رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشكل حروب الأفيون واحدة من أكثر الفصول إثارة للجدل في تاريخ الاستعمار، حيث تجسد الصراع العميق بين القوة والضعف، وامتلاك الإرادة وفقدانها. استخدم الغرب أسلحة متعددة، ثقافية وسياسية، في سيطرته على الشعوب والبلدان ومقدراتها، لكنها كانت دائمًا سيطرة مرتبطة بمطامع اقتصادية ومكاسب مادية معلنة أحيانًا وغير معلنة أحيانًا أخرى. في مواجهة الصين، التي كانت تُعتبر مصنعًا دائمًا للمنتجات التقليدية مثل الحرير والخزف، كان الغرب يواجه سوقًا مستغنيًا عن الآخرين، مما دفع البريطانيين إلى التفكير في خدعة الأفيون حيث ابتكروا فكرة جلب الأفيون ليصبح بديلاً مباشرًا عن العملات في عملية التبادل التجاري. ومع انتشار الأفيون في الصين، أدركت الحكومة الصينية المخاطر الناتجة عن تعاطيه، مما دفعها إلى إصدار قرارات لمنع الأفيون. لكن رد الفعل الغربي، وخاصة البريطاني، كان بالغ الغضب، حيث اعتبروا أن الصين لا تملك الحق في منع الأفيون، مما أدى إلى حرب عسكريه وقتها بين الصين وبريطانيا عرفت بحرب الأفيون الأولى، والثانية التي انضمت فيها فرنسا لجانب بريطانيا. لم يكن الأمر وقتها مجرد تجارة؛ بل كان تجسيدًا لسيطرة القوة على الضعف. كانت الصين، في تلك الفترة، تسعى للحفاظ على هويتها وثقافتها، حيث وجدت نفسها في حرب لا قدرة لها عليها. رغم عوامل الضعف، بدأ الشعب الصيني مقاومة هذا الواقع المرير ووقف بكل ما يملك من أدوات إنسانية وأخلاقية حضارية في مواجهة حرب الأفيون المفروضة عليه، ليعكس رغبته في الحفاظ على كيانه الوجودي في وجه قوى استعمارية حاولت تدمير مقدراته وتغيير هويته وفرض واقع جديد عليه. هنا وعندما نعود إلى ما يحدث بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والحديث عن الفائض التجاري والحرب الجمركية بين الطرفين، نجد أن صراعات اليوم تحمل نفس سمات الماضي. الجشع والرغبة في الهيمنة يواجهان دائمًا مقاومة من أولئك الذين يسعون للحفاظ على كرامتهم. هنا يمكن أن نتساءل عن فكرة إنسانية مهمة: هل يمكن للأمم القوية والكبرى أن تتجاوز رغباتها في السيطرة وإخضاع الشعوب، أم أنها فكرة محكومة باعتبارات أخرى لا علاقة لها بالإنسانية أو الحق والباطل؟ أتصور أن أسباباً عدة تُظهر لنا أن الأمم والحضارات الكبرى لا تزال حتى اليوم غير قادرة على تجاوز رغباتها، وأن القيم الإنسانية تتضاءل أمام المكتسبات التجارية. لا يمكن أن تكون القيم الإنسانية دافعًا للتغيير إلا إذا وجدت مكتسبات ومصالح أكبر تحركها. إذن، ما يمكن عمله اليوم بالنسبة للكثير من شعوب العالم ذات القدرات التجارية والعسكرية المحدودة هو الاستعداد للمستقبل في عالم مليء بالتحديات. يجب أن نكون مستعدين للتصادمات القادمة، لكن التحضير لا ينبغي أن يكون عبر بناء الجدران، بل من خلال تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات. هنا يظهر دور العوامل الحضارية والأخلاقية في توجيهنا نحو تحقيق السلام، والتفكير في كيفية أن نكون جزءًا من عالم أفضل. كيف يمكن أن نتجاوز الصراعات ونبني مجتمعات قائمة على الاحترام المتبادل؟ إن الإجابات على هذه الأسئلة ليست سهلة، لكنها ضرورية لبناء مستقبل يتجاوز الأخطاء الماضية. فمع ما يملكه الخليج من مقدرات مالية ضخمة حتما سيكون في قلب هذا الصراع، وعليه يجب أن تتخذ الدول الخليجية خطوات واضحة لحماية مصالحها. يتطلب ذلك تنسيقًا بين وزارات عدة كالخارجية والتجارة وغيرها من الوزارات الخليجية المعنية لوضع استراتيجيات فعالة. كذلك، نحن في حاجة إلى إعادة تقييم وجود حواضرنا في المنظومة الغربية فلابد من البحث عن مواقع آمنة بعيدًا عن قلب هذا الصراع، وأن نعمل على إيجاد تموضع لأنفسنا بعيدًا عن التأثيرات السلبية المحتملة. يجب أن نكون مستعدين للحفاظ على هويتنا ومقدراتنا، خاصة إذا انفجر الوضع لأكثر مما هو تصادم التجارة والمال.
444
| 14 أبريل 2025
أثار وزير التجارة الأمريكي الجديد، هاورد لوتنيك، جدلًا واسعًا بعد تصريحاته التي هاجم فيها الكويت، مدعيًا أن الولايات المتحدة أنفقت 100 مليار دولار في حرب الخليج لتحرير الكويت دون الحصول على أي مقابل، وأن الكويت تفرض أعلى تعريفة جمركية على الولايات المتحدة. هذه الادعاءات أثارت ردود فعل وتساؤلات حول دقتها في ضوء الأرقام والمعلومات الموثقة. * تشير التقارير الرسمية الصادرة عن الكونغرس الأمريكي في عام 1992 إلى أن تكلفة حرب الخليج بلغت نحو 61.1 مليار دولار. من هذا المبلغ، لم تتحمل الولايات المتحدة سوى جزء بسيط، إذ غطت الدول الحليفة، بما في ذلك دول الخليج وألمانيا واليابان، ما يقرب من 52 مليار دولار. ساهمت الكويت والسعودية ودول عربية أخرى بحوالي 36 مليار دولار، فيما قدمت ألمانيا واليابان 16 مليار دولار. هذه الأرقام تؤكد أن الولايات المتحدة لم تتحمل العبء المالي بشكل منفرد، ما يجعل مزاعم لوتنيك بإنفاق 100 مليار دولار دون مقابل مبالغًا فيها وغير دقيقة. * أما بشأن الادعاء بأن الكويت تفرض أعلى تعريفة جمركية على الولايات المتحدة، فإن الحقائق توضح عكس ذلك. تلتزم الكويت، كجزء من دول مجلس التعاون الخليجي، بتعريفة جمركية موحدة تبلغ 5% على معظم السلع المستوردة. تُعد هذه النسبة منخفضة مقارنة بالتعريفات الجمركية في العديد من دول العالم. علاوة على ذلك، بلغ حجم التبادل التجاري بين الكويت والولايات المتحدة حوالي 5 مليارات دولار في العام المالي الأخير، مما يعكس قوة العلاقات التجارية بين البلدين. * لوتنيك ليس مجرد مسؤول عادي في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بل هو أحد أباطرة المال في وول ستريت، ويمتلك شركة “كانتر فيتزجيرالد” المالية. تربطه علاقة وثيقة بترامب، حيث قاد حملة لجمع التبرعات لصالحه بلغت 75 مليون دولار خلال الانتخابات الأخيرة. يُعرف بدعمه القوي لإسرائيل، حيث قدم دعمًا لمبادرات مثل “بيرث رايت” التي تهدف إلى تعزيز الهوية اليهودية وربط الشباب اليهودي بإسرائيل. تُعزى بعض مواقفه المتشددة إلى هجمات 11 سبتمبر 2001، التي فقدت فيها شركته أكثر من 300 موظف، ما جعله يتبنى مواقف عدائية تجاه المسلمين والمنطقة العربية. * دوافع هجوم لوتنيك على الكويت قد تكون متعددة. أولًا، يُعتقد أن تصريحاته تستهدف الداخل الأمريكي في إطار خطاب “أمريكا أولًا”، الذي يهدف إلى كسب تأييد الناخبين من خلال إظهار مواقف صارمة تجاه الدول الأخرى. ثانيًا، قد يكون هناك محاولة للضغط على الكويت لزيادة مساهماتها المالية في الولايات المتحدة، على غرار ما فعلته الإمارات والسعودية بإعلانهما عن استثمارات ضخمة. ثالثًا، يبدو أن لوتنيك يسعى لممارسة ضغط سياسي على الكويت بسبب موقفها الرافض للتطبيع مع إسرائيل، في وقت تحاول فيه بعض الأوساط السياسية الأمريكية تشجيع جميع دول مجلس التعاون الخليجي على التطبيع. * ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى أن الكويت لطالما شكلت حليفًا خاصًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة، ليس فقط في الجوانب السياسية والعسكرية، بل أيضًا في الجانب الاقتصادي. فمنذ تحريرها في عام 1991، وجهت الكويت استثماراتها وأموالها بشكل رئيسي إلى السوق الأمريكية. وتجاوزت قيمة هذه الاستثمارات ضعف المبلغ الذي يُشار إليه في بعض الادعاءات كتكلفة للحرب، إذ تفوق الاستثمارات الكويتية في الولايات المتحدة هذا الرقم بمرتين إلى ثلاث مرات على الأقل. هذا يعني أن الكويت لم تكن فقط حليفًا سياسيًا، بل كانت أيضًا داعمًا قويًا للاقتصاد الأمريكي. علاوة على ذلك، دأبت الكويت على تقديم المساعدات الإنسانية ودعم الولايات المتحدة في أوقات الأزمات والكوارث، ما يؤكد وفاءها والتزامها بالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين. وفي ختام هذا التحليل، لا يمكن الحديث عن العلاقات مع الولايات المتحدة بمعزل عن التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها الكويت. في ظل الضغوط الأمريكية المتزايدة على حلفائها في الشرق الأوسط، لا سيما القوى الأصغر، تبدو الحاجة ملحة لأن تستعد الكويت بجدية للمرحلة المقبلة. تُحيط بالكويت تحديات جيوسياسية في منطقة ملتهبة، حيث تتقاطع مصالح دول كبرى مع مخاوف أمنية متزايدة. * ومع تنامي الضغوط الخارجية، فإن تعزيز الجبهة الداخلية بات أولوية لا غنى عنها. إن تحصين الداخل الكويتي من خلال حل الخلافات السياسية والإشكالات المرتبطة بالصراعات الداخلية سيمنح البلاد موقفًا أقوى في مواجهة أي محاولات ابتزاز سياسي أو اقتصادي. قد يتطلب هذا إصلاحات جدية في بعض الملفات السياسية والاقتصادية، لكن الوصول إلى هذا الهدف يبدو حتميًا في هذه المرحلة الحساسة. وفي نهاية المطاف، يظل التحدي الأكبر هو قدرة الكويت على الموازنة بين الحفاظ على سيادتها ومصالحها الوطنية من جهة، وتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة كحليف استراتيجي من جهة أخرى، دون تقديم تنازلات تمس استقلال قرارها السياسي والاقتصادي.
1746
| 24 مارس 2025
تقول العرب فلانٌ ألقى العصا «أي أنه وصل لغايته ومبتغاه» الاتفاق الذي عُقد بين حماس والأطراف الدولية، ممثلة في الحكومة القطرية كوسيط رئيسي، والأطراف الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، وبين الكيان الصهيوني، يمثل واحدة من أهم الهزائم التي تعرض لها الاحتلال منذ سنوات طويلة. لا شك أن غزة وشعبها الصامد قد رموا الاحتلال بعصا السنوار، بعدما قدموا كل ما يمكن تقديمه في سبيل القضية الفلسطينية. غزة سطرت صفحة جديدة في تضحيات الشعب الفلسطيني ووقوفه في الدفاع عن قضيته. هذه التضحيات جعلت من المستحيل على أي شخص أن يزايد على أهل فلسطين أو يدّعي أنهم لم يبذلوا ما يكفي من أجل وطنهم. نعم، تعددت الآراء وتفاوتت التقييمات لأشهر طويلة، ولكن في نهاية المطاف، ستبقى هذه المرحلة التاريخية خالدة بمقدار ما حققته من صمود وتضحيات. إن أهمية هذا الحدث تكمن في كشفه عن عمق الصمود الفلسطيني وقدرته على مواجهة آلة البطش الإسرائيلية المدعومة عالمياً. هذا الصمود أثبت للعالم أن غزة، بشعبها المجاهد، قادرة على فضح وحشية الاحتلال وإظهاره على حقيقته، مما أتاح للعالم فرصة لرؤية هذا الكيان المجرم بوضوح. والأهم من ذلك، أن الشعب الفلسطيني لم يكتف بالصمود، بل بعث رسالة قوية إلى المستقبل: إن الإعداد الجيد والصبر والتضحيات هي الزاد الحقيقي لبقاء القضية واستمرار الكفاح من أجل النصر. ها هو الاحتلال الإسرائيلي يقدم التنازلات التي لطالما زعم أنه لن يقدمها. رغم كل الدعاية العالمية الموجهة، ورغم دعم الصهاينة العرب لهذه الدعاية، فقد أُجبرت الحكومة الإسرائيلية على تجرع مرارة القتال أمام أمة صابرة ومؤمنة بفكرة المقاومة. هذا الاتفاق يُبرز قدرة حماس على فرض شروطها وتحقيق أهدافها، لكنه أيضاً يكشف الصورة الأعمق: أن المقاومة ليست مجرد صراع عسكري، بل هي مشروع متكامل لبناء الوعي والإصرار على تحرير الأرض. ما قام به السنوار ورجاله اليوم يعيد للأذهان ما بدأه نور الدين زنكي في سعيه ومحاولاته لتحرير القدس. ورغم الفوارق الكبيرة بين الظروف والإمكانات، إلا أن كلا الرجلين أدركا أهمية الإعداد والصمود في صناعة لحظة تاريخية فارقة للأمة. زنكي مهّد الطريق لصلاح الدين لتحرير الأقصى، وكذلك السنوار زرع روح المقاومة التي ستظل وقوداً لجولات قادمة من الكفاح. ما جسده السنوار بعزيمته الصلبة وقوة إرادته لن يكون مجرد انتصار مؤقت، بل هو نموذج يُلهم الأجيال القادمة بفكرة المقاومة والصمود. لقد أثبتت غزة أن النصر ليس فقط في كسر شوكة العدو، بل في بناء إرادة لا تنكسر، وفي تأكيد حق الشعوب المظلومة في الدفاع عن نفسها ومقدساتها. أخيرا رحل السنوار وبقيت عصاه لتعيد مشهد عصا النبي سليمان التي كشفت ادعاء الجن لقدرات خارقة ومعرفة الغيب، لكن مات النبي سليمان وبقيت عصاه شاهدة على زيف ادعائهم ووهم قوتهم.
1506
| 19 يناير 2025
أستطيع أن أعرب عن تصوري بأن ابن خلدون الذي قال إن «لحظات تقهقر الدول وتراجعها تنعكس في أخلاقياتها»، وأحمد شوقي القائل «إذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتمًا وعويلا»، لم يكن الاثنان قادرين في هذا المشهد المعنوي للابتعاد الزمني أكثر لاستشفاف واقعنا الذي نحياه اليوم. وأظن أنه لم تمر علينا مرحلة واضحة المعالم لما قاله ابن خلدون وأحمد شوقي كالمرحلة التي نعيشها اليوم، فالحاصل وما نراه ونلمسه من تقهقر وتراجع وشلل أخلاقي، بدا أن البعض يسعى جاهداً في سباق ليضيف عليه مزيداً من التعاسة والمعاناة والألم، وذلك بفتح الباب على ثقب أسود مجتمعي جديد وهو « فقدان الإنسانية»، أو ما يمكن أن نطلق عليه «عنصرية التشفي، والفرح بالظلم، والإقصاء، والإساءة». عموماً وقبل توصيفي لهذه الحالة المجتمعية (الشاذة)، أستطيع القول مطمئناً إن الصراعات اليومية المباشرة بين المواطنين في شتى الدول تشكل جزءًا من طبيعة العيش البشري والاحتكاك الإيجابي السلمي بينهم، كما أن الاختلاف والتشاكل بين الأمم والشعوب هو أمر طبيعي، لكن وهنا تحديدا حين يتسع ويشتد الخلاف والنزاع والانقسام حول الرأي والموقف، يبرز المعيار (الأخلاقي والإنساني) كحكم وضابط للفصل بين الجميع. وسواء اتفقنا أو اختلفنا حول كثير من قناعاتنا المتعلقة بمعايير الإنسانية وضوابطها، تبقى ظاهرة التشفي بضحايا المجتمع واحدة من أسوأ وأخطر المؤشرات على سوء صاحبها وانهيار أخلاقياته، بل بتصوري أن وجود هذه المشكلة في المجتمعات لا تعكس فقط أزمة فردية، بل تهدد وجدان المجتمع وتماسكه بأكمله، خطر يتعدى مجرد سلوك الأفراد ليعبرها نحو رسم مشهد الرحيل أو الهجرة للنهاية، مشهد سيجد الجميع أنفسهم فيه مقسمين ومصنفين لطوائف وفرق وإثنيات وعرقيات مختلفة، وقتها سيتحتم على الجميع العمل على حماية شرائحهم وطوائفهم بكسب المزيد من المصالح دون الأخذ في الاعتبار بأية قيم إنسانية أو أخلاقية أو مجتمعية، ومن ثم سيصل الجميع عبر هذا الطريق إلى مشهد النهاية الذي حذر منه ابن خلدون وشوقي وهو التفكك والانهيار. وربما أتساءل مع القارئ، ما الذي يجعل هذه الظاهرة (التشفي وفقدان الإنسانية) تظهر في المجتمعات؟ الإجابة برأيي أن العامل المساعد الأكثر تأثير في الوصول لهذا المشهد هو «حينما تصبح الفئات الأضعف عاجزة عن الدفاع عن نفسها، سواء لافتقارها إلى الأدوات القانونية والرقابية، أو بسبب غياب العدالة التي تحميها». إن التدهور الأخلاقي ليس مجرد نتيجة للصراعات، بل هو أيضًا محفز لمزيد من الأزمات. ولسنا في حاجة للقول إن كل مجتمعاتنا العربية اليوم في حاجة (للطمأنينة فالقادم المجهول بدأ بالفعل طرق الأبواب، منها من سيصمد في وجه هذا المجهول ومنها من سيضيع)، وعليه يمكن أن نبدأ ببعض العلاجات ذات التأثير السريع والأكيد، (التعليم) فبناء منظومة تعليمية تُعنى بغرس القيم الدينية والأخلاقية، وتؤكد على الالتزام بها في الحياة اليومية أمر فائق الأهمية- الاستفادة من آراء المثقفين والمفكرين، وإعطاء مساحة أوسع لهم لطرح الحلول والتوعية - إعادة النظر في قضايا العدالة الاجتماعية وأقصد رفع الظلم عمن وقع عليه ظلم، ومعالجة المشاكل المتجذرة من منطلق يضع في الاعتبار العامل الإنساني والأخلاقي، والابتعاد عن العناد والتشفي وشيطنة الآخر المختلف معه. أخيراً تأملت هذه التغريدة المأساوية على وسائل التواصل الاجتماعي لصاحبتها، والتي تقول فيها «أرجو ألا يكون حقيقيًا كل هذا الشعور وكل هذه الكلمات الرديئة التي تعكس تدني الأخلاق، لأنني سأكون مصدومة أن كل هؤلاء يعيشون حولنا». صعب ومعقد أن أصف شعور هذه المواطنة حين كتبت هذه الكلمات لكن أستطيع أن أقول إنها تغريدة في صورة «صدمة» تغريدة تحمل في مضمون كلماتها أعلى مكنون الألم والخوف (من وعلى) مجتمع يُخشى عليه من مثل هؤلاء الأفراد الذين يحملون في قلوبهم كل هذه العنصرية نحو الآخرين والفرح في مصابهم والتشفي في جراحهم وآلامهم وأحزانهم.
4047
| 03 يناير 2025
باعتبار التاريخ، (الدولة كيان عاقل)، يصف عدد كبير من الفلاسفة الدولة على أنها هيكل العقل، فهيجل يرى أن الدولة تجسد الحرية والعقلانية، والقادرة على تحقيق التوازن بين الفرد والجماعة، ويقول عنها أرسطو إنها كائن طبيعي يسعى إلى تحقيق الخير العام، في حين يراها جان جاك روسو أنها عقل جمعي للمجتمع. هنا ربما نحتاج إلى أن نبسط بعض هذه الإشارات، لنفهم ما الذي يعنى أن الدولة عقل المجتمع، المشهد ببساطة يتمثل في أن الدولة كيان ضخم من المؤسسات المتعددة التي يصب ويتحرك داخلها كل مصالح المجتمع بكل فئاته، كل هذه المصالح المجتمعية مفترض أن تدار بعدالة وشفافية وبعيداً عن الشخصانية، والنزوات الفردية، والدوافع المناقضة للمصلحة العامة، هذا ببساطة محتوى عقل الدولة، وعليه، يُفترض أن ما يأتي عن الدولة يكون في اتجاه الأفعال العقلانية والتصرفات العاقلة. إن الفرق بين السلطة والدولة – بتصوري- أن السلطة قد تقع في لحظات خطأ وردود فعل عنيفة غير منضبطة ومطامع ذاتية ضيقة الأفق تنعكس على قرارات مجحفة بحق المجتمع وأفراده، وقتها سيكون الضابط لهذه الأفعال هو عقل المجتمع أو الدولة بمعنى أدق وقتها سيكون هذا العقل هو القادر على ضبط ردود فعل السلطة والوقوف بوجهها دون صِدام مع المجتمع، ودون استقطاب فئة لفئة او طائفة أو فصيل، فالجميع لدى عقل الدولة متساوٍ في الحقوق والوجبات. إن المتأمل لأغلب الأفعال اللاعقلانية أو اللاأخلاقية التي وقعت فيها السلطات، والمنافية لمصالحها التي تدمّر وتهدم، ولا ترتقي ولا تحقق المصلحة، كانت في الغالب عندما غاب وعي وعقل الدولة، وغابت مؤسساتها الرقابية وسادت الإرادة الفردية. المثير أن هذه اللحظات التي يغيب فيها عقل الدولة، وتظن السلطة أنها أمسكت بكافة الخيوط يفاجئ الطرفين، السلطة والدولة، أنهما أصبحا مصابين بالترهل والهرم، وأنهما عرضة لمزيد من التفكك والانعزال، ومهددين بالانقلابات، والثورات، والحروب، والقلاقل الداخلية، والمؤامرات الخارجية. حينها وبدلا من تراجع السلطة للحفاظ على الدولة، تبدأ السلطة باتخاذ سلوك مضاد، يكون في الغالب مستجيبا بشكل مباشر لأوهام ونظريات المؤامرة والنزاعة الفردية الغاضبة الموسوسة وهنا تحديداً مكمن الخطر من السلطة على الدولة. حينها تنسى أو تتغافل السلطة أن الدولة كيان يقاتل من ذاته وقادر على حماية ذاته إذا ترك بعقلانيته وعقله، تتناسى السلطة بوعي أو دون وعي أنه حين تغيب العقلانية وتفقد المؤسسات اتزانها تفقد الدولة اتزانها وتسقط، وقد رأينا كيف انهارت دول كبيرة ومستقرة حين تحكمت في عقلها الجمعي الفردية وسقطت عقلانية مؤسساتها، وحكمت خوفها على عقلها الجمعي، إن مشاهد وحالات انهيار الدول وسقوطها وقيام دول وأنظمة جديدة و موجات الثورات الواسعة التي قامت في المنطقة، حتما كلها (سجل تاريخي) يكشف عن حالات الارتباك والسلوكيات الفردية التي قادتها لهذا المصير. لا دليل أقوى على الرأي السابق من التطورات الراهنة في سوريا، وما جرى من تغيير كامل للنظام، هذا المشهد الذي أتى ليشرح وبشكل عميق وواضح كيف غيبت السلطة عقل المجتمع ومؤسساته، فانهارت وزال زيف شعاراتها الكاذبة، المثير وربما المقلق في نفس الوقت – بتصوري- أن الممسكين بمقاليد السلطة الجدد استفادوا بشكل كبير من أخطاء الماضي معنويا، فنراهم يرسلون إشارات عقلانية للجميع ويخطون نحو مزيد من الامساك بمقاليد السلطة بشكل هادئ لاكتساب شرعية مجتمعية وليس شرعية القوة، ورغم أنهم في الحقيقة يمتلكون شرعية الثورة بكل ما فيها من تسونامي انفعالات وتجاوزات وتصفيات لرموز النظام القديم، إلا أنهم حتى الان ناجحون في إدارة معركة الدولة بفكر هادئ وعقلاني وليس (جولاني). أخيرا: يبقى مثيرا للاهتمام والتساؤل والأمل أن يستمر هذا التوجه، ويتغلب مبدأ “أن الدولة مهما حدث يجب أن تمتلك عقلانيتها وعقلها «وتحافظ على مؤسساتها وأدواتها الفاعلة، فالسلطة قد تتغير لكن الدولة وعقلانيتها يجب ألا يسقطوا، نتمنى أن يعي الحاكمون الجدد لدمشق أيضاً حقيقة أن التاريخ يعود ليكرر نفسه، وليكن مصير الدولة نابعا من عقلها وعقلانيتها وأن يعي الأفراد في المجتمع ويَحذروا أيضاً من خطورة تحكم الفردية والانفراد بالسلطة وتحييد الشعب، وعلى السلطة الجديدة أن تتقبل هي الأخرى، حتى لا نرى الشعب يخرج ليتغنى فرحاً مرة أخرى بلهيب النيران المشتعل بمرقدها، وصور الماضي المنسية على طاولات غرف قصور ظن حكامها أنهم قادرون عليها.
10326
| 22 ديسمبر 2024
في أقل من عقدين من الزمن، يأتي مشهد سقوط النظام في سوريا، ليعيد للأذهان هذا السيناريو المأساوي المتكرر للشعوب، حيث تسقط السلطة وحاشيتها لينتهي هذا السقوط ومعه أحد الطغاة، بفوضى وحرب أهلية وصراع ميليشيات مسلحة تتمترس خلف العديد من الشعارات كالدين والعصبية والطائفية... إلخ. والحقيقة أن التجربة التاريخية الإنسانية لسقوط الطغاة والنخب الاستبدادية في المجتمعات، تظهر لنا دوماً هذا المشهد الذي يكاد يكون نسخة متكررة لسيناريو واحد (الاستبداد، تغييب الحريات، قمع الآراء، الانهيار وبعده السقوط)، وسواء كان هذا الانهيار سريعاً في بعض المرات كتونس، أو ممتداً مع بعض التطورات المستندة على شرعية القوة كسوريا، لكن الختام يبقى زوال قيود الطغاة وممارساتهم الاستبدادية من على رقاب شعوبهم وظهور البديل. المثير أيضاً في هذا السيناريو أنه يطرح ويستحضر معه سؤالا في غاية الأهمية والوضوح وهو: لماذا لا يدرك الطغاة مصيرهم الحتمي؟ ولماذا يصرون على تجاهل أصوات شعوبهم التي تطالب بالحرية والكرامة؟ الحقيقة أنني حاولت مرات عديدة أن أضع إجابات افتراضية مختلفة لهذا التساؤل، لكن أجدني في كل مرة أصل لنتيجة واحدة أعرضها في التالي: أولاً: أن الطغاة وحاشيتهم، في الغالب يشكلون منظومة مصالح متشابكة ومعقدة، وإن ما يعزز من بقاء هذه المنظومة واستمرار سطوتها ليس فقط قوة السلطة، بل أيضًا مدى المكتسبات التي تحوذها الحاشية المحيطة بهم. فهذه الحاضنة، وهي للأسف تشمل فئات مهمة كالمفكرين والكتاب ورجال الدين، والأدباء، وغيرهم من النخب التي تفتقر للقيم الإنسانية والأخلاقية، تلعب دورًا كبيرًا في تسويق وخلق صورة للطاغية باعتباره “رمز الوطن” و»زعيم الأمة» و»القائد الملهم». ثانياً: يتطلب عمل هذه الطبقة غالباً في مرحلة أولى تحييد وتغييب حقوق الإنسان، وقمع حرية التعبير والرأي المخالف لها، يتبع هذه المرحلة لاحقاً مرحلة أسوأ وهي تبرير الظلم وخلق مناخ الخوف لدى المجتمع، واستحضار فزاعات لأعداء وهميين أو محتملين، وفي حالات أخرى تلجأ هذه النخب الاستبدادية لإشاعة وبث روح الخلاف، وخلق جو عدائي بين أبناء المجتمع ونسيجه الواحد، ومن ثم وبعد أن تطمئن لنجاحها في تفكيك قدرة الشعب على التصدي لطغيانها وكسر إرادته، تبدأ المرحلة الأكثر خطورة وهي الإيحاء بأن الطاغية هو وحده حاضر الأمة ومستقبلها وحامي مقدراتها وصوتها الحقيقي الوحيد. إن التحول التاريخي المقلق والحاصل هنا - بتصوري– ليس في أن التاريخ يعيد نفسه، بل التخوف أن هذا الشكل من أشكال الطغيان وتغول نخب السلطة لم يعد خاصية فقط للدول المتخلفة أو الشمولية أو الاستبدادية والسلطات الدكتاتورية، بل تمكن هذا المشهد وهذا السيناريو أن يتسلل نحو مناطق مارست الديمقراطية ووصلت فيها لمدى بعيد. ولعل التحدي الذي يطرح نفسه أمام الشعوب العربية اليوم ليس فقط كيف يُسقطون الطغاة ويتخلصون منهم، بل كيف يُحيدون خطر الحاشية والنخب الاستبدادية التي خلقت الطغاة والتي تبني الثقافة السلطوية وتروج للظلم، وتقمع أي تصور مجتمعي عن الحرية والحقوق، وتلاحق كل صوت معارض باعتباره تهديدًا للأمن الوطني أو “صوتًا دخيلًا”. إن هذه الحاشية اليوم لم تكتف بالمفاصل الأمنية في المجتمعات بل راحت تتسلل لتقبض على مفاصل التعليم والإعلام، ممتدة حتى للخطاب الديني الموجه للشعوب بهدف تغييب وعيه وإضعاف إرادته. إن المشهد السوري اليوم وهذا الانهيار المتوقع للسلطة الحاكمة ولبشار وحاشيته، ربما بعث رسالة لكل شعوب العالم العربي والإسلامي رسالة سطرها الأول والأخير هو «نعم لحرية الإنسان، وأن إرادة الشعوب قصر الوقت أم طال حتماً ستنتصر». رسالة قد يقرأ أيضاً ما بين بدايتها ونهايتها أن على الشعوب أن ترفع صوتها عاليًا ضد المُبَجِّلين للسلطات، وضد كل من يساهم في قمع إرادة الشعوب، هذه الحاشية لا تهمها إلا مصلحتها، فكم من مرة رأينا الطغاة يسقطون، يهربون، أو يُتركون وحيدين بعد أن تُثخن جراح شعوبهم؟ ومع ذلك، تظل الحاشية التي كانت تمجدهم بالأمس صامتة عند سقوطهم، وكأنها لم تكن جزءًا من المنظومة. يسأل الإنسان العربي اليوم: أين تلك الحاشية التي كانت تصف الطغاة بأنهم “رموز الأمة” وقادتها الملهمون؟ أين اختفى أولئك الذين روجوا للظلم كمموا أصوات من خالفهم الرأي أو عارضهم؟ ختامًا: أعود راضياً لقناعة أن التاريخ سيبقى شاهدًا على أن الشعوب لن تُهزم، وأن إرادتها هي المنتصرة في النهاية، لكن يبقى على كل فرد مسؤولية نشر الوعي ومواجهة منظومة الاستبداد وحاشية الطغيان، وقتها سوف تصبح الحرية واقعًا ملموسًا تحياه وتعيشه شعوب المنطقة.
4053
| 11 ديسمبر 2024
لا أشك، أن جميعنا توقف طويلا أمام هذا المشهد الاستثنائي للقائد الفلسطيني الشهيد يحيى السنوار، والذي عَبَر من خلاله الحدود الفاصلة وتجاوز حالة الغياب التاريخي الحالي للأبطال المقاومين والمناضلين، ليحييهم من جديد في مقطع حقيقي غير متخيل لم يتجاوز عدة دقائق بُث وشاهده العالم أجمع مصوراً. وبتصوري أن السنوار، هذا القائد الذي أشغل العالم لمدة عام كامل ومع كل المحاولات المستمرة لاستهدافه وتشويه صورتة إعلامياً، جاء مقطعه الختامي ليمثل مشهداً رمزيًا أسطورياً بامتياز، حيث استدعت لحظة استشهاد السنوار المأساوية بعدا أعمق لتجربة المناضل والمقاوم وكيف هي رغبته الجامحة في تحرير نفسه ووطنه من آلامه وقيوده، وإصراره على المقاومة ولو في أحلك اللحظات، وبأبسط ما يملك من أدوات حتى وإن كانت عصا يواجه بها طائرة. المثير أن من صاغ هذا المشهد ووظفه بهذا الشكل الاسطوري كان العدو نفسه ! وبعيداً عن كل ما خلقته التعليقات والتحليلات واختلاف الآراء وما بين المناسب واللامناسب، والأخلاقى واللا أخلاقي، حول هذا المشهد وما تضمنه الحدث من تصورات خيالية لصراع الخير مع الشر أو الحق مع الباطل، إلا أن التساؤل المطروح بتصوري يبقى رهين مقطعين رئيسيين هما: ما الذي بعثته هذه اللحظات الأخيرة في عُمر السنوار للمقاومة والمقاومين وللفلسطينيين ؟ وكيف يمكن لمشهد استشهادي أن يبعث ومن جديد كل هذه الفاعلية في جسد أمة منهكة غائبة الحضور ؟ إن محاولة الاجابة على هذا التساؤل ربما تدفعنا هي الأخرى نحو الغوص في أعماق التاريخ واستحضار شخصيات مماثلة قدمت حياتها للدفاع عن أوطانها وقيمها، رحلت هذه الاشخاص لكن استمرت معتقداتها وأفكارها في التأثير بعد رحيلها. متخطية حدود المكان والزمان. إن هذه الثغرة التاريخية التي نفذ منها السنوار كشخصية بطولية كاريزمية تكون دائمًا محورًا لإثارة النقاش لدى المؤرخين، إذ يحاولون فهم كوامن القوة والقدرات التي تجعل هذه الشخصيات ذات تأثير عميق في المجتمعات. من بين أنقاض لحظات انهيار أمة وضعفها، تبرز هذه الشخصيات لتقوم بأفعال قد تبدو في لحظتها لكثير من الناس بسيطة أو مكررة. لكن مع مرور الوقت، ومع الإصرار وكمال العزيمة، تظهر آثار متعاقبة ومتسلسلة، تؤدي في النهاية إلى تغييرات جذرية في المشهد. نعلم جميعا أن الحضارة الإسلامية مرت ولا تزال بتجارب عديدة صعبة لكنها كانت في الغالب تمتلك أمام هذه التحديات والصعوبات (رموزا وقيادات وأشخاصا استثنائيين استطاعوا تغيير مسار الأحداث كـنور الدين زنكي، صلاح الدين، قطز، عمر المختار، أحمد ياسين، وغيرهم كثيرون..... المثير كذلك أن أغلب لحظات الضعف ومشاهد اليأس والانكسار التي مرت بها الأمة ودخولها منحنى التراخى والانحدار، ومع بدايات الفعل التقويمي لهذا الانحدار كانت تتزايد الأصوات المشككة، التي تصر على أنه ( لا جديد يمكن أن يحدث)، بل ربما تتجاوز هذه الأصوات في بعض الأحيان حد التشكيك إلى التخوين، مما يضيف تعقيدات وتحديات أكبر أمام مساعي التغيير لكن ورغم تعاطف وانبهار وقبول البعض بهذه الاصوات المشككة تظهر القيادات الاستثنائية والبطولات والرموز لتغير الواقع وتخلق الانتصارات لأوطانها وشعوبها. إن السنوار ورغم رحيله المتوقع ومع كل ما قام به من خلط و بعثرة لأوراق السياسة والجغرافيا - بل والاقتصاد - لقوى كبرى، إلا أنه استطاع أيضا تحريك عجلة التاريخ والمقاومة في آن واحد ومع ظروف استثنائية وشديدة الصعوبة، بل بتصوري أن رؤية السنوار وإدارته للأحداث لم تكن مجرد ردود فعل على ما يقوم به العدو، بل كان إدراك لواقع شديد التعقيد في الداخل والخارج، استطاع معه السنوار أن يجعل من تلك المقاومة قوة فاعلة ومؤثرة حتما ستنعكس آثارها لاحقاً وبمراحل متعددة على تاريخ الصراعات الإسلامية مستقبلاً. يبقى القول إن إدراك واستجلاء تأثيرات هذا المشهد (البطولي لاستشهاد السنوار ) وآثاره سيتطلب منا الكثير من الصبر والمتابعة حتى نستطيع أن نحيط بما سيتشكل بعده من تغيرات حتمية في المستقبل، وكيف استطاع السنوار تقديم نفسه في مرحلة انتقالية شديدة الحساسية كبديل وكشخصية استثنائية تاريخية في عالم يسوده التناقض وخلط الاوراق، واحتمالات سقوط قوى وتشكل وخلق قوى جديدة.
1512
| 23 أكتوبر 2024
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); (( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ)) ...البقرة... يعرض مشيل فوكو الفيلسوف الفرنسي الشهير في شرحه لآليات عمل السلطة التي تناولها في كثير من مؤلفاته كـ "المجتمع والعقاب" و" يجب حماية المجتمع" و" المراقبة والمعاقبة"، إحدى صور القمع التي تلجأ لها السلطة فيما يخص معاقبة المدانين أو المعارضين لها، حيث يعرض فوكو إحدى هذه الصور وهي صورة العقاب الملكي الذي يراد به قمع الجماهير من خلال تنفيذ عمليات إعدام وتعذيب وحشية علنية. ولا شك أن السلطة في بعض الحالات الضيقة تحتكر وحدها حق القتل الشرعي الإماتة (الإعدام) وربما (الإحياء) كالدية، وذلك بشروط ومن خلال تنفيذ مسميات القصاص وتطبيق القانون الأمر الذي يجعل هذا الحق مقبولا من المجتمع ومبررا في مساقات القيم والأعراف الاجتماعية والدينية والأخلاقية إلا أن فوكو يعترض أيضا بالقول "إنه إذا كان الهدف للسلطة والعقد القائم بينها وبين المجتمع هو رعاية وحماية النسق الاجتماعي وحماية الحياة لمواطنيها، فكيف يتضمن ذلك العقد حق الإماتة؟!أيضاً وفي ظل امتلاك الدولة كذلك حق العنف الشرعي، فإن هذا الاحتكار يجعل من يقوم بهذا الدور - غير الدولة - مجرما سواء من كان يقوم به فرداً أو مجموعة أو طائفة، لكن السؤال.......كيف يقبل المجتمع هذا الكم من أحكام القتل (الإعدامات الجماعية) الذي تشرعنه السلطة تحت ستار القانون، والذي وصل في إحدى الجمهوريات العربية لخمسمائة واثنين وعشرين في حكم واحد، وجلسة واحدة، فالحقيقة أن هذا الحكم لم يكن له قصد وهدف سوى دفع المجتمع أو شريحة منه لسلوك وتوجه معين يعطي - السلطة - فيما بعد للمزيد، ويكون غطاء ومبررا لما تقوم به من قتل متعمد... بدعوى محاربة الإرهاب، وخلق حالة من الخوف والعنف ونشر الرهبة لإقصاء أي مطالبة سياسية وإسكات أي صوت معارض لها. لكن ما غفلت عنه السلطة هو أن المتلقى (المواطن) العادي والبسيط لن يكون في ظل هذا التسارع الجنوني في استخدام حق الإماتة (الإعدام) مستعداً بعدها للتصديق أو القبول، خاصة حين يدرك أن من ارتكبوا جرائم محققة بل أشد ممن جرى بحقهم الإعدام لم يتم إدانتهم أو محاكمتهم، بل بالعكس رجعوا سالمين ليمارسوا نفس الدور..... بعد أن برأتهم نفس السلطة .... "عودوا لمقاعدكم".فممارسة السلطة لحقوقها لن يحميها إلا العدالة والقناعة والقبول من قبل المجتمع لهذا الحق.. إن جرائم وتجاوزات بعض الأنظمة العربية السابقة والحالية، والتي حمتها جيوش من المروجين للقومية أو البعثية أو الطائفية، وغيرها من المصطلحات السياسية والأيديولوجية، باتت اليوم غير قابلة للتصديق أو التطبيق والقبول، حتى من يتصدى لتبريرها من النخب والمثقفين والرموز الإعلامية أو الدينية لن يكون قادرا فيما بعد على الاستمرار في تفسير هذا الكم الهائل من الأحكام الجائرة بالقتل (الإعدام) لطائفة أو شريحة لمجرد أنها معارضة للسلطة، فلا مبررات إنسانية أو أخلاقية أو حتى قانونية تتسع لمثل هذا العبث الجنوني في قتل وإعدام المعارضين.بل إننا نلحظ حتى أقل الشرائح المجتمعية التي تحمل شهادات تعليمية بسيطة تستنكر وترفض ما يجري، ولا أدل على ذلك من هذا الكم الهائل من الاستهزاء والتندر والتعليقات التي نطالعها في مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات وغيرها على هذه الأحكام، مقابل مفكرين وفلاسفة وكتاب ونقاد ونخب وسياسيين آثرت الصمت و(الشماتة) لا لشيء سوى أن الإبادة والقتل والأحكام بالسجن والإعدامات الجماعية تقع على من يخالفهم في التفكير والرأي أو لأنها خرجت صفر اليدين من الاستحقاقات الديمقراطية !؟هنا أجدني مجبراً على أن أتفق مع فوكو في أن أزمة مجتمعاتنا هي نتاج الطبقات والنخب المثقفة، لكنها طبقات ونخب رخيصة بلا قيم أو مبادئ تستطيع أن تحمي المجتمع وتصون الحقوق.
894
| 18 مايو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يتصادم الفيلسوف الألماني ماكس فيبر بشدة مع أطروحات المنهج الماركسي في تصوراتها عن الدولة النموذجية ، حيث يقدم لنا فيبر تصوره للدولة الحديثة وآلية عملها ، فالدولة عنده هي التي تُصنع قراراتها من خلال شكل ونمط وآليه وسلطة معينة هي ما يمكن أن نطلق عليها تجاوزاً "سلطة المكاتب" .حيث يعتبر فيبر أن الدولة الحديثة تُمارس سلطاتها عن طريق آلاف الرجال والنساء الموظفين ، وهم في العادة يعملون من خلف مكاتبهم ، ويقومون بإدارة النظام في الدولة ، ويقررون ما يتعلق بالمجتمع ويطبقون التعليمات والقرارات الإدارية له . والحقيقة أن تصور فيبر هذا أيضاً يرافقه تصور آخر وهو أن " سلطة المكاتب " هذه ونتيجة لطبيعتها التشابكية الواسعة يجب أن تكون سلطة منزوعة المشاعر أو بمعنى آخر لا تخضع لاعتبارات العواطف ولا تسيرها الأهواء والرغبات الفردية ، بل يجب أن تقودها فقط روح النظم والقانون والتنفيذ. ولا شك أن تصور فيبر يعتبر تطبيقا مباشرا لشكل وطبيعة الدولة الحديثة ودور القانون فيها ، كما أن حالة "سلطة المكاتب" يمكن أن نطلق عليه الشخصية الاعتبارية لشكل الدولة الفاعلة المتجاوزة للنزعات الفردية. وقد لاقى هذا التصور الذي طرحة فيبر بشكل أو بآخر طريقاً للتطبيق في بعض المجتمعات الأوربية المتقدمة كألمانيا على سبيل المثال ، والتي رأت أن نموذج ماكس فيبر يمكن تطبيقه بشكل أفضل لتجاوز مراحل نفوذ البرجوازيات والملكيات والطبقية ونفوذها ، وكذلك حلاً ومعالجة واقعية للتغلب على دعوات الماركسيين بأن تقوم الطبقات الكادحة بالقفز لإدارة المجتمع . واليوم وبعد ما يزيد عن قرن وأكثر من أطروحة فيبر نجد أن ما حاول تسويقه من تمجيد لـ "سلطة المكاتب" أو "البيروقراطية" بالمصطلح الحديث أصبح الدليل على رقي الدول وتقدمها.لكن ..... وفي مجتمعاتنا الخليجية والتي حاولت هي الأخرى التسريع نحو الحداثة ، فقامت بحشد وملء كل مؤسساتها وقطاعاتها بالمكاتب للقيام بدورها في إدارة نهضة الدولة ، نجد أننا.....لم نصل لما كان مؤملاً أو مفترضا أن نصل له ............فأين الخلل وما السبب؟إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج لإلقاء نظرة سريعة على إحدى الجمل التي ذكرت من قبل في مقدمة المقال وهي أن سلطة المكاتب " يجب أن تكون سلطة منزوعة المشاعر لا تخضع لاعتبارات العواطف ولا تسيرها الأهواء والرغبات الفردية" وهذا أهم سبب للنجاح ....إن غاب فلا حاجة لتطبيق حيث ظل التسلسل التاريخي لمفهوم القوة يدفع بنا نحو النظر لاختراق أطروحة فيبر ومحاولة تفسيرها بالنسبة للوضع الخليجي ، فأصحاب النفوذ في مجتمعاتنا استطاعوا نقض أطروحة فيبر ، و تجاوز كل المكاتب وسلطاتها ، الأمر الذي أبطل الهدف الحقيقي لهذه المنظومة وجعلها بلا فاعلية حقيقية ولا سلطة. وعلية فإن مراجعة الحالة الخليجية ببساطة ستكتشف لنا أن وجود أصحاب النفوذ كان ولا يزال أهم معوقات التطور ، وسبباً رئيسا في تعطل ماكينة التحديث وأن قدرتهم على إلغاء "سلطة المكاتب" وقدرتها على إحداث التحول في المجتمع ، هو منبع الخلل ، حيث يتجاوز أصحاب النفوذ كل المكاتب ليشكلوا " ليس استثناءً جزئياً" بل خروقات وانشقاقات وتصدعات في جسد المجتمع و النظام ، حيث تصبح هذه الخروقات التي صنعها أصحاب النفوذ متكأ وملجأ فيما بعد لكل الراغبين لتجاوز "سلطة المكاتب" في أي وقت وزمن.إن الحقيقة التي نعرفها جميعاً أن كل المجتمعات الخليجية بها مراكز قوى وأصحاب نفوذ ، تستطيع تجاوز الجميع بما فيها القانون وكل الاعتبارات الأخرى التي يخضع لها الأفراد والمواطنون العاديون . وفي الغالب تأتي طبقة أبناء الأسر الحاكمة أو ما يعرف بالمشيخة و الحاشية التي تحيط بالسلطة والمنتفعين وكبار التجار وبعض الشخصيات الإعلامية والدينية والرموز المجتمعية في الدرجة الأولى ، فكل هؤلاء يعملون لاختراق سير وشكل عملية البيروقراطية الصحية ، حيث لا يبقى للمنظومة المجتمعية في النهاية إلا مكاتب ديكورية ، يتوقف المجتمع أمامها للبحث عن طرق لتجاوزها وتخطيها، فتتهالك المنظومة وتصبح هي نفسها صورة وشكلا من أشكال العوائق التي يجب تجاوزها وليس القبول بنتائج وجودها.إن صور النجاح الخليجي لا شك تحققت في الأماكن التي تقلصت فيها طبقات أصحاب النفوذ ، فالدولة الخليجية التي يتضاءل فيها دور أصحاب النفوذ أو تنحصر في أفراد قلائل ربما تحقق نجاحا أكبر من غيرها ، لذا فأصحاب القرار ورؤوس السلطة ، مطالبون اليوم أن يقوموا بإعادة هيكلة لتقليص وتحجيم دور أصحاب النفوذ ، خاصة الحاشية المحيطة وإعطاء دور أكبر "لسلطة المكاتب" لكي يتحقق للدولة والمجتمع نظام أكثر فاعلية وقدرة بل أن سلطة المكاتب لربما تكون ضمانة حقيقية للسلطة والدولة على الاستمرار والتجدد وتحدي الأخطار أو الانهيار.
1049
| 12 مايو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في مؤتمر جمعية التاريخ والآثار الخليجية الأسبوع الماضي تحدث الباحث د. سلطان الاصقة في تتبعه للصراع الممتد عبر قرون في الخليج من قبل بعض القوى المتنافسة وعلى رأسها بريطانيا والعثمانيون والإنجليز والألمان ، أن الإنجليز و بعد احتلال نابليون مصر ١٧٩٨ وتهديده الشام اعتبروا الخليج بمثابة خط الدفاع الأول لحماية تجارتهم ومصالحهم ونفوذهم في الهند ( جوهرة التاج البريطاني) كما كانوا يطلقون عليها ، ليتحول الخليج في فترة لاحقة من عمر هذا الصراع الاستعماري إلى بحيرة مغلقة للبريطانيين. وبعد الحربين العالميتين الأولى والثانية وظهور قوى كبرى أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بدأ الخليج يأخذ شكلاً وطابعاً سياسياً آخر ، لاسيما بعد ظهور النفط ، حيث اعتبر السياسيون الأمريكيون أن الخليج هو ساحة الاستعراض الأقوى تأثيراً لفرض وإظهار قوتهم ، خصوصاً مع خسارة الساحل الشرقي من الخليج بعد الثورة الإيرانية ١٩٧٩ ، و ازدياد حدة الحرب الباردة بينها وبين الروس.ومع نشوب الحرب العراقية الإيرانية التي تلتها حرب تحرير الكويت و الإطاحة بنظام صدام حسين، وتصاعد حدة التوترات بالمنطقة ، بدا واضحا التراجع المستمر في قدرة الأمريكان على الحفاظ على نفوذهم في منطقة الخليج ، حيث بدأ الأمريكان يفسحون المجال للإيرانيين لفرض سياستهم وممارسة دور شرطي المنطقة إن لزم الأمر فيما بعد ، والذي سيخدم بشكل أو بآخر أهدافا غير معلنة للأمريكان في الخليج العربي ، وبالفعل كان هذا الدور المرسوم يسير بشكل طبيعي وهادئ نحو تسلم إيران من الأمريكان زي شرطي الخليج ............ لكن ومع هبوب رياح عاصفة الحزم وانطلاقها القوي ....والذي أطاح بهذه الخطط المرسومة عبر عدة عقود ، يمكن القول أن زي شرطي الخليج الذي أوشكت أمريكا أن تُلبسة لإيران قد....طار..............وعرى معه إيران .....الذي اكتشف العالم مدى ضعفها وارتباكها وعدم قدرتها على الفعل .وفي اعتقادي أن هذا الشعور والصورة التي ظهر عليها الإيرانيون سيدفعهم مستقبلاً نحو مزيد من المراهقة السياسية والتهور في المنطقة .لذا لابد على القادة في الخليج أن يكونوا مستعدين لخطوات أكثر قوة وحسم ، و نفس التوجه وبنفس الحزم . إن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم على موائد معظم صانعي القرارات السياسية في مختلف دول العالم هو ..... ماهية الخطط التي يتبناها الخليجيون لمستقبل المنطقة لمواجهة تقلص وانكماش حجم ودور النفوذ الأمريكي في الخليج ، وكيف سيتحرك الخليجيون بعد أن صنعوا وبقوة حيّزاً أكبر لهم في المنطقة ، خصوصاً بعد أن كشفت عاصفة الحزم حجم القوة الحقيقي الوهمي المنسوب لإيران وأيضاً كشفت عن طبيعة وحقيقة المزاعم لبعض جيراننا العرب الذين طالما تشدقوا بالقدرة على حماية الخليج (مسافة السكة) ، فاليوم السعودية والتحالف الخليجي باتوا يشكلون قوة ذات مساحة واسعة وقدرة على الفعل العسكري والسياسي، ومن الواضح أن تسليم الخليج لإيران لم يعد ممكناً اليوم في ظل هذا التغير الجذري في ميزان القوى السياسية والعسكرية .وعليه فالدور الجديد للقوة الخليجية يجب أن يعمل بكل جد على استمرار توسيع قدراته وصقلها وتوظيف إمكاناته للسير في طريق الأقوياء والفاعلين وليس طريق (الإحسان من ضعف أو العمل الدبلوماسي من عجز)، فقد لخص المتنبي شاعر العرب هذا المعنى حين قال................. وإني أصاحبُ حلمي وهو بي كرمُولا أصاحبُ حلمي وهو بي جبنُ
976
| 04 مايو 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); بعد الإعلان عن انتهاء عاصفة الحزم بصورة رسمية ، سارعت الميليشيات الحوثية وفي محاولة منها لتحسين صورتها التي أضحت شديدة السواد والاهتراء ، لتسويق صورة إعلامية مضللة من أن انتهاء العاصفة انتصار لها وبالتالي لحليفها و داعمها الرئيسي ( إيران) .والحقيقة أن ما تقوم به هذه المليشيات اعتبره في حد ذاته اعترافا منها بالفشل والهزيمة ،خصوصاً وأنه ليس مستغرباً على الأذرع الإعلامية المضللة التي يديرها الملالي في إيران (مدرسة الانتصارات الإعلامية الكاذبة ) ، أن تفعل ذلك بعد شعورها بأن العاصفة أطاحت بكبريائها الزائف وقوتها الوهمية وعرَّتها بل وأهانت ودمرت في نفس الوقت هيبة وأسطورة إيران القوية التي ترتدي مجسم القوة الكرتوني . ومنذ انطلاق عاصفة الحزم بقيادة المملكة وحلفائها الخليجيين ، دأبت إيران على إعطاء انطباعات إعلامية عن قوتها وسطوتها وقدراتها العسكرية ، مستندة إلى كم وحجم الدعاية الوهمية التي يقوم عليها الجيش الإيراني والنظام الإيراني ، ولأن ثمار هذه الشجرة الإعلامية الخبيثة تتساقط في معظم أرجاء العالم العربي ، سارع الحوثيون أتباع مدرسة الملالي ليقدموا هم أيضاً نفس الخطاب في تسويق هزيمتهم كنصر .ولا استغرب كثيراً من قلة ذكاء من يقوم على الأمور ويديرها في هذا الملف بالذات ، فجميعنا يرى ويسمع عن ميليشيات الأسد في سوريا التي تعلن كل يوم عن تحقيق انتصارات وهمية ، كذلك العراق التي باتت أشبه بكنتونات ممزقة يتجاذب حكمها رؤساء القبائل والمليشيات والمرجعيات الدينية والحكومة والأكراد ، وهناك أيضاً حزب الله المنتشي بسطوته في لبنان ، لذا لم يكن مستغرباً أن يسارع الحوثيون وصالح وإيران هذا الثلاثي المهزوم بالتغني هم أيضاً بعد الإعلان عن انتهاء العاصفة بادعائهم تحقيق النصر على ..... (اليمن) ...كما فعل صدام في أم المعارك والقذافي في الزاوية ، وأجدابيا، ومصراتة ، والعسكر عموماً فيما يضعون عليه أيديهم من أوطان وشعوب (منتهي السخف والتضليل للقوة الزائفة والانتصار الوهمي).إن فهم هذه الإشكالية لن يكون بمعزل عن فهم واقع مجتمعاتنا وشعوبنا العربية ، حيث أن الدول القمعية في مجملها تستند إلى معطيات أيديولوجية في تصورها ووهمها لشرعية المستبد القامع للآخرين ، وأن كل ما يصدر من القائد الملهَم لابد أن يكون انتصاراً ، وأن كل عمل ضده هو مؤامرة من الأعداء والخونة .....الذين يريدون هدم الدولة والقضاء عليها .إن هذا الفكر المشوش والمريض هو ما قادنا في النهاية إلى احتراف فكرة تزوير الحقائق والتضليل الإعلامي، وخلق الانتصارات الوهمية ...التي نرى عرضها يتكرر في المشهد اليمني اليوم . الآن ...وبعد الإعلان الرسمي عن انتهاء عاصفة الحزم وتدمير معظم الأهداف التابعة للحوثي وصالح ....... لا تزال طائرات التحالف تكمل مهمتها وتضرب مواقع وأهدافا وأسلحة في قلب ووسط المدن اليمنية التي يتمركز فيها صالح والحوثيون............وهذا يعني في تقديري الشخصي ...أن توابع العاصفة لاتزال مستمرة ...وأن الخليج مصمم على استكمال ما بدأه بكل قوة وحسم وأن النهاية .......التي تم ترك مشهد الختام فيها مفتوحا ......ربما جاء لإفساح المجال لمزيد من الإنهاك والاستنزاف لصالح والحوثيين وحليفهم وداعمهم إيران. ولا أدرى لماذا طاف بمخيلتي وأنا أسطر هذه الكلمات قصة مشهورة من واقع تراثنا العربي وهي قصة براقش وهو اسم كلبة كانت لبيت من العرب وهاجمهم الأعداء في ليل دامس ولم يصلوا لمكانهم ولكن بدأت (براقش) بالنباح فتنبه لهذا النباح الأعداء وعرفوا المكان الذي يختبئ فيه القوم فقتلوهم جميعاً بما فيهم ( براقش) ... لذلك جرى المثل قديما بالقول على نفسها جنت براقش فمغامرة الحوثيين واستفزازهم للخليج .....كان سبباً في كشف وتعرية حجم ودور إيران وحقيقتها الوهمية والزائفة أمام الجميع فقد تركتهم في العاصفة ولم تستطع إرسال طائراتها ولا قواتها التي تثير لهم غبار المناورات الوهمية في كل عام . لذلك كان الرد الطبيعي الإيراني يحتم أن يكون هناك زيادة في الجرعة الإعلامية المضللة و الكاذبة من قبل إيران وأتباعها لتغطية آثار عاصفة الحزم......واستباقاً ......لمرحلة .....إعادة الأمل.
1082
| 26 أبريل 2015
googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل ظهور الإسلام ، و في مطالع القرن السادس الميلادي، غضب كسرى الفرس على النعمان بن المنذر ملك الحيرة ، فلجأ النعمان وقتها إلى هانئ بن مسعود الشيباني أحد سادات العرب وأبطالهم في الجاهلية ، فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد النعمان لكسرى، حيث قام كسرى بسجنه وقتله ، ولم يكتف كسرى بذلك بل أرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه كل ما يخص النعمان ، غير أن الشيباني وفي مشهد تاريخي أخلاقي أبى أن يسلم لكسرى ما استودعه إياه النعمان (و كانت عادة العرب أن تجير المستجير وتحفظ حقوقه وأمواله وأعراضه أيا كانت الظروف) ، ولما بلغ كسرى رفض الشيباني سير إليه الجيوش ليلتقي بعدها العرب والفرس في أحد أهم أيام الجاهلية وهي معركة "ذي قار " التي انكسر فيها الفرس ولأول مرة في تاريخهم على يد العرب.ربما جاء هذا المدخل الرمزي وبعيداً عن الأبعاد السياسية والعسكرية والأيديولوجية التي تتصارع جملتها وتحرك الأحداث في اليمن ، خصوصا أنه من السذاجة أن يتصارع الإنسان فكريا مع المختلفين معه ليردّد إنني علي حق دون أن يستحضر قواعد هذا الحق.ولا شك أن مختلف التيارات المحسوبة على ايران والتي تعارض وتستنكر ما يجري في اليمن وتذرف دموع التماسيح التي ذرفها من قبلهم نصرالله ، على سقوط بعض الضحايا المدنية من اليمنيين تناسوا أنهم هم أنفسهم من لاتزال دماء الشعب السوري تقطر من أنيابهم حتى هذه اللحظات ، بل حتى بعض قيادات إيران الدينية (المقدسة) والتي تخرج علينا تباعاً وهي ترتدي عباءة البراءة وقناع الطيبة ، هي نفسها التي نراها تفتي وتبرر وتسوغ وتدفع كل يوم بمقاتليها وعتادها لبؤر الصراعات في الأراضي العربية ، وآخرها اليمن و ميليشيات صالح والحوثي . ولكن في المعسكر الآخر المؤيد للعاصفة تُبرز لنا الساحة الإعلامية حاليا العديد ممن يتناولون بالتحليل والتبرير عاصفة الحزم وأسبابها وأهمية الوقوف أمام توسعات إيران في الخليج والتي تأتي عبر بوابة اليمن ، لكن هذا الخطاب بذاته لا يشكل أرضية مقبولة ولا أخلاقية لأي فعل عسكري ضد اليمن .هنا ربما يمكن التدخل بالقول ، إن الأبعاد السياسية والعسكرية التي حتمت التدخل الخليجي في اليمن لم تكن منفصلة عن البعد أو المنطلق الأخلاقي أو (الحقوقي) لليمنيين وشعب اليمن - إن تسليط الأضواء و التحليلات والمعالجة الإعلامية لـ(عاصفة الحزم) يلحظ أنه يغيب عنها وبشكل يكاد يكون شبه كامل هذا الغطاء الأخلاقي والمبرر الحقوقي وطبيعة الموقف الإنساني الذي ينطلق منه .والحقيقة أن الخليج قد يلام على أنه ومنذ الأيام ألأولى للثورة اليمنية موقفه سلبي ؛ فلم يقبل ولم يرحب (وهو اليوم يدفع ثمن هذا الموقف) ، وربما كان هدف قادته وقتها وبعد المبادرة الخليجية - التي طلبت من الشعب اليمني أن يضحي بنصف حلمه بالتخلص من صالح ومنظومته مقابل أن يتغير النظام جزئياً ، وأعطى لصالح حصانة ولأبنائه الذين سرقوا اليمن لعقود- أن يضمن أولا لليمنيين حقوقهم وصيانة أعراضهم ودمائهم وتسيير أمور حياتهم المعيشية ريثما تستقر الأوضاع السياسية وتجري من جديد المركب اليمنية لبر الأمان، غير أن الخيانة التي قادها صالح والحوثيون على هذه المبادرة وعلى شعب اليمن حتم في النهاية هذا التدخل من منطلق التزام وبُعدٍ أخلاقي انتصارا للحق ومن دعا له وهو الشعب اليمني.إن الشعب اليمني اليوم والشرعية اليمنية حين تستغيث بدول الخليج فإنه من منطلق (الحق والأخلاق ) يحتم أن يقف الخليج منهم موقفاً حاسما لا يتخذ فقط وفقاً لمصالح السياسة والجغرافيا ؛ فالخليج اليوم هو المتعهد الرئيس لحماية الشعب اليمني وسلامة أراضيه وحقوقه وأعراض أبنائه من انتهاكات صالح والحوثيين.إنني في النهاية لا أنكر حقوق أي شعب فيما يختاره وفيما يقرر به مصيره و يرضاه ، لكني وفي نفس الوقت لا أنكر أيضاً أن حلم اليمنيين بمختلف شرائحهم بات يتلخص في سرعة التخلص من الدكتاتور صالح وزمرته ، بعد كل هذا الخراب والفساد والإجرام ، ، وربما كانت محاولات التوسع ومد النفوذ وبسط السيطرة التي يحلم بها القادة في إيران سبباً آخر ، لكن رغم كل شيء إذا كان هذا لاحقاً اختيار الشعب اليمني بحرية وديمقراطية ودون أية ضغوط فلا أحد يمتلك أن يقف ضد إرادة الشعب . الحق إذن أن نلتزم خطاباً واضحاً حول المبررات الأخلاقية لعاصفة الحزم ونستحضر حقيقة أن نصر العرب في ذي قار لم يكن لأنه موجه ضد الفرس، بل لأنه كان معركة لاستعادة الحق وانتصارا للقيم والأخلاق ، ولحماية أهل النعمان المستحقين للحماية .
565
| 19 أبريل 2015
مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول...
4323
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو...
2130
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين...
1797
| 04 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب...
1782
| 10 ديسمبر 2025
لم يدخل المنتخب الفلسطيني الميدان كفريق عابر، بل...
1455
| 06 ديسمبر 2025
تتجه أنظار الجماهير القطرية والعربية إلى استاد خليفة...
1173
| 04 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا...
975
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل...
714
| 10 ديسمبر 2025
أحياناً نمر بأسابيع تبدو عادية جداً، نكرر فيها...
672
| 05 ديسمبر 2025
تشهد الساحة الدولية اليوم تصاعدًا لافتًا في الخطابات...
651
| 04 ديسمبر 2025
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة،...
627
| 08 ديسمبر 2025
شهدت قطر مع بداية شهر ديسمبر الحالي 2025...
570
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية