رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لك الله يا معرة النعمان اليوم وكل يوم، أيتها البلدة الوادعة في سوريا الحبيبة، كم أمسى بك العابرون ما بين حلب وأدلب وحماه فاستمتعوا بمناخك اللطيف وسهولك الخصبة وموقعك الاستراتيجي منذ القديم وقد دلت آثارك العريقة على شأنك العظيم وشهدت بذلك عهود الآشوريين والفراعنة واليونانيين والفرس والرومان، وعشت أبهى زمن المعرفة حين أنجبت أبا العلاء العبقري الشاعر الحكيم الفيلسوف – رغم ما قيل فيه – في العهد العباسي وتنقلت في دروب الأمجاد رغم العواصف الهوج التي ضربتك حينا، وركزت علم الحرية عاليا بعد جهاد طويل مع الغاصب المحتل الفرنسي حتى جلا مهزوماً مخذولاً عام 1946م، ولم تعرفي بعد ذلك إلا حديث النصر والاستقلال والعزة والكرامة حتى هفا قلب العالم الشاعر الشيخ محمد الحامد الحموي ليبدأك سلام المحبة والغرام:
حييت يا أرض المعرة
فيك المسرة والمبرة
فما بالك اليوم غارقة في الحزن والألم بعد الفرح والنشوة بأنك تقومين بدورك الحقيقي في صناعة الحياة الحرة لشعب سوريا الأبي الذي رجالك من رجاله، أفإن انتفضوا وثاروا على الظلم والفئوية والاستبداد والاستعباد من قبل المستغل بعد المحتل وناصروا إخوانهم المظلومين المقهورين في جسر الشغور وقبل ذلك في جميع بؤر الاحتجاج العادلة المحقة في سوريا ضد القتلة المجرمين الهمجيين المتوحشين، ألأجل أحرارك الذين رفضوا وهم جنود وضباط في الجيش أن يصوبوا النار على إخوانهم وأهليهم وعشيرتهم بما فيهم الشيوخ والنساء والأطفال، ألأجل هذا الغرض الدنيء تلقين الجزاء المر من الترويع والتطويق والرمي والقذف بأطنان القنابل من الطائرات إمعانا في قتل الشرفاء الذين عجز الأوغاد عن مواجهتهم، وعجزت الحكمة عند من يدعون الإصلاح كذبا وزورا إلا أن يصبوا ويطلقوا طلقات الموت والجرح والهلع بدل إطلاق الحل المدني السلمي العاقل، أبالدبابات والمدرعات والطائرات تحل الأزمات، لك الله يا معرة النعمان من قوم لا يرعون في شعوبهم إلا ولا ذمة، لئن نزح وهرب الخائفون من ربوعك ليسلموا فهم معذورون ولكن يدك المقاومة كانت ولا تزال إن شاء الله هي الأقوى، لاشك أنك تتذكرين اليوم – والتاريخ يعيد نفسه – كيف كان القرامطة منذ ألف سنة قد هجموا عليك وعلى حماة وسلمية معك كما ذكر الحافظ بن كثير في البداية والنهاية لكنهم وجدوا مقاومة باسلة منك ومن أخواتك في الشام، وبرغم ما اقترفت أياديهم الأثيمة من سفك للدماء وسطو على الأموال ونهب للبيوت وحرق وهتك للأعراض إلا أن جولات الباطل باءت بالإخفاق وانتصرت عليهم وكان جزاؤهم بالقصاص وفاقا ثم رحلوا عن ديار الشام إلى غير رجعة وقتل يحيى بن زكرويه القريطي على أبواب دمشق وعوقب الآخرون في بغداد وتلك سنة الله في الظالمين ولن تجد لسنة الله تبديلا، فاصبري يا معرة النعمان يا قلعة الصمود اليوم وإن كل قطرة دم يريقها السفاكون السفاحون لهي الأنوار التي تنير الطريق للأحرار في الشام وأما أنت يا أبا العلاء يا من ولدت في هذه التربة المباركة ومت فيها، فكنت بصيرا مع أنك كفيف وكنت حرا مع أنك قليل الحركة إلا ما كان من سفرك إلى حلب وأنطاكية وبغداد إقامة لسنة الرحلة في طلب العلم، فيا رهين المحبوسين لم تكن مسجونا كما ظنوا فأنت بعقلك وفكرك في كل العالم، وإن يعترض معترض ويقل إن المعري كان معقدا وملحدا وغامضا في الحياة فإننا وإن وافقنا في بعض النقد لذلك إلا أن النظرة السريعة كما قال المحققون والنقاد العارفون لا تفي ولابد من دراسة مستفيضة بصيرة تميز بين مراحل حياة الرجل وإننا لنحسب أن نهايته كانت في نظراته الدينية والاجتماعية والفلسفية جد موفقة – والله أعلم – والذي يهمنا في هذه العجالة وأبو العلاء ثاو في قبره أن نشم الندى من فيضه الزاخر وجانبه الإيجابي الذي يعطي الضوء ويشعل الهمة في الأمة بعد وصف الداء وتشخيص الدواء، ولا ريب أن أبا العلاء جد حزين في قبره اليوم وهو لا يرى أي اعتبار للعلم والأدب والفلسفة والتراث وأي إكرام لمن حمل تلك المواهب وكما يقولون: (لأجل عين تكرم مرجعيون في الأمثال الشامية ولكن عند من)؟ عند أهل الأصل والمروءة واحترام الناس وكأني يا أبا العلاء وهو يرى بلدته تقصف اليوم بالجحيم والويلات يذكرنا بما رآه من فكر حر تجاه كل ظالم ومستبد ومنافق من الحكام بل ومثلهم من علماء السوء إذ يتحالف أهل السلطة السياسية مع أهل السلطة الدينية التابعة للدفاع عن المصالح والامتيازات واستغلال الناس باسم الدين والشريعة فيصوغون لأنفسهم القمع والإذلال والإرهاب، بحجج هي أوهى من خيط العنكبوت، ويجادل صاحبنا لذلك بالشرع والعقل وهو وإن غلب الثاني من باب أن العقل أصل الشرع كما قال ابن الجوزي في صيد الخاطر لكن الدين والخلق هما في الحقيقة الجانب السلوكي الذي يعتبر الجانب الجوهري الحقيقي للإنسان ولذا اشتدت حملته على المرائين من هؤلاء المخادعين وربما كان هذا ما جمح به على غير عادة البشر عموما أن يعتزل في بيته خاتم حياته أربعين عاما أو يزيد ليعتزل مثل هؤلاء الملوك والأمراء وعلماء النفاق ويكتفي بيسير الرزق بكل عصامية وإن العذر في الذي ذهب إليه من اعتباره أن السلطة ضرورية للبشر ولكن لابد أن تقوم على العدل وقد كان جريئا في ذلك غير رعديد:
إذا لم تقم بالعدل فينا حكومة
فإنا على تغييرها قدراء
وإذا فقد عمل على انتقاد ظلمة زمانه وكشف سوء سياستهم للرعية من باب الأمانة مع أنهم لو قورنوا بأهل زماننا من أمثالهم لكانوا عادلين ربما، وإن المعري إذ يعتبر أن أقوال وأفعال الساسة حساسة فإنه يسخر من ألقابهم التي لا يستحقونها إذ السياسة كما يقول ابن خلدون: حسن التدبير
يسوسون الأمور بغير عقل
فينفذ أمرهم ويقال ساسه!
ويستغرب كيف أنهم أجراء عند الأمة ولكنهم لا يقومون بوفاء عقد الإجارة سواء بالانتخاب أو التعيين بل يظلمون دون اكتراث:
ظلموا الرعية واستجازوا حقها
وعدوا مصالحها وهم أجراؤها
أجل إنه فضح الحكام وتناولهم لأنه عاش بينهم مظلوما في الغالب وتناول هوامير الغنى لأنه عاش فقيرا وقد حق له أن يشعر بهذه الآلام فهو الحسيب النسيب من أسرة مرموقة تنتمي إلى قبيلة "تنوخ" العربية ونسبها إلى يعرب بن قحطان وقد كان لهم دور كبير في حروب المسلمين ومنهم جنود الفتوحات وكذلك فهي أسرة علم وفقه نجده كان قاضي المعرة وولي قضاء حمص ووالد أحمد عبدالله كان شاعرا فحلا وأخوه كذلك. وقد ابتلي باليتم وهو ابن 14 عاماً بعد موت أبيه ثم ماتت أمه بعد ذلك وقد كف بصره وهو صغير ولكن هذا الرجل العبقري الحكيم جاء بكتب وتراث جعلته كما قال:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لآت بما لم تستطعه الأوائل
وقد بقيت آثاره موردا لا ينضب لشدة العلم والأدب والدرات النقدية، فضلا عن الإبداع بما في ذلك رسالة الغفران التي تأثر بها "دانتي" في ثلاثيته الشهيرة "الكوميديا الإلهية" ثم لزومياته في كهولته التي بلغت 13 ألف بيت شعر.
أما نقده للعلماء الذين يوالون الحكام الظلمة وهم طامعون في الدنيا فإنه لم يقصر في فضحهم وأنهم فتنة:
سبح وصل وطف بمكة زائرا
سبعين لا سبعا فلست بناسك
جهل الديانة من إذا عرضت له
أطماعه لم يلف بالمتماسك
أنى ينال أخو الديانة سؤددا
ومآرب الرجل الشريف خسائس
لكن الجوانب النفسية المشرقة إنما تأخذ نورها من مثل المعري في إيجابياته وهذا ما يدفعنا للقول إن حكامنا اليوم في سوريا لوحوا لبعض هذه الجوانب بل واحدا منها لما دخلوا المعرة مهاجمين قاتلين تاركين أبا العلاء باكيا في قبره، وما أشبه الليلة بالبارحة فأبو العلاء الذي لم يخرج من بيته آخر حياته، دعاه قومه ليشفع لهم عند أسد الدولة بن صالح بن مرداس صاحب حلب وكان قد خرج بالجيش إلى المعرة بين عامي 1026-1027م، ليخمد حركة عصيان حدثت هناك فخرج أبو العلاء متوكئاً على رجل من قومه فلما علم صالح بقدومه إليه أمر بوقف القتال وأحسن استقباله وسأله أن يسمعه سجع الحمام لا زئير الأسد فرضي بذلك ورحل عن المعرة فهذا هو الأسد حقا حقا لا الذي يقتل ويجرحهم ويشردهم عليه من الله ما يستحق أجل إن أبا العلاء حزين في قبره جدا لأنه لم يعد محترما في بلدة المعرة وهو المحترم في العالم أجمع وهو ما أشار إليه الجواهري الشاعر الكبير سادها المعري والمعرة:
قف بالمعرة وامسح خدها التربا
واستوح من طوق الدنيا بما وهبا
Khaled-hindawi@hotmail.com
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
132
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
159
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
96
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
819
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025