رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أمجد ربيع أبو العلا

مساحة إعلانية

مقالات

1035

أمجد ربيع أبو العلا

التشجيع الرياضي والانتماء إلى الأندية

17 يناير 2025 , 02:00ص

منذ أربعة أعوام تقريباً تُوفيت والدتي -رحمها الله-، وعلى إثر وفاتها دخلت في حالة حزن شديدة بفقدها. لم تفارقني تلك الحالة حتى الآن، فقد كانت -رحمها الله- تملأ حياتي بكل ما فيها. وبعد وقت طويل من التفكير في أسباب هذه الحالة، وجدت أنني أفتقر إلى العديد من عناصر الترفيه واللهو، مع التزام الجدية في أغلب الأوقات. ربما كان التشجيع الرياضي ومتابعة المباريات، والاهتمام بذلك قليلاً، يخففان بعض ما يعانيه الإنسان من الألم. ويبدو أن هذا أحد الأسباب التي تدفع الناس إلى الإقبال على تشجيع المباريات، ربما للهروب من صعوبات الحياة.

الانتماء هو نزعة إنسانية طبيعية وحاجة فطرية لكل إنسان. وكل إنسان منعزل عن الآخرين هو حالة غير طبيعية، حتى لو حقق نجاحات في مجالات متعددة. فالإنسان في حاجة إلى أنواع مختلفة من الانتماء؛ فهو بحاجة إلى انتماء مكاني لوطنه، وانتماء زماني فهو ابن عصره وجيله، وانتماء فكري يتيح له الالتقاء بمن يشاركونه أفكاره، وانتماء ديني واجتماعي وأيديولوجي ونفسي وعلمي وترفيهي. النفس دائماً تميل إلى اللهو مع من يشاركها اهتماماتها. وقد ورد في الأدلة الشرعية قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا  إن أكرمكم عند الله أتقاكم  إن الله عليم خبير». كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هجرته: «ما أطيبك من بلدٍ! وما أحبك إليَّ! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت». ولما وصل المهاجرون إلى المدينة وشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحنينهم إلى مكة، دعا قائلاً: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وانقل حماها إلى الجحفة، اللهم بارك لنا في مدها وصاعها».

ليس من الضروري لكل فرد أن يحقق الاكتفاء من جميع أنواع الانتماء، بل يكفي أن يحقق ما يروي عطشه، ويشبع حاجاته النفسية. وقد عبّر ابن النفيس عن هذا بقوله: «إن اللعب بالصولجان رياضة للبدن والنفس لما يلزمه من الفرح بالغلبة والغضب بالانهزام»، مما يوضح أن الفرح بالنصر والغضب للهزيمة جزء من رياضة النفس.

الانتماء والتشجيع ضروريان للنفس بقدر ضرورة الرياضة للجسد، وليس التشجيع مضيعة للوقت كما قد يُعتقد، بل هو وسيلة للترويح عن النفس وتجديد الطاقة. لا يلهي التشجيع عن الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو العمل، بل يدفع الإنسان بعد الاستراحة إلى مواصلة عمله بجد ونشاط. حتى النقاشات التي تحدث بين الناس بعد المباريات غالباً ما تكون ضمن إطار المزاح الخفيف. أما العصبية المذمومة فهي نصرة الظالم على ظلمه، والدفاع عن الباطل، واحتقار الحق، وليس التشجيع الرياضي جزءاً من ذلك.

التشجيع غالباً ما يكون لشيء أحبّه القلب، سواء بسبب معلوم أو مجهول. على سبيل المثال، تشجيع الجماهير العربية لنادي ليفربول سببه حبهم للاعب محمد صلاح وتعاطفهم معه. وقد يكون التشجيع لسبب الإتقان، كما أظهرت إحصائية لموقع «جول دوت كوم» أن عدد مشجعي نادي ريال مدريد الإسباني حول العالم يصل إلى 252 مليوناً، مقابل 250 مليوناً لبرشلونة، في حين أن عدد سكان إسبانيا لا يتجاوز 45 مليوناً. وبالنسبة للأندية الإنجليزية، بلغ عدد مشجعي مانشستر يونايتد 142 مليوناً، وتشيلسي 93 مليوناً، وليفربول 92 مليوناً، ومانشستر سيتي 76 مليوناً، وأرسنال 75 مليوناً، رغم أن عدد سكان بريطانيا 65 مليوناً فقط. هذا يبرز البعد الإنساني لهذا الظاهرة، وأثرها الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وقد كتب الدكتور محمد الخير الشيخ: «إن تشجيع الرياضة عامة وكرة القدم على وجه الخصوص فن وإبداع، وخليط رائع من المهارة والرغبة والإخلاص والترويح عن النفس. إنه شعور بالمتعة والإثارة والراحة من عناء يوم طويل. يستند التشجيع إلى أساسيات التمسك بمبادئ الرياضة التي تدعو للتعاون والتسامح وفق القيم الأخلاقية والإنسانية، بوعي وإدراك للدور المهم الذي يشكله في بناء الدعم ورفع الهمم وبث روح الحماس لدى اللاعبين، مع بناء علاقات متينة بين الجماهير».

مساحة إعلانية