رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  Falghazal33@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

72444

فاطمة بنت يوسف الغزال

الكلمة

15 يونيو 2022 , 01:00ص

في حوار الوليد بن يزيد بن معاوية والحسين بن علي بن أبي طالب، طلب الوليد من الحسين أن يبايع أباه يزيد للخلافة، فقال له: نحن لا نطلب إلا كلمة فلتقل: "بايعت " واذهب بسلام لجموع الفقراء، فلتقلها وانصرف يا ابن رسول الله حقناً للدماء فلتقلها.. آه ما أيسرها.. إن هي إلا كلمة، رد عليه الحسين: (منتفضا) كبرت كلمة! وهل البيعة إلا كلمة ؟ ما دين المرء سوى كلمة ما شرف الرجل سوى كلمة ما شرف الله سوى كلمة، فرد عليه ابن مروان الذي كان حاضرا اللقاء: (بغلظة) فقل الكلمة واذهب عنا، فجاء رد الحسين: أتعرف ما معنى الكلمة...؟ مفتاح الجنة في كلمة دخول النار على كلمة وقضاء الله هو الكلمة، الكلمة لو تعرف حرمة زاد مذخور، الكلمة نور، وبعض الكلمات قبور، بعض الكلمات قلاع شامخة يعتصم بها النبل البشرى، الكلمة فرقان بين نبي وبغى، بالكلمة تنكشف الغمة، الكلمة نور ودليل تتبعه الأمة، عيسى ما كان سوى كلمة أَضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين فساروا يهدون العالم، ! الكلمة زلزلت الظالم، الكلمة حصن الحرية، إن الكلمة مسؤولية، إن الرجل هو الكلمة، شرف الرجل هو الكلمة، شرف الله هو الكلمة وختم الحسين قائلاً: لا رد لدي لمن لا يعرف ما معنى شرف الكلمة.

الكلمة مسؤولية وأمانة

واجبٌ علينا أن نجاهدَ في الكلمَة وأن نجعلها أحَدّْ من نِصال السيوف، أن تكون في خدمة صوت الحق الصادح من صنعاء إلى غَزَّة، بكلمتنا التي نجمعها من كل فكرٍ عربيٍ وطنيٍ شريف نصنع وعياً وثقافَة مقاومة ونصنع جيلاً من الشرفاء بدل العملاء، نحن مسؤولون أمام الله عن كل كلمة نتفوَه بها أو نكتبها لأنها فعلاً مسؤولية وفعلاً هي الشرف وفعلاً هي الخط الفاصل بين الحق والباطل وبين الموت والحياة وبين الجنة والنار، لكي تنهض أمتنا يجب أن نحرص على مخارج كلماتنا متى وأين وكيف تخرج من أفواهنا الكلمة، ونتأسى بقدوتنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا وأمرنا في حديثه الصحيح (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت...)، فالكلمة ضدها الصمت، ومن صمت فقد نجا من كل شر، لذلك كانت الكلمة هي المسؤولية والأمانة، وقد روى الطبراني من حديث أسود بن أصرم المحاربي، قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: (هل تملك لسانك ؟ " قلت: ما أملك إذا لم أملك لساني؟ قال: "فهل تملك يدك؟ " قلت: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " فلا تقل بلسانك إلا معروفا، ولا تبسط يدك إلا إلى خير)، وفي حديث سليمان بن سحيم، عن أمه، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرجل ليدنو من الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيتكلم بالكلمة، فيتباعد بها أبعد من صنعاء ")، وقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ماندمت على سكوتي مرة، لكنني ندمت على الكلام مراراً).

لسانك حصانك.. إن صنته صانك وإن خنته خانك

هذا المثل متداول بين العرب منذ ازمان بعيدة ويقال أنه ورد عن علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، والمعنى أنه يحث الناس على الانتباه على الأقوال والكلام الصادر منهم، وذلك لأن الكلمات والأقوال غير المدروسة قد تسبب الكثير من المشاكل للإنسان بالإضافة إلى ارتكاب الإثم في القول غير المشروع، الآن... فلنتأمل معا هذه الكلمات.. هذه المعانى.. فليتدبر كل إنسان منا، كل قاضٍ، كل رجل دين، كل إعلامى، كل رجل قانون، كل مسؤول، كل أديب، كل شاعر، كل معلم، كل عالم، كل فنان كل إعلامى هذه المعانى ليستشعروا أهمية الكلمة المنطوقة والمكتوبة «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم»....

القرآن ما هو إلا كلام الله.. دعوة الانبياء والرسل بكلمة... دخولك الاسلام بكلمة.. خروجك من إسلامك بكلمة.... الزواج بكلمة.. الطلاق بكلمة... الندم على كلمة، الاعتذار بكلمة عن كلمة.. الاستغفار بكلمة... الحمد والشكر بكلمة... التسبيح بكلمة.. النصيحة كلمة.. الذم كلمة.. جرح اللسان بكلمة... قال النبى صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضى الله عنه «وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم»...

الحرب تبدأ بكلمة..السلام يعم بكلمة.. فرح الفؤاد بكلمة... العقود والمعاهدات كلمة.. البغضاء والكره من كلمة...النفاق كلمة.... الصدق كلمة... الكذب كلمة.. الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بكلمة... كل أفعالنا وأعمالنا هي عبارة عن كلمة.

قدسية الكلمة

فهل نعي وندرك حقاً معنى وقيمة الكلمة، إن قدسية الكلمة هى مقياس تقدم الحضارة الإنسانية ورقيها، وعندما تستباح الكلمة تتوحش الإنسانية وتنهار الممالك.. أعظم قادة العالم نجحوا بالكلمة وسقطوا أيضًا بالكلمة، فالكلمة طوق نجاة لناطقها إن أدرك قوتها وأحسن استخدامها.. إن الكلمة مسؤولية.

لقد افتقدنا القدرة على الوفاء بالوعود نتيجة إهدارنا لمعنى وقيمة الكلمة، كلنا قصرنا فى تربية وتدريب وتأهيل جيل جديد يدرك معنى وقيمة الكلمة ومدى ضرورة الالتزام بالكلمة وتحمل المسؤولية المترتبة على كلمته، تربية وتعليم وإعلام وصحافة كلها ساعدت فى انهيار معنى وقيمة الكلمة.

إن إعادة تصويب المفهوم للكلمة وتعليم الأطفال من جديد لمعنى وقيمة الكلمة يعد بمثابة الفرض اليوم، فالكلمة هى مفتاح بناء الدولة الحديثة التي نحلم بها جميعا، فالكلمة تعني العهد والإلتزام والوفاء.. إن الكلمة مسؤولية.

علماء الاجتماع والقائمون على وزارات التربية والتعليم، الثقافة، الشباب والرياضة، وسائل الإعلام، المجالس القومية المتخصصة والفنانون مطالبون جميعاً باستعادة قيمة معنى وقيمة الكلمة فى المجتمع من جديد، وقد يكون ضربًا من الخيال ما نطالب به إلا أن بلادنا تحتاج اليوم وبشدة إلى الكلمة الرشيدة الواعية.

كسرة اخيرة

انتقوا كلماتكم بِدِقَّة واحذروا أَن تُلامس الكلمة مشاعر الحزن داخلنا. يكفينا حزناً وقهراً وتجبُراً.. اجعلوا من كلماتكم مصدر سعادة وإِلهام وتفاؤل وحب للحياة، اجعلوا كلماتكم مَنح سعادة للنفس والروح.

فاطمة بنت يوسف الغزال

الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية

 falghazal33@gmail.com

مساحة إعلانية