رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
• هل خلت الوزارات من كفاءات داخلية حتى تتم الترشيحات من خارجها؟
• أقترح إنشاء لجنة خاصة تتبع رئيس مجلس الوزراء تهتم بمتابعة أسماء المرشحين ومدى ملاءمتها
• يحق للجنة ترشيح أسماء لشغل أي منصب قيادي من الجهة نفسها أو من لديه مؤهلات لشغل المنصب من جهات أخرى
في مقالة كتبتها يوم الأحد الموافق 30 من الشهر الماضي تحت عنوان "غرق نفق سلوى!"، تحدثت فيه عن أهمية إصدار معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة برئاسة الشيخ عبدالرحمن بن خليفة آل ثاني وزير البلدية والتخطيط العمراني وأعضاء من المهندسين والمختصين من أصحاب الخبرة، للتحقيق في غرق نفق سلوى، وذلك لتحديد الأسباب الهندسية ومحاسبة من ثبت تقصيره، ومن هذا المنطلق كان هذا المقال الذي لا يقل أهمية عن أي موضوع آخر، فمن خلاله ستكون ملامح العمل في أي قطاع حكومي بحسب الأسماء والشخصيات التي ستتولى زمام المسؤولية، والمقصود به هو الخبر الذي جاء عن ترشيح اسمين من خارج كل وزارة لتعيينهم وكلاء في وزارات الدولة المختلفة، والأكثر أهمية أيضا اختيار الوكلاء المساعدين ومديري الإدارات من أصحاب الكفاءات والخبرات التي تناسب المناصب التي سيتولاها أي مواطن أو مواطنة وهو جدير بالمكان المرشح له.
فخبر الإعلان عن الهياكل التنظيمية للوزارات خطوة نحو طريق العمل الجاد، ومنع الازدواجية ودمج ما يلزم من الإدارات وفصل ما يستوجب فصله، وتم إنشاء هيئات المشرفون عليها وزراء، كل ذلك جميل جدا وأدخل البهجة والسرور إلى نفوسنا؛ إلا أن خبر ترشيح وكلاء الوزارات من خارج الوزارة هو ما جعلنا في حيرة من أمرنا! وصبغنا بصبغة عدم التقاؤل بما هو قادم، وعكس الأمر بعد فرحنا بالإعلان عن الهياكل التنظيمية.
هذا ملخص ما لمسته من شريحة كبيرة تعمل في القطاعات الحكومية المختلفة، ومع أخذ رأيهم ووجهة نظرهم في الحسبان دعونا ندرس هذا الأمر من جانبين:
أولا: تعيين وكلاء وزراء من خارج الوزارة يجب أن يُنظر له من زاوية مهمة وأن يحاسب الوزير في هذا الأمر، في حال ترشيحه لأي كفاءة قطرية في أي منصب يتولاه أو تتولاه إحدى كفاءات بنات الوطن، نعم يجب أن يُحاسب على ترشيحه من خارج الوزارة، ومع ذلك هل قام بترشيح أي كفاءة لاستحقاقها أم تم اختياره لدوافع أخرى كعلاقة قد تكون تجمعه بالمرشح للمنصب.
ففي كل محفل أو افتتاح يشيد الوزراء والمسؤولون بالكوادر الوطنية في وزارته، ويقول إن الوزارة بها كفاءات مشرفة تعمل ليل نهار، ويُمثّلون قطر في الخارج من خلال مشاركات الوزارة والاجتماعات خير تمثيل، ويعملون في الداخل على مدار اليوم بكل جد واجتهاد! أين هم من ترشيحاتكم إذا! ألا يستحقون الترشيح! ألا يوجد في الوزارة من هم كفء لتحمل المسؤولية والعمل على تطوير عمل الوزارة، خاصة أنهم ممن عملوا ويعرفون طبيعة العمل وما ينقصه وما تحتاجه كل إدارة وقسم، كما أنه من المفترض أن يعرف الوزير جميع الزملاء في جميع الإدارات والأقسام المختلفة في وزارته، ويستطيع الحكم عليهم دون أن يؤثِّر عليه أحد ممن يمكن أن يُداهنوا أو يُحبّوا أو يكرهوا من نظرة منفعة خاصة! لماذا لم يقولوا لكل وزير قام بترشيح الوكلاء من خارج وزارته، وقد أمضى سنة أو ما يقاربها حتى الآن أو عدة سنوات من العمل كوزير في الوزارة: كيف كنت تعمل طوال هذا الفترة السابقة إن لم يكن لديك من تثق بعمله وخبرته!؟ أم أنه بعد أن اتضحت الرؤية له وجاء وقت الترشيح أراد أن يأتي بمن هو في صفّه بعد أن قامت الكفاءات بتجهيز كل ما يلزم للمرحلة القادمة، فيأتي بمن يسمع كلمته وهو مطمئن بأنه لو خالف أمره أو أمر من معه فسيُعرِّض نفسه للمساءلة، مع التأكيد أن بعض المرشحين يجهل الكثير من أمور العمل في الوزارة الجديدة التي سيعمل بها وباختصاصاتها، وهذا أمر طبيعي لأي مستجد في أي قطاع لم يعمل به أو لا يملك خبرة في نفس المجال.
ثانيا: ما الحرج في أن يكون المرشح من خارج الوزارة، ألم يكن معظم المسؤولين يعملون في تخصصات قد تكون بعيدة بعض الشيء عن عمل وزاراتهم! وقد نجحوا نوعا ما في تحقيق نجاحات تُحسب لهم، كما أنه سيكون مطالبا أمام مجلس الوزراء بأن يعتمد على أبناء الوزارة والكفاءات ليكونوا خير سند له في عمله، أم أن التخوف من أن يأتي الذي تم ترشيحه بعناصر تعمل معه ويعتمد عليها في عمل الوزارة من خارج الوزارة أيضا!
الكثير من التساؤلات التي تُرهق تفكير الكثيرين، وعلى هذا الأساس أتمنى أن تكون هناك لجنة خاصة تتبع رئيس مجلس الوزراء يكون صلب عملها متابعة الترشيحات وعمل المقارنات فيما بينهم والخبرات التي يملكونها، وهل هم حقا يستحقون الترشيح لشغل هذا المنصب أو ذاك، كما أنه يحق للجنة استبعاد اسم أي مرشح لا ترى فيه أهلا لما هو مُرشح له، مع كامل الاحترام والتقدير لشخصه الكريم، وتكون اللجنة مساءلة أمام معالي رئيس مجلس الوزراء الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني، ويتابع معها كل ما يهم مسيرة العمل ومسيرة كل مرشح لتولي أي منصب، وبذلك تكون الدولة ممثلة في قيادتها قد عملت على أن يتولى شرف المسؤولية الوطنية في أي قطاع حكومي من هو أهل لذلك، وينطبق عمل اللجنة على كل مرشح لمنصب وكيل أو وكيل مساعد أو مدير إدارة أو منصب قيادي، لأن العمل في الأخير هو عمل تكاملي وليس عملا انفراديا، فلن يتحقق النجاح بوجود كفاءات قيادية دون مساعدة من هم في المستوى المطلوب من الخبرة والكفاءة في العمل، كما أنني أرى أنه من حق هذه اللجنة أن تضع لائحة بأسماء لترشيحها في أي قطاع في حال رأت أن هناك أسماء قد تكون أقوى من التي تم ترشيحها من نفس الجهات الحكومية أو من جهات أخرى مقاربة للعمل نفسه.
وأعتقد جازما أن هناك شريحة كبيرة تتمنى هذه الصيغة في العمل، فنحن نتحدث عن منصب وكيل وما دون، فالوزير هو منصب سياسي في الأخير، وله مواصفات خاصة يجب أن تنطبق على شخص المرشح لمنصب الوزير، أما فيما يتعلّق بالوكيل، خاصة بعد الإعلان عن الهياكل التنظيمية الأخيرة، فهي تعادل منصب الرئيس التنفيذي الذي يدير العمل في أي قطاع بكل خبرة واقتدار نحو الأمام، فمنصب الوكيل هو منصب تخصصي بحت، يجب على من يشغله أن يكون ملما بكل ما يتعلّق بعمل الوزارة وإداراتها المختلفة، وطبيعة عمل كل قسم في كل إدارة، فهناك بعض المسؤولين عندما تسأله عن قسم معين في القطاع الذي يعمل فيه، يجاوبك بغربة تستشعر منها أنه ولأول مرة يسمع بهذا القسم!؟
تساؤلات كثيرة إلا أنني لمست عدم ارتياح من قبل شريحة كبيرة في عملية ترشيح وكلاء من خارج الوزارة، خاصة مع بعض التجارب التي خاضوها من قبل، وبالرغم من ذلك فإننا متفائلون بما هو قادم، فالدولة بقيادة أمير البلاد المفدى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله ورعاه تدعو للتفاؤل بما هو قادم لما فيه مصلحة الوطن والمواطن، وبمتابعة معالي الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية لما فيه الصالح العام.
وأخيرا وليس آخرا قد تكون هذه الترشيحات من قِبل الوزراء لمقارنتها مع أسماء لدى المجلس الموقّر، فنحن ولله الحمد نعيش في وطن يعرف كل من فيه الآخر، وكل من يعمل محل التقدير والإعجاب حتى لدى من لا يعرفه، فنسأل الله أن يوفّق قادتنا إلى خير العمل وخير الاختيار لما فيه صالح الوطن والمواطن.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
48
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
51
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
48
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1236
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025