رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بمناسبة مرور 37 سنة على صدور مجلة الصقر الرياضية، أقول إن من لا ماضي له ليس له حاضر ولا مستقبل ! هذا هو خير استهلال لهذه الزاوية التي نأمل أن تكون بمثابة دروس وعظات وعبر.. واستذكار للتاريخ الرياضي القطري والعربي الحافل بالكثير من الأحداث والبطولات - إحرازا وتنظيما، حيث نجحت المجلة طيبة – الذكر- في تخليد وتدوين كل تلك الإنجازات خلال فترتي إصدارها بدءا من العدد الأول الشهري الصادر مارس 1977 ، ولحسن الحظ والمصادفة فإنه قد مضى على ذلك الإصدار 37 سنة تقريباً وليس من باب المبالغة أن مجلة الصقر كانت تعد في ذلك العصر نقلة كبيرة شهدها الإعلام العربي المعاصر بل إن البعض يشبهها بقناة الجزيرة العالمية في عصرنا الحالي - وهي تعد من إنجازات هذا البلد الطيب الكريم السباق في تطوير الإعلام العربي – عامة - والرياضي خاصة والميزة الأولى للصقر أنها كانت جامعة لكوادر إعلامية متميزة من كل الوطن العربي، وتأكد ذلك عبر تغطيتها لكل الأحداث الرياضية بكل حيادية وموضوعية.
لذلك تهافت على شراء واقتناء أعدادها القراء في كل بلد عربي إلى درجة أنه يتم حجز نسخها قبل صدورها وفي إمكان أبناء الجيل الحالي طرح استفساراتهم وسؤالهم عن هذه النقطة على آبائهم.
والسؤال الذي أطرحه اليوم لماذا صدرت تلك المجلة المتخصصة في الشؤون الرياضية ولماذا تحولت من شهرية إلي أسبوعية، وسأعرفكم بأشهر الصحفيين والمصورين والمراسلين الرياضيين الذين عملوا بها.
وبالمناسبة الصقر انطلقت للوجود مع استضافة الدوحة لمركز ارتباط الشرق الأوسط للرياضة العسكرية، وقد جاء في العدد الأول عناوين مهمة جداً مثل (مستوى الدول العربية الرياضي أقل من نفوذها السياسي والاقتصادي) ولعل هذا ما دفع بعمليات تطوير الرياضة في كل دول الوطن العربي بنسب متفاوتة، وقس على هذا العنوان الكثير من العناوين الصريحة والمباشرة التي لا تجامل ولا تنافق أحدا، ومن نافلة القول إن المجلة لم تكتف بالمضمون الراقي والهادف فقط بل اهتمت بالشكل والتبويب أيضا فقد صدرت في حلة قشيبة، فالورق مصقول والصور ملونة مأخوذة بأعلى تقنية محترفة في ذلك الوقت وتعدد المراسلون لها في معظم عواصم دولنا العربية والأجنبية ولأن النجاح يؤدي إلي نجاح فكر المسؤولون بزيادة العطاء، فتقرر إسناد مهمة رئاسة التحرير لشاب قطري كفء ومهني هو الأستاذ سعد الرميحي الذي كان من أبرز الصحفيين في جريدة الراية اليومية علاوة على تاريخه المشرف في جامعة الكويت وتسلم رئاسة التحرير في عام 1980 فشهدت المجلة تطويراً غير مسبوق.. وحرصاً على المزيد من ذلك قرر أن يتعاقد مع مجموعة من ألمع الصحفيين وبدأ بتعيين سكرتير تحرير للمجلة بناءً على معرفته به خلال دراستهما الجامعية وذلكم هو كاتب هذه الزاوية حيث كان سكرتيراً للتحرير لمجلة الاجتماعي التي تصدرها أكبر جمعية طلابية في جامعة الكويت وهي جمعية الدراسات الفلسفية والنفسية والاجتماعية، وبعده سافرا مع نائب مدير العلاقات العامة عبد الرزاق ضاحي (الثعلب) إلى عاصمة النور (باريس)، حيث تم الاتفاق مع الزميل ظافر الغربي الذي يعمل حاليا بقناة الجزيرة، وبعدها تم التعاقد في المغرب مع الأستاذ محمد بنيس المعروف بأسلوبه الإبداعي المميز ثم توجه رئيس التحرير ليتفق مع اثنين من أفضل الصحفيين الشباب في مصر وهما الزميلان جمال هليل ومجدي زهران الذي اشتهر بعد أن أجرى حواراً مطولاً مع أشهر الصحفيين العرب محمد حسنين هيكل علاوة على التعاقد مع أحسن المصورين الرياضيين والمراسلين في العالم وذلك تمهيداً لتطوير أفضل وعطاء أكبر لإصدار العدد الأسبوعي والذي صدر فعلياً بالعدد (59)، وذلك يوم الثلاثاء 5 يناير 1982 وأتذكر أن رئيس التحرير أكد علينا كأسرة تحرير على ضرورة تحقيق الأهداف الكبيرة من وراء الإصدار الأسبوعي وهو النهوض بالرياضة العربية، ولتبقي الصوت القوي الذي يعكس طموحات ورغبات كل الشباب العربي.
وقد صاحب ذلك الإصدار زيادة كمية المطبوع ونعترف هنا أنه لم يكن ملبياً لحاجة الأسواق فالمائة ألف كانت بحاجة إلى مضاعفتها للضعفين على الأقل .
وقد شهد ذلكم العدد تغطيات صحفية مميزة لكثير من البطولات والأحداث مثل تغطيات الدوري القطري حيث كان يتنافس على بطولة الدوري ناديا الأهلي والريان الذي هبط للدرجة الثانية أمس الأول.
وقد كان المفهوم التائه بين 31 خبيرا عربياً هو مفهوم الرياضة للجميع الذي تألق في صياغته الزميل مجدي زهران،وفي ذلك العدد كانت التغطية المتميزة لأخبار الملاعب القطرية.
وتغطيات مبدعة لشبكة مراسلي الصقر المنتشرين في العواصم الرياضية وحفل ذلكم العدد بكتابات أشهر وأفضل الكتاب الرياضيين العرب مثل فيصل شيخ الأرض وسعيد القضماني من سوريا وحسن المستكاوي.. والسؤال الآن هل حققت الصقر أهدافها التي ذكرها الأستاذ سعد الرميحي- رئيس تحريرها؟!
الإجابة الموضوعية والمباشرة بكل تأكيد نعم، فقد أسهمت في إنارة الوعي الرياضي وعرفت بكثير من الألعاب الرياضية وخاصة الشهيدة منها على (حد وصف) وتعبير أفضل ناقد متمكن وظريف هو الأستاذ عادل شريف يرحمه الله- صاحب أكثر الكتب الرياضية في ذلك الوقت رواجاً، وسنأتي إلي قصتنا معه في زوايا قادمة.. حيث قامت بتغطية أكثر البطولات والدورات الإقليمية والعربية والعالمية والأوليمبية بأسلوب جميل وشائق وصارت مرجعاً علمياً يعتد به، فعلى سبيل المثال أن تغطيات الصقر لبطولات ألعاب القوى مثلا وهي ألعاب ومسابقات متعددة في الميدان والمضمار أصبحت مرجعاً حتى للاتحاد العربي لألعاب القوى بل إن أستاذ هذه الألعاب هو أحد أفضل كتابها وهو المرحوم فؤاد حبش الذي يعد من أفضل المرجعيات العالمية في ألعاب القوى على المستوى الدولي.. كما أن تحليلات اللعبة الشعبية الأولى في العالم لم يوجد في فترة السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات أفضل من تحليلات الصقر.
كما أن حواراتها مع أكبر الشخصيات وأشهر النجوم على كل الأصعدة لم يوجد من ينافسها فيها.
وإجابة ذلك السؤال لاشك صارت معروفة لديكم، وأعتقد أنه لن ولم ينطبق عليها المثل الشعبي الدارج "مداح نفسه يبي له رفسة".
ولا ريبة أن الحديث عن الصقر هنا من باب تذكير من عاصروها بذكريات عزيزة عليهم، ومن لم يعاصرها من باب إعطاء كل ذي حق حقه.. ولحفظ الماضي فمن لا ماضي له ليس له حاضر ولا مستقبل.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
183
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
192
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
126
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2334
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
831
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025