رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
عانقتك ياصاحبي التونسي السيد فتحي بلطف وأنا أهنئك والتونسيين طرا وجميع من في العالم من الأحرار مباركاً بالفرحة الكبيرة التي بسطت بهجتها على القلوب والوجوه إذ رحل ظلام الطغيان هارباً من ضياء الفجر الذي هزمه بعد ثلاثة وعشرين عاماً وحصحص الحق وزهق الباطل، فلماذا جذبتني يا صاحبي وضممتني بكل قوة والدمع ينهمل من عينيك بل قلبك وروحك ووجدانك وضميرك وإذا بي أبكي معك وكلانا يستشعر حال كل مظلوم وحزين كان طيلة هذه المدة مسجوناً في قفص الاستبداد، محرما عليه أي هواء للحرية كالبلبل الضعيف الممنوع من التحليق في أجواء الحياة وحدائق النور، وإن أنس لا أنسى تلك اللقطة التي بثتها قناة الحوار التليفزيونية في لندن حيث وقفنا أمامها نستدر الدمع ثانية فهي مشهد حقيقي لرجل نزل من بيته ليلا إلى ساحة الشارع بعد معرفته بهروب الطاغية والناس نيام فأخذ ينادي ويكلم نفسه ويتحرك حولها بكل نشاط ثم يهتف بقوة عسى أهل العمائر كلهم يسمعونه: المجد لتونس، تونس حرة، تحيا الحرية، تحيا تونس، المجد للشهداء، الشعب هو الذي يحكم يا شعبنا الذي ضحيت بأولادك، دماؤهم لم تذهب خسارة، أزاحت ابن علي، هرب المجرم فر السارق، السفاح هرب، يا شعبنا العظيم، يا شعبنا العظيم قدمت ثورة الياسمين.. لقد أخذ هذا الرجل الذي لم يستطع النوم يكرر هذه العبائر والشعارات وهو على يقين أنها في قلب وعلى فم كل تونسي حر وكل إنسان متطلع إلى نور الحرية من عظم وفداحة المأساة التي كانت ملهاة لدى الطغاة والظالمين.
كم كان بوح هذا الرجل معبراً ومؤثراً حتى إن مذيع القناة وهو يقابل الأستاذ المجاهد راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة التونسي أخذ يغرق في الدموع فيبادله ضيف القناة بالبكاء الذي يسح على خده فيمسح ويمسح هذه اللآلئ لتعود أكثر وضاءة وبريقاً ثم يجيب المذيع: نعم إن الطاغية المهزوم كان رجلا بلا قلب كان سفاحا مجرما، ولعل القارئ يذهب إلى أن مئات من المشاهد في انتفاضة الاحتجاج السلمية كانت أشد أثرا، فالدماء تسيل والجراح تتحدث والشهداء يرسمون الطريق بتضحياتهم من أجل الحرية وأنا أجيبك يا أخي إن كل هذه المثيرات ما هي إلا الشعل المتصلة ببعضها كالسلسلة القوية التي لا تعرف الانفكاك، ولكن هذا المشهد أيضا قد هيج خاطري وأشعل ناره فوق اتقادها، إن هذا الرجل يعلن في شعاراته أن الحرية أثمن ما في الوجود ولذلك كان ثمنها باهظاً كما يقول المفكرون، فبالأمس لا يمكن لهذا البلبل أن يصدح ويصرخ، إن ثورة الشعب هي التي تمكن للحرية وتقول لا أحد يحب القيود حتى لو كانت من ذهب، إنه يشعر وهو في الظلام أن شمس الحرية هي التي تشرق في النفوس ليل نهار، إنه اليوم حر تماماً لا كما كان الطاغية ينادي بالحرية، ثم يرتكب أفظع الجرائم من القتل والسجن والنفي والتعذيب الخاص والعام لشعبه باسم هذه الحرية والديمقراطية، يتذكر صاحبنا وهو يفرح ويصدح أن الشعب أي شعب إذا أراد الحياة الحرة الكريمة السعيدة فإن الله يوفقه لبلوغ شاطئها ثم الإبحار في العباب دون خوف من الوحوش والمتجبرين:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر
أي قدر الله فإنه يكون في صالح الذين أذعنوا للسنن الإلهية في الأمل والعمل والتغيير والإصلاح، أليس ابن عطاء الله السكندري كان يقول في حكمه العطائية: إن لله عبادا إذا أرادوا أراد أي إذا أرادوا الهداية والثبات على الحق، أراد توفيقهم إلى ذلك وكان معوانا لهم في تحقيق أهدافهم، لقد حرك الشاعر العملاق الشاب أبو القاسم الشابي مشاعر الأمة بشعره المؤثر الجميل الذي كان ومايزال وقودا حياً في المعركة وزادا لا يستغنى عنه عند المتظاهرين والمحتجين في كل مكان ضد الظلم والطغيان، وهو الذي بعث الأمل وبين أن الضعف الذي ألحقه الحكام في النفوس لن يمنع من الانتفاضة عليهم:
سأظل رغم الداء والأعداء
كالصقر فوق القمة الشماء
إن إرادة الشعب من إرادة الله وإن حريته هبة من الله لا يجوز لأحد أن يحاصرها أو يحتلها، إن صاحبنا لا ينسى وهو يهتف ما أصَّله عمر بن الخطاب رضي الله عنه في معنى الحرية عندما قال: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، وكذلك مقالة علي رضي الله عنه: لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حراً، كأن هذه الحرية المطالب بها هي المذهب الإنساني من حيث الأصل ليقول كل امرئ: إنني حر ومذهب كل حر مذهبي كما أنشدنا الشاعر أبو ماضي وهي تعني أن الإنسان لا يمكن أن يتنازل عن شيء منها ولو فعل لباع دينه وعرضه وكان خاسراً:
الحر يأبى أن يبيع ضميره
بجميع ما في الأرض من أموال
كما قال الشاعر محمد الفراتي أو كما نبه المثل أن تموت جوعاً وأنت حر خير من أن تعيش عبداً وأنت سمين، نعم إنه الفرق الكبير بين حياة العز وحياة الذل كما قال المتنبي:
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم
بين طعن القنا وخفق البنود
يتذكر صاحبنا أن ثورة المحتجين في جميع ربوع تونس كانت سلمية وردية ولكن الطغاة هم الذين جعلوها شلالات من الدماء، لا بأس فهي قد لا تنال إلا بهذه المهور كما قال شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
أو كما قال غاندي الهندي: إن طريق الحرية يجب أن تمهد له الدماء والأشلاء، ذلك أنه حيث توجد الحرية يكون الوطن ومن دونها يظل سجنا كبيرا للبشر كما قال أحدهم: حيث تكون الحرية يكون الوطن، ثم إنا إذا أردنا أن نحلل بعض شعارات صاحبنا نرى أنه إنما قصد بالحرية تلك التي تكون مسؤولة لا تنطلق إلا بعصمة الدين ومصباح العقل الذي هو أساس الشرع ويقول (لبنتز) العقل روح الحرية، وعلى هذا فمبناها ومعناها يجب أن يرتبط بالمسؤولية العاقلة التي تحفظ لها بقاءها وخلودها لأن المحافظة عليها أهم من الحصول عليها كما يقول فؤاد شهاب ولا حرية دون مسؤولية، كما قال جان جاك روسو وكما قال فيكتور هيجو: الحرية هي الحياة ولكن لا حياة بلا فضيلة فيا إخوتنا في تونس الحبيبة والعالم أجمع لنفهم حقيقة الحرية وننفذها وألف مبروك للشعب الذي جاهد وانتفض فاستجاب له القدر.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
90
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
123
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
138
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1227
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
798
| 10 ديسمبر 2025