رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كانت النظرة السائدة بين الإسلاميين عامة والسلفيين منهم على وجه الخصوص أن الديمقراطية بمفهومها الغربي لا تتفق مع الإسلام ، وبالتالي فإن القبول بها أو الدعوة اليها يعد خروجا على قواعد الإسلام ، صحيح أن بعض علماء المسلمين - من غير السلفيين - كان لهم رأي آخر؛ حيث رأوا أن الأمة الإسلامية لايمكن أن تجتمع على غير الإسلام ومفاهيمه وبالتالي فإن الانتخابات لايمكن أن تأتي بمن يخالف الإسلام ويفرض قواعد تخالفه وبالتالي فقد رأى هؤلاء أن الديمقراطية لاتخالف الإسلام وبالتالي لم يمانعوا في التعاطي معها ودعوا الآخرين لذلك لكي لايتركوا الساحة الإسلامية لغير الإسلاميين ، وجاءت أحداث الربيع العربي فانخرط غالبية السلفيين في لعبة الديمقراطية ما عدا المتطرفين منهم حيث استمر هؤلاء على رأيهم.
لعبة الديمقراطية كان يمارسها الليبراليون والعلمانيون، وكانوا يملؤون الدنيا ضجيجا وهم يتحدثون عن الحريات العامة وحقوق الانسان وكذلك حقوق المرأة وكيف يجب أن يقفوا مدافعين عن هذه المثل بكل قوة حتى لو افتدوها بأرواحهم ، وكانوا في الوقت نفسه ينتقدون (الإسلاميين) المتعصبين الذين يحاربون الحريات وخاصة حرية المرأة، وكانوا يطالبونهم بممارسة الديمقراطية والانخراط في الحياة المدنية والدخول في الأحزاب مثل غيرهم كي لايكونوا شاذين عن عصرهم ومتطلباته!!
وجاءت أحداث الربيع العربي لتثبت أن الغالبية العظمى من دعاة الديمقراطية سقطوا سقوطا مريعا من أول اختبار، ولتثبت - أيضا - أنهم من ألد أعداء الديمقراطية ومن أكثر الناس حربا عليها!! ولم يكن هذا في بلد واحد بل في كل بلد عربي مارس الانتخابات حتى لو كانت انتخابات بلدية أو جامعية ليست بذات قيمة!!
في الجزائر وفي عام 1992م فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات فوزا كاسحا وكان مقتضى العرف الذيمقراطي أن يبارك الجزائريون هذا الفوز وينظروا ماذا ستفعل الجبهة، فإن أحسنت أعادوا انتخابها وإن أساءت انتخبوا غيرها ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل سارع الجيش فانقلب على الرئيس الشاذلي وألغى الانتخابات وأدخل قادة الجبهة السجون، ومع هذا فقد ادعوا أنهم إنما عزلوا الرئيس ولم يلغوا المسار الديمقراطي وزادوا على إفكهم بأن الجبهة هي من عطلت الديمقراطية ولهذا سارعوا بحلها وسجن زعمائها وحظر جميع أنشطتها!!
هذا الإجراء الظالم استفز مجموعة من أنصار الجبهة فأسسوا الجيش الإسلامي للإنقاذ الذي حارب الدولة قرابة العشر سنوات وقد قتل في هذه الحرب قرابة المائتي الف وخسرت الدولة مليارات الدولارات.
بطبيعة الحال ليبراليو الجزائروعلمانيوها لم يقفوا مع الديمقراطية التي تعلموها من فرنسا التي توصف بأنها أم الديمقراطيات في العالم بل وقفوا ضدها لأنها لم تأت بهم وشجعوا على محاربة أنصار الجبهة ووصفوهم بأبشع الصفات وكل ذنب هؤلاء أن الشعب وثق بهم واختارهم ولم يثق بأولئك وابتعد عنهم!!
وتكررت الصورة مع حماس التي فازت في انتخابات حرة ونزيهة بشهادة مراقبين دوليين ، ولأن الآخرين ما كانوا يتوقعون أبدا هذه النتيجة فقد رفضوها وحاربوا حماس بصورة كبيرة أدت الى انقسام الشعب الفلسطيني وإضعافة وتسلط الإسرائيليين عليه ، ومازال هذا الانقسام الى اليوم !! وأيضا تكرر موقف العلمانيين والليبراليين من الانتخابات فهي مرفوضة لأنها لم تأت بهم ، أما الوطن ووحدته فهو آخر اهتماماتهم فالمهم أن يصلوا إلى السلطة!!
وفي مصر انكشف موقف الليبراليين والعلمانيين والشيوعيين فقد ضرب هؤلاء بالديمقراطية والمبادئ عرض الحائط بل إن تذكيرهم بها أصبح جريمة منكرة! السيد مرسي فاز في انتخابات نزيهة باعترافهم، وكان من مستلزمات الديمقراطية أن يمارس سلطاته المدة القانونية ثم يترك الأمر للشعب إن شاء اختاره وإن شاء عزله عن طريق الانتخابات ولكن هؤلاء لم يطيقوا صبرا وقد رأوا أن السلطة ذهبت لغيرهم وأن الشعب لا يثق بهم فاخترعوا حكاية سلطة الشارع وماهي كذلك لمن يعقل ولكنها سلطة القوة وشهوة الحكم، وفي هذه التجربة سقطت النخبة!! سقوطا مدويا وغير مسبوق في أي مكان آخر، وقد استنكر الدكتور سيف عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة ورئيس المركز القومي للبحوث السياسية والاستراتيجية موقف النخبة المثقفة في مصر التي تحولت - حسب قوله- من نخبة محنطة إلى نخبة منحطة لأنها لم ترفض سياسات الانقلابيين التي أدت الى سفك الدماء وعودة الدولة البوليسية والاعتقالات العشوائية وضرب المتظاهرين وتكميم الأفواه وهم الذين صدعوا رؤوسنا بالحديث عن الحريات وحقوق الانسان في عهد الرئيس مرسي.
معظم الليبراليين والعلمانيين صفقوا كثيرا لتكميم الأفواه وسجن وقتل الآلاف، بل أنهم شاهدوا كما شاهد العالم صورة تلك الفتاة ذات الثماني عشرة عاما وهي تلد في السجن وكانت مقيدة بالأصفاد إلى سريرها وكل جريمتها أنها شاركت في مظاهرة يقول الدستور أنه يسمح بها ومع بشاعة المنظر لم ينكر أولئك القوم ولاذوا بالصمت المعيب!!
بالمقابل نجد أن الإسلاميين مارسوا الديمقراطية وطبقوها بصورة لايمكن مقارنتها أبدا بما فعله الآخرون ؛ ففي تونس فازت حركة النهضة بالأغلبية ولما رأت أن مدعي الديمقراطية لم يقبلوا بنتيجة الانتخابات ذهبوا الى مسألة التوافق وكانوا أكثر مرونة من الليبراليين ومن على شاكلتهم فتنازلوا عن كثير من الحقوق التي اكتسبوها للطرف الآخر، وبدا واضحا أنهم أكثر حرصا على أمن وطنهم ومواطنيهم، وكانت تنازلاتهم سببا في إجهاض ما كان يخطط لبلدهم ، وهذا الفعل سيحسب لهم وسيكون علامة فارقة لصالح الإسلاميين الذين مثلوا الفعل الديمقراطي وأكثر منه على أفضل وجه وأكمله.
وفي الكويت نجد شيئا مشابها وإن كان بدرجة أقل وذلك في انتخابات مجلس الأمة الذي كان الإسلاميون على تنوع تياراتهم يفوزون بغالبية مقاعده ، ومع نزاهة الانتخابات إلا أن أصحاب التيارات الأخرى كانوا يجهدون أنفسهم في البحث عن أسباب واهية لا قيمة لها يجعلونها سببا في فوز الإسلاميين!!
الشئ الذي يحاول العلمانيون ومن لف لفهم تجاهله وإغماض أعينهم عنه أن الاسلام هو الدين الذي يؤمن به العرب وأنهم بالتالي سيرشحون من يرونه محققا لمقتضيات ما يؤمنون به وبالتالي فلن يرشحوا من يحارب دينهم أو يهزأ به أو يستنقصه أو يتخذ من الفساد بكل أنواعه منهجا له أو يضع يده مع أعداء دينهم ولهذا استبعدهم في كل البلاد العربية التي جرت فيها انتخابات حرة ونزيهة ولهذا جن جنونهم فاختاروا الانتخابات الأخرى التي ينجحون فيها بالنسبة المعروفة سلفا وهي ٩٩٪ حتى لو جاءت على بحر من الدماء وحتى لو قادت البلاد الى معظم أنواع التخلف والتمزق والتبعية للآخرين .
التشدق بالشعارات لا يكفي وحده فالكلام الأجوف يسقط في أول اختبار، والشعوب ماعادت جاهلة ينطلي عليها معسول الكلام ولو كان العلمانيون والليبراليون يدركون ذلك لترددوا كثيرا في اتخاذ مواقف مخزية لا تتفق مع المبادئ التي يتشدقون بها كما لا تتفق مع أبسط المبادئ الإنسانية، أما الإسلاميون فمازالوا ناجحين في تجربتهم وآمل أن يستمروا على مواقفهم.
عينُ المحتل الثالثة
(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ).. هذه الآية الكريمة كانت أول ما قفز... اقرأ المزيد
156
| 10 ديسمبر 2025
ترسيخ العدالة.. من الوعود إلى واقع ملموس 1 - 2
العنوان كان شعار “منتدى الدوحة“ الأخير في دورته 23، وأحيي نباهة الاخوة المسؤولين في دولة قطر وحكمتهم في... اقرأ المزيد
171
| 10 ديسمبر 2025
ومرت سنة على سـوريا
سنة منذ أن خُلع بشار الأسد، وسنة منذ أن تنفس السوريون الحياة، وسنة منذ أن ظهر للعالم بأن... اقرأ المزيد
96
| 10 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4302
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2058
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1788
| 04 ديسمبر 2025