رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يُروى عن أحمد بن مسكين، أحد علماء القرن الثالث الهجري في البصرة، أنه قال:»ابتُليت بالفقر سنة 219هـ، حتى لم يكن في بيتي ما يسدّ رمقنا. كنت أعيش مع زوجتي وطفلي، وقد مضت علينا أيامٌ من الجوع حتى كاد الجوف أن يلتصق من شدته. عزمت على بيع الدار لنوفر طعامًا، فخرجت أبحث عن مشترٍ، وفي طريقي التقيت بأبي نصر، فأخبرته بنيّتي، فأخرج من جيبه رغيفين بينهما حلوى وقال: خذها لأهلك، أخذت الرغيفين وسرت إلى البيت، وبينما أنا في الطريق، إذ بي أجد امرأةً تحمل طفلًا جائعًا، وقد نظر إليّ الطفل بعينين لا أنساهما أبدًا.
قالت أمه: يا سيدي، هذا طفل يتيم جائع، لا طاقة له على الصبر، أطعمه شيئًا، يرحمك الله، وقفت للحظة، أفكر في طفلي الجائع في البيت، ثم نظرت إلى الصبي وأمه، ووجدتني أدفع لهما الطعام قائلًا: والله، ما أملك غيره، وإن في بيتي لمن هو أحوج إليه! دمعت عيناها، وأشرقت ملامح الصبي بفرح لم أره من قبل.
واصلت طريقي وجلست إلى جدار، مهمومًا بفكري في بيع الدار، فجأة، جاءني أبو نصر مسرعًا يقول بفرح: يا أبا محمد، ما الذي يجلسك هنا وفي دارك الخير والغنى؟، تعجبت وقلت: ومن أين؟، قال: جاء رجل من خراسان يبحث عنك أو عن أهل أبيك، يحمل معه أموالًا وأحمالًا من الخير، لقد كان تاجرًا من البصرة، وأودعه والدك مالًا قبل ثلاثين سنة، والآن عاد ليسلّمه لك، ومعه أرباحه طوال هذه السنوات، حمدتُ الله وعُدتُ إلى بيتي، ثم بحثت عن تلك المرأة وابنها، فكفيتهما وأجريت لهما رزقًا مستمرًا، ومع الأيام، اتجرت بالمال وجعلت أزيد في الإحسان، وكلما أنفقت، ازداد المال ولم ينقص، وذات ليلة رأيت في المنام مشهدًا رهيبًا: يوم القيامة، والناس يحملون أوزارهم مجسدةً على ظهورهم، حتى كأن الفاسق يحمل مدينةً بأكملها من المخازي. نُصبت الموازين، وجيء بي لوزن أعمالي، فجُعلت السيئات في كفة، وأُلقيت سجلات الحسنات في الأخرى، فطاشت الحسنات ورجحت السيئات!، جعلوا يضيفون حسناتي واحدة تلو الأخرى، لكنها كانت مخلوطة بشهوة خفية: رياء، غرور، حبّ محمدة بين الناس فلم يَسلم لي شيء! شعرت بالهلاك. ثم سُمع صوتٌ يقول: ألم يبقَ له شيء؟ قال أحدهم: بلى، بقي هذا!، نظرتُ، فإذا هما الرغيفان اللذان أعطيتهما للمرأة وابنها!، ألقيَا في الميزان، فمالت كفة الحسنات قليلًا، ثم أُضيفت دموع المرأة التي بكت تأثرًا بذلك الإحسان، فرجحت الكفة تمامًا!، سمعت صوتًا يقول: قد نجا! قد نجا!، واستيقظت وأنا أبكي وأحمد الله!»
الحكمة التي نستخلصها من هذه الرواية بانه ليس كل عمل صالح يقبل، بل ما كان خالصا لله وحده، وقد يكون عملا بسيطا في أعين الناس أثقل في الميزان من جبال من الأعمال الممزوجة بالرياء.
كن سببا في تغيير حياة المحتاجين
الصدقة في رمضان ليست مجرد مساعدة مالية، بل هي رسالة أمل، ولمسة إنسانية تُعيد البسمة إلى الوجوه التي أنهكها الحرمان. قال النبي ﷺ: “أفضل الصدقة صدقة في رمضان” (رواه الترمذي)، فكل لقمة طعام، وكل درهم يُنفق، يصبح نورًا في الدنيا وبركة في الآخرة، هل تخيلت أن تبرعك قد يكون الفرق بين الجوع والشبع لعائلة كاملة؟، هل فكرت يومًا أن مساعدتك قد تكسو طفلًا يتيمًا، أو تُدخل السرور على قلب أرملة فقدت معيلها؟، في كل زاوية من العالم، هناك من ينتظر دعمك، يمكنك أن تكون اليد التي تمسح دمعة، وتخفف معاناة، وتعيد الأمل إلى القلوب، وهناك اعمال بسيطة مثل إفطار صائم أو مساهمتك في السلال الغذائية للأسر المتعففة كلها الخير بين أيدينا فيجب الا نتردد في العطاء وننتهز ما تبقى من الشهر الكريم لمضاعفة أجرنا.
كسرة أخيرة
شهر رمضان شهر ( مبارك )، مصداق ذلك في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند الامام أحمد وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: ( أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مِرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)، للصدقة أجر عظيم وثواب كبير، فهي تعين الفقراء والمحتاجين وتخفف معاناتهم في هذا الشهر الفضيل. فإنها تُعد طريقة ممتازة للتحرك في سبيل مساعدة الآخرين وإحياء روح التعاطف والشهامة التي تكون في تلك الأيام، ومن الأجمل أن تكون الصدقة في رمضان متعارضة مع العشر الأواخر، ففي هذه الأيام الكريمة يزداد الأجر والثواب، تذكر أن الصدقة ليست مقتصرة على المال فقط، بل يمكنك أن تقدم صدقة من وقتك وجهودك ومهاراتك، فإذا كنت تستطيع أن تقدم يد العون للآخرين بأي شكل من الأشكال، فلا تتردد في ذلك.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6564
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6432
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3156
| 23 أكتوبر 2025