رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشير الإحصائيات الصادرة من الجهات الرسمية إلى أن معدلات تسجيل المركبات الخاصة (خصوصي) تزيد شهراً بعد آخر، وأن تراخيص السائقين في ازدياد بنسب تفوق 16% عن الشهر الذي يسبقه، وتسجيل المركبات للاستعمالات الأخرى في ازدياد أيضاً، ويقال إن أكثر من خمسمائة مركبة جديدة من جميع الأنواع تنزل إلى شوارع الدولة يومياً، أي بمعدل يزيد عن خمس عشرة ألف مركبة شهرياً، ليكون العدد السنوي بما يفوق مائة وثمانين ألف مركبة سنوياً على أقل تقدير، في الوقت الذي أصيبت فيه شرايين (شوارع) قلب مدينة الدوحة بالإنسداد والتجلط في بعض الأماكن، ولم يعد علاجها بالقسطرة ناجعاً، إذ الأمر يحتاج إلى تغيير كامل لشرايين قلب المدينة وعمل صمامات ودعائم وجسور وأنفاق ومواقف وأجهزة حديثة لتسهيل تدفق مئات الآلاف من المركبات الخفيفة والثقيلة والآليات والحافلات والشاحنات عبر شوارع مدينة الدوحة المتعبة، والتي أثقلنا عليها وحملناها بما يفوق طاقتها الاستيعابية التي صممت من أجلها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وبلغ عدد السيارات في قطر عام 2013 أكثر من مليون سيارة، في حين أن عدد السيارات عام 2005 لم يكن يتجاوز الـ 250 ألف سيارة، ما يعني تضاعف عدد السيارات 3 مرات خلال ثماني سنوات.
أصبح الجميع في الدولة يملكون سيارات، من المواطنين والمقيمين، ولدى معظم البالغين ذكوراً وإناثاً رخص قيادة، والشوارع غير مؤهلة لاستيعاب هذا العدد من السيارات. هذه هي المعضلة التي يجب أن توجه الجهود إلى معالجتها. نزول آلاف المركبات الجديدة إلى الشوارع شهرياً وهي غير قادرة على استيعاب هذا العدد الهائل من السيارات والمركبات التي يرخص لها، ومن البديهي أن الحل يجب أن ينصب على إما التقليل من الترخيص للسيارات الجديدة أو العمل على توسعة الطرقات، والأمر الأخير يكاد يكون شبه مستحيل بالنسبة للشوارع، إذ إنه بالرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على تملك الكثير من العقارات للمنفعة العامة داخل المدينة، إلا أن الطرق لم تحظَ بالاهتمام لتوسعتها، إذ بقيت على سعتها وحالتها، ومن العسير الآن توسعتها. وطريق الكورنيش استنفد كافة أعمال التطوير والتوسعة، ووصلت قدرته الاستيعابية إلى أقصى الحدود، دون أن ينعكس ذلك على انسياب ومرونة حركة السير بوجه عام.
صفوة القول أن لب المشكلة التي تعاني منها الشوارع ناتجة عن عدم قدرتها على استيعاب هذا العدد الهائل من السيارات والمركبات التي يرخص لها يومياً بالنزول إلى حلبة مزدحمة بمستعملي الطرق، دون أن يقابل هذا العدد أي تغيير جذري على الطرقات والميادين في قلب مدينة الدوحة.
إن الترخيص لآلاف المركبات الجديدة أسبوعياً ونزولها إلى الشوارع دون ضوابط ودون الالتفات إلى القدرة الاستيعابية للطرق مؤداه ونتيجته المنطقية بلا جدال مزيداً من الازدحام والتكدس والفوضى والاختناقات المرورية في جميع الطرقات. والمعلوم أن جميع شوارع وسط المدينة صممت وخططت منذ ما يزيد على الخمسين عاماً ولازالت هذه الطرقات هي التي تتحمل ما نسبته أكثر من 80% من حركة السير في العاصمة؛ لأنها هي التي تصل مناطق شمال العاصمة بجنوبها وشمالها وشرقها بغربها والعكس.
والحقيقة التي يجب بيانها أنه بالرغم مما أنفق من مئات الملايين من الريالات على الطرق طيلة السنوات الماضية، إلا أن الطرق العامة والميادين الرئيسية في العاصمة بقيت على حالها مع إجراء بعض التغييرات مثل ضم بعض الأرصفة إلى نهر الطريق أو تحويل واستبدال الدوارات بإشارات مرور أو تركيب إشارات ضوئية على بعض الدوارات، وهي حلول وقتية ومسكنات مهدئة دون وضع خطة متكاملة لاعادة تخطيط هذه الطرق واخضاعها لعمليات تغيير جذرية بحيث يؤدي كل طريق دوره في استيعاب الحركة المرورية بشكل انسيابي ومتكامل لتحقيق دورة مرورية كاملة دون عوائق.
كل ذلك أدى إلى أن أصبح مركز المدينة يفتقد إلى وجود شوارع وطرق حديثة ذات تصاميم هندسية عالمية يراعى فيها الاتساع وعوامل السلامة والتقاطعات الانسيابية من جسور وأنفاق وأجهزة حديثة للمراقبة والإرشاد، ومواقف للسيارات متعددة الطوابق في الأسواق العامة وغيرها.
إن عمليات الترقيع الوقتية للشوارع طيلة السنوات الماضية والغير مخطط لها أفرزت شوارع وطرقات مشوهة من ناحية استخداماتها واستيعابها لحركة المرور وكذلك من النواحي الجمالية، ونضرب مثالاً لذلك ما يحصل الآن في تقاطع رمادا من تعديلات وضم أرصفة من جميع نواحي التقاطع إلى نهر الشارع، وأجزم أن هذه التعديلات ليس لها أي ارتباط بخطة مرورية مدروسة، ومن اقترح هذه التعديلات كانت نظرته سطحية لا تعالج الأزمة الحقيقية التي يعاني منها هذا التقاطع وأهميته في حركة المرور بشكل عام.
هذا التقاطع – أقصد تقاطع رمادا – منذ أن كان تصميمه دواراً تزداد أهميته يوماً بعد يوم وتزيد عليه الكثافة المرورية وتتكدس على مداخله آلاف السيارات طيلة اليوم؛ لأنه يقع وسط أكثر الشوارع أهمية، طريق الدائري الثالث جنوباً وشارع الشيخ سحيم بن حمد شمالاً وشارع سلوى غرباً وشارع مشيرب جنوباً، ووقوع هذا التقاطع بين هذه الاتجاهات الأربع يفرض بكل بساطة أن يكون تصميمه الهندسي من الجسور والأنفاق وليس الإشارات الضوئية التي لن تقدر ولن تقوى على تحمل الكثافة المرورية وتوزيعها إلى الاتجاهات الخارجة منه والقادمة إليه.
الجميع يعاني الكثير من إغلاقات الشوارع والتحويلات والحفر، على أمل أن يروا طرقاً وشوارع ومواقف وجسورا وأنفاقا تسهل لهم التنقل والانتقال عبر طرق وشوارع آمنة وسهلة دون أزمات أو اختناقات، إلا أنه يبدو أن هذه المعاناة لن تنتهي سريعاً، إذ زادت معاناتهم وأصبح التنقل من المنزل إلى العمل أو العكس كابوساً ويتحتم على كل سائق قبل أن يشرع في قيادة سيارته أن يضع مخططاً لطريق سيره للوصول إلى مقصده، ومع ذلك يفاجأ بأن خطته أجهضت بسبب غلق مفاجئ للطريق أو حادث مروري أو تحويل السير من طريق إلى آخر من قِبل أحد رجال المرور، عندها يتحدث مع نفسه ليتني سلكت الطريق الآخر، وتستمر المعاناة.
وتكمن خطورة الاختناقات المرورية فيما حذرت منه مصادر طبية من ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والربو والحساسية والتلوث الناتج عن عوادم السيارات، والأمراض العصبية والنفسية، إضافةً إلى الخسائر الاقتصادية التي تصيب الدولة والأفراد من ضياع الوقت وساعات العمل وزيادة استهلاك الوقود، وارتفاع حرارة الجو.
وضريبة الازدحام المروري في الشوارع باهظة، وليس أدل على ذلك من تأثيره على العلاقات الاجتماعية بين الأفراد لقلة الزيارات بين الأقارب وحضور حفلات الزفاف وتقديم العزاء.
خلاصة القول أن هذا الاختناق المروري له آثار سلبية على البيئة والمجتمع وصحة الناس، إذ يسلب الاختناق المروري وقتهم وأموالهم وصحتهم وأعمارهم.
ولكن ما هي الحلول لمشكلة المرور التي نعايشها؟
بدايةً لا أتفق مع القائلين أن مشكلة الازدحام المروري مشكلة عامة تعاني منها معظم الدول، وببساطة أقول إن هناك دولا ومدنا يعيش فيها الملايين من البشر، وترى الحركة المرورية في شوارعها انسيابية ومنظمة ويصل الناس إلى أعمالهم ومنازلهم بهدوء.
ويفترض في مدينة أو عاصمة بحجم مدينة الدوحة أن لا تكون لدينا أزمات مرورية خانقة طبقاً لما نعايشه يومياً، وأن لا يكون في الشوارع هذا العدد الكبير من السيارات، وألا تكون لدينا هذه الطوابير من اصطفاف السيارات الممتدة لمسافة قد تصل إلى كيلومتر واحد أو أكثر خلف إشارة ضوئية أو تقاطع، وألا تستطيع سيارة مطافئ أو إسعاف الوصول إلى مكان الحريق لإطفائه أو إسعاف مريض إلا بصعوبة.
لقد تضافرت عدة عوامل وأسباب فأوجدت ما نعانيه من مشكلة الاختناقات المرورية، أهمها انعدام التخطيط العام للطرق في الدولة، وغياب علم هندسة المرور الذي يختص بإجراء دراسات المرور والسلامة المرورية والنقل العام ودراسة الجدوى من إنشاء الطرق والدراسات المرورية التشغيلية للحفاظ على مستوى الخدمة المقبول، وهناك الكثير من الواقع الذي يدلل على غياب التخطيط العام للطرق، ومنه ما ألمحنا إليه عن تقاطع رمادا.
أما السبب الثاني والمهم أيضاً فهو زيادة عدد السيارات والمركبات التي تسير في الطرقات، مقارنةً بمساحات الشوارع وحجم استيعابها، لاسيما في قلب مدينة الدوحة، والطرق الحيوية والتجارية التي لا تقوى على استيعاب هذا الكم الهائل من الشاحنات ومركبات النقل الثقيلة والسيارات الخاصة وغيرها.
من هنا بات من الضروري وضع ضوابط وأحكام بالنسبة لاقتناء المركبات الخاصة، والسبب الثالث هو حداثة النقل العام ومحدودية خطوطه وقلة الحافلات العاملة على خطوط رئيسية وطول انتظار الحافلات الذي يفصل بين وصول الحافلة إلى المحطة والحافلة الأخرى، والذي قد يطول لأكثر من نصف ساعة وأكثر، مما دفع بالكثير من الوافدين ذوي الدخول المحدودة إلى تفضيل اقتناء السيارات الخاصة المستعملة ذات الأسعار الرخيصة، مما يزيد مشكلات المرور والضغط على الطرق والشوارع، والمعلوم أن من أخص إيجابيات توفير النقل العام في جميع الدول – ومنها الدول المتقدمة – استغناء الأفراد عن استعمال السيارات الخاصة والاعتماد على الحافلات العامة التي تحمل الواحدة منها عشرات الركاب الذين سوف يستغنون عن استعمال عشرات السيارات الخاصة، بما يخفف الضغط على الشوارع.
من هنا، كانت الجهود المتواصلة التي تقوم بها العواصم الكبيرة الغنية والفقيرة فيها بتوفير أحدث وسائل النقل المختلفة للأفراد ولكافة طبقاتهم وعلى مدار الساعة، وحثهم على استعمال المواصلات العام بدلاً من السيارات الخاصة.
صفوة القول، أن عوامل الاختناقات المرورية في الشوارع باتت معروفة ومعلومة وهي ليست بالمعضلة التي لا يمكن حلها، بل إن حلها ممكن، إذ لا توجد مشكلة دون حل، والأمر يحتاج إلى تضافر جهود الجميع من أفراد وهيئات ومؤسسات وجهات أخرى، وإصدار قرارات ولوائح تضع في اعتبارها التقليل من حركة السيارات في الشوارع ما أمكن. ذلك أن المراقب لحركة السير يرى أن معظم الشوارع الحيوية مكتظة طيلة اليوم، ولم يعد الزحام المروري مقصوراً على وقت معين محدد، بل إنه يمتد إلى أوقات طويلة من اليوم، ولم يعد الزحام مرتبطاً بأوقات وساعات ذروة محددة كما كان عليه الأمر في السنوات السابقة.
وفي اعتقادي أن سبب ذلك يعود إلى عدم وجود تنسيق بين الجهات المختلفة في الدولة وترك أمور وحاجات ومتطلبات المواطنين وتقديم الخدمات لهم دون تنظيم، وتأييداً لذلك أتساءل لماذا يطلب من معلمة قطرية تسكن في منطقة الدفنة أن تعمل في مدرسة في أم صلال؟ ومن تسكن في أم صلال تعطى عملاً في منطقة مسيمير، وهكذا تمتلئ الشوارع بالسيارات، فمن يسكن بالجنوب يعطى عملاً في الشمال، ومن يقطن في الشرق يعمل في الغرب، والعكس. وحال الطلاب كذلك والعاملين في الوزارات الذين يقطعون عشرات الكيلومترات ذهاباً واياباً من مساكنهم إلى مقار أعمالهم بما يحدث فوضى مرورية وزحاما يمكن معالجته لو أن الإدارات المعنية أصدرت قرارات ووضعت ضوابط لقبول الطلاب في مدارس بالقرب من مساكنهم، والمدرسين والمدرسات يعملون في الأحياء التي يسكنون فيها، وهذا الأمر كان معمولاً به في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أنه للأسف الشديد تم إهماله في السنوات الأخيرة، ومن نتائجه الوخيمة أن أصبح المواطن يقضي معظم ساعات يومه في الشوارع.
وأخيراً، إن مشكلة الاختناقات المرورية لن تحل بالوعود والأماني والصبر، بل تحتاج إلى عمل دؤوب وتنسيق، من وبين جميع الجهات المختصة، وإلا فإن الأمر سوف يزداد سوءاً.
قطر وتركيا.. شراكة استثنائية في المجال الدفاعي
جاءت مشاركة سعادة الشيخ سعود بن عبدالرحمن بن حسن آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدولة لشؤون... اقرأ المزيد
414
| 29 أكتوبر 2025
هل الوجاهة مطلب إنساني أم مرضٌ اجتماعي في ثقافتنا الخليجية؟
في نوادينا اليوم ودواويننا في الخليج العربي، نجد أنه أصبح لكلمة «برستيج» وجود في اللهجة الدارجة اليومية، فتُستخدم... اقرأ المزيد
417
| 29 أكتوبر 2025
عمرانٌ بلا روح: كيف نخسر هويتنا في سباق التنمية؟
نقف اليوم أمام صروحٍ زجاجية تناطح السحاب، ونمشي في مدنٍ ذكية تَعِدُ باليُسر والكفاءة، نحتفي بلغة الأرقام، ونحتفل... اقرأ المزيد
456
| 29 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6600
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6480
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3189
| 23 أكتوبر 2025