رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أبدى ناشط إعلامي يمني تعاطفه مع الثورة السورية وتمنى في منشور كتبه مؤخرا على صفحته على أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن تحقق فصائل مقاومتها نصرا على مقاتلي حزب الله في مواجهات القلمون، فما كان من أحد متابعيه إلا أن علّق عليه بالقول: "دعك في اليمن"، في تنبيه له إلى ضرورة أن يحصر اهتمامه باليمن دون الالتفات إلى قضايا الثورات في دول أخرى.
رَدُّ الناشط كان قويا ومُفحِما: "اليمن ليس معزولا عن محيطه وما يحدث في بلدك له تأثير في الشام وفي العراق وفي كل قُطْر عربي، وبالمثل فما يجري في الأقطار الأخرى له انعكاس وتأثير مباشر على مسار أحداث بلدك"، وتساءل في ختام ردّه: "متى نخرج من أسْر عقلياتنا الانعزالية التي أَردتنا موارد الهلاك!".
لا مشكلة في ترتيب الأولويات، بحيث يكون تركيز بؤرة اهتمام كل دولة بثورتها أكبر، باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعابها، وأن "الأقربون أولى بالمعروف"، ولكنّ هذا لا ينبغي أن يستدعي انكفاء أصحاب كل ثورة على أنفسهم، بحيث يصبحون كجزر منفصلة، لأن ذلك مضرّ بهم وبثوراتهم جميعا لأسباب عديدة:
ـ إن أيّ انتصار أو تقدّم في مسار أي ثورة يفترض أن ينعكس عمليا ومعنويا على مسارات الثورات والعكس صحيح.
ـ إنّ ثمّة واجبا أخلاقيا وواقعيا يفرض التعاون بين الثورات وإفادة كل ثورة من خبرات الأخرى والسعي لكي تتكامل الجهود وتتلاقح التجارب، وإذا كان التعاون في الظروف الطبيعية مطلوبا، فإنه يكون أكثر إلحاحا في الظروف الاستثنائية كما قال الشاعر: لمّتِ الآلام منّا شملنا.. ونمت ما بيننا من نسب.
فيما قال آخر: إنّ المصائب يجمعنَ المصابينا.
ـ كثير من هذه الثورات تواجه عدوا مشتركا أو أعداء مشتركين، وأن هؤلاء الأعداء يقوى خطرهم أو يضمحل بناء على حجم المواجهة التي يواجهونها من خصومهم ومدى وجود رؤية موحدة أو تنسيق مشترك فيما بينهم.
ـ البيئة المحيطة والفرص المتاحة إذا أحسن استثمارها وتنسيق الجهود حيالها تنعكس بصورة إيجابية على الجميع، وتفتح أبوابا أوسع للفرج والنجاح والخلاص.
في مساري الثورتين السورية واليمنية ثمة تشابه في أكثر من أمر، الأول في الدعم الإيراني الواضح لحليفهم (النظام السوري) ضد ثورة مباركة نادت بالحرية ضد نظام ظالم مستبد جرى توريثه، حيث شمل هذا الدعم كافة الصنوف، بما فيه التدخل العسكري المباشر المليشياتي (خبراء وعناصر مقاتلة من الحرس الثوري الإيراني وأذرعهم كحزب الله اللبناني ومليشيات طائفية أخرى من العراق)، ودعمهم العسكري والسياسي لحركة الحوثيين الانقلابية التي تدين بالولاء لهم، ضد الشرعية الدستورية وثورة الشعب اليمني على المخلوع علي عبد الله صالح، والأمر الآخر هو بدء ثورتي الشعب بشكل سلمي واضطرار ثورة الشعبين بعد ذلك إلى اعتماد المقاومة المسلحة، نتيجة مجابهة النظام السوري للثورة السورية بالرصاص الحيّ والاعتقالات والقتل ورفض إجراء أي إصلاحات جدية، وقيام الحوثيين بالانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية واجتياح صنعاء ومدن أخرى والسيطرة على مؤسسات الدولة ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع بقوة السلاح.
ونتيجة لما جرى في اليمن اضطرت دول الخليج وقوات التحالف لتنفيذ عاصفة الحزم للجم تهديدات الحوثيين ـ ومن ورائهم مخططات النظام الإيراني ـ ليس في اليمن وإنما على مستوى المنطقة، ولمواجهة هذا الخطر جرت إعادة تحالفات دول عدة في المنطقة، خصوصا بين المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر، إضافة لدول الخليج، وتجاوز الأمر هذا الحد للتنسيق بشأن النظام السوري والترتيب لمرحلة ما بعد بشار الأسد.
ولا يخفى أن الشعب السوري المظلوم الذي كان ولا يزال يشكو من براميل النظام وقصفه من الجو.. كان يتمنى على مدار السنوات الماضية أن تكون له حماية دولية من ذلك، من خلال تخصيص مناطق آمنة أو فرض عقوبات دولية على نظام دمشق، ولكن هذا لم يتمّ، لذا فإنه صار ينادي ويطالب بشكل عفوي بضرورة تنفيذ عاصفة حزم مماثلة في سوريا عبر تركيا، وانتقل هذا الحديث إلى الصحافة الدولية ورصدت لقاءات زعيم جيش الإسلام زهران علوش الأخيرة مع النظام التركي، كما رحبت المعارضة السورية بمخرجات القمة الخليجية الأخيرة بما فيها تنظيم لقاء يجمع فصائلها من أجل ترتيبات ما بعد بشار الأسد، وربما هذا لم يكن ليثار سورياً لولا التطورات الأخيرة التي ارتبطت بعزم المملكة العربية السعودية على التصدي للمخططات الإيرانية التوسعية وتهديدها للأمن الخليجي والعربي، وأهمية استثمار أجوائها ضد نظام آخر (النظام السوري) الذي يعد حليفا قديما ورئيسا للنظام الإيراني وخصما لدودا لأغلب دول التحالف.
وعلى نحو متصل فإن اللقاء الأخير بين وزيري الخارجية القطري والتركي بحث الأزمتين السورية واليمنية واتضح أن ثمة تطابقا في وجهات النظر إزاءهما.
ختاما.. لابد لممثلي المعارضة وقيادات ربيع الثورات العربية من أن يوثّقوا عرى التعاون فيما بينهم، وأن يسعوا لتكامل جهودهم وأن يتبنى كل منهم قضايا الثورات الأخرى، لأنها تنبع جميعا من منبع واحد هو رفض الظلم والاستبداد بكافة صوره وتصبّ في نفس المصبّ، ألا وهو السعي لاسترداد الكرامة الإنسانية وضمان الحقوق الأساسية للشعوب، بما فيها حقها التعبير عن رأيها وتوفير الحياة الكريمة لها، ولاشك أن هذا التعاون والتآزر والتكامل فيما بينها، ونصرة كل منها للأخرى يصبّ في مصلحتها الأخلاقية والواقعية على الأرض.
جوهر الكلام: صرخات ثقيلة تحت سماء ملبّدة!
تتنوع مُسمّيات (المطر) في لغة العرب تبعا لشدته وغزارته، ومنها الرشّ: وهو أول المطر، والطّلّ: المطر الضعيف، والرذاذ:... اقرأ المزيد
120
| 21 نوفمبر 2025
«ثورة الياسمين حرّرت العصفور من القفص»
عَبِقٌ هُو الياسمين. لطالما داعب شذاه العذب روحها، تلك التّي كانت تهوى اقتطافه من غصنه اليافع في حديقة... اقرأ المزيد
96
| 21 نوفمبر 2025
ظلّي يسبقني
في الآونة الأخيرة، بدأت ألاحظ أن ظلّي صار يسبقني. لا أعلم متى بدأ ذلك، ولا متى توقفت أنا... اقرأ المزيد
81
| 21 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
3114
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1389
| 14 نوفمبر 2025