رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

نائب رئيس المجلس البلدي المركزي (سابقاً)

مساحة إعلانية

مقالات

159

د. م. جاسم عبدالله جاسم ربيعة المالكي

تأملات الشارع العربي من اجتماع الدوحة

15 سبتمبر 2025 , 02:51ص

تتجه الأنظار في العالم العربي إلى الدوحة، حيث يُعقد الاجتماع المرتقب في لحظة استثنائية تشهدها المنطقة. فالأحداث الأخيرة، وفي مقدمتها الاعتداء الإسرائيلي على السيادة القطرية وما يجري في غزة، جعلت الرأي العام العربي ينظر إلى هذه القمة بترقّب غير مسبوق. ليست القمة بالنسبة للشارع العربي حدثًا بروتوكوليًا أو لقاءً دبلوماسيًا عابرًا، بل امتحانًا حقيقيًا لقدرة القادة على اتخاذ قرارات ترتقي إلى مستوى التحديات التي تعصف بالأمة.

الموقف الموحد مطلب أول 

التجارب الماضية علّمت الشارع العربي أن الخلافات الداخلية بين الدول كثيرًا ما تُضعف المواقف الجماعية، وتفرغها من مضمونها. لذلك يعلّق المواطنون آمالًا كبيرة على أن يخرج اجتماع الدوحة ببيان موحّد، يضع حدًا للتباينات ويؤكد أن الاعتداء على أي دولة عربية هو اعتداء على الجميع. مثل هذا الموقف سيعيد الثقة بأن التضامن العربي ما زال ممكنًا، وأن السيادة الوطنية خط أحمر لا يجوز تجاوزه.

من الأقوال إلى الأفعال 

كثير من الناس سئموا من البيانات التي لا تتجاوز حدود الورق. ما ينتظره الشارع اليوم هو أن تتحول الإدانة إلى خطوات عملية: سحب سفراء، تقليص العلاقات الاقتصادية، أو تحريك ملفات قانونية ضد إسرائيل في المحاكم الدولية. المطلوب أن تشعر إسرائيل أن عدوانها على قطر أو فلسطين لن يمرّ بلا ثمن، وأن هناك كلفة سياسية ودبلوماسية واقتصادية ستدفعها.

حماية الدور القطري في الوساطات 

قطر لعبت دورًا محوريًا خلال السنوات الأخيرة في الوساطات المتعلقة بفلسطين وملفات إقليمية أخرى. ومن الطبيعي أن يتطلع الشارع العربي لأن تحظى الدوحة بدعم صريح من أشقائها، بحيث لا تؤثر الاعتداءات على مكانتها كوسيط موثوق. الحفاظ على هذا الدور لا يخص قطر وحدها، بل يعزز الموقف العربي بأكمله، لأنه يثبت أن دولة عربية قادرة على أن تكون طرفًا أساسيًا في حل النزاعات، لا مجرد متلقٍ لتدخلات الخارج.

القضية الفلسطينية في الواجهة 

لا يمكن لأي قمة عربية أو إسلامية أن تتجاهل ما يجري في غزة والضفة الغربية. الشارع العربي ينتظر أن يتصدر الملف الفلسطيني جدول أعمال اجتماع الدوحة، وأن تصدر قرارات واضحة تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وتأمين الممرات الإنسانية، وإطلاق خطة جدية لإعادة إعمار ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية. كما يتوقع كثيرون أن يُطرح ملف الأسرى والانتهاكات اليومية بحق الشعب الفلسطيني بجدية أكبر، لا بعبارات عمومية كما كان يحدث سابقًا.

بعد إنساني ورسالة إلى العالم 

التطلعات الشعبية لا تقتصر على السياسة فقط، بل تمتد إلى البعد الإنساني. المواطن العربي يريد أن يسمع أن القمة وضعت خططًا عملية لدعم الشعب الفلسطيني بالدواء والغذاء والمأوى، وأنها ستنسق مع المؤسسات الدولية لضمان وصول المساعدات بعيدًا عن الابتزاز السياسي. هذه الرسالة الإنسانية ستعزز صورة العرب أمام العالم، وتُظهر أنهم يقفون إلى جانب المظلومين بالفعل لا بالقول فقط.

الضغط على القوى الدولية 

الشارع العربي يتابع عن كثب المواقف الدولية، ويرى أن الانحياز الأمريكي لإسرائيل هو أحد أبرز أسباب استمرار العدوان. لذلك يأمل الناس أن تستثمر الدول العربية والإسلامية اجتماع الدوحة للضغط على الأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، من أجل اتخاذ مواقف أكثر صرامة تجاه إسرائيل. كما يتطلعون إلى بناء تحالف دبلوماسي واسع مع الدول الصديقة، يُعيد التوازن للمشهد الدولي ويكسر احتكار الرواية الإسرائيلية.

وحدة عربية حقيقية 

الرسالة الأهم التي ينتظرها الشارع من اجتماع الدوحة هي أن يتجاوز القادة خلافاتهم التقليدية، وأن يتحدثوا بصوت واحد. في ظل الأزمات العديدة التي تمر بها المنطقة، من فلسطين إلى السودان واليمن، لم يعد الناس يقبلون بمشهد الانقسامات والاصطفافات الضيقة. المطلوب موقف عربي جامع يضع المصلحة العليا فوق الحسابات الضيقة، ويعيد الاعتبار لفكرة أن الأمة قادرة على الفعل الجماعي حين تتعرض للتحدي.

اختبار الثقة 

خلاصة التطلعات أن اجتماع الدوحة يشكل اختبارًا جديدًا لثقة الشعوب بحكوماتها. فإذا خرج بقرارات قوية وملزمة، تُترجم إلى أفعال ملموسة، فسوف يُعيد شيئًا من الأمل في إمكانية العمل العربي المشترك. أما إذا اكتفى ببيانات إنشائية، فسوف يرسخ حالة الإحباط ويزيد من فجوة الثقة بين الشعوب وقادتها. وفي الحالتين، سيظل الشارع العربي يراقب عن كثب، منتظرًا أن يرى ما إذا كانت القمة ستكون نقطة تحول حقيقية، أم محطة أخرى تُضاف إلى سجل الاجتماعات التي لم تُغير شيئًا.

مساحة إعلانية