رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هرمجدون وتنطق أحيانا (أرمجدون) كلمة عبرية تعني (جبل مجيدو) وهذا الجبل يقع على بعد تسعين كلم شمال القدس، ويؤمن بعض اليهود والنصارى أن هناك معركة كبرى بين الخير والشر ستقع في منطقة الجبل ينتصر فيها الخير تمهيدا لخروج المسيح المخلص ثم تقترب نهاية العالم!!
ويتفق الذين يؤمنون بوقوع هذه المعركة أنها لن تقع إلا إذا قام هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى لينزل عليه المسيح المخلص، ثم يختلفون بعد ذلك؛ فاليهود يعتقدون أنه سينزل ليجعل اليهود سادة للعالم ويقضي على خصومهم، أما المسيحيون المتصهينون فيرون أنه سينزل ليقتل اليهود والمسلمين لكي يكونوا هم سادة الدنيا!! ويعتقدون - أيضا - أن نزوله مرتبط بحدوث فوضى عالمية وانتشار الخوف والاضطراب بين الناس فهو ينزل لإعادة الأمن والاستقرار ولكن تحت مظلة المسيحيين الذين سيسودون العالم بعد فناء الأجناس الأخرى!!
هذه الحكاية تفسر بوضوح مايقوم به الصهاينة من هدم لأساسات المسجد الأقصى ليسهل هدمه مستقبلا وكذلك منع المسلمين من الصلاة فيه إلا بحسب شروطهم، وأيضا كل الإجراءات الأخرى التي يقومون بها لإبعاد المسلمين عن المسجد بصورة نهائية فإذا تم لهم ذلك قاموا بهدمه ومن ثم قاموا ببناء هيكلهم مكانه!! وحكاية الهيكل والمعركة تفسر أيضا مواقف الحكومات الأمريكية من الصهاينة ومساعداتهم المستمرة لهم لكي يتسنى لليهود لهم هدم الأقصى ثم بناء الهيكل على أنقاضه وهذا - عندما يتم - ستتحقق أحلام المسيحيين في سيادة العالم والتخلص من أعدائهم اليهود والمسلمين على حد سواء!
وبالمناسبة فإن المسلمين - أيضا - يعتقدون أن هناك معركة فاصلة بينهم وبين اليهود وأعوانهم وأنهم سينتصرون فيها وبعدها ينزل المسيح - عليه السلام - ويسود الإسلام في العالم، وعندها تقترب القيامة ونهاية العالم.
كونداليزا رايس نادت بفكرة الفوضى الخلاقة عام ٢٠٠٥ م، وقالت: إن هذه الفوضى تتحقق بالحرب على الإرهاب (جريدة الواشنطن بوست الأمريكية)، - هذه الفوضى لا بد منها كي ينزل المسيح بحسب معتقدات المسيحيين المتصهينين -، وربما هذه المعتقدات تفسر الحرب المزعومة على الإرهاب التي تدعيها أمريكا والتي تعتقد أنها تسهم في إحداث الفوضى في أماكن كثيرة في العالم وذلك كي يمهدوا لنزول المسيح المخلص.
الوضع العربي الراهن شجع الصهاينة كثيرا على استغلاله لكي يمضوا سريعا في تهويد القدس ومن ثم هدم الأقصى وبناء الهيكل ؛ ومعروف أنهم منعوا المسلمين من الصلاة فيه بعض الوقت، وأيضا كانوا لايسمحون للصلاة فيه إلا لكبار السن، كما أنهم دنسوه مرات عديدة، وحاولوا تقسيم الصلاة فيه مابين المسلمين واليهود، وفوق هذا كله بدأ بعض قادتهم يهددون بإبادة الفلسطينيين وإخراجهم من فلسطين!! ومن هؤلاء: موشيه فيجلين وهو أحد الشخصيات المرموقة في مجموعة أمناء جبل الهيكل طالب بإبادة الفلسطينيين في غزة، وهو يرى أن المعركة من أجل السيادة اليهودية على جبل الهيكل هي معركة عالمية ضد الإسلام!! أما باروخ مارزل فقد طالب بتدمير الأقصى وتنظيفه من الإرهابيين (يعني الفلسطينيين)، ثم بناء الهيكل! ونحن نعرف أن حركة أمناء جبل الهيكل التي لها نفوذ كبير في إسرائيل تطالب بفرض السيادة اليهودية الكاملة على جبل الهيكل (الأقصى) باعتباره أقدس مكان لليهود في العالم.
لا شك أن الأقصى يمر بخطر شديد هذه الأيام، وإذا قلت الأقصى فإنني أعني فلسطين كلها فضياعه يعد ضياعا لفلسطين وربما غيرها بعدها، وقد كانت حادثة إطلاق النار على المتطرف الصهيوني الحاخام الأمريكي اليهودي (يهودا غليك) بداية للحرب التي أرادتها إسرائيل على الفلسطينيين ؛ فقد كان هذا الحاخام من أشد دعاة هدم الأقصى وبناء الهيكل مكانه، وكان يشجع الصهاينة على القيام بذلك الفعل، وكانت أفعاله القبيحة سببا في استفزاز ذلك الشاب الذي أطلق النار عليه (لم يمت)، وقد استغلت حكومة إسرائيل هذه الحادثة في القتل والسجن وهدم المنازل وأيضا التضييق على المسلمين في الصلاة في الأقصى!!
الاستفزازات اليهودية تجاه المسلمين ومسجدهم جعل ملك الأردن يستدعي سفيره في تل أبيب احتجاجا على الانتهاكات اليهودية للمسجد الأقصى، ونتيجة لهذا الموقف وربما لخشية الحكومة اليهودية من انتفاضة فلسطينية جديدة لا يريدها نتنياهو في هذه الفترة وافق في اجتماعه مع ملك الأردن ووزير خارجية أمريكا على السماح للفلسطينيين بالصلاة في الأقصى ومن كل الأعمار!! ومع أن هذا السماح حق طبيعي لكل فلسطيني ويجب أن لا ينظر إليه على أنه منة من نتنياهو إلا أنه لم ينفذه بشكل كامل وهذا ماجعل الاضطرابات والمواجهات بين الفلسطينيين والصهاينة مستمرة.
الشيء المؤكد أن الصهاينة لن يتوقفوا عن ممارساتهم الإجرامية بحق الأقصى وبحق المدافعين عنه، والوضع العربي المتدهور يشجعهم على المضي قدما في ارتكاب هذه الجريمة التي تزيد العرب والمسلمين ذلا إلى ذلهم!! فالأقصى ليس حكرا على الفلسطينيين وحدهم ؛ فهو مسرى رسول المسلمين جميعا، وفي القدس سيظهر نبينا عيسى عليه السلام، ومن هنا فإن كل مسلم على وجه الأرض مسؤول عن حماية المسجد الأقصى بكل مايملك من إمكانات مادية ومعنوية، وإذا كان المسلمون مسؤولون عن حماية الأقصى فإن المسؤولية الأكبر تقع على حكوماتهم ومنظماتهم المختصة، وليس مقبولا من هذه الحكومات البقاء صامتة إزاء مايجري من تهويد منظم للمسجد الأقصى، فالمواقف المتخاذلة قد تثير شعوبهم عليهم، وقد تدفع البعض إلى الانضمام للجماعات المتطرفة التي تتذرع ببعض مواقف دول العرب لتجنيد شباب إلى صفوفها بحجة أن تلك الدول تخدم الأهداف الغربية أو اليهودية.
وإذا كان الصهاينة ومتطرفي المسيحيين المتصهينين يتخذون من أسطورة (هرمجدون) ذريعة لهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم مكانه فإن لدى المسلمين حقيقة ثابتة هي أن هذا المسجد الذي له خصوصية عندهم هو مسجدهم ومسرى نبيهم وأن واجبهم الدفاع عنه بكل مايقدرون عليه، كما أن الحقائق التاريخية الثابتة تؤكد أنه لاهيكل لنبي الله سليمان في هذا المكان، وأنه لا حق للصهاينة في القدس ولا في غيرها.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4194
| 05 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1752
| 04 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
1752
| 07 ديسمبر 2025