رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هل أبالغ إن قلت إن الصهاينة الذين يحكمون كياناً مسخاً مزروعاً في قلب الأمة، هم أعداء لله وللدين والمسلمين، عربهم وعجمهم، وأهل غدر وخيانات؟ هل أكون قد بالغت في الوصف؟ إنّ من يرى الوصف مبالغة، لا أشك أن عنده خللا في الفهم والتصور، وفي قلبه دَخَن يجعله يخلط بين الخير والشر، فيرى الخير شراً والشر خيراً !
ما حدث أول أمس من اعتداء صهيوني غادر في الدوحة على منزل آمن بوسط حي مزدحم بالمؤسسات المدنية الآمنة، بقصد تصفية من فيه من أعضاء الوفد المفاوض لحركة حماس الصامدة، إنما هو شاهد آخر وليس أخيرا على أن هذه الحفنة أو العصابة المزروعة بفلسطين، هم شذاذ آفاق يؤدون أدواراً وظيفية بدقة عالية وفق وصفة غربية قديمة، وقد تجددت وصارت أمريكية بحتة، الهدف الاستراتيجي البعيد منها، إحكام السيطرة على منطقة الشرق الأوسط عبر الهراوة الغليظة المتمثلة في هذا الكيان المسخ، عبر إدخال المنطقة في فرن التحول والتشكّل، على غرار ما تم قبل قرن من الزمان على يد المحتل البريطاني والفرنسي، أو ما يُعرف بسايكس بيكو المشؤوم. العدوان الغادر على قطر، لا يشك عاقل بأنه يأتي ضمن بنك أهداف صهيونية أمريكية، وإن أقسموا بأغلظ الأيمان أنهم يريدون الخير للمنطقة، وأنهم لا علم لهم بما يقوم به النتن ياهو وعصابته. أقول بأن العدوان على قطر جاء بعد اعتداءات متكررة على سوريا، ثم تونس، ولا شك أن تركيا والجزائر وربما الحليف الأقرب مصر ومن بعدها الأردن، ضمن تلكم الأهداف، فهذه الحفنة لا تعترف بحليف أو صديق أو غيرهما في سبيل تحقيق مصالحها البعيدة، وإن كان للأسف لا زال بعض العرب على ثقة شبه عمياء بهذه الفئة الغادرة !
العدوان على قطر رسالة
العدوان الأخير على قطر ليس رسالة من النتن ياهو للعالم العربي وأنه بصدد تشكيله من جديد، بل هي رسالة لكل من سار على درب التطبيع مع حفنة الغدر والخيانة هؤلاء، خلاصتها أن التعايش مع ثلة عُرفت تاريخياً بنقض العهود والمواثيق، وتعاطي الغدر مع أقرب المقربين إليهم، هو أمر بالغ الصعوبة..
لا يمكن التعايش مع من طَبْعُه الغدر والخيانة. نحن أمة القرآن، من أكثر الأمم خبرة وفهماً لسلوك هذه الفئة الغادرة من البشر، وأكثر فئة يحذرنا كتابنا الكريم منها، ويشرح لنا كيفية التعامل معها. ولأننا نبتعد تدريجياً عن الدين، ونحاول إزاحته عن الصراع بيننا وبينهم، صار فهمنا وتصوراتنا حول هذه الفئة الغادرة ضبابية مشوشة، حتى اعتبرها البعض منا فئة مسالمة خيّرة، ولا شيء في التعايش معها !
بسبب تلك الضبابية والرؤية المشوشة للبعض منا، تم تناسي أصل القصة وهو أن هناك احتلالاً، وأرضاً محتلة، ويُراد لنا تعميق هذا التناسي كي يتحول الموضوع إلى تسوّل وبحث عن قطعة أرض لإقامة دويلة فلسطينية منزوعة الدسم والسلاح والهيبة، والكلمة والسيادة، كي تديرها سلطة رام الله، مقابل اعتراف عربي تام بدولة أخرى صهيونية لكنها كاملة الدسم، مدعومة من الشرق والغرب بالسلاح وغيره، يديرها مجرمو حرب مطلوبون للعدالة الدولية ! وما مشروع حل الدولتين إلا هكذا تفاصيله. لكن حتى تلكم الفكرة البائسة لا يراها النظام الصهيوني المحتل بطبيعة الحال قابلة للتجسيد على أرض الواقع، وقد بدأ يركلها بعيداً عبر العربدة التي يقوم بها حالياً، وأعلن مراراً وتكراراً إلغاء فكرة الدولتين من قاموسه، بل ويؤكد على ذلك في كل مناسبة، والدليل الأخير أنه لم يحضر المؤتمر الذي اجتمع جل العالم قبل أسابيع في نيويورك للإعداد له وطرحه خلال الاجتماعات القادمة بالجمعية العامة بعد أيام، من أجل إعلان حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية !
العدو الصهيوني الغادر لم يعترف بما صدر عن تلك الاجتماعات، ولن يعترف بشكل لا ريب فيه ما سيصدر بعد أيام خلال اجتماعات الجمعية العامة، بدليل أنه مستمر في مشاريعه لضم البقية الباقية من فلسطين تحت مرأى ومسمع من العالم كله، وبحماية ودعم أمريكي لا مثيل له !
الموقف العـربي البائس الفقير
المحزن في المشهد كله موقف العرب البائس، الذي يزداد بؤساً كلما تسامحوا وغضوا الطرف عن سلوكيات هذا العدو الغادر، ولا أظن العدوان على قطر ومن قبلها تونس وسوريا، سيغير من المشهد العربي البائس الفقير، الذي اعتبره سبباً كافياً لاستمرار العربدة الصهيونية المدعومة أمريكياً بشكل فاضح مكشوف.
لكن ما يغيظ هذا العدو الغادر وداعميه من الغرب والشرق على حد سواء، أن الجهة الوحيدة التي فهمت أس المشكلة، أو أساس الصراع هي حماس، وقد كان نتاج ذلك الفهم والوعي المتقدم هو طوفان الأقصى، الذي صار صعباً على الفهم عند المنبطحين في عالمنا العربي والإسلامي، من ساسة ومثقفين، ومفكرين وعلماء سلاطين ! لكن المحزن أن الذي فهم طوفان الأقصى، وأنه نتاج مشروع سني وحيد حالياً، وتجسيد عملي لفكرة مقاومة الاحتلال والاستبداد والطغيان قابلة للتطوير والانتشار، هم هؤلاء الغادرون ومن يدعمهم. ولهذا ترى معظم تحركاتهم منذ بدء الطوفان تركّز على نقطة جوهرية هي نزع سلاح حماس والتخلي عنها قبل كل شيء، ترافق تلك التحركات عمليات تشويه مستمرة بكل الطرق والوسائل، مع التأكيد على حرمان حماس من أي دور مستقبلي لها في غزة!
غشاوة أزالها طوفان الأقصى
طوفان الأقصى أعاد ترتيب ذهنية العالم من جديد، بعد أن عاثت الرواية الصهيونية فيه سنين طويلا. كان هذا العالم لا يرى ولا يسمع إلا ما تريده آلة الدعاية الصهيونية المنتشرة حول العالم. هذا الطوفان أزال غشاوة غليظة كانت ملتصقة على عيني هذا العالم، فرأى فجور وتدليس وكذب الرواية الصهيونية، ورأى كل ذلك لأول مرة على الهواء مباشرة. جرائم حرب يمارسها هذا العدو الغادر من تهجير وتجويع وإبادة جماعية متعمدة تُرتكب ليس من الآن، بل منذ بدايات القرن الفائت.
من هنا، جاء هذا الطوفان، وأعطى زخماً للمقاومة الفلسطينية التي كادت أن تُنسى تماماً، حيث رأى العالم أن ما يقوم به حماس وبعض فصائل المقاومة الأخرى في غزة، إنما هو حق مبين، لا يتعارض مع أي دين سماوي، ولا أي شريعة أرضية كذلك، بل هو الواجب على أي شعب يرضخ تحت نير الاحتلال والاستبداد والطغيان.
خلاصة الحديث
ما جرى منذ بدء الطوفان حتى الساعة، عبارة عن مشاهد متنوعة لمعركة يديرها الله عز وجل، كي يكشف حقيقة هذا العدو أكثر فأكثر للغافلين ومن على أعينهم غشاوة، ويكشف في الوقت ذاته حقيقة المنافقين من الداخل والخارج، ويكشف حقيقة المجاهدين والمرابطين كذلك.
ها هم أولاء وقد انكشفوا جميعاً. عدو متغطرس غادر لا يفقه قوانين وسنن الكون، ومنافقون منتفعون لا يتعلمون دروس التاريخ، ومجاهدون عرفوا المعنى العميق للتوكل على الله، ومغزى الجهاد في سبيله لا غيره، في أجواء تحلق غربان تنعق، وأصوات باطلة مرجفة من هنا وهناك تدعو أهل الحق ليلاً ونهاراً ( إن الناس قد جمعـوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ).
نعم، قالها أهل غزة ( حسبنا الله ونعم الوكيل ) ولو وقف العالم كله ضدنا، فالله أكبر وأعظم، ولن يخذلنا أبداً.
اللجنة القطرية العمانية المشتركة نموذج للتعاون الثنائي
انطلاقا من الروابط التاريخية الراسخة بين دولة قطر وسلطنة عمان والعلاقات الأخوية الوطيدة التي تجمع بين حضرة صاحب... اقرأ المزيد
72
| 12 ديسمبر 2025
النهايات السوداء!
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي... اقرأ المزيد
312
| 12 ديسمبر 2025
عام على رحيل الأسد وانتصار الشعب
كان منتدى الدوحة المنعقد يومي 6 و7 ديسمبر الجاري فرصة متاحة للرئيس أحمد الشرع حتى يستخلص العبر من... اقرأ المزيد
108
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
د. عـبــدالله العـمـادي
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2319
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2256
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل كراية مرفوعة تتقدم بثبات لا يعرف الانحناء. خطا اللاعبون إلى العشب بخطوات واثقة، كأنهم يحملون على صدورهم تاريخًا يرفض أن يُمحى، وكأن كل نظرة منهم تعلن أن حضورهم موقف لا مجرد مشاركة. لعبوا بروح عالية، روح تدرك أنها تمثل وطنًا يقف رغم العواصف، وطنًا يُعلن في كل لمسة كرة أنه باق، صامد، وشامخ مهما ضاقت به الأيام. المنتخب الفلسطيني قدم أداءً أذهل النقاد وأوقف الجماهير احترامًا. لم يكن الفوز ولا التعادل وليدي صدفة، بل ثمرة بناء ذهني وشراكة وجدانية بين لاعب يعرف لماذا يلعب، ومدرب يحول الحلم إلى خطة، والخطة إلى واقع. منذ اللحظة الأولى ظهر الفريق كجسد واحد، تتشابك أرواح لاعبيه بخيط خفي. لم تلعب فلسطين بأقدام كثيرة، بل بقلب واحد. كانت احتفالاتهم بالأهداف تُشبه عودة غائب طال اشتياقه، وتحركاتهم الجماعية تؤكد أن القوة الحقيقية تولد من روح موحدة قبل أن تولد من مهارة فردية. ولم يعرف اللاعبون طريقًا إلى التراجع؛ ضغط مستمر، والتزام دفاعي صلب، واندفاع هجومي يُشبه الاندفاع نحو الحياة. في مباراتهم الأولى أمام قطر لعب "الفدائي" بثقة المنتصر، فانتزع فوزًا مستحقًا يليق بروح تقاتل من أجل الشعار قبل النقاط. وفي مواجهة تونس، ورغم صعوبة الخصم، حافظ اللاعبون على حضورهم الذهني؛ لم يهتزوا أمام ضغط الجمهور ولا لحظات الحماس، بل لعبوا بميزان دقيق يعرف متى يتقدم ومتى يتراجع. فجاء التعادل إعلانًا أن فلسطين جاءت لتنافس، لا لتكمّل المشاركة. وراء هذا الأداء كان يقف مدرب يعرف لاعبيه كما يعرف صفحات كتابه المفضل. وظف قدراتهم بذكاء، وزع الأدوار بانسجام، وأخرج من كل لاعب أفضل ما لديه. وبدا الفريق كآلة متقنة، يعرف كل جزء فيها دوره، وتتحرك جميعها بتناغم ينبض بالحياة والتكيف. كلمة أخيرة: لقد كتب الفدائي اسمه في كأس العرب بمداد الفخر، ورفع رايته عاليًا ليذكرنا أن الرياضة ليست مجرد لعبة بل حكاية وطن.
1458
| 06 ديسمبر 2025