رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

423

د. أحمد المحمدي

سراب الـ ( أنا )

16 فبراير 2025 , 02:00ص

كان جالسًا في المقهى، يرقب المارّة كما يرقب القاضي متّهميه، لا يجتازه عابر إلا وقد صاغ له في نفسه حُكمًا، كأنما هو ميزان الخلق، يزنهم بمكياله، ويقيسهم بمعياره.

فهذا يسير مسرعًا، كأن القدر يطارده، وذاك يمشي الهوينى كأنه قد ألقى عصا الترحال واستراح من عناء الدنيا بأسرها! وذاك يجلس وحده، كأنه لا يعبأ بعابر أو جليس! وذلك يضحك بملء فيه كأنما قد مُلكت له الدنيا وما فيها!

ضاقت عليه نفسه فهرب إلى سيارته، وقد تدافعت الأفكار في رأسه كما تتدافع الخيل إلى حلبة السباق، وما إن بدأ السير حتى صار يرصد الطرقات بعين الناقد المتبرم، فهذا سائق متباطئ يعوقه، وذاك متهور يزعجه، وثالث أوقف مركبته حيث شاء، كأنما الطريق ملكٌ له وحده!

وبينما هو مُمسك بالمقود كأنما يحرك به مصيرًا لا يعبأ كثيرًا بتفاصيله، إذ فجأة اخترق المذياع الهادئ صمته بصوت القارئ: «إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى.»

اهتزّ قلبه فجأة، وتوقف عقله للحظات، وكأن الصوت اخترق أغوار روحه حتى سحب كل شيء حوله إلا السكون!

لقد ملأت هذه الآية أركانه، حتى لكأنها الضوء الذي مزّق ظلمات نفسه، وسمع صوتًا من داخله يصرخ مستنكرًا: «ويحك! أليس لكل متعجّل عذر، ولكل متمهّل سبب، ولكل صامت هم، ولكل ضاحك فرح؟! فكيف جعلتَ نفسك ميزانًا للخلق؟!»

صمت طويلا وكأنه يبصر الدنيا من زاوية جديدة، فالناس ليسوا انعكاسًا لنفسه، والأحكام التي كان يلقيها عليهم لم تكن إلا ظلالًا لوهمٍ سجن نفسه فيه اسمه سراب الـ ( أنا) مضى في طريقه، وقد تبدّلت نظرته، فما عاد يلوم، ولا عاد يتعجّب، بل صار يرى الناس كما هم، لا كما يريدهم أن يكونوا. فاستراح من قيد الهم، بعدما تخلص من سراب الوهم.

إن الحياة، أيها السادة، نهر دافق لا يعرف السكون، ينساب بين ضفتيه فلا يعود منه ما قد مضى، ولا يقف منه ما قد جرى.

كل قطرة فيه لها مسراها المقدر، وإن بدت في عين الرائي سواء، والعاقل ليس ذاك الذي يقف على الضفاف يرقب الماء مندهشًا أو مستنكرًا، ولكن من يدرك أن القطرات وإن توحدت في ظاهر الحجم والصورة، فإن لها من الاختلاف في المصير ما لا تحصيه العقول. فإذا كان هذا شأن المتشابه، فكيف بالمتباين؟ تلك حكمة الحياة، تجري فلا يعترضها إلا من جهل حقيقتها، ويتعايش معها من وعى سرها!

سراب الـ»أنا» ليس إلا سقفًا مغلقًا، يحجب عن الإنسان نور الحقيقة، ويجعله يتيه في ظلامٍ لا يرى فيه إلا نفسه.

الـ ( أنا) درعٌ ظاهره حماية، وحقيقته قيدٌ يحبس الروح في دائرة ضيقة، لا ترى فيها إلا انعكاس ظله وفكره، ولا يسمع فيه إلا صدى صوته.

أيها الطائر في السماء: إن الـ «أنا» قيد يثقل جناحيك، والطائر لا يعلو إلا إذا تحرر من كل ثقل!

اقرأ المزيد

alsharq قرار يستحق الدراسة مسبقاً

حينما صدر القرار الوزاري في عام 2023 بإعفاء أبناء الأئمة والمؤذنين من رسوم الكتب والمواصلات في المدارس الحكومية... اقرأ المزيد

189

| 30 ديسمبر 2025

alsharq أصالة الجمال الحق !

ما أثمن أن يصل الإنسان إلى لحظة صفاء، تلك اللحظة النادرة التي تهدأ فيها ضوضاء الداخل، ويخفّ فيها... اقرأ المزيد

144

| 30 ديسمبر 2025

alsharq الدوحة.. هوية تُبنى بهدوء وتُخاطب العالم بثقة

في زمنٍ تتسابق فيه المدن على ناطحات السحاب، وتتنافس الدول على مظاهر القوة الخشنة، اختارت الدوحة طريقًا مختلفًا:... اقرأ المزيد

69

| 30 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية