رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من المضحكات المبكيات في سوريا ما أعلنته دمشق الأسبوع الماضي عن تنفيذ القوات المسلحة مناورات عسكرية هي الأضخم منذ 20 عاما، وكأن سوريا تقول للعالم إن الثورة الدائرة بداخلها لا تثنيها عن القيام بواجبات الدفاع عن إلا من القومي وتوجيه رسالة قوية إلى الثوار والغرب وإسرائيل . وكان من الطبيعي أن يعلق الإسرائيليون على هذه المناورات التى لم يعتادوا عليها من الجانب السوري، متخيلين بشار الأسد يخرج لهم لسانه ليحذرهم من أنه إذا ما سقط نظامه ، فإن إسرائيل سوف تعاني الأمرين. ويحاول الأسد تصوير الموقف للأمريكان والإسرائيليين والغرب على أنه هو الوحيد القادر على حماية إسرائيل بتوفير الأمان للجولان وعدم إخضاعها لأي نوع من المعارك أو الحروب.. أما إذا انتصرت المعارضة فإن أول شيء ستفعله هو حشد الجيش والشعب من أجل تحرير مرتفعات الجولان المحتلة، وبالتالي تتذوق إسرائيل طعم المرارة ولتشعر بالندم لعدم حماية نظام الأسد في مواجهة المعارضة.
ويبدو أن وجهة نظر الأسد هي الأكثر ميلا للتصديق، بدليل أنه حتى الأن ترفض الولايات المتحدة تمويل المعارضة السورية وإمدادها بالسلاح لتمكينها من مواجهة الآلة العسكرية السورية الضخمة بالجيش المدجج بالسلاح والذي يقتل العشرات والمئات كل يوم.
وقد كان الأسبوع المنصرم هو أسبوع النكات بحق في سوريا، فالاعلام الرسمي اسهب في وصف تلك المناورات وكأن الجيش السوري قد دخل معركة حقيقية في مواجهة إسرائيل لتحرير الجولان. وتحدثت البيانات العسكرية عن تنفيذ المناورات العسكرية بكفاءة عالية.
نأتي للهدف الثاني من الأكاذيب السورية وهو توجيه رسالة للجميع بأن الجيش ملتف خلف نظامه وقادته وأن الحديث عن انشقاق ضابط أو أي شيء من هذا القبيل لا يعني وجود حركة انشقاق أو تمرد داخل الجيش ، وأن معنويات كل الجنود والضباط مرتفعة وأن هؤلاء لا يتأثرون بما يجري على الساحة الداخلية من قلاقل.. ومن الرسائل المهمة ما ردده الإعلام السوري بكثرة خلال فترة المناورات – 3 أيام – بأن " سوريا جاهزة لتكون مقبرة الغزاة". ونأتي للرسالة السياسية التي أرادت دمشق بعثها للقوى الإقليمية والعالمية وهي التأكيد على أن الورقة السورية ورقة قوية خاصة إذا قرأنا قراءة المشهد الإقليمي كاملا، أي مقارنة حجم المناورات السورية الحاصلة مع مناورات "الأسد المتأهب" في الأردن و"نسر الأناضول" في تركيا، ومناورات "الرسول الأعظم" في إيران.. وتصف الروايات السورية المناورتين الأردنية والتركية بأنهما مناورات الحلف المعادي لسوريا وأنهما مناورتين ضعيفتين، بينما نفذ الحلف (السوري – الإيراني) مناورات أضخم بكثير، مما يعني أن القدرات الدفاعية لسوريا أعلى كثيرا من القدرات الهجومية للخصم.
وطبيعي ألا يقترب الإعلام السوري من قول حقيقة إجراء هذه المناورات الوهمية ، لأنها لا تتعدى فكرة رفع معنويات ممن بقي في الجيش ومؤيديه في الداخل بعدما انهارت تماما. كما أن نظام بشار الأسد يوحي للغرب بأنه مستعد عسكريا لمواجهة ما قد يفكر فيه الغرب من تدخل عن طريق حلف الناتو .
نأتي للشق الثاني من الموضوع ويتعلق بالجيش السوري أيضا، ولكن اللافت فيه أن موسكو هذه ورغم وقوفها سياسيا مع بشار الأسد على طول الخط منذ بداية الأزمة السورية ومناصرتها له والدفاع عنه وتحارب كل من يقترب منه أو يدعو لعزله أو تركه منصبه.. فهي أعلنت وبدون سابق إنذار أنها لن تسلم مقاتلات أو أي أسلحة جديدة أخرى لسوريا، ما دام الوضع هناك دون حل وغير مستقر. وبهذا تكون موسكو قامت بإجرأ خطوة من جانبها لتنأى بنفسها عن الرئيس السوري بشار الأسد، الذي دافعت عنه في الأمم المتحدة وحمته من عقوبات أشد يفرضها مجلس الأمن الدولي.
وفي تطور لافت أيضا يدل على تغير في مواقف روسيا التى ساندت نظام دمشق منذ بداية الأزمة استقبلت ممثلين عن المعارضة السورية، في إطار خطتها الجديدة لإقناع العالم بأنها تقف إلى جانب الحل السلمي وليس التدخل الأجنبي أو إنها ليست ضد البحث عن حلول مرضية للأزمة ولكن بشرط عدم الإطاحة بحليفها الاستراتيجي بشار الأسد.. وذلك تجنبا لتكرار سيناريو ليبيا البغيض بالنسبة لموسكو عندما تركت صواريخ الناتو تقتل حليفها معمر القذافي في نهاية مأساوية.
وقد أرادت روسيا بهذا التصرف أن تقول للغرب الذي يطالبها دوما بالتخلي عن موقفها المؤيد للرئيس السوري ، بأنها تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف السورية، ويكفي موقفها من مسألة بيع أسلحة استراتيجية ومقاتلات حربية، وأن ما تطلبه موسكو هو تطبيق اتفاق جنيف الخاص بخطة الانتقال السياسي في سوريا التي اقترحها المبعوث العربي - الدولي كوفي أنان في اجتماع جنيف ، وأن بعض القوى الغربية تحاول تحريف هذا الاتفاق رغم أن صيغته كانت مقبولة من قبل الجميع. ويبدو أن الموقف الروسي المؤيد لاتفاق جنيف جاء تحديدا بعد ترحيب دمشق به نظرا لأنه يضم أكثر من نقطة في مصلحة النظام السوري مثل نزع سلاح المجموعات المسلحة وعدم عسكرة الوضع في سوريا، وحماية المدنيين، وإطلاق عملية سياسية يقودها السوريون ليكون القرار سوريا. ثم إن الاتفاق يتبنى حلا سياسيا مع الالتزام بسيادة واستقلال وسلامة ووحدة أراضي سوريا، ووضع حد للعنف ولانتهاكات حقوق الإنسان، والبند الأخير لم ترض عنه دمشق تماما ولكنها اعتبرته موجها للنظام والمعارضة معا، حيث تزعم دمشق أن قوى المعارضة تقوم بانتهاكات ضد حقوق الإنسان.
و سرعان ما تنقلب موسكو إذا تعلق الموقف باسم بشار الأسد ، فهي تعترض على توصية لمؤتمر يكون ضد حليفها الأسد.. وهنا اعترضت المعارضة بشدة على موقف موسكو من بشار حتى أن الوفد الذي استضافته موسكو أبلغها رسميا ضرورة أن تفهم أن مصير سوريا الدولة يجب أن يكون أهم لدى موسكو من مصير بشار .. وأن الحل السياسي في سوريا يبدأ بإسقاط النظام ممثلا في بشار الأسد ورموز السلطة، وضمان محاسبة المتورطين منهم في قتل السوريين، وضرورة إقامة سوريا جديدة تحكم كنظام جمهوري ديمقراطي مدني تعددي وتطبيق العدالة الاجتماعية في الاقتصاد، وإصلاح سياسات الضرائب، وحماية الاستثمارات، ونظام اقتصادي يمنع الاحتكار.
تطور أخير ربما ينم عن رغبة دولية في حث النظام السوري على سرعة إنهاء الأزمة الإنسانية الطاحنة، ولكن هذه المرة عن طريق الحليف الاسترايتجي لسوريا ونقصد إيران.. فكوفي أنان رأى في طهران خير معين للضغط على دمشق للقبول بمطالب المعارضة. والمشكلة في مهمة المبعوث الدولي أن المعارضة السورية لم تعد ترى فيها نفعا ، وأن المهم الآن هو التحرك العسكري تحت الفصل السابع، إذ لم يعد من الممكن إعطاء النظام السوري المهلة تلو الأخرى.
لقد بات التشاؤم سيد الموقف في أوساط السوريين، فهم لا يتفاءلون بأي مساع دولية ، ويعتقدون فقط أن أملهم لن يأتي سوى بمحاربة النظام على الأرض ولم تعد لديهم أوهام تجاه الحلول السياسية في ظل تعنت النظام ، فحسم المعركة بأيدي الثوار، هو الطريق الصحيح لتغيير ميزان القوى ميدانيا .
كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟
اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد
84
| 08 ديسمبر 2025
اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة
أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد
174
| 08 ديسمبر 2025
أنصاف مثقفين!
حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد
213
| 08 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4116
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1740
| 04 ديسمبر 2025
في كل يوم، ينظر الإنسان إلى ما ينقصه أكثر مما ينظر إلى ما يملكه. ينشغل الإنسان بأمنياته المؤجلة، وأحلامه البعيدة ينشغل بما ليس في يده، بينما يتجاهل أعظم ما منحه الله إياه وهي موهبته الخاصة. ومثلما سأل الله موسى عليه السلام: ﴿وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى﴾، فإن السؤال ذاته موجّه لكل إنسان اليوم ولكن بطريقة أخرى: ما هي موهبتك؟ وما عصاك التي بيدك؟ جوهر الفكرة ان لكل إنسان عصا. الفكرة الجوهرية لهذا المفهوم بسيطة وعميقة، لا يوجد شخص خُلق بلا قدرة وبلا موهبة وبلا شيء يتميز به، ولا يوجد إنسان وصل الدنيا فارغ اليدين. كل فرد يحمل (عصاه) الخاصة التي وهبه الله ليتكئ عليها، ويصنع بها أثره. المعلم يحمل معرفته. المثقف يحمل لغته. الطبيب يحمل علمه. الرياضي يحمل قوته. الفنان يحمل إبداعه. والأمثلة لا تنتهي ….. وحتى أبسط الناس يحملون حكمة، أو صبرًا، أو قدرة اجتماعية، أو مهارة عملية قد تغيّر حياة أشخاص آخرين. الموهبة ليست مجرد ميزة… إنها مسؤولية في عالم الإعلام الحديث، تُقدَّم المواهب غالبًا كوسيلة للشهرة أو الدخل المادي، لكن الحقيقة أن الموهبة قبل كل شيء أمانة ومسؤولية. الله لا يمنح إنسانًا قدرة إلا لسبب، ولا يضع في يدك عصا إلا لتفعل بها ما يليق بك وبها. والسؤال هنا: هل نستخدم مواهبنا لصناعة القيمة، وترك الأثر الجميل والمفيد أم نتركها مدفونة ؟ تشير الملاحظات المجتمعية إلى أن عددًا كبيرًا من الناس يهملون مواهبهم لعدة أسباب، وليس ذلك مجرد انطباع؛ فبحسب تقارير عالمية خلال عام 2023 فإن نحو 80% من الأشخاص لا يستخدمون مواهبهم الطبيعية في حياتهم أو أعمالهم، مما يعني أن أغلب البشر يعيشون دون أن يُفعّلوا العصا التي في أيديهم. ولعل أهم أسباب ذلك هو التقليل من قيمة الذات، ومقارنة النفس بالآخرين، والخوف من الفشل، وأحيانا عدم إدراك أن ما يملكه الشخص قد يكون مهمًا له ولغيره، بالإضافة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الموهبة يجب أن تكون شيئًا كبيرًا أو خارقًا. هذه الأسباب تحوّل العصا من أداة قوة… إلى مجرد منحوتة معلقة على جدار الديوان. إن الرسالة التي يقدمها هذا المقال بسيطة ومباشرة، استخدم موهبتك فيما يخدم الناس. ليس المطلوب أن تشق البحر، بل أن تشقّ طريقًا لنفسك أو لغيرك. ليس المطلوب أن تصنع معجزة، بل أن تصنع فارقًا. وما أكثر الفروق الصغيرة التي تُحدث أثرًا طويلًا، تعلُم وتعليم، أو دعم محتاج، خلق فكرة، مشاركة خبرة، حل مشكلة… كلها أعمال نبيلة تُجيب على السؤال الإلهي حين يُسأل الإنسان ماذا فعلت بما أعطيتك ومنحتك؟ عصاك لا تتركها تسقط، ولا تؤجل استخدامها. فقد تكون أنت سبب تغيير في حياة شخص لا تعرفه، وقد تكون موهبتك حلًّا لعُقدة لا يُحلّها أحد سواك. ارفع عصاك اليوم… فقد آن لموهبتك أن تعمل.
1593
| 02 ديسمبر 2025