رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أ.د عبد الهادي العجمي

• أستاذ التاريخ – جامعة الكويت

مساحة إعلانية

مقالات

450

أ.د عبد الهادي العجمي

حروب الأفيون الجديدة

14 أبريل 2025 , 02:00ص

تشكل حروب الأفيون واحدة من أكثر الفصول إثارة للجدل في تاريخ الاستعمار، حيث تجسد الصراع العميق بين القوة والضعف، وامتلاك الإرادة وفقدانها. استخدم الغرب أسلحة متعددة، ثقافية وسياسية، في سيطرته على الشعوب والبلدان ومقدراتها، لكنها كانت دائمًا سيطرة مرتبطة بمطامع اقتصادية ومكاسب مادية معلنة أحيانًا وغير معلنة أحيانًا أخرى.

في مواجهة الصين، التي كانت تُعتبر مصنعًا دائمًا للمنتجات التقليدية مثل الحرير والخزف، كان الغرب يواجه سوقًا مستغنيًا عن الآخرين، مما دفع البريطانيين إلى التفكير في خدعة الأفيون حيث ابتكروا فكرة جلب الأفيون ليصبح بديلاً مباشرًا عن العملات في عملية التبادل التجاري. ومع انتشار الأفيون في الصين، أدركت الحكومة الصينية المخاطر الناتجة عن تعاطيه، مما دفعها إلى إصدار قرارات لمنع الأفيون. لكن رد الفعل الغربي، وخاصة البريطاني، كان بالغ الغضب، حيث اعتبروا أن الصين لا تملك الحق في منع الأفيون، مما أدى إلى حرب عسكريه وقتها بين الصين وبريطانيا عرفت بحرب الأفيون الأولى، والثانية التي انضمت فيها فرنسا لجانب بريطانيا.

لم يكن الأمر وقتها مجرد تجارة؛ بل كان تجسيدًا لسيطرة القوة على الضعف. كانت الصين، في تلك الفترة، تسعى للحفاظ على هويتها وثقافتها، حيث وجدت نفسها في حرب لا قدرة لها عليها. رغم عوامل الضعف، بدأ الشعب الصيني مقاومة هذا الواقع المرير ووقف بكل ما يملك من أدوات إنسانية وأخلاقية حضارية في مواجهة حرب الأفيون المفروضة عليه، ليعكس رغبته في الحفاظ على كيانه الوجودي في وجه قوى استعمارية حاولت تدمير مقدراته وتغيير هويته وفرض واقع جديد عليه.

هنا وعندما نعود إلى ما يحدث بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، والحديث عن الفائض التجاري والحرب الجمركية بين الطرفين، نجد أن صراعات اليوم تحمل نفس سمات الماضي. الجشع والرغبة في الهيمنة يواجهان دائمًا مقاومة من أولئك الذين يسعون للحفاظ على كرامتهم. هنا يمكن أن نتساءل عن فكرة إنسانية مهمة: هل يمكن للأمم القوية والكبرى أن تتجاوز رغباتها في السيطرة وإخضاع الشعوب، أم أنها فكرة محكومة باعتبارات أخرى لا علاقة لها بالإنسانية أو الحق والباطل؟

أتصور أن أسباباً عدة تُظهر لنا أن الأمم والحضارات الكبرى لا تزال حتى اليوم غير قادرة على تجاوز رغباتها، وأن القيم الإنسانية تتضاءل أمام المكتسبات التجارية. لا يمكن أن تكون القيم الإنسانية دافعًا للتغيير إلا إذا وجدت مكتسبات ومصالح أكبر تحركها.

إذن، ما يمكن عمله اليوم بالنسبة للكثير من شعوب العالم ذات القدرات التجارية والعسكرية المحدودة هو الاستعداد للمستقبل في عالم مليء بالتحديات. يجب أن نكون مستعدين للتصادمات القادمة، لكن التحضير لا ينبغي أن يكون عبر بناء الجدران، بل من خلال تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات. هنا يظهر دور العوامل الحضارية والأخلاقية في توجيهنا نحو تحقيق السلام، والتفكير في كيفية أن نكون جزءًا من عالم أفضل. كيف يمكن أن نتجاوز الصراعات ونبني مجتمعات قائمة على الاحترام المتبادل؟

إن الإجابات على هذه الأسئلة ليست سهلة، لكنها ضرورية لبناء مستقبل يتجاوز الأخطاء الماضية. فمع ما يملكه الخليج من مقدرات مالية ضخمة حتما سيكون في قلب هذا الصراع، وعليه يجب أن تتخذ الدول الخليجية خطوات واضحة لحماية مصالحها. يتطلب ذلك تنسيقًا بين وزارات عدة كالخارجية والتجارة وغيرها من الوزارات الخليجية المعنية لوضع استراتيجيات فعالة.

كذلك، نحن في حاجة إلى إعادة تقييم وجود حواضرنا في المنظومة الغربية فلابد من البحث عن مواقع آمنة بعيدًا عن قلب هذا الصراع، وأن نعمل على إيجاد تموضع لأنفسنا بعيدًا عن التأثيرات السلبية المحتملة. يجب أن نكون مستعدين للحفاظ على هويتنا ومقدراتنا، خاصة إذا انفجر الوضع لأكثر مما هو تصادم التجارة والمال.

مساحة إعلانية