أسد وعد بإعطاء الأمان للمدينة وعدم دخولها ولكنها كانت خطة ماكرة منه ودخلت القوات وعاثت الفساد كما يحصل اليوم وينفذه في سوريا وحماة خاصة شقيق الرئيس بشار ماهر المسؤول عن الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري لكن انتشار الأمن والجيش الآن قد عم جميع سوريا بالقمع وليست حماة وحدها وإن كانت قلب الاحتجاجات في وسط البلاد وهكذا يكون الأولاد سر أبيهم ولا غرابة إذ صرح بشار لإحدى وسائل الإعلام أنه إن قامت ثورة ضده فسيعيد ما أنجزه أبوه في حماة.
وصرح في خطابه الأول منذ ثلاثة شهور أن المعركة إن فرضت فنحن لها! يا للتعاسة من خائن يقتل شعبه المسالم ويقابل الأفواه والحناجر الهاتفة بالرصاص الحي وكيف صنوف التعذيب والاعتقال حتى للنساء والأطفال وهذا ما جرى في الأسبوع الماضي في جمعة "اللا حوار" وبعد تغيير المحافظ طبعا حيث استشهد من المتظاهرين ثلاثون وجرح أكثر من سبعين، إنه يتسلى بصيد شعبه بالنار فتبا له من حاكم جبار هو ومن معه من جنرالات وشبيحة.. فإنهم في سبيل الحفاظ على الكرسي ليس إلا يجرون دماء الأبرياء أنهارا ناهيك عن احتلال المدن والأحياء ونهب البيوت والاعتداء على الحرمات وتهجير الآمنين إلى لبنان وتركيا والأردن بل وخطف رجال ونساء وشباب واعتقال الآلاف المؤلفة حتى غدت السجون تغص بهم ويحشرون في أماكن أخرى مزرية ويجبر المعتقلون على ترديد هتافات التأييد لبشار قسرا وإلا!! إنها الصفحات السود التي فتحت على سوريا في عهد الأب والابن وما ندري من سيبيضها ولكن الأمل كبير بالله وجنود الدين والوطن من الثائرين والمعارضين المخلصين الذين يعملون مع بذل إخوانهم الدماء بمداد وألسنة الرافضين للحكم الأحادي الشمولي والذي ادعى أخيرا أنه ألغى قانون حالة الطوارئ ولكنه استبدل به قمعا أقسى فإن أكثر من عشرة آلاف معتقل زج بهم في السجون بدءا من يوم الإلغاء فلا شك أننا أمام عصابة لا تعرف للصلح والإصلاح مكانا لأنها ما نشأت عليه وفاقد الشيء لا يعطيه وكما قال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في ندوة بقناة بي.بي.سي عربي إن النظام السوري غير قادر على الإصلاح أساسا لأنه يجري عكس التاريخ تماما، ولكن رغم سيل الدماء واكتظاظ السجون فإن الثورة تتصاعد بشكل غير مسبوق بعد أن كسرت حاجز الخوف إلى غير رجعة واليوم فإن حماة الشهيدة في حصار خانق بالدبابات والمدرعات والناقلات وبعد أن نزل الأمن واعتقل أكثر من خمسمائة بعد جمعة ارحل وكلهم من الأطفال والنساء وبعض الرجال والشباب فقد هب الثوار وأقاموا المتاريس والحواجز الكبيرة في مداخل المدينة وداخلها ليحموا مدينة أبي الفداء المؤرخ الذي عرفت باسمه ومدينة النواعير على نهر العاصي التي عرفت بها وهم وأهل هذه المدينة في معاناتهم يجأرون إلى الحق تعالى بالفرج والنصر وكلهم شكوى إلى الله من تخاذل الموقف العربي الصامت الرهيب المشارك بمشيئته أولا مشيئته في جرائم الأمن السوري وتخاذل منظمة المؤتمر الإسلامي إضافة إلى الجامعة العربية حيث لا ينبس أحد منهم ببنت شفة دفاعا عن المظلومين خوفا من الأمن السوري أو مداراة للوضع الإقليمي والدولي الذي لم يرق إلى الآن أن يصل إلى الحد الأدنى المتناسب مع فداحة المصيبة وهول الكارثة بل إنني لأجزم أن الدول الأجنبية أيضاً متآمرة بشكل أو بآخر بهدف سحق الاحتجاجات والوصول إلى إصلاحات شكلية يعقبها هدوء وحوار تجميلي وكل ذلك من أجل حفظ امن إسرائيل التي صرحت أن نظام الأسد أفضل لها من أي نظام يأتي لا تعرف توجهه فجبهتها هادئة منذ أربعة عقود مع من يصف نظامه بالممانعة والمقاومة نعم إنه كذلك ولكن ضد شعبه لا ضد الصهاينة في الجولان المحتل! وتقوية صفه الداخلي وإعداده للحرب.
إن كل إنسان مخلص وهيئة وحزب ودولة وحكومة يجب أن يطلقوا صفارة الإنذار مهددين بعدم إعادة هولوكوست حماة ثانية ولا يغر البعض أن بشار يعطي أمانا وكذلك وزير خارجيته المعلم طبعا بفتح اللام بعدم دخول المدينة فقد أعطى ذلك أبوه من قبل ومن أشبه أباه فما ظلم والدليل أنهم قتلوا الآن واعتقلوا بل فصلوا رأس الشهيد إبراهيم قاشوش عن جسده وكسروا حنجرته لأنه كان ينشد للثورة فأخذت المدينة كلها ونواعيرها نشيجها ونحيبها حزنا على مغني الثورة في حماة لقد كان بالإمكان زجه في السجن ثم محاكمته إن كانت عدالة ولكن الانتقام عدالة الهمجيين.. وقد ذهب السفير الأمريكي في دمشق وكذلك الفرنسي والبريطاني بعده حيث تمت معاينة مظاهرات حماة الجمعة الماضية حتى يكون شاهدو العيان هذه المرة من الدبلوماسيين الكبار لا ممن يعترضون عليهم من غيرهم بدعوى الفبركة، شهد هؤلاء توثيق الجرائم التي لن تمر دون حساب إن شاء الله ولم تستطع السلطة أن تثبت أن في حماة عصابة مسلحة حيث كانت ادعت ذلك قبل نزول الدبلوماسيين وأن أهل حماة استدعوا الجيش ليحميهم جاء نزول هؤلاء ليفوت الفرصة ويظهر حقيقة هؤلاء الدجالين الكاذبين في إعلامهم تضليلا للناس بعد أن منعوا أي وسيلة إعلامية محايدة من دخول البلاد وكذلك المنظمات الحقوقية وهذه هي الحقيقة في الأمر غالبا أو قد يكون الغرب قد نصب فخا للثورة بالاتفاق سرا مع السلطة لسحق المتظاهرين وإعادة الشرعية للنظام بعدما فقدها فعلا بإراقة دماء شعبه وحتى لو جاء منتخبا بنزاهة فكيف إذا جاء بالوراثة وعدلت مادة الدستور بعمر الرئيس لإكمال المسرحية؟
وأخيراً فإن ما دعا إليه النائب محمد حبش بمؤتمر حواري مات في أرض لأنه ظلم ونافق فإن اللقاء التشاوري الذي تم أمس بمشاركة مائة شخصية ومقاطعة المعارضة المخلصة واستبعاد تنسيقيات الداخل للشباب رفضا لآراء فاروق الشرع نائب الرئيس ليؤكد أن النظام غير جاد في الحل وأن التضحيات هي الحل حتى يسقط.
Khaled-hindawi@hotmail.com
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
132
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
159
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
96
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
819
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025