رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
العمل الخيري دائما ما يكون تطوعيا بحتا، يدخله كل من يريد الأجر من الله ثم من يحب مساعدة غيره من المسلمين، وهذه الأمور سبحان الله لا تكون إلا لفئة أحبت الله بصدق فصدقها وأعطاها ما تتمنى. يتجلى معنى الإنسانية في العمل الخيري التطوعي، وترتفع فيه روح التنافس الشريفة، وتتسارع الخطوات لإنجاز أمور، بل إن أصحابها مبدعون بعملهم الخيري كونه نابعا من قلوب محبة رضية راغبة بهذا العمل.
العمل الخيري التطوعي هو عمل لا شك يأخذ وقت الإنسان خصوصا إن كان لديه عمل وبيت ومسؤوليات، ومع هذا تجد مثل هؤلاء الأشخاص هم الأكثر نجاحا في حياتهم، هو توفيق من الله لهم لكونهم أحبوا الخير فقط مرضاة لوجه الله.
وإن كانت هناك جمعيات عريقة ترعى هذا العمل الخيري ولها موظفوها الخاصون بها، فما زال هناك من أهل الخير من الأفراد من يحب عمله بنفسه، بل ويتكبل معاناة السفر من جيبه ليقوم بعمل مشاريع في بلاد فقيرة، يقوم بالإشراف عليها من باب الأمانة على من أستأمنوه عليها، والأمر لا يخص الذكور بل نافستهم فيه الإناث ولله الحمد.
هذا الجانب الخيري الذي يقوم به الكبار لابد أن يكون مقابله جانب لعمل خيري خاص بالصغار وأطرح أمامكم هذا المقترح الذي أرجو أن يكون له صدى مستقبلا ويُنفذ، ويحتاج هذا العمل لتعاون بين الجمعيات الخيرية المختلفة والمجلس الأعلى للتعليم، ونحن نعلم أن هناك درجات سنوية لمشاركات الطالبات في اللوحات وغيرها؛ لذلك يكون الأمر سهلا بإذن الله بتوجيه هذه الدرجات لمثل هذا المقترح.
ليكن هذا العمل الخيري إجباريا -لأنه لا احد من الطلبة سيذهب تطوعا، ولكن قد يجذبه العمل الخيري بعد القيام به- خاصا لطلبة المدارس، تعلمهم ماهية العمل الخيري وأهمية القيام به. ذلك أننا نشاهد في فترة الصيف الكثير من الطلبة والطالبات لا حيلة لهم إلا التسكع في المجمعات، أو التسابق آخر الليل في الشوارع، أو السفر مع أصحابهم سواء بموافقة الأهل أو بالضغط عليهم، أو السهر لآخر الليل. لذلك فإن إشراك الطلبة والطالبات عن طريق المدارس في هذه الأعمال سيعطي نتائج طيبة في المستقبل للفرد والمجتمع، ولا يقتصر الأمر على الصيف بل قد يكون طوال العام.
ونسميه عملا خيريا إجباريا؛ لأنه سيكون عملا خيريا بحتا ولكنه إجباري من قِبل المجلس الأعلى للتعليم تُحتسب لمن يقوم به درجات تكون مضافة لعمله السنوي ولتكن مأخوذة من اللوحات والمشاركات مثلاً، ويكون للمرحلة الثانوية بنين وبنات من الأول للثالث الثانوي. نعم ستكون الأعداد كبيرة والعمل ضخما، ولكنه مكسب للطالب وللجمعية نفسها.
تقوم الجمعيات بعد استلام الكشوفات من المدارس، بإعطاء الطلبة جدولا لحضورهم للبدء في البرنامج:
❶ بداية البرنامج تكون عبارة عن دورات ومحاضرات للفئتين في قاعات كبيرة، يحاضر بها من له أسلوب طيب لتحبيب الطلبة بالعمل الخيري فيتحدث عن أهمية الأعمال الخيرية وتُعرض لهم فيديوهات للأعمال السابقة للجمعية مثلا.
❷ ثم يوجه الطلبة لكيفية العمل الخيري ومن يقوم به، وغرس حب التطوع والترغيب فيه لنيل الأجر.
❸ التحدث عن صفات المتطوع، وتشمل الدين،النية، الأخلاق، الالتزام بالعمل التطوعي والاخلاص فيه لوجه الله فقط، أهمية التقيد باللبس المحتشم والحفاظ على الهوية الدينية والمجتمعية والعربية.
❹ تعريف الطلبة بالعمل الخيري داخل البلاد، ويوزع الطلبة على جميع فروع الجمعية ويعطون جميع الأعمال التطوعية حتى جمع الكوبونات.
❺ تعريفهم بعمل الجمعيات خارج البلاد بالتعاون مع جمعيات خيرية عربية أخرى، وعمل رحلات خارجية للطلبة البنين فقط يدفع أهل الطلبة رسومها.
❻ في نهاية الدورة التي تحدد مدتها الجمعية الخيرية بالتعاون مع المجلس الأعلى للتعليم يكون هناك امتحان بسيط يسير فقط لتعزيز ما تعلمه الطالب في فترة تدريبه بالجمعية الخيرية، وشهادات وهدايا رمزية.
أمر مثل هذا يحتاج لإعداد ولكنه سهل على من سهله الله عليه، ويجب أن يكون هناك اتفاق بين المجلس الأعلى للتعليم والجمعيات الخيرية، بحيث يُرسل لهم الطلبة والطالبات على أن يسجلوا حضورهم وغيابهم ومدى تفاعلهم، ثم تُرسل النتائج للمجلس ولمدرسة الطالب لاعتمادها.
بمشاركة الطالب في هذا العمل:
❶ سيقدر قيمة النعمة التي هو بها، وحياة الترف التي يعيشها.
❷ سترتفع عنده روح الحماس والتفاعل الاجتماعي، وسيكون من الأفراد المنتجين الذين يخدمون المجتمع بكل فئاته.
❸ سيتعلم ما لم يكن يتوقع بالعمل الخيري، وسيرى أن العمل الخيري شاق ومرهق وقد لا يخدمه الجميع ولكن صاحبه مأجور.
❹ سيتعرف على المحتاجين في داخل البلاد وأماكن تواجدهم.
❺ سيكون يداً للجمعيات الخيرية وقتما أرادوه لبى النداء.
بهذا العمل الخيري الإجباري نكون حققنا أمورا كثيرة:
❶ تعريف الطلبة على الأعمال الخيرية بالبلاد وما تقدمه خارج البلاد.
❷ كسبهم وتعلمهم أمورا أفضل من ذهابهم لأماكن تضيع من وقتهم وتهدر صحتهم.
❸ تغيير سلوك الطلبة من الاستهلاك وحب الذات لحب الصدقة والعطاء.
❹ كسب الجمعيات مستقبلا لمتطوعين بسهولة في جميع أعمالها.
❺ استغلال الجمعية لهم عند حاجتها لإنجاز أعمال كثيرة لهم في وقت يقل عدد موظفيها نظرا لإجازاتهم.
همسة أمل: هل هناك من جمعياتنا الخيرية الكبيرة (ولتكن جميعها) من ستتبنى هذا الأمر مع المجلس الأعلى للتعليم؟ وهل للمجلس الأعلى للتعليم أن يتفضل مشكورا بوضع درجات للطلبة أو احتسابها من مشاركات وأعمال الطالب السنوية لمثل هذا العمل الذي يعود نفعه على الطالب والبلد؟ هل ممكن أن تتحقق هذه الفكرة؟؟
تأهيل ذوي الإعاقة مسؤولية مجتمع
لم يعد الحديث عن تأهيل ذوي الإعاقة مجرد شأن إنساني أو اجتماعي بحت، بل أصبح قضية تنموية شاملة... اقرأ المزيد
153
| 24 أكتوبر 2025
منْ ملأ ليله بالمزاح فلا ينتظر الصّباح
النّهضة هي مرحلة تحوّل فكري وثقافي كبير وتمتاز بالتّجدّد وتظهر دائما من خلال المشاريع الجديدة العملاقة المعتمدة على... اقرأ المزيد
390
| 24 أكتوبر 2025
لا تنتظر الآخرين لتحقيق النجاح
في حياتنا اليومية، نجد أنفسنا غالبا ما نعتمد على الآخرين لتحقيق النجاح والسعادة. نعتمد على أصدقائنا وعائلتنا وزملائنا... اقرأ المزيد
66
| 24 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ليس الفراغ في الأماكن، بل في الأشخاص الذين لم يتقنوا الجلوس في أماكنهم. كم من مقعدٍ امتلأ جسدًا، وظلّ فارغًا فكرًا، وإحساسًا، وموقفًا. الكرسي لا يمنح الهيبة، بل من يجلس عليه هو من يمنح المكان معناه. المدرب… حين يغيب التأثير: المدرب الذي لا يملأ مقعده، هو من يكرّر المعلومات دون أن يُحدث تحولًا في العقول. يشرح بجمود، ويتحدث بثقة زائفة، ثم يغادر دون أن يترك بصمة. الحل أن يفهم أن التدريب رسالة لا مهنة، وأن حضوره يقاس بتغيير الفكر والسلوك بعده. وعندما يغيب هذا الإدراك، يتحول التدريب إلى ترفٍ ممل، ويفقد المجتمع طاقاته الواعدة التي تحتاج إلى من يشعل فيها شرارة الوعي. المدير… حين يغيب القرار: المدير الذي لا يملأ كرسيه، يهرب من المسؤولية بحجة المشورة، ويُغرق فريقه في اجتماعات لا تنتهي. الحل: أن يدرك أن القرار جزء من القيادة، وأن التردد يقتل الكفاءة. وعندما يغيب المدير الفاعل، تُصاب المؤسسة بالجمود، وتتحول بيئة العمل إلى طابور انتظار طويل بلا توجيه. القائد… حين يغيب الإلهام: القائد الذي لا يملك رؤية، لا يملك أتباعًا بل موظفين. الحل: أن يزرع في فريقه الإيمان لا الخوف، وأن يرى في كل فرد طاقة لا أداة. غياب القائد الملهم يعني غياب الاتجاه، فتضيع الجهود، ويضعف الولاء المؤسسي، ويختفي الشغف الذي يصنع التميز. المعلم… حين يغيب الوعي برسالته: المعلم الذي يجلس على كرسيه ليؤدي واجبًا، لا ليصنع إنسانًا، يفرغ التعليم من رسالته. الحل: أن يدرك أنه يربّي أجيالًا لا يلقّن دروسًا. وحين يغيب وعيه، يتخرّج طلاب يعرفون الحروف ويجهلون المعنى، فيُصاب المجتمع بسطحية الفكر وضعف الانتماء. الإعلامي… حين يغيب الضمير: الإعلامي الذي لا يملأ كرسيه بالمصداقية، يصبح أداة تضليل لا منبر وعي. الحل: أن يضع الحقيقة فوق المصلحة، وأن يدرك أن الكلمة مسؤولية. وعندما يغيب ضميره، يضيع وعي الجمهور، ويتحول الإعلام إلى سوقٍ للضجيج بدل أن يكون منارة للحق. الطبيب… حين يغيب الإحساس بالإنسان: الطبيب الذي يرى في المريض رقمًا لا روحًا، ملأ كرسيه علمًا وفرّغه إنسانية. الحل: أن يتذكر أن الطب ليس مهنة إنقاذ فقط، بل مهنة رحمة. وحين يغيب هذا البعد الإنساني، يفقد المريض الثقة، ويصبح الألم مضاعفًا، جسديًا ونفسيًا معًا. الحاكم أو القاضي… حين يغيب العدل: الحاكم أو القاضي الذي يغفل ضميره، يملأ الكرسي رهبة لا هيبة. الحل: أن يُحيي في قراراته ميزان العدالة قبل أي شيء. فحين يغيب العدل، ينهار الولاء الوطني، ويُصاب المجتمع بتآكل الثقة في مؤسساته. الزوج والزوجة… حين يغيب الوعي بالعلاقة: العلاقة التي تخلو من الإدراك والمسؤولية، هي كرسيان متقابلان لا روح بينهما. الحل: أن يفهما أن الزواج ليس عقداً اجتماعياً فحسب، بل رسالة إنسانية تبني مجتمعاً متماسكاً. وحين يغيب الوعي، يتفكك البيت، وينتج جيل لا يعرف معنى التوازن ولا الاحترام. خاتمة الكرسي ليس شرفًا، بل تكليف. وليس مكانًا يُحتل، بل مساحة تُملأ بالحكمة والإخلاص. فالمجتمعات لا تنهض بالكراسي الممتلئة بالأجساد، بل بالعقول والقلوب التي تعرف وزنها حين تجلس… وتعرف متى تنهض.
5058
| 20 أكتوبر 2025
لم تكنِ المأساةُ في غزّةَ بعددِ القتلى، بل في ترتيبِ الأولويات؛ لأن المفارقةَ تجرحُ الكرامةَ وتؤلمُ الروحَ أكثرَ من الموت. ففي الوقتِ الذي كانتْ فيهِ الأمهاتُ يبحثنَ بينَ الركامِ عن فلذاتِ أكبادِهِنَّ أو ما تبقّى منهُم، كانتْ إسرائيلُ تُحصي جثثَها وتُفاوِضُ العالمَ لتُعيدَها قبلَ أن تسمحَ بعبورِ شاحنةِ دواءٍ أو كيسِ طحينٍ. وكأنَّ جُثثَ جنودِها تَستحقُّ الضوء، بينما أَجسادُ الفلسطينيينَ تُدفنُ في العتمةِ بلا اسمٍ ولا وداعٍ ولا حتى قُبلةٍ أَخيرةٍ. فكانتِ المفاوضاتُ تُدارُ على طاولةٍ باردةٍ، فيها جُثثٌ وجوعٌ وصُراخٌ ودُموعٌ، موتٌ هنا وانتظارٌ هناك. لم يكنِ الحديثُ عن هدنةٍ أو دواءٍ، بل عن أشلاءٍ يُريدونَها أولًا، قبلَ أن تَعبُرَ شُحنةُ حياةٍ. أيُّ منطقٍ هذا الذي يجعلُ الجُثّةَ أَكثرَ استحقاقًا من الجائعِ، والنّعشَ أسبقَ من الرّغيف؟ أيُّ منطقٍ ذاك الذي يُقلِبُ موازينَ الرحمةِ حتى يُصبحَ الموتُ امتيازًا والحياةُ جريمةً؟ لقد غدتِ المساعداتُ تُوزَّعُ وفق جدولٍ زمنيٍّ للموتى، لا لاحتياجاتِ الأحياء، صارَ من يُدفنُ أَسرعَ ممن يُنقذُ، وصارتِ الشواهدُ تُرفَعُ قبلَ الأرغفةِ. في غزّةَ لم يَعُدِ الناسُ يَسألونَ متى تَصلُ المساعداتُ، بل متى تُرفَعُ القيودُ عن الهواء. فحتى التنفّسُ صارَ ترفًا يَحتاجُ تصريحًا. في كلِّ زُقاقٍ هناكَ انتظارٌ، وفي كلِّ انتظارٍ صبرُ جبلٍ، وفي كلِّ صبرٍ جُرحٌ لا يندملُ. لكنَّ رغمَ كلّ ذلك ما زالتِ المدينةُ تَلِدُ الحياةَ من قلبِ موتِها. هُم يَدفنونَ موتاهم في صناديقِ الخشبِ، ونحنُ نَدفنُ أحزانَنا في صدورِنا فتُزهِرُ أملًا يُولَدُ. هُم يَبكونَ جُنديًّا واحدًا، ونحنُ نَحمِلُ آلافَ الوُجوهِ في دَمعَةٍ تُسقي الأرضَ لتَلِدَ لنا أَحفادَ من استُشهِدوا. في غزّةَ لم يكنِ الوقتُ يَتَّسِعُ للبُكاءِ، كانوا يَلتقطونَ ما تَبقّى من الهواءِ لِيَصنَعوا منه بروحِ العزِّ والإباء. كانوا يَرونَ العالمَ يُفاوِضُ على موتاهُ، ولا أَحدَ يَذكُرُهم بكلمةٍ أو مُواساةٍ، بينما هُم يُحيونَ موتاهُم بذاكرةٍ لا تَموتُ، ومع ذلك لم يَصرُخوا، لم يَتوسَّلوا، لم يَرفَعوا رايةَ ضعفٍ، ولم يَنتظروا تلكَ الطاولةَ أن تَتكلَّمَ لهم وعَنهُم، بل رَفَعوا وُجوهَهم إلى السماء يقولون: إن لم يكن بك علينا غضبٌ فلا نُبالي. كانتِ إسرائيلُ تَحصُي خَسائِرَها في عَدَدِ الجُثَث، وغزّة تَحصُي مَكاسِبَها في عَدَدِ مَن بَقوا يَتَنفَّسون. كانت تُفاخر بأنها لا تَترُكُ قَتلاها، بينما تَترُكُ حياةَ أُمّةٍ بأَكملها تَختَنِقُ خلفَ المَعابِر. أيُّ حضارةٍ تلكَ التي تُقيمُ الطقوسَ لِموتاها، وتَمنَعُ الماءَ عن طفلٍ عطشان؟ أيُّ دولةٍ تلكَ التي تُبجِّلُ جُثَثَها وتَتركُ الإنسانيّةَ تحتَ الرُّكام؟ لقد كانتِ المفاوضاتُ صورةً مُكثَّفةً للعالمِ كُلِّه؛ عالمٍ يَقِفُ عندَ الحدودِ يَنتظر “اتِّفاقًا على الجُثَث”، بينما يَموتُ الناسُ بلا إِذنِ عُبورٍ. لقد كشفوا عن وجوهِهم حينَ آمَنوا أن عودةَ جُثّةٍ مَيتةٍ أَهمُّ من إِنقاذِ أرواحٍ تَسرِقُ الأَنفاس. لكن غزّة كالعادة كانتِ الاستثناءَ في كلِّ شيءٍ وصَدمةً للأعداءِ قبل غيرِهم، وهذا حديثهم ورأيهم. غزّة لم تَنتظر أَحدًا ليُواسيَها، ولم تَسأَل أَحدًا ليَمنَحَها حَقَّها. حينَ اِنشَغَلَ الآخرونَ بعدَّ الجُثَث، كانت تُحصي خُطواتها نحو الحياة، أَعادت تَرتيبَ أَنقاضِها كأنها تَبني وطنًا جديدًا فوقَ عِظامِ مَن ماتوا وُقوفًا بشموخ، وأَعلَنَت أنَّ النَّبضَ لا يُقاس بعددِ القلوبِ التي توقَّفَت، بل بعددِ الذين ما زالوا يَزرَعونَ المستقبل، لأنَّ المستقبل لنا. وهكذا، حين يَكتُب التاريخُ سطره الأخير، لن يَقول من الذي سلّم الجُثَث، بل من الذي أَبقى على رُوحه حيّة. لن يَذكُر عددَ التوابيت، بل عددَ القلوب التي لم تَنكسِر. دولةُ الكيان الغاصب جَمَعَت موتاها، وغزّة جمَعَت نَفسها. هم دَفَنوا أَجسادَهم، وغزّة دَفَنَت بُذورَ زيتونِها الذي سَيُضيء سَنا بَرقه كل أُفق. هم احتَفلوا بالنِّهاية، وغزّة تَفتَح فَصلًا من جديد. في غزّة، لم يَكُنِ الناس يَطلُبون المعجزات، كانوا يُريدون فقط جُرعةَ دواءٍ لِطفلٍ يحتضر، أو كِسرةَ خُبزٍ لامرأةٍ عَجوز. لكن المعابِر بَقِيَت مُغلَقة لأن الأَموات من الجانب الآخر لم يُعادوا بعد. وكأنَّ الحياة هُنا مُعلَّقة على جُثّة هناك. لم يَكُن العالم يسمع صُراخَ الأَحياء، بل كان يُصغي إلى صَمتِ القُبور التي تُرضي إسرائيل أكثر مما تُرضي الإنسانية.
3690
| 21 أكتوبر 2025
يمثل صدور القانون رقم (24) لسنة 2025 في دولة قطر، الخاص بمكافحة المنشطات في المجال الرياضي، تحولًا مفصليًا في مسار التشريع الرياضي العربي. فالقانون لا يقتصر على تحديد المخالفات والعقوبات، بل يؤسس لفلسفة جديدة قوامها الإنسان، بوصفه غاية الرياضة قبل أن يكون وسيلة للإنجاز. هذا التوجه التشريعي يعكس نضجًا مؤسساتيًا يربط بين الطب والقانون والأخلاق، في محاولة لصياغة مفهوم حديث للنزاهة الرياضية داخل بيئة تتسارع فيها التطورات العلمية والتقنيات الطبية. على الصعيد العلمي والطبي، يُدرك المشرّع أن قضية المنشطات ليست مجرد مخالفة قانونية، بل قضية صحة عامة تمس توازن الجسد الإنساني. فالمواد المحظورة، مهما كان أثرها في تحسين الأداء، تُحدث اضطرابًا فسيولوجيًا وتشوه المسار الطبيعي للقدرة البدنية. ومن ثم، فإن تشجيع الرياضي على الاعتماد على جسده لا على العقار يُعبّر عن احترام للعلم في جوهره، لأن الطب وعلوم الحياة وُجدت لفهم الطبيعة البشرية وصونها لا لتجاوزها. وهكذا يرسخ القانون مفهوم "الطب الأخلاقي” الذي يوازن بين العلاج والحماية من الانحراف الدوائي. وإذا كان الجانب العلمي قد كشف خطورة المنشطات على الجسد، فإن الجانب القانوني يسعى لضبط مسؤوليات المنظومة بأكملها. فالقانون ينقل عبء المسؤولية من الفرد الرياضي إلى الهيئات والمدربين والمختبرات والإدارات التنظيمية. وهذا تطور مهم، لأن التجارب العالمية أثبتت أن الرياضي ليس دائمًا الجاني، بل قد يكون ضحية نظام يضغط نحو الفوز بأي ثمن. لذلك يتبنى التشريع القطري فلسفة المسؤولية المشتركة، فيتحول من أداة عقاب إلى نموذج إصلاحي متوازن يعزز الشفافية داخل المنظومة الرياضية. أما في البعد الأخلاقي والفلسفي، فيفتح القانون نقاشًا عميقًا حول معنى العدالة في الرياضة: هل العدالة مساواة شكلية أمام القانون أم حماية لجوهر الجهد الإنساني الطبيعي؟ الإجابة تميل إلى الثانية، إذ ينحاز التشريع إلى الفطرة الرياضية وإلى التنافس النزيه الذي يستمد شرعيته من الإرادة لا من الكيمياء. إن هذه الرؤية لا تُعلي من شأن العقوبة بقدر ما تُعلي من شأن القيمة، وتضع الرياضة في سياقها الأسمى: تهذيب الجسد والروح معًا. ومع ذلك، يظل التنفيذ هو التحدي الحقيقي، فمكافحة المنشطات ليست معركة قوانين بل معركة وعي وثقافة. ومن دون إدماج هذه المبادئ في المناهج التربوية والأكاديميات الرياضية، سيبقى القانون نصًا بلا روح. آخر الكلام: إن تجربة قطر تُجسد فهمًا عميقًا للرياضة كقيمة إنسانية وثقافية لا كصناعة للألقاب، وتؤسس لمرحلة عربية جديدة تجعل من الأخلاق الرياضية جزءًا من الأمن الصحي الوطني. وهكذا يصبح القانون رقم (24) لسنة 2025 أكثر من تشريع؛ إنه إعلان فلسفي عن هوية رياضية جديدة قوامها المعرفة، والإنصاف، واحترام الجسد الإنساني كأسمى معمل للطاقة والإبداع.
2799
| 21 أكتوبر 2025