رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم يخطر ببالى وأنا أطلُّ من نافذة "الطائرة الأميرية" وهى تشق طريقها عبر السُحب فوق نيويورك وأشاهد برجى التجارة العالمية، أنّ هذه النظرة ستكون الأخيرة لى لناطحتَى السحاب هاتين، كان ذلك فى نهاية يوليو عام 2001م، كنا فى رحلة من نيويورك الى هافانا فى كوبا، ورغم أن الممرالجوى بين المدينتين مغلق، الا أنه سُمح لطائرة سمو الأمير باستخدامه "استثنائيا".
لم نمكث فى هافانا سوى ليلتين، كان اللقاء مع الرئيس الكوبى فيدل كاسترو ممتعا، وكان لافتا فيه قدرتُه على الحديث ومواصلة الحديث دون كلل أو ملل(قد أعود يوما لنقف معا على هذه الشخصية التاريخية وأروى بعضا من فلسفته ورؤيته للحياة).
من هافانا انطلقنا بصحبة سموه — رعاه الله — الى كاراكاس عاصمة فنزويلا، وما أدراك ما كاراكاس، انها بلاد السحر الجديدة، بلاد "كارلوس الثعلب" الذى دوّخ العالم وهزّ أركان دول واحتجز وزراء واتخذهم رهينة، كارلوس الذى طاردته أجهزة استخبارات الدنيا منذ السبعينيات ولم يتمكنوا من العثور عليه الا فى عام 1994م وأين؟ فى الخرطوم!.
كاراكاس هذه المرة ليست تلك المدينة البرجوازية، بل هى مدينة الثورة والثوار، فقد تسلم زمامَ السلطة فيها رئيس جديد يحمل، كما يقول، هموم الفقراء والمساكين، ويريد أن يعود بالثروة التى تتمتع بها بلاده من حضن الأثرياء الى منازل الفقراء، يريد لهذه الثروة أن تتوزع بالعدل على الشعب، الرجل القائد الجديد يريد أن يقضى على الفقر وأن ينتصر للفقراء.
وما أن دخلت الطائرة الأميرية الأجواء الفنزويلية حتى رافقتها طائرات عسكرية من سلاح الجو الفنزويلي، ورأى قائدها الجديد فى "حمد بن خليفة" نموذجا صادقا لما يجب أن تكون عليه العلاقات التاريخية بين العرب واللاتينيين، فأراد أن يحتفل بضيفه بطريقته الخاصة، وان لم يكن ذلك شيئا جديدا أو غريبا بل هو أمرٌ معمول به فى عدد من دول العالم.
حطت الطائرة الأميرية فى مطار كاراكاس، كان كل شيء معدّا جيدا، والاجراءات البروتوكولية التى تُتخذ عادة عند زيارات الملوك والأمراء ورؤساء الدول، متخَذة.
ولكن المفاجأة التى لم نكن نتوقعها هى أنه ما ان فُتح باب الطائرة الا ووجدنا الرئيس شافيز يدخل علينا الطائرة ليعانق سمو الأمير عند الباب، فى خرق غير تقليدى لكل قواعد البروتوكول، متخطيا رئيس المراسم الذى يقوم عادة بهذه المهمة فى الدول المضيفة، ولكن الرجل أراد أن يحتفل بصديقه على طريقته الخاصة (سُئل يوما فى أحد حواراته مع محطة الـ CNN الأمريكية عن علاقاته مع قادة العالم فقال ان الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر هو صديقى العزيز).
ومن سُلم الطائرة الى أرض المطار حيث كان الوزراء والمسؤولون الفنزويليون والسفراء العرب فى مقدمة مستقبلى الضيف العربي، ومن هناك انتقلنا الى مقر الاقامة، وطوال الطريق، من المطار الى المدينة، لم أرَ أى مؤشرات تدعو الى الاقتناع بأن هذه الدولة تملك ثروات طبيعية ضخمة تؤهلها لأن تكون واحدة من أغنى دول العالم.
ومن الفندق، بعد الاستراحة، الى جلسة المباحثات الرسمية، التى تم فيها التطرق الى كل شيء، وأكثر ما لفت انتباهى خلالها حماس "شافيز" للدفاع عن القضايا العربية، وتلك اللغة الثورية التى كان يتحدث بها، وسعيه وتأكيده على حق الشعوب فى الاستفادة من ثروات بلدانها.
بعد المباحثات أتيح لى أن أستمع الى حديث جانبى بين الزعيمين، قال شافيز: يا سمو الأمير، ان هؤلاء الفقراء الذين يعيشون فى تلك البيوت المتهالكة، هم فنزويليون، وسنعرف كيف نتدبر أمرهم، فالحكومة ستعمل على بناء مساكن لهم واعادة تسكينهم، سنعيد ترتيب أمورهم فهم يستحقون الكثير.
كان منظر هؤلاء الفقراء والبيوت التى يسكنونها تدعو بالفعل الى الاستغراب، فكيف لبلد غنى تجاوز انتاج البترول فيه أكثر من مليونَى برميل يوميا أن يكون على هذه الحالة؟!
ولكن هذه اللغة الثورية التى تتحدث دائما عن توزيع الثروة، والعدالة الاجتماعية، وحق الشعوب فى الانتفاع من خيرات بلادها، لا تُترجَم فى الغالب على أرض الواقع، فلماذا مثلا فى دول تملك ثروات أكبر من دول الخليج كليبيا والعراق أوغيرها، تبددت ثرواتها أو سُخرت لنزوات شخصية، دون أن يُرى أثرها على شعوبها، فنحن فقط نسمع ويسمع الملايين بأن هذه الدول أعضاء فى منظمة الدول المصدِّرة للنفط، وأنها تملك انتاجا نفطيا ضخما واحتياطات هائلة، أما التنمية والازدهار والرفاهية فمجرد شعارات لدغدغة المشاعر دون أن يكون لها حضور فى أرض الواقع.
صيف عام 2002م، كنا فى الدوحة، وكان سموه يتجول داخل المدينة بسيارته كعادته لسنوات، عندما رنّ هاتفه فاذا بها مكالمة من وراء البحار، كانت المتحدثة ابنته الشيخة المياسة تهاتفه من أمريكا حيث كانت تدرُس، لتسأله عن الأخبار الواردة من كاراكاس من أن انقلابا قد حدث هناك ضد الرئيس شافيز وأن الانقلاب على وشك النجاح، بل قد نجح بالفعل، وتسأله عن مصير صديقه شافيز؟
كان سموه مهتما بمعرفة مصير صديقه، وقرر، كما سمعته وهو يتحدث مع الشيخة المياسة، استقبالَه فى الدوحة وتوفير اقامة مريحة له ولأسرته ان رغب فى ذلك، ولم تمضِ أكثر من ثمانى وأربعين ساعة الا وكانت الأخبار تتوالى عن سيطرة شافيز على الأوضاع فى بلاده، وأنه استعاد الأمور ودحر الانقلاب.
لم ينس الرجل، للأمانة، موقف صديقه، فأراد أن يهاتفه ليُطَمْئنَه على الأوضاع فى بلاده، ولم تتم هذه المكالمة الا ونحن فى الطائرة فى طريقنا من الدوحة الى باريس، اذ ورد الى سموه رغبةُ الرئيس شافيز فى الحديث معه، وتمت المكالمة فى الطائرة، كان صوت شافيز عاليا، كما كانت معنوياته عالية، وضحكاته تخترق الهاتف وهو يصف انتصاره وانتصار ثورته على "الرجعيين والامبرياليين والخونة".
مرت سنوات، زار خلالها شافيز الدوحة فى طريقه الى ايران، كما التقى الزعيمان فى نيويورك على هامش الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفى نيويورك تحدثت وسائل الاعلام عن صولات شافيز وجولاته فى المدينة، حتى انه كان فى بعض الأحيان يرفض أن يستقل السيارة المصفحة ويصر على المشى على رجليه فى شوارع نيويورك غير مبال بتحذيرات الأمن ومفتخرا بشجاعته وجسارته.
كذلك التقى سموه الرئيس شافيز فى برازيليا فى مايو 2005م على هامش مؤتمر القمة العربية — اللاتينية، ولأول مرة أراه محتدا وغاضبا حيث قال: "لماذا يا سمو الأمير يغيب اخوانك الزعماء العرب عن هذه اللقاءات؟! لماذا لا يتواجد العرب على مستوى القادة مع اخوانهم قادة دول أمريكا اللاتينية لدعم وتعميق العلاقات بيننا؟! اننا فى أمريكا اللاتينية نتطلع الى ذلك، نحن مثلكم عانينا من الاستعمار وندرك مقدار استغلاله لخيرات دولنا، وأنتم تعرفون كيف ناضلنا كى نتحرر، لذلك نحن نقف مع الحقوق العربية، ولكن لا يبدو أن العرب مهتمون بذلك!"
مرت السنون سريعة، وفى عام 2010م زار سمو الأمير الأرجنتين والبرازيل وفنزويلا وكوستاريكا.كانت الزيارات ناجحة، لاسيما لجمهورية كوستاريكا الرائعة ورئيسها الفيلسوف "أوسكار أرياس سانشيز" الذى ترك فيما بعد فى نفسى أثرا عميقا لرجل آثر مصلحة بلاده على مصلحته الشخصية، بل هو نموذج للقائد الزاهد الفذ ولا يعادله فى ذلك الا عملاق آخر هو (لولا داسيلفا) رئيس البرازيل السابق، وقد يكون من باب الصدفة أن الزعيمين الكبيرين خلفَتهما سيدتان فى حكم بلديهما.
وانتقلنا بصحبة سموه لزيارة فنزويلا، كان ذلك فى يناير 2010م. وبين كاراكاس 2001م وكاراكاس 2010م فارق زمنى يقارب العشر سنوات، أحداثٌ كثيرة مرت على العالم خلال هذا العقد من الزمان، تغيرت أشياء كثيرة، وتبدلت ملامح مدن ودول، وتجلت عبقرية الانسان فى التطور التكنولوجى الرهيب، وفى مختلف القطاعات، ولكن كاراكاس التى زرتها فى 2001م لم تتغير كثيرا عن تلك التى زرتها فى 2010م، ما زالت ملامح الفقر منتشرة، وما زالت بيوت الفقراء، التى وعد شافيز بالقضاء عليها، ماثلة، وما زالت العشوائيات قائمة، وأسِفتُ لسماعى عن أخبار انتشار السرقة فى كاراكاس والتى قد تتطور الى الجريمة، حيث أصبح الخوف من الاعتداء أمرا مألوفا لدى العديد من سكانها.
شيء آخر لمسته، شافيز الذى أشاهده أمامى عام 2010م ليس شافيز الذى عرفته، فقد اختفت ضحكاته القوية وعنفوان قوته، وكان أمامى رجلٌ أنهكته "الظروف" قبل "السنين" وهدّت من حماسه.
وقد أبدى لى لاحقا أحد الاخوة الذين شاركوا فى الاجتماعات مع الوفد الفنزويلي، بأن الاستثمار فى فنزويلا رغم أهميته الا أنه لا يدخل ضمن الأولويات عند قيادتها، فأدركت بأن العديد من المشاريع التى يمكن أن تعود بالنفع على بلادهم قد لاترى النور بسبب الفكر الاشتراكى الذى قد ينظر الى أى استثمار أجنبى على أنه استغلال لخيرات البلد وثرواته.
مرت الأيام وتوالت الأحداث، وفى ديسمبر 2010م انطلقت شرارة الربيع العربى من تونس، وسريعة انتقلت هذه الشرارة الى مصر فليبيا فاليمن فسورية، كانت الأحداث تشير الى أن زمن الظلم والقهر والكبت قد انتهى، وأن فجر الحرية قد أشرق، وأنه قد آن لهذه الأمة أن تنهض، وأن الكذب على الشعوب لم يعد يجدي، وأن الأمانة والصدق هما أقدس ما يملكه الانسان، فبهما يصنع المرء حريته وبضديهما يبيع الانسان كرامته.
وكان على شافيز، وهو الذى يدّعى السير على خطى "سيمون بوليفار"، أن يُدرك بأن الوقوف أمام ارادة الشعوب أمرٌ مستحيل، ولكن التجربة لم تعلِّمه بل آثر صداقته على مصالح أمته، فكان موقفه المعروف حيال هذه الثورات، مع الطغاة ضد الشعوب، وقد أفقده ذلك الكثير من التعاطف الشعبى العربي، بل انه، ومع الأسف، نسى حتى أصدقاءَه الأوفياء، وان كان يتواصل معهم على استحياء.
فى الشهر الماضي، كنت ضمن الوفد الرسمى القطرى فى جولته بأمريكا اللاتينية، وهناك جاءت الأخبار بأن الأطباء فى كوبا، حيث يعالج شافيز، سمحوا له بأن يغادر هافانا الى بلاده "بعد أن تحسنت حالته الصحية"، الخبر كما يُعرف فى لغة الصحافة كان "ملغوما"، فقد كان مؤشرا على أن الطب قد وقف عاجزا أمام قضاء الله، وأن الرجل يَعُد أيامه الأخيرة فى الدنيا، فكان قرار الأطباء بأن يعود الى بلاده ليموت فى أحضان شعبه وفوق ثرى وطنه، وهذا ما حدث فجر السادس من مارس 2013م بتوقيت الدوحة، حيث أغمض شافيز عينيه للمرة الأخيرة، ليرحل عن هذه الدنيا ولم يحقق بعدُ كل ما كان يتمناه.
فقد سعى قبل أربعة أعوام لأن يجرى تعديلا فى دستور بلاده يجعل مدة الرئاسة مفتوحة وعدم تقييدها بفترتين كما ينص الدستور، وخسر الاستفتاء على ذلك، حيث صوت 51 % من الشعب الفنزويلى ضد رغبته، فنصحه مستشاروه، وما أكثر مستشارى السوء فى الحياة، بأن يعمد الى البرلمان لانتزاع هذا القرار وهذا ما تم، فخالف مبدأ دستوريا كان يُفترض أن يكون أول المدافعين عنه، ويا ليته تعلم من صديقه البرازيلى (سيلفا) أو جاره الكوستاريكى (شانسيز)، ولكنه أطلق تصريحه المشهور الذى قال فيه ان لديه الكثير من الأفكار التى لم تُنفَّذ بعد، وهو يحتاج الى وقت لتنفيذها.
يبدو أن شافيز لم يكن استثناء عن المقولة السائدة بأن القوى المعارِضة تؤمن بالديمقراطية وهى فى الصفوف الخلفية، وتكفر بها ساعة تقلدها موقع القرار.
مضى الوقت سريعا على شافيز، دون أن يتمكن من تحقيق تطلعاته الثورية الكثيرة، وقد شغلته خصوماته ومعاركه مع أعدائه عن تنفيذ ما كان يسعى اليه، وهذا قدَرُ الثوار دائما، تكون أحلامهم كبيرة قبل الثورة، ثم يصطدمون بالواقع المر بعد نجاح الثورة.
سيظل شافيز صديقا وفيا للعرب، وسيذكر التاريخ مواقف هذا القائد ودفاعه عن قضايا العرب وكأنه واحدٌ منهم، وسيظل فى ذاكرتنا دائما محبا ومؤمنا بمبادئ يرى فيها خلاص العالم من الاستبداد والظلم.
نعم، كان شافيز نصيرا لقضايا المستضعَفين فى العالم، وقف مع الفقراء ودافع عنهم، وناصَر المظلوم على الظالم، طرد السفير الاسرائيلى من فنزويلا بعد حرب تموز يوليو 2006م، زار العراق خلال الحصار المفروض عليه، وزار ليبيا يوم تردد الكثيرون فى الاقدام على مثل تلك الخطوات، انتهج سياسة جديدة تمثلت فى الوقوف فى وجه أمريكا والغرب و"الاستعمار" وقد أدرك أن ذلك سيكلفه الكثير والكثير.
عندما اكتشَف مرضَه، رفض أن يستسلم، وأصرّ على أنه عائد، وقال: "سأعود على حال أفضل مما تروننى عليه اليوم، لديّ رغبة كبيرة فى الحياة، لن أقول وداعا، ولم تدُق بعدُ ساعةُ الموت، بل الحياة". ولكنه نسى أن لكل شيء فى الحياة علاجا ودواء، الا الحب والموت، فلا علاج ولا دواء لهما.
وداعا فخامة الرئيس.
وداعا هوجو شافيز.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4254
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2019
| 07 ديسمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1785
| 04 ديسمبر 2025