رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاطمة سعد النعيمي

* أستاذ التفسير وعلوم القرآن- كلية الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة قطر

مساحة إعلانية

مقالات

621

د. فاطمة سعد النعيمي

غفلة مؤلمة.. حين يرى الإنسان تقصيره ولا يتحرك قلبه

19 ديسمبر 2025 , 04:00ص

يُعد استشعار التقصير نقطة التحول الكبرى في حياة الإنسان؛ إذ يُفتح بها باب المراجعة، ويتحرك بسببها الضمير، ويبدأ طريق العودة إلى الله. غير أن أعظم الخسارات – كما يصورها القرآن – أن يعلم المرء من نفسه تقصيراً، ثم لا يحزن عليه، ولا يسعى لرتق فتوقه، ولا يتقدم خطوة نحو الإصلاح.

فالقرآن يجعل «الإنابة» و«محاسبة النفس» من سمات أهل البصيرة، إذ يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا﴾ [الأعراف: 201]، أي أنهم ما إن ينتبهوا لخطأ أو تقصير حتى يهبوا إلى التدارك والتوبة.

أما الغفلة عن التقصير، أو الاعتياد عليه حتى تزول من القلب حرارة الندم، فهي حالة خطيرة وصفها القرآن بقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَذِينَ نَسُوا اللَهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ [الحشر: 19]؛ فمن نسي حق الله ضاعت منه معرفة قدر نفسه وواجبها ورسالتها.

ويمضي الخطاب القرآني في التحذير من الاستهانة بالتقصير، فيصور موقف الإنسان يوم القيامة حين يرى نتائج تفريطه، فيقول تعالى: ﴿يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَهِ﴾ [الزمر: 56]، وهي صرخة لو استحضرها الإنسان في الدنيا لكانت كافية لإيقاظ قلبه قبل فوات الأوان.

ومن اللافت في المنظور القرآني أن التفريط ليس فقط ارتكاب المعاصي، بل قد يكون ترك الخيرات، أو التباطؤ عن الطاعة، أو الرضا بحالٍ يدرك الإنسان أنها دون ما يليق بمقام العبودية. ولذلك كان السلف يعدون عدم الحزن على الذنب ذنباً آخر، لأن قلباً لا يحزن لا يتحرك، ونفساً لا تتألم لا تتغير.

كما يرسم القرآن طريق الخروج من هذا المأزق الروحي، فيضع محورين أساسيين: التذكر والعمل. فالتذكر يعيد الإنسان إلى وعيه بضعفه وحاجته إلى هداية الله، والعمل يجسد صدق هذا الوعي في السلوك. ولهذا يقول تعالى: ﴿وَالَذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوْبِهِم﴾ [آل عمران: 135].

إن أعظم المصائب حقاً أن يرى المرء تقصيره ثم لا يتغير، لأن الجمود علامة موتٍ بطيء للقلب. أما الرحمة الإلهية فمفتوحة لكل من يطرق بابها نادماً، متذكراً، عاملاً على إصلاح ما فات. والقرآن، في كل صفحة، يدعو الإنسان ألا يستهين بلحظة تنبيه تُوقظ قلبه، فرب لحظة صدق تغير مصيراً كاملاً.

مساحة إعلانية