رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ظهرت الصحافة المدنية أو صحافة المواطن في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة كبديل للصحافة المسيطرة والمنتشرة في الساحة الإعلامية. وجاءت هذه الممارسة الصحفية الجديدة كبديل للصحافة التقليدية المرتبطة بالنظام القائم وبالنخب وبالمصالح الاقتصادية والسياسية وبالقيم المزيفة والمضللة والمعروفة بالموضوعية والحياد والحرية. وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب وصحافة التبرير والتشريع والتنظير للنظام والوضع الراهن. تقوم صحافة المجتمع المدني على مبدأ الوصول للمواطنين والاستماع إليهم وإعطائهم الفرصة للاستماع والتحدث لبعضهم البعض ولمناقشة انشغالاتهم ومشكلاتهم وطرح الحلول والبدائل وبذلك فهُم طرف في العملية الإعلامية ومشاركون فيها، وليسوا مستقبلين فقط، بل مستقبلون وفاعلون.
يرى منظرو صحافة المجتمع المدني أنها صحافة جادة مسئولة وملتزمة، وطريقة جديدة تهدف إلى تحديد القضايا والمشكلات الرئيسية التي تهم الرأي العام والسواد الأعظم من الشعب. وهي بذلك تهدف إلى خلق حوار ونقاش فعال ومجد ومثمر حول أهم قضايا المجتمع، والسعي لتشخيص الأسباب وطرح الحلول والبدائل لمعالجتها، فالهدف هو ليس تغطية الأحداث والقضايا والجرائم والانسحاب بعد ذلك، بل الذهاب الى أبعد من ذلك بكثير، أي طرح هذه الأحداث والقضايا للنقاش والحوار والدراسة والتحليل، ومن ثم إيجاد الحلول العملية والناجعة لمعالجتها واستئصالها. فالصحافة المدنية هي نوع من الإعلام المسئول والهادف الذي يعنى بإعادة تنظيم الأولويات وتحديد العلاقة النوعية التي تربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وانتهاج طريقة جديدة في طرح المشكلات والأمراض الاجتماعية المختلفة كالفساد والرشوة والفقر والجهل والأمية والجريمة ومختلف السلوكيات المنحرفة بهدف مناقشتها ودراستها وتحليلها من قبل الجميع والتفكير في استئصال أسبابها للقضاء عليها. فصحافة المجتمع المدني هي مقاربة جديدة لمفهوم جديد للصحف والصحفيين باعتبارهم فاعلين وليسوا متفرجين على ما يحدث في المجتمع، وهم بذلك مساهمون في الحياة العامة وفي المجتمع المدني من أجل تغيير مجريات الأمور في المجتمع وليس تقديمها للقراء والانسحاب بعد ذلك. وهذا يعني من جهة أخرى، إدماج وإشراك المواطنين في العملية الإعلامية من خلال اختيار المواضيع وطرحها والمشاركة في مناقشتها واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. الجميع مسئول في الصحافة المدنية، والجميع مطالب بالقيام بدور إيجابي وفعال يقوم على المشاركة والنقاش والحوار وتشخيص الأسباب واقتراح الحلول سواء تعلق الأمر بالصحفي أو بالمؤسسة الإعلامية أو بالمواطن.
صحافة المواطن أو الصحافة المدنية هي طريقة جديدة لمساعدة الجمهور على التغلب على حالات الضعف والتهميش والاغتراب والشعور بالإقصاء وعدم القدرة على المشاركة في الحياة العامة. فالصحافة المدنية تهدف إلى تدعيم وتعزيز مفهوم المواطنة ونشر ثقافة النقاش والحوار ومساعدة عامة الشعب على الاندماج والانخراط في طرح مشكلاتهم وهمومهم والوصول إلى الحلول العملية لاحتوائها واستئصالها والقضاء عليها. تهدف الصحافة المدنية من وراء تغطية مشكلات وآفات المجتمع مثل الفساد، والجريمة والعنف والسرقة والنشل...الخ إلى الوعي بهذه المشكلات من قبل المواطنين وحثهم على المشاركة في مكافحة هذه الآفات والأمراض الاجتماعية كل من موقعه وحسب إمكانياته. فطرح المشكلة الاجتماعية غير كاف، وإنما يجب الذهاب إلى ما وراء استعراض المشكلة وهو البحث عن جذورها وأسبابها وبذلك توصيف الإجراءات العملية اللازمة بالتنسيق مع الجهات المعنية سواء الرسمية منها أو غير الرسمية لحل هذه المشكلات واستئصالها والقضاء عليها. فدور الصحافة المدنية لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث وتقديمها للقراء وطرح المشكلات ورصدها، بل يتعدى ذلك بحيث يهدف إلى المساهمة الملتزمة والمسئولة والجادة والفاعلة للوصول إلى الحلول العملية من خلال فتح باب النقاش العام والواسع أمام المجتمع المدني ليقوم بدوره في تحديد المشكلات وأسبابها وخلفياتها وسبل حلها واستئصالها. فصحافة المجتمع المدني هي حلقة وصل بين المواطنين والسلطة، وهي الوسيط الإعلامي للمجتمع المدني الذي يعتبر الفضاء العام للشرائح الاجتماعية والمكونات المختلفة للمجتمع. هذه المكونات من خلال صحافة المجتمع المدني تعبر عن همومها ومشاكلها وتبدي آراءها حول ما يجري في المجتمع، وهذا يعني أن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الوعي الاجتماعي والمسئولية الاجتماعية. فمن خلال المجتمع المدني والصحافة المدنية يطرح المواطنون مشاكلهم ويناقشونها ويضعون الحلول الإجرائية لحلها ومعالجتها. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ربط المجتمع المدني بالقوى الفاعلة في المجتمع وصناع القرار والمؤسسات والتنظيمات والهيئات المختلفة حتى تقوم كل جهة وكل طرف بمسئوليته ودوره في التكفل ومعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة كل حسب اختصاصاته وصلاحيته. ومن خلال صحافة المجتمع المدني يشارك المواطن في عملية التنمية الشاملة وفي المشاركة السياسية وصناعة القرار وهكذا يتكفل الفرد في المجتمع بواجبه الاتصالي والإعلامي لإيصال رأيه وفكرته ولاستقبال كذلك المعلومة التي تهمه وتساعده في صناعة القرار السليم. تتكفل الصحافة المدنية وكذلك المجتمع المدني في الوعي بالقضايا المهمة والمصيرية في المجتمع أولا، وطرحها للنقاش والحوار، ومن ثم إشراك كل الجهات المعنية في المساهمة في اقتراح الحلول وتنفيذها من خلال القوى الفاعلة في المجتمع والسلطة كذلك. تتحدد أدوار القائمين بالاتصال في صحافة المجتمع المدني حسب منظري هذا النوع الجديد من الصحافة على النحو التالي: الدور الملتزم شخصيًا بصحافة المجتمع المدني وينبني هذا الدور على الواجب والالتزام الشخصي من قبل الصحفيين بحل مشكلات المجتمع المحلية. الدور القائم على الثقة بالمجتمع المحلي، وهو يعني إيمان الصحفيين بقدرة المجتمع المحلي على حل مشكلاته بنفسه. الدور القائم على الالتزام المؤسسي وهو دور قائم على الإيمان بضرورة قيام الصحافة بمسئولياتها إزاء حل مشكلات المجتمع المحلي. تتطلب الديمقراطية في المجتمع صحافة ملتزمة وواعية تقوم بمسئوليتها الاجتماعية على أحسن وجه، ومواطن مسئول وواع منخرط في مجتمع مدني يناقش مشاكله وهمومه وقضاياه بطريقة ديمقراطية صريحة وواعية ومسئولة من أجل مشاركة الجميع في الحوار والنقاش واقتراح الحلول والإجراءات العملية لمعالجة المشاكل واحتوائها واستئصالها. التحدي إذن كبير جدا في العالم العربي، خاصة في عصر العولمة والثورة المعلوماتية وصناعة المعرفة وانهيار الحدود والحواجز. فالمواطن يجب أن ينتقل ويتحول من مجرد مستقبل ومستهلك إلى مشارك وفاعل واع ومسئول عن سلوكه الاتصالي والإعلامي. في ظل الفضاء الإعلامي الملوث الذي تعيشه معظم المجتمعات العربية، وفي ظل ظاهرة التبعية والتقليد والانجراف يتحتم على المواطن والمؤسسة الإعلامية والمجتمع المدني –إن وُجد- في الوطن العربي التفكير في البديل، في صحافة مسئولة وملتزمة وواعية تعنى بقضايا السواد الأعظم من الشعب- القضايا الحساسة والجادة والمصيرية- لطرحها واستعراضها ومناقشتها من أجل إشراك الجميع للمساهمة واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. فهل سيكون الربيع العربي هو الانطلاقة الجادة لصحافة المجتمع المدني في العالم العربي؟ وهل ما بدأته الشبكات الاجتماعية في عملية التغيير والإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي سيؤدي إلى منظومة إعلامية جديدة بقيم ومبادئ جديدة لخدمة كلمة الحق ومصلحة الشعوب المغلوب على أمرها؟.
عينُ المحتل الثالثة
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز... اقرأ المزيد
150
| 10 ديسمبر 2025
ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس 1 - 2
العنوان كان شعار “منتدى الدوحة“ الأخير في دورته 23، وأحيي نباهة الاخوة المسؤولين في دولة قطر وحكمتهم في... اقرأ المزيد
129
| 10 ديسمبر 2025
ومرت سنة على سـوريا
سنة منذ أن خُلع بشار الأسد، وسنة منذ أن تنفس السوريون الحياة، وسنة منذ أن ظهر للعالم بأن... اقرأ المزيد
96
| 10 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2049
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025