رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

أسماء علي هيبة

باحثة طفولة 

مساحة إعلانية

مقالات

84

أسماء علي هيبة

في قطر.. نزرع المستقبل بالتعليم المبكر

19 ديسمبر 2025 , 04:00ص

معلمة الطفولة لا تُخرّج طلابًا فحسب، بل تُسهم في صناعة مستقبل الأمة؛ فهي تبذر البذور الأولى للأخلاق، والهوية، والوعي، في نفوس الأجيال القادمة، لتثمر لاحقًا مجتمعًا يسوده الإبداع والمسؤولية والانتماء. في دولة قطر، تُعد معلمة الطفولة في مرحلة الروضة محورًا أساسيًا في تحقيق رؤية الدولة نحو تنمية الإنسان القطري القادر على المساهمة الفاعلة في مجتمع المعرفة، كما نصّت عليه رؤية قطر الوطنية 2030. فالمعلمة القطرية في رياض الأطفال لا تقوم فقط بتعليم القراءة والكتابة، بل تسهم في بناء الشخصية الوطنية الواعية من خلال غرس قيم الهوية والانتماء، وتعليم الأطفال أسس الاحترام، والمسؤولية، والعمل الجماعي. تُعدّ مرحلة الطفولة المبكرة في مدارس قطر من أهم المراحل في حياة الإنسان، إذ تتشكل خلالها الأسس الأولى لشخصية الطفل، واتجاهاته، وقيمه وسلوكياته. وفي هذه المرحلة الحساسة، تلعب معلمة الطفولة دورًا محوريًا لا يقل أهمية عن دور الأسرة، فهي ليست مجرد ناقلة للمعرفة، بل مربية وموجهة وملهمة للنمو النفسي والاجتماعي واللغوي والمعرفي للطفل.

تتمثل مسؤولية معلمة الطفولة في تهيئة بيئة تعليمية آمنة وداعمة تشجع الطفل على التعبير عن ذاته بحرية، وتغذي ثقته بنفسه، وتساعده على اكتساب المهارات الاجتماعية مثل التعاون واحترام الآخر. كما تسهم في تنمية قدراته العقلية عبر الأنشطة التفاعلية واللعب التعليمي الذي يعزز الفضول وحب الاستكشاف، وهو ما أشار إليه عالم النفس جان بياجيه حين أكد أن التعلم الفعّال في الطفولة يتحقق من خلال التفاعل مع البيئة والخبرة العملية.

كما تمتد مسؤوليتها إلى دعم النمو العاطفي من خلال احتضان مشاعر الطفل وإشباع حاجته إلى القبول والانتماء، مما يعزز صحته النفسية ويحد من القلق والخوف. وتشير أبحاث إريكسون (Erikson, 1963) إلى أن الإحساس بالثقة والقدرة يتشكل في السنوات الأولى من خلال تفاعل الطفل مع الكبار الداعمين، وهو ما تمثله معلمة الطفولة في بيئة الروضة. إن الأثر الإيجابي لمعلمة الطفولة يمتد إلى ما هو أبعد من حدود الصف الدراسي؛ فهو يتجسد في تشكيل جيل متوازن نفسيًا، مبدع فكريًا، ومسؤول اجتماعيًا. فالمعلمة في هذه المرحلة تغرس القيم الأولى في نفس الطفل — كالمحبة، والتعاون، واحترام الآخر — وهي القيم التي تشكل نواة شخصية الإنسان المستقبلية. وكل سلوك إيجابي تعلمه المعلمة لطفلٍ اليوم، يتحول إلى عادة راسخة في إنسان الغد، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر وعيًا وتسامحًا.

كما أن دعم المعلمة لقدرات الطفل الإبداعية والتعبيرية يسهم في إعداد أفراد قادرين على التفكير النقدي والابتكار، وهما عنصران أساسيان في نهضة المجتمعات الحديثة. إن دعم معلمات رياض الأطفال استثمار في الإنسان، فهنّ الأساس في بناء جيلٍ يحقق رؤية قطر 2030، عبر غرس القيم وتنمية المهارات وتعزيز مسار التنمية المستدامة.

مساحة إعلانية