رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ.د عبد الهادي العجمي

• أستاذ التاريخ – جامعة الكويت

مساحة إعلانية

مقالات

4056

أ.د عبد الهادي العجمي

سقوط الطغاة.. فرصة أم مشهد تاريخي متكرر؟

11 ديسمبر 2024 , 02:00ص

في أقل من عقدين من الزمن، يأتي مشهد سقوط النظام في سوريا، ليعيد للأذهان هذا السيناريو المأساوي المتكرر للشعوب، حيث تسقط السلطة وحاشيتها لينتهي هذا السقوط ومعه أحد الطغاة، بفوضى وحرب أهلية وصراع ميليشيات مسلحة تتمترس خلف العديد من الشعارات كالدين والعصبية والطائفية... إلخ.

والحقيقة أن التجربة التاريخية الإنسانية لسقوط الطغاة والنخب الاستبدادية في المجتمعات، تظهر لنا دوماً هذا المشهد الذي يكاد يكون نسخة متكررة لسيناريو واحد (الاستبداد، تغييب الحريات، قمع الآراء، الانهيار وبعده السقوط)، وسواء كان هذا الانهيار سريعاً في بعض المرات كتونس، أو ممتداً مع بعض التطورات المستندة على شرعية القوة كسوريا، لكن الختام يبقى زوال قيود الطغاة وممارساتهم الاستبدادية من على رقاب شعوبهم وظهور البديل. المثير أيضاً في هذا السيناريو أنه يطرح ويستحضر معه سؤالا في غاية الأهمية والوضوح وهو: لماذا لا يدرك الطغاة مصيرهم الحتمي؟ ولماذا يصرون على تجاهل أصوات شعوبهم التي تطالب بالحرية والكرامة؟

الحقيقة أنني حاولت مرات عديدة أن أضع إجابات افتراضية مختلفة لهذا التساؤل، لكن أجدني في كل مرة أصل لنتيجة واحدة أعرضها في التالي:

أولاً: أن الطغاة وحاشيتهم، في الغالب يشكلون منظومة مصالح متشابكة ومعقدة، وإن ما يعزز من بقاء هذه المنظومة واستمرار سطوتها ليس فقط قوة السلطة، بل أيضًا مدى المكتسبات التي تحوذها الحاشية المحيطة بهم. فهذه الحاضنة، وهي للأسف تشمل فئات مهمة كالمفكرين والكتاب ورجال الدين، والأدباء، وغيرهم من النخب التي تفتقر للقيم الإنسانية والأخلاقية، تلعب دورًا كبيرًا في تسويق وخلق صورة للطاغية باعتباره “رمز الوطن” و»زعيم الأمة» و»القائد الملهم».

ثانياً: يتطلب عمل هذه الطبقة غالباً في مرحلة أولى تحييد وتغييب حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير والرأي المخالف لها، يتبع هذه المرحلة لاحقاً مرحلة أسوأ وهي تبرير الظلم وخلق مناخ الخوف لدى المجتمع، واستحضار فزاعات لأعداء وهميين أو محتملين، وفي حالات أخرى تلجأ هذه النخب الاستبدادية لإشاعة وبث روح الخلاف، وخلق جو عدائي بين أبناء المجتمع ونسيجه الواحد، ومن ثم وبعد أن تطمئن لنجاحها في تفكيك قدرة الشعب على التصدي لطغيانها وكسر إرادته، تبدأ المرحلة الأكثر خطورة وهي الإيحاء بأن الطاغية هو وحده حاضر الأمة ومستقبلها وحامي مقدراتها وصوتها الحقيقي الوحيد.

إن التحول التاريخي المقلق والحاصل هنا - بتصوري– ليس في أن التاريخ يعيد نفسه، بل التخوف أن هذا الشكل من أشكال الطغيان وتغول نخب السلطة لم يعد خاصية فقط للدول المتخلفة أو الشمولية أو الاستبدادية والسلطات الدكتاتورية، بل تمكن هذا المشهد وهذا السيناريو أن يتسلل نحو مناطق مارست الديمقراطية ووصلت فيها لمدى بعيد.

ولعل التحدي الذي يطرح نفسه أمام الشعوب العربية اليوم ليس فقط كيف يُسقطون الطغاة ويتخلصون منهم، بل كيف يُحيدون خطر الحاشية والنخب الاستبدادية التي خلقت الطغاة والتي تبني الثقافة السلطوية وتروج للظلم، وتقمع أي تصور مجتمعي عن الحرية والحقوق، وتلاحق كل صوت معارض باعتباره تهديدًا للأمن الوطني أو “صوتًا دخيلًا”. إن هذه الحاشية اليوم لم تكتف بالمفاصل الأمنية في المجتمعات بل راحت تتسلل لتقبض على مفاصل التعليم والإعلام، ممتدة حتى للخطاب الديني الموجه للشعوب بهدف تغييب وعيه وإضعاف إرادته.

إن المشهد السوري اليوم وهذا الانهيار المتوقع للسلطة الحاكمة ولبشار وحاشيته، ربما بعث رسالة لكل شعوب العالم العربي والإسلامي رسالة سطرها الأول والأخير هو «نعم لحرية الإنسان، وأن إرادة الشعوب قصر الوقت أم طال حتماً ستنتصر».

رسالة قد يقرأ أيضاً ما بين بدايتها ونهايتها أن على الشعوب أن ترفع صوتها عاليًا ضد المُبَجِّلين للسلطات، وضد كل من يساهم في قمع إرادة الشعوب، هذه الحاشية لا تهمها إلا مصلحتها، فكم من مرة رأينا الطغاة يسقطون، يهربون، أو يُتركون وحيدين بعد أن تُثخن جراح شعوبهم؟ ومع ذلك، تظل الحاشية التي كانت تمجدهم بالأمس صامتة عند سقوطهم، وكأنها لم تكن جزءًا من المنظومة. يسأل الإنسان العربي اليوم: أين تلك الحاشية التي كانت تصف الطغاة بأنهم “رموز الأمة” وقادتها الملهمون؟ أين اختفى أولئك الذين روجوا للظلم كمموا أصوات من خالفهم الرأي أو عارضهم؟

ختامًا: أعود راضياً لقناعة أن التاريخ سيبقى شاهدًا على أن الشعوب لن تُهزم، وأن إرادتها هي المنتصرة في النهاية، لكن يبقى على كل فرد مسؤولية نشر الوعي ومواجهة منظومة الاستبداد وحاشية الطغيان، وقتها سوف تصبح الحرية واقعًا ملموسًا تحياه وتعيشه شعوب المنطقة.

مساحة إعلانية