رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كرة القدم تجمعنا كأس العالم في قطر.. ومصالحة بين الجزائر ومصر.. واليمن السعيد منتصر
بداية عذرا عن تأخري في نشر مقالي إلى اليوم بدلا من الخميس الماضي، فزاويتي كما تعلمون تنشر اسبوعيا كل يوم خميس، واستسمحكم عذرا لهذا التأخير، نظرا لظروف طارئة، وإن شاء الله تعود الزاوية إلى إطلالتها عليكم كل خميس كما هو معتاد.
في عام 2001 استضافت قطر اجتماعا لمنظمة التجارة العالمية الـ WTO لتداول الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة الـ GATT التي تهدف إلى تعزيز التجارة الحرة وإزالة القيود والعوائق أمام التبادل التجاري بين الدول، وأطلق على الاجتماع "جولة الدوحة"، حيث سبقتها عدة جولات في دول مختلفة، إلا أنه لم تعقبها جولة أخرى، ومازالت المباحثات جارية حول مناقشات واتفاقيات هذه الجولة علما أن رئيس منظمة التجارة العالمية حدد هذا العام وقتا لختامها.
عايشت هذا الاجتماع المهم والكبير عن قرب حيث كنت أحد المتطوعين الذين التحقوا فيه للعمل في اللجنة الإعلامية التي رأسها الزميل سلطان المهندي. وأذكر انني كتبت حينها مقالا أشرت فيه إلى أن قطر تستضيف أهم مؤتمرات العالم متسائلا عن إمكانية أن يقودنا ذلك لأن نستضيف مستقبلا كأس العالم لكرة القدم. لم يكن ذلك تخمينا ولا تنبؤا بقدر ما كان استشرافا للمستقبل مبنيا على مؤشرات ووقائع واستنتاجات تعتبر الرياضة "إحدى رؤى البلد، وركيزة من ركائز الاستثمار إلى جانب المبادرات في المجالين الاقتصادي والتربوي التعليمي".
هذه الاستنتاجات هي نفسها التي جعلت كاتبا أمريكيا بعد تسع سنوات تقريبا يؤكد في مقال كتبه أن استضافة قطر للألعاب الأولمبية الصيفية أو كأس العالم لكرة القدم هو أمر حتمي فالدلائل والاستنتاجات تشير إلى أن العوامل كلها متوافرة في هذا البلد لتنظيم الأحداث والبطولات الرياضية الكبرى.
إذ قال الإعلامي الأمريكي الشهير "آلان ابراهامسون" في مقال نشره في موقع محطة "أن بي سي" الأمريكية الواسعة الانتشار في أبريل الماضي ان قطر تتمتع بإمكانات مادية كبيرة وهي في بداية تطور اقتصادي قد يستمر لمائة سنة أو مائتي سنة أو أكثر. مضيفا أن التحدي الذي يواجهها هو في الطريقة التي سوف يتم بها إنفاق كل هذه الأموال، واصفا بأنه "تحد لطيف".
وأضاف كاتبا في معرض مقاله: ليس الأمر إن كانت قطر سوف تستضيف دورة من الألعاب الأولمبية، أو في الوقت الحالي، نهائيات كأس العالم، بل إن السؤال هو: متى سيحدث ذلك؟.. ربما، إن كلل طلب الاستضافة الحالي لنهائيات كأس العالم بالنجاح، سيكون ذلك منذ عام 2022.
صدق حدس هذا الكاتب المتخصص في الألعاب الأولمبية وشؤونها، وفعلا اختيرت قطر لتنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، مثلما صدقت تمنياتي.. "يدرك الفيفا أنه قد حان وقت تنظيم كأس العالم في بلدنا لترسيخ رسالة السلام والوحدة في العالم من خلال هذه المنطقة". بهذه العبارة أنهيت مقالي الذي نشرته الخميس قبل الماضي، اليوم الذي اختار فيه الفيفا دولة قطر لاحتضان كأس العالم 2022، وكنت قد ذكرت في المقال ايضا انني "أبلغ من العمر الآن أربعين سنة، وإن شاء الله يكتب لي عمرا طويلا في طاعته وتتيح لي الفرصة أن أشاهد مرة أخرى حدثا رياضيا كبيرا في قطر وهو كأس العالم لكرة القدم عام 2022".
وأشرت إلى أنه "مثلما كانت الدوحة أول مدينة عربية تحتضن دورة الألعاب الآسيوية، إن شاء الله تكون الدوحة أول مدينة في منطقة الشرق الأوسط تستضيف كأس العالم لكرة القدم عندما يتخذ الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" قراره "اليوم" لصالح قطر بمشيئة الله".
كانت لحظة الإعلان عن فوز قطر بتنظيم الحدث الأكثر أهمية في العالم لحظة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ولن ينسى القطريون وإخوانهم العرب المقيمون بيننا أو في بلادهم أو في أي مكان آخر يوم الثاني من ديسمبر أبدا، ففي هذا اليوم جمعتنا كرة القدم ووحدت صفوفنا وجعلتنا نتفق في وقت يقال عنا نحن العرب إننا اتفقنا أصلا على ألا نتفق.
هكذا هي رياضة كرة القدم مثلما تفرق تجمع أيضا، وأذكر في الصيف الماضي كيف خرج مئات الآلاف من المتظاهرين الأسبان في مدينة برشلونة دفاعا عن الحكم الذاتي الموسع في إقليم كتالونيا، معقل أفضل ناد في العالم وهو برشلونة العريق، بعد أن طعنت فيه المحكمة الدستورية الاسبانية. فهذه الجموع التي دافعت عن حكمها الذاتي وتشجع الانفصال عن إسبانيا هي نفسها التي فرحت للانتصارات التي حققها المنتخب الإسباني في مونديال جنوب افريقيا وتتويجه باللقب.
وغير بعيد عن ذلك، استطاعت اليمن السعيد مؤخرا أن تنظم خليجي 20 لكرة القدم في أحلى وأبهى صورة، بل كانت البطولة التي توج فيها الكويت باللقب هي الأفضل على الإطلاق، وخاصة من الجانب الجماهيري، فاليمنيون اثبتوا أنهم أكثر من يعشق كرة القدم في منطقة الخليج، فبالرغم من خروج فريقهم من الدور الأول برصيد خال من النقاط، فان الجماهير العاشقة للكرة لم تغب عن المدرجات وشجعت كل الفرق الخليجية بحماس. ويحسب لخليجي 20 في اليمن أنها تكاد تكون من المرات النادرة التي تخرج فيها كأس الخليج من غير حساسيات جماهيرية وشعبية.
شخصيا، كنت أتمنى أن تحظى اليمن بشرف استضافة هذه البطولة وعدم نقلها إلى بلد آخر بعد كل الأقاويل التي أثيرت في وسائل الإعلام عن عدم إمكانية استضافتها لهذا الحدث بسبب عوائق أمنية على خلفية الهجمات الإرهابية في البلاد التي تقف خلفها القاعدة والحوثيون.
بسبب كرة القدم انتصر اليمن.. وحسب تقرير نشرته نيويورك تايمز الأمريكية عن خليجي 20 ان الصحفيين العرب قدموا تقارير متوهجة عن البطولة وعن الاستقبال الدافئ الذي لقوه في عدن. ونشرت جريدة كويتية مقالا تحت عنوان: "كذبة المليون"، ساخرة بذلك من التهديدات التي صدرت عن انفصاليين يمنيين بتعطيل البطولة عبر تنظيم مظاهرة يشارك فيها مليون شخص. حتى ان أعضاء من الحركة الانفصالية انضموا إلى الاحتفالات الخاصة بالبطولة. وقال أحمد السلامي، مصور كويتي عمره 29 عاما: "كتبت وصيتي قبل المجيء إلى هنا، وتوسلت لي أسرتي ألا آتي إلى هنا. ولكنني اكتشفت أن كل الأشياء التي سمعناها غير صحيحة؛ فاليمن دولة جميلة".
عندما زار وفد الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" قطر في سبتمبر الماضي ضمن جولاته للدول المرشحة لاستضافة مونديالي 2018 و2022، التقيت بالصحفي مايكل كيسي من وكالة الأنباء العالمية "الأسوشيتد برس" الذي تربطني به علاقة طيبة، ودار بيننا حوار حول إقامة كأس الخليج في اليمن في ظل التهديدات الأمنية التي تعيشها، وقلت له شخصيا أتمنى أن تقام الدورة في اليمن ورفضت مبدأ نقلها إلى دولة أخرى، فلابد لهذه الدولة أن تحظى بشرف وفرصة استضافة هذا الحدث. والحمد لله أن اليمن رفعت علامة النصر وكسبت التحدي في تنظيمها لبطولة هي الأفضل في تاريخ دورات كأس الخليج لكرة القدم.
ومن اليمن إلى الجزائر ومصر.. فمثلما وحدت كرة القدم العالم العربي بعد نيل قطر شرف استضافة كأس العالم 2022، كما وحدت أهل اليمن بمن فيهم البعض من دعاة الانفصال أثناء منافسات خليجي 20، ها هي تسعى إلى التقريب والمصالحة بين الشقيقين الجزائر ومصر بعد أن أذكى شرذمة من إعلاميي البلدين نار الفتنة بين الشعبين.
ويحسب لدولة قطر أنها تقود مبادرة التصالح بين البلدين، مثلما بادرت أيضا بدعم اليمن في استضافتها لكأس الخليج، وتكاد تكون الدولة الخليجية الوحيدة التي آمنت بحتمية إقامة الدورة فيها.. لذلك لم يكن غريبا أن يفرح العرب أولا وأخيرا باستضافة قطر لكأس العالم وأن تحظى قطر بشرف استضافة هذا الحدث.. فإنما الأعمال بالنيات.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4191
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1749
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1716
| 07 ديسمبر 2025