رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. أحمد المحمدي

مساحة إعلانية

مقالات

1623

د. أحمد المحمدي

ويومئذ يفرح المؤمنون

19 يناير 2025 , 02:00ص

منذ أن خُلق الإنسان على هذه الأرض، وهو يسير في معركة أزلية بين الحق والباطل، معركة لا تهدأ نارها ولا يخمد أوارها، لكنها تتزين دائمًا بمشهد الخاتمة، تلك الخاتمة التي قال الله عنها: “ويومئذ يفرح المؤمنون”.

إن فرح المؤمنين ليس فرحًا عابرًا كفرح أهل الدنيا حين يظفرون بما يحبون من متاعٍ زائل، بل هو فرح عميق، يسكن القلوب التي ذاقت مرارة الصبر، واحتملت وطأة البلاء، ثم رأت وعد الله يتحقق، وكلماته تُصدّق في أرض الواقع.

قديما حين انتصر الروم على الفرس، كان الحدث بعيدًا عن المسلمين من حيث المكان، لكنه قريب في دلالته ومعناه. كان انتصارًا للحق على الباطل، ولو من خلف حجاب. وها هم المؤمنون، الذين كانوا يذوقون الويلات في مكة، يفرحون بذلك النصر، لأنه أمل جديد يضاف إلى آمالهم، ورجاء يُمد حياتهم بالأمل الكبير في يوم قريب يُدحر فيه الظلم.

وكما فرح المؤمنون يوم بدر، يوم رأوا جند الله يتنزل على الميدان، ورأوا النصر بعين الإيمان قبل أن تراه العين المجردة. كذلك في كل زمان، يفرح المؤمنون حين يُنصر الحق، حين ترتفع رايات العدل، حين يزهق الله الباطل ولو كره الكافرون.

يُعاد اليوم مشهد الفرح الإيماني في تلك البقعة الصغيرة، التي أحاطها الأعداء من كل صوب، ظانّين أن كيدهم سيُجهز على صمودها.

لكنها غزة كعادتها، وقفت شامخة كطود عظيم، تكابد النيران وتُطفئها بثبات الرجال ودموع الأمهات وصبر الأطفال.

اليوم قد أشرق الصباح على أرضٍ ارتوت بالدماء، وتضوعت أنسامها برائحة العزّة، وتجلّت فيها سُنّة الله التي لا تبديل لها

غزة تلك القطعة الصغيرة من الأرض التي ضُربت فيها أروع الأمثلة لصبر الرجال واحتسابهم، حيث تلاطمت فيها أمواج الحق والباطل، وكانت للدماء الزكية صوت فيها أبلغ من أي سلاح.

“ويومئذ يفرح المؤمنون» يوم تخرج غزة من بين الأنقاض منتصرة، وقد أذاقت عدوها مرارة الخيبة، وسجّلت للتاريخ أن الأمة التي تؤمن بالله وحده لا تُقهر، مهما اجتمع عليها الطغاة.

إنه فرح المؤمن حين يرى الباطل يتهاوى، وحين يدرك أن وعد الله حق، وأن المستقبل للحق مهما اشتد ظلام الباطل.

إن فرحة اليوم ليست فرحة انتهاء معركة، لكنها فرحة بداية جديدة. بداية لفجر يلوح في الأفق، يحمل معه وعد الله الصادق.

بداية يدرك فيها الجميع أن النصر لا يأتي فجأة، ولا يتحقق بين عشية وضحاها، بل هو حصاد لسنين من الصبر والجهد، ثم هو موعد مع القدر لا يتخلف.

فسلامٌ على غزة وهي تطفئ نار الحرب لتشعل شعلة الأمل.

 وسلامٌ على الصامدين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه

وسلامٌ على صمودها الذي سجله التاريخ بحروفٍ من دم

وعلى صبرها الذي لم يضعف رغم كل الجراحات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

مساحة إعلانية