رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ملحمة جديدة في حب الوطن برزت في احتفالية الأمس.. مشهد لا تراه إلا في قطر.. عندما تصر قيادة الوطن على مصافحة الحشود الغفيرة المحتفلة، مواطنين ومقيمين يداً بيد، بعيداً عن أي حواجز رسمية..
يترجل سمو الأمير المفدى وسمو الأمير الوالد حفظهما سيرا على الأقدام، في مشهد قل نظيره، ليلتقيا الكبير والصغير.. المواطن والمقيم.. يصافحان هذا ويسلمان على ذاك.. يلوحان بأيديهما لمن هو بعيد مكانيا لكنه قريب قلبيا.. يتلقيان الأوشحة من هذه الطفلة ويلتقطان الصور مع ذاك المقيم.. لا يتردد احد الشباب بطلب اخذ صورة "سيلفي" مع سمو الأمير الذي يرحب مباشرة ويقف ليلتقط تلك الصورة..
يمشيان مئات الامتار.. سمو الأمير وسمو الأمير الوالد حفظهما الله ورعاهما بعينه التي لا تنام وكنفه الذي لا يرام.. والابتسامة لا تفارق محياهما.. لا يفرقان بين قطري ومقيم على هذه الارض الطيبة.. يحرصان على مبادلة التحية بأحسن منها..
صدقا.. مشهد لا تراه الا في قطر، عندما يصر زعيمان على مصافحة الجمهور يدا بيد، في منطقة مفتوحة، ومن كل الجنسيات دون حراسة، فهذا دليل على ما يتمتعان به من حب جارف ومكانة عالية عند الشعب.. كل الشعب.. مواطنين ومقيمين، الذين يقاسموننا العيش، ويشاركوننا تنمية هذا الوطن..
عدلا في الحكم، وقدّما لأبناء شعبهما حياة كريمة، ونقلا هذا الوطن الى مصاف الدول المتقدمة، فأصبحت قطر اليوم "علما على رأس جبل" بفضل من الله ثم بإيمان وإخلاص وصدق نوايا قائد هذا الوطن، والعمل الجاد من اجله..
عدلا في الحكم.. فحق لهما ان يتربعا على قلوب الشعب.. وحق لهما ان يترجلا سيرا على الاقدام وسط آلاف من الجماهير، التي كانت تتمنى ان تحملهما على الاعناق حبا ووفاء وتقديرا وامتنانا وعرفانا بما قدماه لهذا الوطن ومواطنيه..
تتحدث احدى السيدات الآسيويات التي حضرت الى كورنيش الدوحة منذ الساعات الاولى من الفجر للمشاركة باحتفالية اليوم الوطني "مددت يدي عندما رأيت اميركم قادما، فقلت في نفسي انه سيصافح مواطنيه فاذا به يصافحني ويبتسم لي.. لم اصدق ذلك.. فأنا لم استطع ان اقابل رئيس بلدي وجها لوجه وليس مصافحته، فكيف بي ان اصافح اميركم.. كانت لحظات عظيمة لن انساها في حياتي ابدا".
هذه السيدة التي أتت من وطنها الام مغتربة وتعيش على هذه الارض الطيبة، هي واحدة من مئات الاشخاص الذين صافحهم سمو الأمير المفدى وسمو الأمير الوالد حفظهما الله ورعاهما، بكل أريحية وهما يبتسمان لكل من يصافحانه..
انه التواضع الذي عرف عن قيادة هذا الوطن، فرفعها عزا ومكانة، ليس فقط بين ابناء هذا الوطن ومن يقيم على ارضه، بل على مستوى العالم، وفي جميع المحافل الاقليمية والدولية.. وعرف عن اهل قطر طوال التاريخ، وهنا يقول سمو الامير المفدى "لقد عُرف القطريون من قديم الزمان بحسن اخلاقهم وكرمهم وتواضعهم، وإقلالهم الكلام، وإكثارهم العمل، ونصرتهم المظلوم".
لا نتحدث في احتفالية اليوم الوطني عن عروض وقدرات وإمكانيات أبداها أبناء الوطن في كل القطاعات، خاصة القطاعات الامنية والعسكرية، بل نتحدث قبل ذلك عن رسائل تبث، وقيم تغرس، وسلوك يدرّس، فكم كانت تلك اللحظة عندما انحنى سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه، عند وصوله إلى منصة الاحتفال، مقبلاً يد والده ووالد الجميع سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني؛ عظيمة تحمل كل معاني البر بالوالدين..
نعم هو واجب، وهو امر طبيعي يقوم به سمو الامير المفدى، لكن عندما يرى الجيل قائده يتحلى بهذه القيم النبيلة، وهذه الأخلاق الرفيعة، فإنه بالتأكيد سيتأسى به، ويقتدي بقائده، في التواضع وإجلال والديه، وتقدير الكبير، ورعاية الصغير، واحترام الناس أيا كانت جنسياتهم او الوانهم..
انها صورة ناصعة البياض لأخلاقيات هذا المجتمع، الذي يستلهم من هذا الاحتفال الوطني هذه القيم العظيمة، التي تترجم على ارض الواقع، ويراها ماثلة امامه من خلال قيادته الرشيدة والواعية، هذه القيادة التي حملت همّ الوطن والمواطن منذ تأسيس هذه الدولة على يد المؤسس المغفور له إن شاء الله الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني طيب الله ثراه، وسار على نهجه من جاء بعده، مسترشدين بأفعاله ومواقفه وأخلاقه وأعماله، مستلهمين افكاره ومبادئه..
وهي قيم ومبادئ لا يمكن أن تتغير أو تتبدل، حتى يومنا هذا، وتحرص قيادة هذا الوطن على التمسك بها والتاكيد عليها.. وهنا يشدد سمو الأمير المفدى حفظه الله ورعاه، في خطابه امام افتتاح دور الانعقاد العادي لمجلس الشورى الشهر الماضي بالقول "اصبح الجميع يعرف ان قطر لا تغير مبادئها، قد نراجع انفسنا، ونقيّم افعالنا لكي نصحح اخطاء إذا وقعت، فجلّ من لا يخطئ، لكننا لا نغير مبادئنا".
بالامس لم يحتفل اهل قطر وحدهم باليوم الوطني، شاركنا هذه الفرحة اهلنا وأحبتنا وأشقاءنا في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث توافدت أعداد من كل دول الخليج للحضور الى الدوحة ومشاركة اشقائهم في قطر هذه الاحتفالية، وهذا دليل على ما يربط الشعوب الخليجية من علاقات أخوية، لا يمكن فصلها او الإضرار بها مهما كانت الظروف، فهذه المجتمعات الخليجية تعيش نسيجاً واحدا، واسرة واحدة، تفرح لفرح أي طرف، وتحزن لحزن أي طرف.. انه المصير الواحد الذي يجمعنا، وسنظل كذلك بإذن الله، قلبا واحدا، وجسدا واحدا، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..
وفي نفس الوقت كانت مشاركة إخوتنا المقيمين على هذه الارض اكثر من رائعة.. لا يقلون فرحا عن فرحنا.. منذ أيام وهم يستعدون لهذه المناسبة.. ارتدوا كل ما يتحدث عن فرحتهم.. ابناؤهم لبسوا أوشحة اليوم الوطني.. سياراتهم زينوها بما يستطيعون.. تواجدوا منذ الساعات الاولى بالامس على الكورنيش للمشاركة في الاحتفال وحضور المسير الوطني.. تجد الكثير منهم محتضنا علم قطر كأنه علم بلاده الأم..
هذه الروح لم تأت من فراغ، انهم يشعرون ان قطر هي بالفعل بلدهم، يعيشون بأمن وأمان فيها.. يستقرون مع أسرهم على أرضها.. توفر لهم حياة كريمة.. يتعلم ابناؤهم بمدارسها.. يخالطون اخوانهم القطريين بكل احترام ومودة.. انهم جزء من هذا المجتمع، ونعتز بمشاركاتهم وجهودهم البناءة في خدمة هذا الوطن، الذي نسأل الله عز وجل ان يديم عليه الامن والامان، والمزيد من الاستقرار والازدهار..
لم تنته احتفالاتنا، ولم ينته يوم الوطن، فجميع ايام العام هي ايام الوطن.. الذي سيظل حاضرا في كل عمل نؤديه، خالصا مخلصا لله ثم لهذا الوطن وقيادته الحكيمة، التي نسأل الله عز وجل أن يحفظها بحفظه، ويتولاها بأمره.. إنه نعم المولى ونعم النصير..
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
11817
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1761
| 21 نوفمبر 2025