رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أحمد علي

مساحة إعلانية

مقالات

1620

أحمد علي

الشرخ الأوسع في «ريفيرا» الشرق الأوسط

17 فبراير 2025 , 02:00ص

بيني وبين فلسطين قصة حب، وحكاية عشق، تنبع من شعور قومي دفيق، وشغف دافق عتيق، وشوق متدفق عميق، لقدسها ومقدساتها، ذات الإرث الحضاري، والتراث العربي، والتاريخ الإسلامي العريق.

ويحركها ارتباطي الوثيق بأهلها في قطاع غزة والقدس ومدن الضفة والحواضر في يافا وحيفا وعكا، حيث يوجد الأخ، ويعيش الصديق، ويحيا الرفيق.

.. وهناك في أماكن الشتات وسائر المخيمات وكل المدن الفلسطينية المحتلة والبلدات التي تعاني من احتلال صهيوني صفيق.

ويرسخها إيماني العميق بحقوق شعبها العريق الذي تربطني مع مختلف توجهاته الرسمية ومكوناته الشعبية علاقات متشعبة، تتنوع في طبيعتها، وتتجذر في خصوصيتها، وتتعمق في تفاصيلها، مع هذا الشعب العربي الشقيق.

ومنذ أن كنت طفلاً في المدرسة، ترسخ في وجداني يقين عريق، بعدالة قضيتها، وكنت أغني أناشيدها مع أستاذي الفلسطيني «خالد نصر»، مدرس التربية الفنية، في مدرسة «الخليج العربي» الابتدائية، التي كانت تستقطب أبناء الأهالي في «أم غويلينة» ومحيطها، هناك عند مشارف «فريجنا» العتيق.

ومن يومها ذاك، وحتى يومنا هذا، ما زلت أحفظ كلمات الأناشيد المدرسية، التي تتغنى بحب فلسطين الحبيبة، وأرضها الحبيسة وشعبها العربي المحبوس في سجون الاحتلال، هناك خلف قضبان الاعتقال وقيود الأغلال.

ومع تواصل مأساة أولئك الأسرى من النساء والرجال، ومعاناة آلاف المعتقلين، وبينهم الكثير من الأطفال، وتسلسل قصص المقاومين الأبطال، وتوالي حكايات النازحين، الذين يسيرون على أقدامهم فوق الرمال، وضحايا العدوان الصهيوني الذين يبحثون عن مأوى خلف التلال.

أقولها ـ بثقة ـ وبلا جدال ومواربة، إن الفلسطينيين، على مدى تاريخهم الطويل مع النضال، لم تمر عليهم منذ عهد الإنجليزي بلفور، صاحب الوعد المشؤوم، كارثة سياسية، أخطر من المخطط الأمريكي ـ الصهيوني، الذي يتم ترويجه حالياً في واشنطن وتل أبيب، ويستهدف تهجيرهم قسرياً خارج وطنهم، تحت غطاء ما يسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط.

وخلال سنوات عمري المتسلسلة من زمن الطفولة مرورا بمرحلة الشباب ووصولي إلى دخول عالم «الشياب»، لم أشهد في حياتي مشروعاً فوضوياً مثل هذا، الذي يستهدف تصفية القضية الفلسطينية واقتلاعها من جذورها، واجتثاثها من أرضها وتهجير أهلها من بيوتهم قسراً، وإبعادهم من ديارهم قهراً، ونقلهم من وطنهم ظلماً، في إطار أبشع عملية تطهير عرقي، وأخبث عملية تمييز عنصري في تاريخنا المعاصر، تحت مسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط.

فهذا المخطط الشيطاني يتضمن خليطاً ساماً من الأفكار الانتهازية والمخططات الابتزازية والأجندات الاستعمارية والأطروحات الاستعلائية والمؤامرات الاستبدادية ذات النتائج الكارثية.

وهو يستهدف في تفاصيله المعلنة، الاستحواذ على الواجهة البحرية في قطاع غزة، المطلة على المياه الفيروزية.

أما حيثياته الملعونة فهي تتمثل في السيطرة الكاملة والدائمة والمطلقة على القطاع الفلسطيني المقطع، واحتلاله أرضاً، وتملكه جواً، واستغلاله تراباً، والسيطرة عليه هواء.

وتهجير جميع مكوناته قسراً، وإبعادهم خارج وطنهم المحتل ظلماً، بشكل ينتهك حقوقهم ويعتدي على حدودهم ويتعدى على ممتلكاتهم ويستولي على أرضهم.

ومن المؤكد، بشكل أكيد، وبكل تأكيد، أن ما يسمى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط، المرفوض عربياً، المستنكر دولياً، المستهجن جماهيرياً، المدان حقوقياً، الممقوت فلسطينياً، تسبب في إحداث «الشرخ الأوسع» في المساعي المبذولة لتحقيق السلام المشروخة أصلاً بفعل العدوان الصهيوني على الفلسطينيين.

وأدى هذا المخطط الاستعماري غير المشروع إلى زيادة تعقيدات الوضع السياسي المعقد أصلاً في الشرق الأوسط، بسبب ظروف المنطقة بالغة التعقيد، على كل جبهة وصعيد.

ونأتي إلى ذروة التصعيد المتمثل في سعي الرئيس الأمريكي لتغيير الواقع الجيوسياسي في عالمنا العربي، لصالح المشروع الصهيوني.

وقبل أن يزعم أمام من يؤيدونه من الأمريكيين أنه يسعى لاسترجاع هيبة بلاده، وقبل أن يروج المزاعم أنه سيجعل الولايات المتحدة عظيمة في عهده على حساب انتهاك حقوق المستضعفين، ينبغي عليه، أولاً ودائماً، أن يوظف «عبقريته» المزعومة في إيجاد الحلول الفورية والجذرية لأزمات بلاده الداخلية، وفي مقدمتها أزمة «البيض» الذي يشهد ارتفاعاً حاداً في أسعاره، مع ندرة وجودية فيه، لعدم توفره في متاجر «السوبر ماركت».

وهذا الأمر تسبب في حدوث الكثير من المواجهات، والعديد من الصدامات و«الهوشات»، بين المواطنين الباحثين عن البيض المفقود، وباتوا يتواجهون باللكمات، ويتصارعون بالكلمات، من أجل الحصول على قليل من «البيضات»!.

ولكل هذه المشاحنات لا يمكن لسيد «البيض الأبيض»، عفوا أقصد «البيت الأبيض»، أن يتحدث عن الأزمات في الخارج الأمريكي، قبل إيجاد الحلول لمعضلات الداخل الأمريكي، التي تنعكس سلبياً على حياة المواطن الأمريكي!

ومن الضروري أن يوفر الرئيس الأمريكي كراتين البيض في المتاجر للشعب الأمريكي، قبل التفكير في «ريفيرا» الشرق الأوسط، الذي يستهدف تهجير الشعب الفلسطيني.

ولأن هذا المشروع قد بني على الخداع والكثير من الأطماع، ويساهم في تغذية الصراع، ويؤدي إلى زيادة الصداع، ومضاعفة الأوجاع، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني، فهو يشكل انتهاكاً صارخاً، لمواد العهد الدولي، الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وهذا «العهد القانوني»، يعتبر من أهم المعاهدات الدولية متعددة الأطراف، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في السادس عشر من ديسمبر عام 1966، ودخلت حيز التنفيذ، في 23 مارس عام 1976، وصدقت عليها 168 دولة.

ويتضمن هذا العهد القانوني أو التعهد الدولي، (54) مادة، تنص مادته الأولى على أن لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وبمقتضى هذا الحق، فهي حرة في تحديد مسارها وموقفها ومستقبلها ونظامها السياسي، ولا يجوز حرمان أي شعب من أسباب عيشه الخاص.

والغريب، بل والعجيب المريب، أن واشنطن التي تزعم احترامها للخيار الديمقراطي، وتدعم نتائج الصندوق عندما يكون على هواها، نجدها تنتهك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، عبر تنظيم استفتاء شعبي يحدد موقفهم من قيام دولتهم المستقلة.

والمفارقة العظمى والطامة الكبرى بحجم المكتب البيضاوي الذي تصنع في القرارات الأمريكية أن الولايات المتحدة وقعت على مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الصادر عن الأمم المتحدة، وصدقت على هذه المواد الملزمة بالقبول، وتعهدت بالالتزام بتنفيذها.

وهذا يدفعني إلى تنبيه الإدارة الأمريكية الحالية إلى هذه الحقيقة، التي ربما لا تعلم عنها شيئاً، ولها سوابق في ذلك، تعكس الجهل بالملفات الدولية، وتجاهل قواعد وحدود الجغرافيا السياسية.

ولعل قيامها بالخلط ـ جهلاً ـ بين «غزة فلسطين»، و«غزة» الأخرى الواقعة في موزمبيق، يعكس هذه الحقيقة، بعد محاولتها تشويه الواقع الفلسطيني، بشأن قضية «الواقيات»، التي أرسلتها واشنطن إلى محافظة «غزة الموزمبيقية»، وادعت إرسالها إلى «غزة الفلسطينية».

ولا يحتاج الأمر إلى توضيح أن الشعب الفلسطيني المستهدف في حاضره والمتنازع على مستقبله يريد زيادة النسل، وليس تحديده.

وما من شك في أن أي إدارة سياسية لا تعترف بهذه الحقيقة ولا تعرف الفرق بين «غزة» الموجودة في فلسطين، و«غزة» الواقعة في موزمبيق، فإنها حتماً لا تملك الحق في تحديد مسارات خريطة الطريق المؤدي إلى مشروع «ريفيرا» الشرق الأوسط.

ومشكلة الرئيس الأمريكي أنه لا يعرف قيمة الأرض الذي ولد فيها الإنسان الفلسطيني، ونشأ على ترابها، وعاش في مساكنها، وكبر في شوارعها، وترعرع في أزقتها، وتفرع نسله العربي في بلداتها وقراها.

ولا يعرف أهمية الأرض في حياة الفلسطيني الذي يستمد من ترابها، ويتعايش مع تضاريسها، ويتنسم من مناخها، ويتعامل مع تلالها، و«بياراتها»، ويتصف بصفاتها، ويكتسب من مواصفاتها الشيء الكثير والمعنى الكبير، الذي يشكل سمات شخصيته الصلبة الصامدة، الصبورة، المقاومة لكل المتغيرات المحيطة به.

إنه سر الأرض الفلسطينية، العربية، المرتبطة بالإنسان الفلسطيني، بكل سهولها، وهضابها، وسمائها، ورمالها التي ضحى المقاوم الفلسطيني بحياته دفاعاً عنها، تعبيراً عن ارتباطه بها.

وتأكيداً على العطاء المعنوي والمادي والدموي والوطني السخي، من أجل أن يبقى متجذراً في فلسطين، مثل أشجار الزيتون، وعندما يستشهد، يدفن في أرضه التي يحبها وتحبه.

ولكل هذا، لا يمكن لأي قوة غاشمة، أن تبعده عنها، ولا يمكن لأي سلطة «غشيمة»، أن تقتلع جذوره منها، لسبب رمزي بسيط، ربما لا يفهمه الرئيس الأمريكي، ويتلخص في أن الفلسطيني هو صاحب الأرض، وهو سيدها، وهو ابنها الذي يصعب اقتلاعه منها وإبعاده عنها.

وينبغي أن يفهم رئيس الإدارة الأمريكية أن حق الفلسطيني في أرضه هو حقه في الحياة، وفي الحرية، والانتماء والهوية، والتاريخ والجغرافيا، والوطن والحضارة التي صنعها فوق تلك الأرض.

مع تأكيد حقه في امتلاك «البيارة»، التي زرعها، وحقه في الحفاظ على «الفخارة»، التي طبخت فيها والدته، وجبته المفضلة.

لكن حفيد المستوطن الألماني، «فريدريتش ترامب»، المهاجر من قرية «هالشتات» أو «كالشتات» الألمانية، إلى الولايات المتحدة، هرباً من التجنيد الإلزامي في الجيش الألماني.

هذا الحفيد، الطافح بالنرجسية المتورمة، والانتهازية المتضخمة، لا يعرف قيمة الأرض، بالنسبة للإنسان الفلسطيني، وماذا تعني لأهالي غزة؟

والسبب أن جده الهارب من الخدمة العسكرية، في وطنه الأصلي فرط في أرضه، الواقعة في البلدة الريفية الصغيرة، جنوب غرب ألمانيا، حيث موطن أجداده، ومعقل أسلافه من السلالة «الترامبية».

أما والده، المقبور «فريد ترامب»، فقد كان من أكثر المؤيدين للمواقف الصهيونية، ومن أبرز المناصرين للمؤسسات الإسرائيلية، ومن أشد الداعمين للقضايا اليهودية، وهذا دفعه للمساهمة في بناء مركز يهودي في حي «بروكلين» في نيويورك.

وكل هذا يفسر انحياز الرئيس الأمريكي لمواقف اليمين الصهيوني المتطرف، ودعمه لتوجهات التيار الإسرائيلي المتعجرف، الذي يخطط لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، وإبعادهم من ديارهم، لتوسيع الحركة الاستيطانية، وبناء المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، باعتبار على حد قوله أن مساحة الكيان «تبدو صغيرة على الخريطة، ولطالما فكرت كيف يمكن توسيعها».

والذي استطرد، دون حياء، وبنظرة كلها عجرفة واستعلاء: «إسرائيل دولة صغيرة جدا. مكتبي يشبه الشرق الأوسط، وهل ترى هذا القلم في يدى إنه جميل جدا بالمناسبة، إسرائيل تشبه رأس هذا القلم فقط، وهذا ليس جيدا، أليس كذلك؟».

ولهذا نجده يصر إصرارا مريبا، على طرح مخططه الاستعماري، بعنوانه الاستثماري، المسمى «ريفيرا» الشرق الأوسط، لأنه يسعى لتحقيق المصالح الصهيونية، على حساب الخيار القانوني الصالح، المتمثل في مبدأ «حل الدولتين».

علماً بأن العرب، الذي سيجتمعون في القاهرة، في القمة العربية الطارئة، المقررة في السابع والعشرين من الشهر الجاري، لديهم القدرة المالية، وعندهم الإمكانيات الهندسية والعمرانية، والعقارية، والفنية والتقنية، التي يستطيعون من خلالها إعمار قطاع غزة، وإزالة آثار الدمار، وجعل القطاع المدمر قابلاً للحياة، دون تهجير قسري أو تطهير عرقي، لسكانه الفلسطينيين، بما يضمن حفاظهم على أرضهم، ويكفل حقوقهم ومقدراتهم، ويحفظ لهم «بياراتهم» وبرتقالهم وزيتونهم وزعترهم.

ولكل هذه المعطيات، أستطيع القول إن الفلسطيني المحروم من الحرية في وطنه المحتل، منذ أكثر من 70 عاماً، لا يريد «ريفيرا» على طريقة «كوت دازور» الفرنسية، ولا «ريفيرا» على طريقة «بورتوفينو» الإيطالية.

لكنه يريد وطناً حراً، ودولة مستقلة ذات سيادة معترفا بها دولياً عاصمتها القدس الشرقية.

أكرر: يريد دولة سالمة مسالمة ليس فيها عنصرية الصهاينة، ولا عدوانية بن غفير، ولا استفزازات سموتريتش، ولا أحقاد نتنياهو، ولا كراهية الحاخامات المتطرفين، ولا اعتداءات المستوطنين المسعورين.

وأقولها نابعة من قلبي، وأنطقها بلساني لتدوي، وأكتبها بقلمي الصغير، وأضعها على طاولة «المكتب البيضاوي» الكبير، ليقرأها سيد «البيت الأبيض» مؤكداً له أن ضمان حقوق الفلسطيني في أرضه، سيساهم في ترسيخ الأمن والسلام العادل والشامل وسيضمن تحقيق التعايش السلمي المستدام، بين شعوب المنطقة.

وسيبقى الفلسطيني، الذي يعرف كم عدد حبات الرمال في أرضه، متماسكاً في دياره، متمسكاً بترابه الوطني، مهما كانت الظروف، ومهما زادت الضغوط، ومهما علت التحديات، ومهما كثرت المخططات، ومهما حيكت المؤامرات، التي تستهدف حياته، وتنال من حريته.

وبكل مبادئ وقواعد الحرية الواعية، لا أجد ما أختم به مقالي، سوى أن أرفع صوتي عالياً، ناطقاً بالحق والحقيقة، وأجر الصوت من حنجرتي، مردداً أنشودة فلسطين، وشعبها الحزين:

يا صوتي ضلك طاير، زوبع بها الضماير

خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير

خبرهن عاللي صاير، بلكي بيوعى الضمير.

اقرأ المزيد

alsharq كيف يُساهم المجتمع في بناء نفسه؟

اهتمت الدول الغربية بنظام الوقف، وقد ساهم ذلك بفعالية في بناء المجتمع واستقلاله في إدارة شؤونه عن الدولة؛... اقرأ المزيد

27

| 08 ديسمبر 2025

alsharq اليوم الوطني.. مسيرة بناء ونهضة

أيام قليلة تفصلنا عن واحدٍ من أجمل أيام قطر، يومٌ تتزيّن فيه الدوحة وكل مدن البلاد بالأعلام والولاء... اقرأ المزيد

24

| 08 ديسمبر 2025

alsharq أنصاف مثقفين!

حسناً.. الجاهل لا يخدع، ولا يلبس أثواب الحكمة، ولا يطالبك بأن تصفق له. أما نصف المثقف فيقف بينك... اقرأ المزيد

27

| 08 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية