رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في إحدى قاعات الانتظار بمركز صحي مزدحم، جلس طفل صغير لا يتجاوز الثالثة من عمره بهدوء إلى جانب والده وخادمته، ممسكًا بجهاز جوال يتنقل بين مقاطع الفيديو . نظرت إليه وقلت ممازحة: «مب زين حق عينك”»، فابتسم والده ورد قائلاً: «أخذ اليوم تطعيمه ونحاول التخفيف من الألم..لم يكن هذا المشهد غريبًا، فقد أصبح مألوفًا في حياتنا اليومية أن نرى أطفالًا بالكاد يتحدثون، تتدلى بين أيديهم الأجهزة الذكية وكأنها امتداد لأصابعهم الصغيرة. لكن ما يبدو وسيلة بريئة لإشغال الطفل أو تهدئته يخفي خلفه خطرًا صامتًا يهدد صحته ونموه.
توصيات منظمة الصحة العالمية والأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تنص بوضوح على ضرورة عدم تعريض الأطفال دون سن الرابعة للشاشات الإلكترونية مطلقًا، والاكتفاء بمدة لا تتجاوز ساعة واحدة يوميًا لمن تجاوزوا هذه السن، وتكون تحت إشراف الوالدين. السبب بسيط لكنه جوهري: أجسام الأطفال وأجهزتهم العصبية والبصرية ما زالت في طور النمو، وأي تحفيز مفرط أو تعرض مطوّل للضوء المنبعث من الشاشات يربك هذا النمو الطبيعي ويؤثر على توازنهم الجسدي والعقلي.
وقد كشفت دراسات طبية حديثة أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات يعانون من إجهاد العين وجفافها بسبب الإضاءة القوية والتركيز المستمر، إضافة إلى اضطرابات في النوم نتيجة تأثير الضوء الأزرق على هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم. كما رُصدت حالات تأخر في تطور اللغة وضعف في مهارات التواصل الاجتماعي بسبب انشغال الطفل بالعالم الرقمي وابتعاده عن التفاعل الإنساني المباشر، وهو أحد أهم ركائز النمو العقلي والعاطفي في هذه المرحلة الحساسة من العمر.. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ تشير تقارير طبية إلى علاقة وثيقة بين الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية وزيادة معدلات السمنة والخمول لدى الأطفال نتيجة قلة النشاط الحركي، فضلاً عن ضعف التركيز وتشتت الانتباه.
ورغم معرفة كثير من الأهالي بهذه المخاطر، يجدون أنفسهم في مأزق بين حاجة الطفل للتهدئة وحاجتهم للانشغال أو الانتظار، فيلجؤون إلى الحل الأسهل: الجهاز الإلكتروني. لكن البدائل موجودة ومتاحة، وتحتاج فقط إلى القليل من الصبر والوعي. يمكن للوالدين حمل بطاقات الصور أو الحروف لمراجعتها مع الطفل، أو اصطحاب ألعاب التركيب والمكعبات التي تنمي الخيال والتركيز. كما يمكنهم قراءة القصص المصورة أو تشجيع الطفل على اللعب اليدوي البسيط كالعجين أو الألوان، فهذه الأنشطة ترفّه عنه وتبني في الوقت ذاته جسورًا من التواصل الحقيقي بين الطفل ووالديه.
ولا تقتصر المسؤولية على الأسرة وحدها، بل تمتد إلى المراكز الصحية والمدارس والمؤسسات التربوية التي يمكنها المساهمة في نشر الوعي من خلال وضع لوحات توعوية تحمل رسائل بسيطة مثل: «الجهاز ليس لعبة آمنة لطفلك» أو «عينا طفلك تستحقان الراحة». كما يمكنها توزيع نشرات إرشادية للأهالي وتنظيم فعاليات تفاعلية للأطفال تشجع على الأنشطة الواقعية وتحد من الإدمان الرقمي المتسلل إلى تفاصيل حياتهم اليومية.
وقد حذّرت مؤسسات صحية قطرية من هذا السلوك المتنامي. ففي دراسة وطنية أصدرتها مؤسسة الرعاية الصحية الأولية (PHCC) عام 2022، تبين أن الاستخدام المطوّل للأجهزة الرقمية لدى الأطفال والمراهقين ارتبط باضطرابات في النوم وزيادة السلوكيات الخاملة. كما أوصت مؤسسة حمد الطبية (HMC) بعدم السماح للأطفال دون سن الثانية باستخدام الشاشات الترفيهية، والتنبيه على مراقبة الوقت المخصص لها لتفادي إجهاد العين والمشكلات البصرية.
إننا اليوم أمام تحدٍ صحي وتربوي حقيقي، فبينما نبحث عن وسيلة لإسعاد أطفالنا أو تهدئتهم، قد نغفل عن أننا نسلبهم شيئًا أثمن: بريق عيونهم وصفاء عقولهم. فلنكن أكثر وعيًا، ولنتذكر دائمًا أن الشاشات ليست لعبة آمنة، وأن طفولتهم تستحق الحماية والرعاية.
المشهور الذي لم يعد مشهوراً
(ترويج «مشاهير التواصل» للسلع الرديئة يفقدهم المصداقية) جذبني هذا العنوان لدى تصفُّحي اليومي لموقع صحيفة الشرق القطرية وهو... اقرأ المزيد
168
| 25 نوفمبر 2025
معايير الجمال
منذ صغرنا ونحن نشاهد الأفلام والدعايات التي رسخت في عقولنا الشكل والجسم الذي يجب أن نظهر عليه. أتحدث... اقرأ المزيد
177
| 25 نوفمبر 2025
ارتفاع الإيجارات.. أزمة متنامية تستدعي حلولًا واقعية
يشهد سوق العقارات في دولة قطر ارتفاعاً متواصلاً في الإيجارات السكنية والتجارية على حد سواء، حتى أصبحت الإيجارات... اقرأ المزيد
330
| 25 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كاتبة قطرية - مستشار الصحة البيئية
falotoum@hotmail.com
@faalotoum
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
13593
| 20 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1797
| 21 نوفمبر 2025
في لحظة تاريخية، ارتقى شباب المغرب تحت 17 عاماً إلى أسمى آفاق الإنجاز، حين حجزوا مقعدهم بين عمالقة كرة القدم العالمية، متأهلين إلى ربع نهائي كأس العالم في قطر 2025. لم يكن هذا التأهل مجرد نتيجة، بل سيمفونية من الإرادة والانضباط والإبداع، أبدعها أسود الأطلس في كل حركة، وفي كل لمسة للكرة. المغرب قدم عرضاً كروياً يعكس التميز الفني الراقي والجاهزية الذهنية للاعبين الصغار، الذين جمعوا بين براعة الأداء وروح التحدي، ليحولوا الملعب إلى مسرح للإصرار والابتكار. كل هجمة كانت تحفة فنية تروي قصة عزيمتهم، وكل هدف كان شاهداً على موهبة نادرة وذكاء تكتيكي بالغ، مؤكدين أن الكرة المغربية لا تعرف حدوداً، وأن مستقبلها مزدهر بالنجوم الذين يشقون طريقهم نحو المجد بخطوات ثابتة وواثقة. هذا الإنجاز يعكس رؤية واضحة في تطوير الفئات العمرية، حيث استثمر الاتحاد المغربي لكرة القدم في صقل مهارات اللاعبين منذ الصغر، ليصبحوا اليوم قادرين على مواجهة أقوى المنتخبات العالمية ورفع اسم بلادهم عالياً في سماء البطولة. وليس الفوز وحده، بل القدرة على فرض أسلوب اللعب وإدارة اللحظات الحرجة والتحلي بالهدوء أمام الضغوط، ويجعل هذا التأهل لحظة فارقة تُخلّد في التاريخ الرياضي المغربي. أسود الأطلس الصغار اليوم ليسوا لاعبين فحسب، بل رموز لإصرار أمة وعزيمة شعب، حاملين معهم آمال ملايين المغاربة الذين تابعوا كل لحظة من مغامرتهم بفخر لا ينضب. واليوم، يبقى السؤال الأعمق: هل سيستطيع هؤلاء الأبطال أن يحولوا التحديات القادمة إلى ملحمة تاريخية تخلّد اسم الكرة المغربية؟ كل المؤشرات تقول نعم، فهم بالفعل قادرون على تحويل المستحيل إلى حقيقة، وإثبات أن كرة القدم المغربية قادرة على صناعة المعجزات. كلمة أخيرة: المغرب ليس مجرد منتخب، بل ظاهرة تتألق بالفخر والإبداع، وبرهان حي على أن الإرادة تصنع التاريخ، وأن أسود الأطلس يسيرون نحو المجد الذي يليق بعظمة إرادتهم ومهارتهم.
1173
| 20 نوفمبر 2025