رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا يمكن استبعاد أي شيء في السياسة، فهي الطريق إلى كل الطرق، وهي الطريق إلى اللاطريق، وهي السير في الاتجاهات المتعاكسة، والقفز من اليمين إلى اليسار، وبالعكس، تنطبق عليها مقولة ميكيافيللي الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة"، لأن السياسة كما وصفها رئيس الوزراء البريطاني الأشهر وينستون تشرتشل لا تعرف الصداقة أو العداء الدائم إنما تعرف المصالح الدائمة.
من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم الحركة السياسية التركية الأردوغانية والحركة الروسية البوتينية، ففي لحظة واحدة تحول القطبان المتنافران إلى قطبين متجاذبين، وخلافا للفيزياء فإن للسياسة قوانينها المختلفة، التي قد تعمل التنافر والتجاذب مسألة نسبية للغاية.
من الناحية العملية فإن تركيا تنتمي إلى الفضاء الغربي، عسكريا وأمنيا، على الأقل، فهي عضو في حلف شمال الأطلسي "النيتو"، وهي تتطلع للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولها روابط اقتصادية قوية مع الغرب، أمريكا وأوروبا، وهذا يجعل من المنطقي أن تكون تركيا "فضاء غربيا".
وفي الجهة الأخرى نرى أن تركيا بعيدة عن الفضاء الروسي، عسكريا وأمنيا على الأقل، فهي تنتمي إلى الحلف المعادي لروسيا، وهناك مشكلة القرم، التي تعتبرها أنقرة قضية خاصة جدا، لأن سكانها ينتمون إلى العرق التركي، وكانوا تحت سلطة تركيا العثمانية في يوم من الأيام، وهناك مشكلة إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه من أذربيجان وأرمينيا والذي تعتبره أذربيجان المدعومة من تركيا "إقليما محتلا من قبل الأرمن"، وهناك الخلاف الحاد في سوريا حول مصير الثورة السورية ومصير بشار الأسد، الذي تتمسك به روسيا وترفضه تركيا، ما يبعد الشقة بينهما. يضاف إلى ذلك الطائرة العسكرية الروسية التي أسقطتها المقاتلات التركية قبل 9 أشهر.
ولكن ورغم هذا المشهد التركي المعقد، فإن أردوغان "طار" إلى موسكو، واستقبل بحفاوة بالغة، وانتظره الرئيس الروس بوتين واقفا لمدة دقيقتين و16 ثانية، ووضعت صورة الرئيسين، أردوغان وبوتين، على أطباق الطعام، وهي "حركات" ليست عفوية بالطبع، بل مقصودة تماما، وفي الصور التي بثتها وكالات الأنباء والفضائيات، كانت لغة الجسد واضحة من حيث الراحة بين الرجلين، وكانت اللغة واثقة وواضحة، وهو ما دفع صحيفة مثل التايمز البريطانية إلى القول إن "زيارة أردوغان إلى موسكو تثير ذعر الغرب"، وأن يبادر حلف شمال الأطلسي إلى التصريح أن عضوية تركيا في الحلف ليست محل نقاش، مشددا على الثقة المتبادلة بين الجانبين. وأن ينفي الأنباء التي تحدثت عن إمكانية انسحاب تركيا من الحلف، لأن أنقرة "حليف ثمين يقدم مساهمات أساسية في الجهود المشتركة" للحلف.
لا شك أن مسارعة حلف الناتو إلى النفي والإثبات والإشادة بتركيا، تعبير عن القلق أن أنقرة يمكن أن تقلب ظهر المجن، ما يلخبط التوزيع العالمي للقوى، حتى وإن كان مثل هذا القرار معقدا ومتشابكا، إلى درجة أن الفكاك من الوضع القائم يحتاج إلى عمليات "اجتثاث" نفسي وفكري وثقافي وعقائدي وعسكري وأمني واقتصادي، وهي الأمور التي يأخذها الرئيس أردوغان بعين الاعتبار.
إلا أن الغضب التركي لا يمكن تجاهله، فحكومة أردوغان اتهمت أمريكا وأوروبا بأنها دعمت المحاولة الانقلابية الفاشلة، وأنها تتآمر عليها، وتواصل الصحافة الغربية الهجوم على تركيا ورئيسها وحكومتها، وإن موقفها من الانقلاب وتردد الدول الغربية بإصدار ردود فعل مباشرة ضد الانقلاب يشير إلى أن هذه الدول مؤيدة أو متعاطفة أو راغبة أو متورطة في المحاولة الانقلابية، حتى إن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أعلن أن الاتحاد الأوروبي "تبنى موقفا مؤيدا للانقلاب شجع الانقلابيين".
هنا كان لابد من إظهار أن أردوغان لديه خيارات أخرى، غير الغرب، قادر على صناعتها مع شريك جديد في الكرملين، لبناء حالة إقليمية وعالمية جديدة، بعد أن أثبت الرئيس بوتين أنه لاعب دولي مهم في سوريا وأوكرانيا ومن قبلها جورجيا، ولديه ما يكفي من القوة والتصنيع العسكري والموارد. وبالتالي يمكن الدخول معه في شراكة، تحفظ مصالح الطرفين، وتعيد رسم الخارطة الدولية كلها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
كان المدرج في زمنٍ مضى يشبه قلبًا يخفق بالحياة، تملؤه الأصوات وتشتعل فيه الأرواح حماسةً وانتماء. اليوم، صار صامتًا كمدينةٍ هجرتها أحلامها، لا صدى لهتاف، ولا ظلّ لفرح. المقاعد الباردة تروي بصمتها حكاية شغفٍ انطفأ، والهواء يحمل سؤالًا موجعًا: كيف يُمكن لمكانٍ كان يفيض بالحب أن يتحول إلى ذاكرةٍ تنتظر من يوقظها من سباتها؟ صحيح أن تراجع المستوى الفني لفرق الأندية الجماهيرية، هو السبب الرئيسي في تلك الظاهرة، إلا أن المسؤول الأول هو السياسات القاصرة للأندية في تحفيز الجماهير واستقطاب الناشئة والشباب وإحياء الملاعب بحضورهم. ولنتحدث بوضوح عن روابط المشجعين في أنديتنا، فهي تقوم على أساس تجاري بدائي يعتمد مبدأ المُقايضة، حين يتم دفع مبلغ من المال لشخص أو مجموعة أشخاص يقومون بجمع أفراد من هنا وهناك، ويأتون بهم إلى الملعب ليصفقوا ويُغنّوا بلا روح ولا حماسة، انتظاراً لانتهاء المباراة والحصول على الأجرة التي حُدّدت لهم. على الأندية تحديث رؤاها الخاصة بروابط المشجعين، فلا يجوز أن يكون المسؤولون عنها أفراداً بلا ثقافة ولا قدرة على التعامل مع وسائل الإعلام، ولا كفاءة في إقناع الناشئة والشباب بهم. بل يجب أن يتم اختيارهم بعيداً عن التوفير المالي الذي تحرص عليه إدارات الأندية، والذي يدل على قصور في فهم الدور العظيم لتلك الروابط. إن اختيار أشخاص ذوي ثقافة وطلاقة في الحديث، تُناط بهم مسؤولية الروابط، سيكون المُقدمة للانطلاق إلى البيئة المحلية التي تتواجد فيها الأندية، ليتم التواصل مع المدارس والتنسيق مع إداراتها لعقد لقاءات مع الطلاب ومحاولة اجتذابهم إلى الملاعب من خلال أنشطة يتم خلالها تواجد اللاعبين المعروفين في النادي، وتقديم حوافز عينية. إننا نتحدث عن تكوين جيل من المشجعين يرتبط نفسياً بالأندية، هو جيل الناشئة والشباب الذي لم يزل غضاً، ويمتلك بحكم السن الحماسة والاندفاع اللازمين لعودة الروح إلى ملاعبنا. وأيضاً نلوم إعلامنا الرياضي، وهو إعلام متميز بإمكاناته البشرية والمادية، وبمستواه الاحترافي والمهني الرفيع. فقد لعب دوراً سلبياً في وجود الظاهرة، من خلال تركيزه على التحليل الفني المُجرّد، ومخاطبة المختصين أو الأجيال التي تخطت سن الشباب ولم يعد ممكناً جذبها إلى الملاعب بسهولة، وتناسى إعلامنا جيل الناشئة والشباب ولم يستطع، حتى يومنا، بلورة خطاب إعلامي يلفت انتباههم ويُرسّخ في عقولهم ونفوسهم مفاهيم حضارية تتعلق بالرياضة كروح جماهيرية تدفع بهم إلى ملاعبنا. كلمة أخيرة: نطالب بمبادرة رياضية تعيد الجماهير للمدرجات، تشعل شغف المنافسة، وتحوّل كل مباراة إلى تجربة مليئة بالحماس والانتماء الحقيقي.
2559
| 30 أكتوبر 2025
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
2322
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2079
| 03 نوفمبر 2025