رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

فاطمة بنت يوسف الغزال

  Falghazal33@gmail.com

مساحة إعلانية

مقالات

363

فاطمة بنت يوسف الغزال

ما بين العمل الصالح والعمل الخالص

19 مارس 2025 , 02:00ص

يُروى عن أحمد بن مسكين، أحد علماء القرن الثالث الهجري في البصرة، أنه قال:»ابتُليت بالفقر سنة 219هـ، حتى لم يكن في بيتي ما يسدّ رمقنا. كنت أعيش مع زوجتي وطفلي، وقد مضت علينا أيامٌ من الجوع حتى كاد الجوف أن يلتصق من شدته. عزمت على بيع الدار لنوفر طعامًا، فخرجت أبحث عن مشترٍ، وفي طريقي التقيت بأبي نصر، فأخبرته بنيّتي، فأخرج من جيبه رغيفين بينهما حلوى وقال: خذها لأهلك، أخذت الرغيفين وسرت إلى البيت، وبينما أنا في الطريق، إذ بي أجد امرأةً تحمل طفلًا جائعًا، وقد نظر إليّ الطفل بعينين لا أنساهما أبدًا.

قالت أمه: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، لا طاقة له على الصبر، أطعمه شيئًا، يرحمك الله، وقفت للحظة، أفكر في طفلي الجائع في البيت، ثم نظرت إلى الصبي وأمه، ووجدتني أدفع لهما الطعام قائلًا: والله، ما أملك غيره، وإن في بيتي لمن هو أحوج إليه! دمعت عيناها، وأشرقت ملامح الصبي بفرح لم أره من قبل.

واصلت طريقي وجلست إلى جدار، مهمومًا بفكري في بيع الدار، فجأة، جاءني أبو نصر مسرعًا يقول بفرح: يا أبا محمد، ما الذي يجلسك هنا وفي دارك الخير والغنى؟، تعجبت وقلت: ومن أين؟، قال: جاء رجل من خراسان يبحث عنك أو عن أهل أبيك، يحمل معه أموالًا وأحمالًا من الخير، لقد كان تاجرًا من البصرة، وأودعه والدك مالًا قبل ثلاثين سنة، والآن عاد ليسلّمه لك، ومعه أرباحه طوال هذه السنوات، حمدتُ الله وعُدتُ إلى بيتي، ثم بحثت عن تلك المرأة وابنها، فكفيتهما وأجريت لهما رزقًا مستمرًا، ومع الأيام، اتجرت بالمال وجعلت أزيد في الإحسان، وكلما أنفقت، ازداد المال ولم ينقص، وذات ليلة رأيت في المنام مشهدًا رهيبًا: يوم القيامة، والناس يحملون أوزارهم مجسدةً على ظهورهم، حتى كأن الفاسق يحمل مدينةً بأكملها من المخازي. نُصبت الموازين، وجيء بي لوزن أعمالي، فجُعلت السيئات في كفة، وأُلقيت سجلات الحسنات في الأخرى، فطاشت الحسنات ورجحت السيئات!، جعلوا يضيفون حسناتي واحدة تلو الأخرى، لكنها كانت مخلوطة بشهوة خفية: رياء، غرور، حبّ محمدة بين الناس فلم يَسلم لي شيء! شعرت بالهلاك. ثم سُمع صوتٌ يقول: ألم يبقَ له شيء؟ قال أحدهم: بلى، بقي هذا!، نظرتُ، فإذا هما الرغيفان اللذان أعطيتهما للمرأة وابنها!، ألقيَا في الميزان، فمالت كفة الحسنات قليلًا، ثم أُضيفت دموع المرأة التي بكت تأثرًا بذلك الإحسان، فرجحت الكفة تمامًا!، سمعت صوتًا يقول: قد نجا! قد نجا!، واستيقظت وأنا أبكي وأحمد الله!»

الحكمة التي نستخلصها من هذه الرواية بانه ليس كل عمل صالح يقبل، بل ما كان خالصا لله وحده، وقد يكون عملا بسيطا في أعين الناس أثقل في الميزان من جبال من الأعمال الممزوجة بالرياء.

كن سببا في تغيير حياة المحتاجين

الصدقة في رمضان ليست مجرد مساعدة مالية، بل هي رسالة أمل، ولمسة إنسانية تُعيد البسمة إلى الوجوه التي أنهكها الحرمان. قال النبي ﷺ: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي)، فكل لقمة طعام، وكل درهم يُنفق، يصبح نورًا في الدنيا وبركة في الآخرة، هل تخيلت أن تبرعك قد يكون الفرق بين الجوع والشبع لعائلة كاملة؟، هل فكرت يومًا أن مساعدتك قد تكسو طفلًا يتيمًا، أو تُدخل السرور على قلب أرملة فقدت معيلها؟، في كل زاوية من العالم، هناك من ينتظر دعمك، يمكنك أن تكون اليد التي تمسح دمعة، وتخفف معاناة، وتعيد الأمل إلى القلوب، وهناك اعمال بسيطة مثل إفطار صائم أو مساهمتك في السلال الغذائية للأسر المتعففة كلها الخير بين أيدينا فيجب الا نتردد في العطاء وننتهز ما تبقى من الشهر الكريم لمضاعفة أجرنا.

كسرة أخيرة

شهر رمضان شهر ( مبارك )، مصداق ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند الامام أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: ( أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)، للصدقة أجر عظيم وثواب كبير، فهي تعين الفقراء والمحتاجين وتخفف معاناتهم في هذا الشهر الفضيل. فإنها تُعد طريقة ممتازة للتحرك في سبيل مساعدة الآخرين وإحياء روح التعاطف والشهامة التي تكون في تلك الأيام، ومن الأجمل أن تكون الصدقة في رمضان متعارضة مع العشر الأواخر، ففي هذه الأيام الكريمة يزداد الأجر والثواب، تذكر أن الصدقة ليست مقتصرة على المال فقط، بل يمكنك أن تقدم صدقة من وقتك وجهودك ومهاراتك، فإذا كنت تستطيع أن تقدم يد العون للآخرين بأي شكل من الأشكال، فلا تتردد في ذلك.

مساحة إعلانية