رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
على مدى أجيال متتابعة تواجد المسلمون بكثافة على أرض الولايات المتحدة، غير أنهم كانوا دوما على هامش الواقع السياسي بها. ففي وقت مبكر (تحديدا خلال القرن السابع عشر)، تم جلب أعداد كبيرة من الأفارقة المسلمين إلى الأمريكتين، وبحكم كونهم استقدموا كعبيد فإنهم لم يمارسوا أي تأثير على الحياة السياسية.
ولكن حتى عندما بدأت الهجرة الطوعية من العالم الإسلامي إلى أمريكا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، لم يتغير الأمر كثيرا.
حاليا يمثل المسلمون واحدة من الأقليات الأسرع نموا في المجتمع الأمريكي، وتتراوح أعدادهم بين 1.4 مليون (0.6 في المئة من إجمالي السكان) إلى 6 ملايين (حوالي 2 في المئة من السكان). والسبب في هذا التفاوت الكبير في التقديرات أن جهاز الإحصاء الأمريكي لا يجمع بيانات عن الانتماء الديني، ولذا فإن فمن الصعب تحديد عدد مسلمي الولايات المتحدة بشكل دقيق. وقد قدرت دراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث عام 2007، أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة لا تقل عن أعداد اليهود.
ولا يمكن تصنيف المسلمين الأمريكيين وفقا لمعتقداتهم السياسية على نحو قاطع، فرغم أن أعدادا كبيرة من المسلمين يفضلون نمط حكومة الخدمات العامة، وهو ما يتسق مع الخط الديمقراطي، فإن نسبة كبيرة من هؤلاء تعارض الحزب الديمقراطي في دفاعه عن حقوق المثليين وعن الإجهاض.
من ناحية أخرى لم يعد من اليسير أن يصنف المسلمون الأمريكيون أنفسهم في خانة الجمهوريين، وخاصة بعد هجمات 11 سبتمبر، والتي انعكست بالسلب على معظمهم. حتى أن الكتلة التصويتية المسلمة التي دعمت جورج بوش الابن في الانتخابات الرئاسية للعام 2000، تحولت لصالح جون كيري في انتخابات عام 2004. وكان القلق والخوف على الحرية الشخصية في إطار سيناريو "الحرب على الإرهاب" الذي تبناه الجمهوريون السبب الأساسي وراء هذا التحول، حيث وقع العديد من المسلمين تحت وطأة التنميط والتمييز على يد الإدارة الجمهورية.
وقد تأثرت قدرة الأمريكيين المسلمين على المشاركة السياسية بمجموعة متنوعة من العوامل، أبرزها غلبة الانقسامات العرقية واللغوية والطائفية. ولهذا لم يكن الصوت الإسلامي واضحا حتى مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، عندما تشكلت مجموعة من المنظمات غير الحكومية الإسلامية، أبرزها اللجنة العربية الأمريكية لمكافحة التمييز (تأسست سنة 1980). والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (تأسست في 1982) والتي هدفت إلى التقليل من شأن العوامل السابقة وإعداد جيل من القادة المسلمين في مجالات القانون والإعلام والسياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة.
وقد أسهمت هذه المنظمات في زيادة الوعي السياسي، حتى أصبحت الغالبية العظمى من المسلمين الأمريكيين مقتنعة بأهمية المشاركة السياسية، ولم تعد ترى تناقضا بين كون المرء مسلما وكونه منخرطا في الشأن العام. وتشمل المشاركة السياسية للمسلمين التصويت في الانتخابات، والمساهمة في الجمعيات الأهلية، ودعم المرشحين السياسيين، والكتابة إلى وسائل الإعلام أو المسؤولين، وحضور الاجتماعات الجماهيرية، والانضمام للأحزاب.
وقد أفاد مسح إحصائي أجري في عام 2004 أن نسبة المشاركة السياسية بين المسلمين أعلى إذا ما قورنت ببقية السكان.
فوفقا لهذه الدراسة، صوت 61 في المئة من المسلمين الأمريكيين في انتخابات عام 2000، مقارنة بحوالي 50 في المئة من عموم الأمريكيين في سن التصويت.
ويعد المسلمون من أصول إفريقية هم أول من نشطوا في مجال المشاركة السياسية، ففي عام 1991 أصبح الإمام سراج وهاج (من أصول إفريقية) شخصية أمريكية عامة بعد أن قاد حملة وطنية لمكافحة الإدمان أتت بنتائج غير مسبوقة، وفي العام 2006 أصبح الأمريكي الأسود كيث إليسون أول مسلم ينتخب للكونجرس عن الحزب الديمقراطي (عن ولاية مينسوتا)، أعقب ذلك انتخاب عضو ثان، أيضا من أصول إفريقية، وأيضا عن الحزب الديمقراطي وهو أندريه كارسون (عن ولاية إنديانا). كما أن هناك العديد من القضاة الأمريكيين المسلمين من ذوي الأصول الإفريقية. وكان القاضي الأسود آدم شكور في ديترويت أول مسلم يشغل منصب نائب رئيس بلدية على مستوى الولايات المتحدة. كما كانت شيلا عبد السلام ذات الأصول الإفريقية أول قاضية مسلمة في المحكمة العليا في ولاية نيويورك.
وكان العامل الأساسي وراء النمو في عدد ونشاط المنظمات الإسلامية هو محاولتها مقاومة الصورة السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام الأمريكية عن الإسلام والمسلمين، والتي تربط على نحو متعسف بينهم وبين الإرهاب، وقد أدت هذه الجهود إلى تعزيز الشعور بالهوية المشتركة لدى المسلمين، ما ساعد الائتلافات الأمريكية المسلمة على توسيع أهدافها وتشجيع المسلمين على الانخراط في ممارسة الضغط السياسي.
الأمر المؤسف أن العديد من هذه المنظمات مارست دورها السياسي بقليل من الخبرة، حتى أنها عملت في العام 2000 على تعبئة "الصوت الإسلامي" لصالح دعم المرشح الجمهوري جورج دبليو بوش في الانتخابات الرئاسية، معتبرة أنه الأكثر إنصافا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، إذا ما قورن بالمرشحين الديمقراطيين آل جور ورفيقه جو ليبرمان، وهو الأمر الذي ترتبت عليه نتائج كارثية بالنسبة للمسلمين في أمريكا وفي أنحاء العالم.
وقد تحولت العديد من المنظمات الإسلامية عن دعم الجمهوريين لصالح دعم الحزب الديمقراطي منذ هذه الخبرة السلبية. ومؤخرا قدرت أعداد المسلمين المؤيدين للحزب الديمقراطي بما يقرب من ثلثي المسلمين الأمريكيين.
ولكنهم بفعل هذا الاصطفاف يجدون أنفسهم لا إراديا في نفس المربع الذي يقف فيه اليهود الأرثوذكس والبروتستانت الإنجيليون والكاثوليك الذين لا يحملون مشاعر إيجابية تجاه الوجود المسلم في الولايات المتحدة بشكل عام.
المرجع الأساسي: The Princeton Encyclopedia of American Political History
القمة السعودية - الأمريكية تعزز الدور الخليجي بقيادة المنطقة
برغم أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي ليس رئيس دولة - ولكن حرص الرئيس... اقرأ المزيد
114
| 23 نوفمبر 2025
مــا كـان ومـا هو الآن فـي غزة
اقرأوا معي هذا الخبر: «ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى... اقرأ المزيد
99
| 23 نوفمبر 2025
الصراع يبدأ
قرار مجلس الأمن أوقف اطلاق النار وأوقف حرب الابادة وأوقف التهجير القسري وأوقف القتل اليومي وفتح المسار لحل... اقرأ المزيد
114
| 23 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
12840
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2463
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1770
| 21 نوفمبر 2025